قبل نحو شهر عقدت صفقة تبادل أسرى بين النظام السوري وحكومة إسرائيل بوساطة روسية، مثيرةً الكثير من الشائعات والتكهنات خلال شباط/ فبراير الماضي، وقد خضعت السيدة التي استعادتها إسرائيل للمحاكمة بتهمة عبور الحدود خلافاً للقوانين الإسرائيلية.
وكانت هناك تكهنات بأن السيدة "التي لم يعلن الجانبان عن هويتها" عميلة إسرائيلية تسللت إلى سوريا في مهمة مخابراتية. لكن وكالة أسوشيتدبرس التي نقلت أخبار المحاكمة أكدت أن تفاصيل كثيرة تتصل بالسيدة وسبب وجودها في سوريا ومجريات محاكمتها لا تزال غامضة وتحت غطاء التعتيم التام من السلطات الإسرائيلية.
إلا أن الوكالة علمت أن السيدة التي عادت إلى إسرائيل عبر روسيا في الخامسة والعشرين من عمرها، وأنها تنتمي إلى طائفة متشددة من مستوطني "مودين إلييت" الواقعة في الضفة الغربية المحتلة. كما ان السيدة حاولت سابقاً التسلل إلى الأردن وقبل ذلك إلى قطاع غزة المحاصر، وقُبض عليها وأُعيدت إلى المستوطنة في المرات الثلاث.
كتاب "ثورة البنات" صدر في الولايات المتحدة مطلع 2021 وكشف أن حكاية هرب الفتيات من المجتمعات اليهودية المتشددة مسجلة منذ العام 1800
ليست الأولى
عندما بثت شبكة نتفلكس مسلسل Unorthodox في مثل هذا التوقيت من العام الماضي، لفت المسلسل الناجح أنظار العالم إلى ما تعانيه النساء داخل المجتمعات اليهودية الأرثوذكسية المنغلقة. إذ تدور أحداث المسلسل حول مراهقة يهودية في مجتمع متشدد مغلق، تتزوج وفقاً للشريعة اليهودية ولا تجد سبيلاً لعيش حياتها والتعرف إلى نفسها إلا بالهروب.
تتحفظ إسرائيل – المحكومة من حكومة يمينية تعتمد على المتشددين كقاعدة سياسية- عن نشر إحصاءات او دراسات تتصل بأوضاع النساء فى المستوطنات المتشددة كالتي تنتمي إليها بطلة صفقة تبادل الأسرى السورية- الإسرائيلية. إلا أن ناشطة سياسية نشأت في تلك المجتمعات المتشددة، كشفت لصحيفة نيويورك تايمز قبل عامين عما يحصل للنساء داخل تلك المجتمعات، التي يتحكم فيها رجال الدين المتشددون في جميع القرارات، بما فيها توجيه الناخبين إلى التصويت لصالح الرجال من دون النساء وتحريم ممارسة السياسة على النساء.
هذا الرصد السياسي سبقته مؤلفات وتقارير صحافية لم تتمكن من التواصل مع نساء من المجتمع الأرثوذكسي اليهودي في إسرائيل بسبب القيود الصارمة المفروضة على النساء في الدولة التي اختارت أن تكون "يهوديتها" هي الهوية الحاكمة. إلا أن تلك التقارير تواصلت مع نساء مجتمعات شبيهة يقمن في دول اكثر انفتاحاً لترصد تاريخاً طويلاً من قمع النساء باسم "الشريعة اليهودية" يدفع الكثير منهن إلى الفرار.
وسبق أن كشف تقرير نشره مكتب شبكة ABC الأمريكية في أستراليا التلاعب والابتزاز اللذين تتعرض لهما النساء في تلك المجتمعات من أجل نيل أبسط الحقوق، ومنها الطلاق المدني الذي لا يسمح به في إسرائيل لمن تزوجن داخل المؤسسة الأرثوذكسية المتشددة.
حاولت الهرب إلى غزة والأردن من قبل... هل كانت بطلة صفقة تبادل الأسرى السورية- الإسرائيلية جاسوسة؟ أم مجرد فتاة هاربة من قمع الحريديم
تاريخ ممتد من القمع والهروب
في الرابع من كانون الثاني/ يناير الماضي، نشرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل تقريراً بيّن أن وقائع هرب النساء اليهوديات من المستعمرات المتشددة، هو تاريخ ممتد، بعض وقائعه مسجلة منذ ما يزيد على مئتي عام.
يقدم التقرير عرضاً لكتاب صدر حديثاً في الولايات المتحدة بعنوان "ثورة البنات... الهاربات من المجتمع اليهودي في هابسبرج جاليشا" – بولندا الحالية- وهي منطقة كانت تضم واحدة من أكبر الجاليات اليهودية في أوروبا قبل الاجتياح النازي.
يرصد الكتاب هروب مئات الفتيات من المنتميات للمجتمعات اليهودية المتشددة، وكيف استمرت حركة هروب النساء في التنامي والاتساع مند بداية القرن التاسع عشر حتى عشية الحرب العالمية الاولى، أي لنحو قرن من الزمن.
ينفي الكتاب أفكاراً مسبقة ثبتتها روايات وأعمال فنية حول هروب الفتيات من المجتمعات الأرثوذكسية بدعوى خداعهن باسم الحب أو هرباً من عنف الآباء. يبرز الكتاب أن الهروب جاء بسبب القواعد المفروضة على النساء في تلك المجتمعات، والتي تحرمهن من التعليم – إلا إذا أجبرت قوانين الدولة الأسر على تعليم بناتها- حتى اضطرت تلك المجتمعات إلى إنشاء مدارس للفتيات للحد من حركة الهروب الواسعة، إلا أن الهروب استمرت مع استمرار قوانين داخلية أخرى كانت تدفعهن للبحث عن حياة أفضل خارج جدران الغيتو الذي تحول في إسرائيل إلى مستعمرات/ مستوطنات.
عودة إلى الجولان
بينما تتحفظ إسرائيل وأجهزتها الإعلامية عن كشف الصفقة التي انعقدت مع النظام السوري بوساطة روسية لاستعادة مواطنتها، مطلقة العنان للتكهنات التي وصلت إلى إعلان وسائل إعلام إسرائيلية عن أن حكومة نتنياهو دفعت نحو 1.2 مليون دولار ثمناً لجرعات من لقاح سبوتنيك V الروسي لصالح الحكومة السورية، تتحفظ كذلك عن الرد على الادعاءات التي اتهمتها بإرسال المرأة الهاربة للقيام بعمل عسكري داخل الأراضي السورية، تاركةً الباب مفتوحاً للبحث عن حقيقة فرار تلك السيدة المتكرر نحو أراض "عدوة"، ربما تظن أنها ستجد فيها مخرجاً من رعب أكبر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون