شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
لمَ يبدو لي الفَرج أشبه بمشهد تقطيعٍ دموي؟

لمَ يبدو لي الفَرج أشبه بمشهد تقطيعٍ دموي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 7 مارس 202102:31 م

في بداية مراهقتي، تنبّهت للمرة الأولى إلى أنني أعجز عن النظر إلى فرجي. لم يكن العائقُ نقصَ ليونةٍ مثلاً، ولا مشكلة في العينين. جلستُ مقابل المرآة الطويلة في غرفتي، باعدت بين رجليّ ورحت أحاول النظر وكأنني أسرقه. أنظر للحظةٍ ما بين شعر العانة ثم أرفع عينيّ لأجابههما في المرآة متسائلةً عن السبب الذي يجعل تحديقي إلى فرجي بهذه الصعوبة.

نفورٌ من اللون الزهري، من اللحم الحيّ، قلت في نفسي، وثابرت على المحاولة. من العانة إلى العينين، من العانة إلى العينين، طريقٌ لم تفضِ إلى الفرج بالطبع. سكّينٌ وقطع لحمٍ زهريةٍ هي الصورة التي تبادرت إلى ذهني. تذكّرت أنني لا أتناول اللحم وأنفر حتى من شكله على طبق التقطيع. أغلقت الصفحة بسروالي الداخلي وأكملت نهاري.

"لعنت الشعر والأعضاء والإناث والذكور"

وحين حاولت نتف شعر عانتي للمرة الأولى، خرجت إلى الشرفة رفقة أختي، جلست على أرضها ووضعت "السكّر" إلى جانبي. خلعتُ ثيابي من تحت، ورحت أمغط قطعة "السكر" ما بين يديّ كي أتمكّن من مدّها كما ينبغي. اخترت الشرفة مكاناً مناسباً لأن أرضيّتها مبلّطة، فيما أرضية غرفتي مفروشة بموكيت زهريّ سمج.

لم أهتمّ للحظةٍ حتى بإمكانية أن يراني أحد، لا سيما أن أقرب مبنى مواجهٍ للمبنى الذي أقطن فيه يبعد في الحقيقة عشرين متراً على الأقل. لكنني في أي حال لم أهتمّ، حتى جاء أبي من عمله ليجدني صحبة أختي على الشرفة محاطتين بالسكّر وذُهل باستهتارنا. كانت تلك المرة الثانية التي أتنبّه فيها إلى مشكلتي مع الفرج حين التصقت قطعة السكّر بعانتي وظللتُ لساعةٍ على الأقل أحاول إزالتها وأتألّم وألعن الساعة والشعر والأعضاء والإناث والذكور... ثمّ ما كلّ هذا الألم ولمَ عليّ الخضوع له أصلاً؟

وحين شاهدت أول فيلمٍ إباحيّ، تيقّنتُ أن ثمة ما يزعجني فعلياً بشكل العضو النسائي، ذلك أن كلّ مشهدٍ لفرج امرأة كان يجعلني أزيح نظري في اللحظة نفسها، ليس خجلاً قطّ، بل شيء ما يشبه حين نحيد بنظرنا عن مشهد دمويّ في فيلمٍ لترانتينو مثلاً.

ما الذي يجعلنا نشيح بنظرنا عن مشاهد تلك الأفلام ولمَ نسعى إلى مشاهدتها أصلاً؟ يؤكد الباحث ج. ن. مارتن أن انخفاض مستوى التعاطف لدى المشاهد يزيد من استمتاعه بهذا النوع من الأفلام، كما يؤكد أن النساء أكثر عرضةً للقلق والاشمئزاز جرّاء تلك المشاهد، من الرجال.

لكن، لمَ يبدو لي الفرج أشبه بمشهد تقطيعٍ دموي؟

لسيغموند فرويد نظرية في هذا الخصوص لم أكن قد اطّلعت عليها في مراهقتي، أَطلق عليها اسم "حسد القضيب"، أي إن فرويد اعتقد أن الإناث يحسدن الذكور لامتلاكهم قضيباً.

تزعجني كلمة "امتلاك" وأنا أكتبها في هذه اللحظات، وتشير في نظري إلى قصورٍ في اللغة واستخداماتها في هذا الصدد. قضيبُكَ جزء منك، وكذلك فرجي جزءٌ مني. ليس كلٌّ منهما شيئاً خارجاً عنّا نمتلكه، فالملكية تحيل إلى شيء منفصل عنّا، سوى عند مَن يرى القضيبِ نتوءاً مرئياً خارجاً عن الجسم، يؤدي بتره إلى مشهدٍ دموي ينتج عنه الفرج. ثم، كيف يمكن التعبير من خارج استخدام مصطلح الملكية؟ فمن يملك شيئاً يمكنه التصرّف به كما يشاء، وهو ما ليس ممكناً مع القضيب، فثمة حدود لما يستطيع المرء أن يفعل به، ثم إنه لا يمكن للذكر أن يبيع قضيبه كما تُباع ملكيّة ما وتُشترى!

"كلّ ذكورية فرويد، وإغفاله لدور الأم بعيداً عن كونها مصدر رغبة جنسية لجميع ذكور المنزل، وكلّ الثغرات العريضة في نظريّته، لم تغيّر شيئاً في حقيقة أنني لم أكن أقوى على النظر إلى عضوي، وقطع اللحم الزهرية وخشبة التقطيع هي التي كانت تخطر لي كلّما فعلت"

المُلكُ والمَلِكُ، والمرأة المَلَكُ والمَلْكُ كلّها اشتقاقات من الجذر نفسه، والمُلك يحيل إلى مالك الدراهم ومالك الثوب ومالك يوم الدين أي الله الذي هو مالك المُلك ومالك كلّ شيء بما في ذلك عباده، بحسب "لسان العرب".

"صورة دموية في مخيّلتي"

"كيف تسرّبت تلك الصورة الدموية إلى مخيّلتي في مراهقتي؟"، سؤالٌ تبدو لي الإجابة عنه مفتاحيةً للغاية في تعريفي لأنوثتي. ثم كيف يمكن لنظرية وضعها فرويد عام 1908 أن تظلّ قائمةً لنحو مئة عام في ظلّ التقدّم والتطوّر في العلم والأبحاث؟ لا بدّ أن ثمة تفسيراً آخر، أقرب إلى المنطق والعقل من "حسد القضيب".

حدث، إبّان مراهقتي أيضاً، أن تعرّفت إلى صديقةٍ قرّرت ذات يوم أن تخلع سروالها الداخلي أمامي. كانت تشرح لي أنها لا تتحمّل الجينز لوقتٍ طويل لأنه يجعلها غير قادرةٍ على تجاهل احتكاكه بعضوها. لم أفهم وقتها حتى فتحت رجليها وطلبت مني أن أنظر. كان لها شيءٌ خارجٌ عنها، يتدلّى منها وهي واقفة. مدوّرٌ في الأسفل كبندولٍ، له جلدةٌ كما الخصيتين، ويجعلها، هي أيضاً، غير قادرة على التغاضي عنه.

دُهشت يومها وأشحت بنظري أيضاً لكنني أُخذت بدايةً بالتباين بين فرجينا فظللت للحظاتٍ أنظر وأحاول أن أفهم الفرق جيّداً. لم أكن أعرف أن ثمة أشكالاً متباينة للأعضاء النسائية، ولا أن ثمة أبظر يبلغ طولها ستّة سنتيمترات مثلاً.

هل كانت صديقتي تلك لتصاب بحسد القضيب هي أيضاً بحسب فرويد؟ ليتني سألتها حينها! علمت بعدها بزمنٍ غير طويل أن فتياتٍ كثيراتٍ حول العالم يتعرّضن للختان، للبتر، فعاد مشهد التقطيع الدموي يساورني. لكن المفاجئ في نظري كان أنني، أنا غير المختونة، أهجس بالبتر، فيما كلّ الرجال "المطهّرة" أعضاؤهم حولي لا يهجسون بأي من هذا الكلام (علناً على الأقل)، لا سيما الأكبر سناً مثلاً والذين اعتُمد المقصّ لقصّ طرف قضبانهم وإزالة الجلدة منها.

"حكم علينا فرويد نحن النساء بالضعف، والنقصان، وبعدم الاكتمال، تماماً كما حكمت علينا قصّة الوجود بأن نكون فرعاً من أصل (آدم والضلع الذي منه جاءت حوّاء)"

في أي حال، حين ولدت ابني حرصت على ألّا أطهّره، خوفاً من أن يتسرّب ذاك المشهد بشكلٍ ما إلى مخيّلته النضرة. رغم تغيّر تقنيات التطهير لكن الفعل واحد. نعم، الفعل واحد، وهو ما زال يُمارَس على الأطفال الذكور في عالمنا اليوم، بنسب مرتفعة جداً، لكنها لا تؤدي في عيون "المفعول بهم" إلى أي ألواح تقطيعٍ خشبية أو ما شابه. ما السرّ إذن؟

في نظرية فرويد وأتباعه، يمرّ الطفل بمراحل نموّ تحتّم عليه أن يرغب في أحد والديه جنسياً، فإذا كان صبياً يرغب في أمّه فيما ترغب الفتاة في أبيها، فيتسلّل الإحساس بالذنب إلى نفسه. يعود مشهد التقطيع إلى الواجهة إذ يخاف الطفل الذكر مثلاً من أن ينتقم والده منه فيبتر له قضيبه. بترٌ دمويٌّ آخر يظهر في التحليل النفسي، شبيهٌ إلى حدّ كبيرٍ بالقصاص الإلهي الذي يتسرّب إلى ذهن الطفل حين يكذب، فيخاف مثلاً أن يدلّي له اللّه حبلاً يخنقه به.

أليس كلّ إثمٍ خاضعاً للعقاب؟ لكن ما الذي يُقطع/ يُبتر في حالة الفتاة، وما الذي يحدث إذا كان الطفل مُثلياً بغضّ النظر عن جنسه (فشل فرويد في ترويض تحليله النفسي لتطبيقه في حالات المثليّة)؟ ثمّ، وبكلّ سخافةٍ، ماذا لو كان والد الطفل متوفّى، هل سيعتقد الولد حينها أن أباه سيعود من موته لبتر عضوه مثلاً؟

أما الفتاة فتعتقد أن أمّها "أرسلتها إلى الدنيا ناقصةً" ومبتورةً فتغضب منها وتكرهها لأنها لم تمنحها قضيباً. كما أنّ مصالحتها مع أمّها تكون أقلّ اكتمالاً من مصالحة الولد مع أبيه وتماهيه به، علماً أن هذا التماهي يأتي كآلية دفاعية يعتمدها الطفل الذكر مثلاً كي يتقرّب إلى أبيه وكي يزيح أيّ شبهةٍ برغبةٍ جنسيةٍ لديه في أمّه (والعكس في حالة البنت التي تتقرّب إلى أمّها وتتماهى معها).

لكن في غياب القضيب، يقول فرويد، فإن الأنا العليا تتكوّن لدى الأنثى بشكلٍ أضعف منها لدى الذكر وتكون الأنثى بالتالي أقلّ استقلالاً بذاتها لأن الانفصال لديها أصعب كونها لم تتماهَ كلياً مع أمّها ولم تتخطَّ كلياً عقدة الذنب التي تكوّنت لديها.

حكم علينا فرويد نحن النساء بالضعف، والنقصان، وبعدم الاكتمال، تماماً كما حكمت علينا قصّة الوجود بأن نكون فرعاً من أصل (آدم والضلع الذي منه جاءت حوّاء).

"لا دخل لأوديب بعقدته"

في النهاية، اعتمد فرويد على عقدة أوديب التي استقاها بشكلٍ مركّبٍ من أسطورة أوديب الإغريقية ليُثبتَ نظريّته الخاصة بمرحلة النموّ المذكورة أعلاه والتي أطلق عليها اسم "المرحلة القضيبية". قصّة أوديب مركّبةٌ، لا تتمحور حول الأعضاء الذكرية فقط ولا حول الجنس، لكن فرويد بحث في المرويّات عن ابنٍ تزوّج أمّه فوجد أوديب الذي لم يكن يعرف أصلاً أن زوجته هي أمّه البيولوجيّة، وفقأ عينيه حين علم. لم ينجذب أوديب تجاه أمّه التي ربّته، كما أنه لم يكوّن مشاعر كراهية تجاه أبيه الذي ربّاه، لكنّه رغم ذلك اتُّهم بعقدةٍ لا دخل له بها.

كما اعتمد فرويد على حالة الصبيّ هانس (5 سنوات) الذي كان يهاب الأحصنة، في ردّ غير مباشر على تهديد أمّه له ببتر عضوه إذا ظلّ يُخرجه ويلعب به (بدأ اهتمام هانس بعضوه الذكري منذ عمر 3 سنوات)، فربط فرويد عضو الحصان الكبير بخوف هانس من أبيه (كون الأب هو صاحب العضو الأكبر في المنزل). إذن، الأم هي التي هدّدت بالقول جهارةً، لكن فرويد ربط حالة هانس بعقدة الإخصاء المتمثّلة بخوفه من أبيه ومن أن يقطع له هذا الأخير عضوه، وفي ذلك إضعافٌ بل إلغاءٌ لكلام الأمّ ولاحتمال أن "تفعل" بالطفل. كما يبدأ فرويد نصّ "تحليل حالة رهاب لدى طفلٍ في الخامسة" بسؤالٍ يطرحه الولد على أمّه: "ماما هل لديك عضو أنت أيضاً؟"، فتجيبه أمّه: "بالطبع".

الولد رأى حصاناً يموت أمامه في الشارع ونشأت لديه فوبيا من الأحصنة لاحقةً لتلك الحادثة، لكن رغم ذلك ربط فرويد خوف الطفل بعضو الحصان، وذلك لأن الأب وابنه كانا يلعبان بالأحصنة (كما تبيّن لاحقاً أن فرويد كان مقرّباً من عائلة هانس وأنه بنفسه أهدى الصبيَّ حصاناً لعبة لكنّه لم يذكر ذلك في الدراسة التي نشرها عن حالة هانس). والأكثر لفتاً للاهتمام هو أن أخت هانس انتحرت في ما بعد وأنها كانت تعاني سوء معاملةٍ شديدةٍ وتتعرّض لضربٍ مبرح من قِبَل أمّها، وأن هانس شهد كلّ ذلك أمام عينيه. لكن كلّ هذا لم يأخذ حيّزاً من تحليل حالة الصبيّ هانس في أوراق سيغموند الكونيّة.

لكن كلّ ذكورية فرويد، وإغفاله لدور الأم بعيداً عن كونها مصدر رغبة جنسية لجميع ذكور المنزل، وكلّ الثغرات العريضة في نظريّته، لم تغيّر شيئاً في حقيقة أنني لم أكن أقوى على النظر إلى عضوي، وقطع اللحم الزهرية وخشبة التقطيع هي التي كانت تخطر لي كلّما فعلت. فما الذي حدث؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image