يظهر في أبّهة اجتماعية فريدة من نوعها، يقف على ناصية شارع المعسكر الروماني، بمدينة الإسكندرية بمصر، يبيع حلوى "الفريسكا"، مخترقاً الحواجز النمطية والتقليد لهيئة البائع المتجول الاعتيادية، وبمظهره الأنيق، استطاع يوسف آدم أن يكون مصدر إعجاب وتقدير للمارة والزبائن.
منذ سنوات، وبعد رحلة من المعاناة في الحصول على عمل جيد، ككثير من غيره من الشباب المصري، خطط يوسف لأن يكون بائعاً متجولاً، لكن بمواصفات تختلف عن المظهر التقليدي الذي اعتاد الناس رؤيته في الشارع، وبدأ بتقديم منتجاته من الفريسكا بأسلوب يجعل الجميع يقبلون عليه دون أن يخافوا منه، وهنا نجحت فكرته، وتمكن من لفت أنظار الزبائن حوله بمظهره المنمّق، ليطلق عليه البعض "أشيك بائع فريسكا في مصر".
بمظهره الأنيق، استطاع يوسف آدم أن يكون مصدر إعجاب وتقدير للمارة والزبائن وهو يبيع حلوى الفريسكا في الطريق.
مهنة متوارثة
بدأت رحلة يوسف، البالغ اليوم من العمر إحدى وثلاثين عاماً، مع الفريسكا منذ طفولته، كما يقول في حوار مع رصيف22: "كان والدي يصنع هذا النوع من الحلوى في منزلنا، إذ اتجه لهذا المجال بعدما كبر بالعمر، وأصبح غير قادر على ممارسة أعمال ثقيلة. ثم علمني تصنيعها، وبدوري أحببت أن أشتغل بها على طريقتي الخاصة".
بعد وفاة والده، وتخرج يوسف من كلية الخدمة الاجتماعية، دون التمكن من إيجاد وظيفة تتناسب مع مجال دراسته، اتسع ثقل المسؤولية عليه وتراكمت الديون على عائلته المكونة من أم وثلاث أخوات: "لا يوجد عمل بشهادتي، ولو عرفت ذلك لما أكملت تعليمي، ولم يكن أمامي خيار الاستسلام والوقوف مكتوف الأيدي، وإنما كان عليّ أن أجد طريقاً يخرجني من المأزق".
قرّر الشاب في العام 2010، وكان حينها في بداية عشرينياته، مغادرة مدينته الإسكندرية إلى القاهرة، لبيع الفريسكا. أخذ يتجول داخل شوارع منطقة وسط البلد، حاملاً صندوقه الزجاجي الذي تنبعث منه أنغام الموسيقى الكلاسيكية، كخطوة أولى لخطف أنظار الزبائن نحوه.
تصوير رودينا كامل
العمل هناك لم يكن سهلاً، إذ لاحقته المشاكل كل يوم، وكثيراً ما طاردته الشرطة وقبضت عليه بتهمة التسوّل، وهو أمر شائع الحدوث في مصر بالنسبة للباعة الجوّالين غير الحاصلين على تراخيص للعمل، والذين لا زالوا بانتظار تنظيم أمورهم وفق قانون خاص بالباعة الجوالين، مطروح منذ أعوام ولم يبتّ به حتى الآن.
استمر يوسف بالعمل في القاهرة لعدة سنوات، محاولاً إيجاد أي عمل ملائم دون أن يحالفه الحظ بذلك. بعدها قرر العودة لمدينته الإسكندرية، لكن مع خجل كبير من مهنته، وخوف من تكرار احتجازه في أقسام الشرطة: "كنت كلما خرجت لبيع الفريسكا أرتدي قناعاً لأخبئ وجهي من الشرطة. في إحدى المرات التقى بي ضابط وسألني عن القناع، وحين أخبرته عن السبب، طمأنني قائلاً: 'أنا فخور بك. لا تخف فأنت تشرف أي شخص'. هنا شعرت بأن مدينتي مدّت لي يد الأمان وأزالت إحساس الخوف من داخلي".
وجد يوسف ترحيباً من مستخدمي مواقع التواصل، الذين عبّروا عن إعجابهم بحماسه وشخصيته، ثم أصبحوا بدورهم مسوّقين له عن طريق مشاركة قصته وصوره. بذلك استطاع أن يصنع لنفسه "ترند"، وكسب تعاطفاً وتقديراً كبيرين، من الشباب الذين يمرون بنفس الظروف ويواجهون أعباء اقتصادية مشابهة
"التسويق هو المفتاح"
في الإسكندرية لم يكن الوضع كذلك سهلاً. رغم أن بيع الفريسكا يمكن أن يكون مجزياً من الناحية المادية، لكنها مهنة تعتمد في نهاية المطاف على الأرباح الموسمية، خلال فصل الصيف بشكل خاص، حيث يعتاد بائعو الفريسكا التجوّل على شواطئ الإسكندرية، وبيع منتجهم للمارة والمصطافين. والإسكندرية هي المدينة التي انطلقت منها هذه الحلويات المصنوعة من عدة طبقات من البسكويت والمكسرات، والتي يبيعها عادة رجال يرتدون لباساً يشبه لباس الصيادين، ومكوناً من بنطال عريض وقطعة تغطي الظهر والصدر وقبعة، ويمشون في الطريق وهم ينادون "فريسكا فريسكا".
مع زواج يوسف، ووفاة ابنته الأولى بسبب حاجتها لغرفة حضانة لم يكن قادراً على تحمل تكلفتها، ثم ولادة طفلته فيروز، بدأ بالخطوة الثانية في الترويج لمهنته، مع التركيز على ارتداء زي مختلف تماماً، واستخدام منصات التواصل الاجتماعي للترويج لنفسه.
وجد يوسف ترحيباً كبيراً من مستخدمي مواقع التواصل، الذين عبّروا عن إعجابهم بحماسه وشخصيته المختلفة، ثم أصبحوا بدورهم مسوّقين له عن طريق مشاركة قصته وصوره. بذلك استطاع أن يصنع لنفسه "ترند" وفق تعبيره، وكسب تعاطفاً وتقديراً كبيرين، من الشباب الذين يمرون بنفس الظروف ويواجهون أعباء اقتصادية مشابهة.
تصوير رودينا كامل
قضى يوسف سنوات طويلة يبيع الفريسكا، وأعطته تلك الفترة الفرصة الكافية لفهم السوق وسياسة التعامل مع الزبائن، وبدراسته للتسويق مع حصوله على منحة دراسية، تعرّف على هذا المجال بشكل أوسع، وكوّن قاعدة معرفية جيدة حوله، وصاغ لنفسه أسلوباً فريداً لإظهار منتجاته بشكل جيد.
"كان احتفاظي لنفسي بمظهر خاص وغير اعتيادي وسيلة رئيسية لاستقطاب رواد مواقع التواصل والإعلاميين، الذين تحدثوا عن قصتي وقدموني للجمهور كنموذج للشاب المكافح"، يقول يوسف، ويشير إلى أن الطلّة التي خرج بها لممارسة عمله في الشارع لم تكن جديدة عليه، وإنما على الشارع نفسه، ويضيف: "بهذا ربما أحدثت انكماشاً للمخاوف التي تدور في أذهان الزبائن حول البائع المتجول غير منمّق الهيئة. ليست الابتسامة وحدها قادرة على جعل الزبائن يطلبون المنتج المعروض، وإنما لا بد أن يكونوا متقبلين لهيئة البائع نفسه".
تصوير: رودينا كامل
إضافة لذلك، اجتهد يوسف في الترويج لاسمه بين التجار وصنّاع الفريسكا، وبعد أن كان بائعاً متجولاً أصبح مورّداً للباعة الصغار: "يقبلون على شراء منتجاتي وهم على ثقة تامة بجودة المنتج ونظافته، وبالرغم من كوني مورّداً للحلوى، إلا أنني أحب أن أبيعها بنفسي".
يؤمن يوسف بعبارته المفضلة: "أهم من بيع المنتج تسويق المنتج نفسه"، لذلك يعتبر أن حرصه على التواجد عند إشارات المرور، بزيّه المختلف، وسيلة لتسويق منتجه، وجعل السائق داخل سيارته لا يغلق زجاج الباب في وجهه إن عرض عليه بضاعته، بل ينظر ليرى وجهاً مبتسماً وشاباً وسيماً يرتدي زياً نظيفاً ومنسقاً، هنا يأمن تماماً أن المنتج المعروض نظيف ويمكن الوثوق به.
أريد لابنتي، حين تبدأ بالذهاب للمدرسة، ألا تصادف والدها وهو يبيع عند إشارة المرور. لا أنصح أحداً بالعمل كبائع متجول، فالناس ينظرون لنا على أننا أقل قيمة وتقديراً، ويعاملوننا على هذا الأساس
تغيير الصورة النمطية
"أيوه أنا ببيع فريسكا وفخور بيها، وبعتبرها وش الخير ليا ولعيلتي"، يقول يوسف، مشيراً إلى تركيزه على تغيير المفهوم السائد عند الزبائن عن الباعة الجوّالين وأكل الشوارع، ليس فقط من خلال اهتمامه بمظهره، وإنما من السعي لتكون منتجاته نظيفة، ذات جودة عالية ومغلّفة بمهارة، وهو أمر تساعده زوجته على إنجازه في المنزل على أتمّ وجه.
تصوير رودينا كامل
وتتحدث مروة محمد، وهي إحدى زبونات يوسف، عن حلوى الفريسكا التي يبيعها، واصفة إياها بأنها "تتميز بالأمان لأنها تصنع منزلياً". وتقول السيدة، وهي ربة منزل، في حديثها لرصيف22: "شاهدت يوسف في شارع المعسكر الروماني، فلفتني مظهره وطريقة بيعه للحلوى. أفضّل الشراء منه تحديداً لأنه يغلف كل قطعة بشكل منفرد، بعكس معظم الباعة الآخرين الذين يضعونها في الصناديق الزجاجية دون تغليف. بذلك يمكنني شراءها لابنتي دون خوف".
تغيّر معدل الدخل اليومي ليوسف من بيع الفريسكا بعد أن اتسعت شهرته، كما حصل على وظيفة بمجال التسويق. وبالرغم من الأرباح التي يحصل عليها من بيع الحلوى، والتي يصفها بأنها "جيدة"، لكنه لا يتمنى أن يستمر في العمل كبائع متجول، ويحلم بأن يكون صاحب علامة تجارية مميزة في السوق المصري مستقبلاً: "أريد لابنتي، حين تبدأ بالذهاب للمدرسة، ألا تصادف والدها وهو يبيع عند إشارة المرور. لا أنصح أحداً بالعمل كبائع متجول، فالناس ينظرون لنا على أننا أقل قيمة وتقديراً، ويعاملوننا على هذا الأساس".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع