شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الحكم على إياد الغريب بالسجن… هل محكمة كوبلنز هي بداية معاقبة نظام الأسد؟

الحكم على إياد الغريب بالسجن… هل محكمة كوبلنز هي بداية معاقبة نظام الأسد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 25 فبراير 202101:01 م
Read in English:

Will the Koblenz Court Hold Syrian Regime Criminals Roaming in Europe Accountable?

أصدرت أمس، 24 شباط/فبراير 2021، المحكمة الإقليمية العليا بولاية راينلاند بفالز في مدينة كوبلنز الألمانية قرارها بحق المتهم إياد الغريب، عنصر المخابرات السورية السابق، بالسجن أربع سنوات ونصف. الغريب كان قد أوقف منذ شباط/فبراير 2019 ووجهت له تهمة التواطؤ وتسهيل ارتكاب جرائم تعذيب لأكثر من ثلاثين معتقلاً.

بدوره، رحّب المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية بهذا القرار في بيان واعتبره قراراً تاريخياً ونقطة مضيئة في تاريخ القضاء الألماني وتاريخ العدالة العالمية. إذ إنها المرة الأولى التي يصدر فيها هكذا قرار بحق مجرم ينتمي للمنظومة الأمنية لنظام الأسد وارتكب جريمته من خلال موقعه الوظيفي فيها.  

"إن الوجه المظلم من المحاكمة هو أن النظام السوري ما زال مستمراً".

وفي حديث لرصيف22 مع المحامي السوري أنور البني، رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، قال إنها "المرة الأولى التي يُحكم على  شخص لأنه ينتمي لنظام، وهذا النظام ما زال في السلطة. والحكم على إياد لم يأت لأنه شخص ارتكب جريمة في سوريا فحسب، ولكن لأنه جزء من آلة جهنمية ممنهجة تقتل الناس وتعذبهم  وتخفي جثثهم".

 وأضاف البني: "بالتالي الحكم يستهدف كل هذه الآلة، وهو إدانة لرأس الهرم وكل أعمدة هذا الهرم الذي يقوم بهذه الجرائم ضد الإنسانية. وطبعاً هذا الحكم الذي استهدف شخصاً كان فقط يسهّل ارتكاب الجرائم، يعطي إشارة كبيرة جداً إلى أن لا إفلات من العقاب حتى لمن يسهّل الجرائم وليس فقط للذي يرتكبها. هذه مسألة مهمة جداً بالنسبة لنا ولمستقبل العدالة في سوريا".

وبحسب مجلة  Zeit الألمانية، طالب محامو الغريب بالبراءة لموكلهم، زاعمين أن الغريب قد ارتكب ما ارتكبه وهو مجبر على تنفيذ أوامر رؤسائه. وإياد الغريب (44 عاماً) متهم بالمساعدة على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية إذ قام باعتقال ثلاثين شخصاً في خريف العام 2011 وأخذهم إلى "سجن التعذيب" المعروف بفرع الخطيب. وقد طالب المدعي العام الألماني، في جلسة  المحكمة التي أقيمت يوم 17 شباط/ فبراير الماضي، المحكمة بأن تكون عقوبة السجن لمدة 5 سنوات ونصف، وذلك بعد فصل محاكمة ضابط المخابرات السابق أنور رسلان عن محاكمة الغريب، نظراً لأن رسلان هو المتهم الأساسي بقضية سجن الخطيب، بسبب رتبته العالية.

أما الموسيقي السوري وسيم مقداد، وهو معتقل سابق في سجن الخطيب وقد أدلى بشهادته أمام المحكمة في كوبلنز، فقال لرصيف22 إن "أهمية هذه المحكمة تكمن بأنها الخطوة الأولى على طريق العدالة في سوريا، ومهما كان الحكم بحق المتهميْن (إياد الغريب وأنور رسلان) فإن طريق العدالة لن يتوقف قبل مثول بشار الأسد ومسؤوليه المقربين من العسكريين والمدنيين أمام المحاكم".

وبحسب مقداد، فقد أتاحت هذه المحاكمة الالتفاف على دور روسيا والصين الذي أعاق أي عمل قانوني في الأمم المتحدة ومجلس الأمن يختص بالاقتصاص من مجرمي الحرب في سوريا، بحكم امتلاكهما حق النقض (الفيتو).

أصدرت المحكمة الإقليمية العليا بولاية راينلاند بفالز في مدينة كوبلنز الألمانية قرارها بحق المتهم إياد الغريب، عنصر المخابرات السورية السابق، بالسجن أربع سنوات ونصف

المرافعة النهائية للنيابة العامة ولإياد الغريب

وقد طالب النائب العام الألماني في قراره النهائي المحكمة بسجن إياد الغريب خمس سنوات ونصف.

وفقاً لتحديث ECCHR عن وقائع المحكمة، فإن اليوم الـ60 من محاكمة فرع الخطيب في 17 شباط/ فبراير 2021 عقدت المحكمة جلسة ممثل النيابة العامة عن الربيع العربي، مشيراً هو وزميلته الى قسوة النظام السوري في قمع المعارضين حتى قبل العام 2011.

وقال ممثل النيابة العامة إن ألمانيا تقوم بهذه المحاكمة ضد جرائم ضد الإنسانية لمصلحة المجتمع الدولي الذي يجب أن لا يسمح ببقاء التعذيب بدون عقاب. ومحاكمة كوبلنز هي بداية معاقبة هذا الظلم، فجرائم القانون الدولي لا تتقادم. كما أبرزت المرافعة أن جميع أقوال الشاهدات والشاهدين المعتقلين سابقاً كانت صادقة تماماً.

 أما المرافعة النهائية لدفاع إياد الغريب فكانت في 18 شباط/فبراير 2021 إذ قال محامي دفاع الغريب إنه لولا أقوال موكله في تحريات السلطة الجنائية لما أمكن توجيه الاتهام لأنور رسلان على الإطلاق، بالإضافة إلى أنه يجب أخذ تصرفات الغريب بالاعتبار، فلقد انشق عن النظام وشعر بالتعاطف الكبير إزاء صور قيصر. وقد بدأ الغريب بالبكاء فيما استمر الدفاع بالمرافعة أمام لجنة القضاة، واستند بشكل أساسي على ما يسمى بـ "الاضطرار لتنفيذ الأوامر" وزعم أن المتهم لم يكن لديه أي خيار غير اتباع أوامر رؤسائه.

 الأدلة المستند إليها 

المحامي باتريك كروكر من المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ECCHR،  وممثل الضحايا في المحكمة، صرّح لرصيف22  في 9 شباط/فبراير أثناء مؤتمر صحافي عقدته المنظمة، بأن المحكمة سوف تستند إلى ثلاثة أنواع من الأدلة من أجل إصدار حكمها:

النوع الأول من الأدلة هو شهادات الناجين والناجيات من التعذيب في سجن الخطيب والذين قدموا دلائل قوية على أنماط التعذيب الممنهج، وبعدها على المسؤولية الفردية عن هذه الجرائم للمتهمين.

وقد أكد كروكر أنه من المهم معرفة السياق العام للانتهاكات من أجل التاريخ ومن أجل أن تشكل هذه المحكمة سابقة قانونية تستخدم لمحاكمة أنور رسلان وغيره لاحقاً.

وتابع: "أما النوع الثاني من الأدلة فيتمحور حول شهادة الشهود الخبراء ومنهم محامو شركائنا في المركز كأنور البني ومازن درويش ورياض سيف والصحافي كريستوف رويتر من دير شبيغل".   

أما الدليل الثالث فهو صور قيصر التي تشكل دليلاً قوياً على التعذيب والموت وهي تتقاطع مع شهادات الشهود عن وسائل التعذيب المعتمدة.

وكان الغريب قد قدّم شهادته كشاهد، وهي تؤخذ كالدليل الأساسي ضده في التهمة الموجهة له، بالإضافة لشاهدين قد تعرفا عليه وبطاقة الهوية التي وجدت معه.

"الحكم هو إدانة لرأس الهرم وكل أعمدته التي يقوم بهذه الجرائم ضد الإنسانية. وطبعاً هذا الحكم الذي استهدف شخصاً كان فقط يسهّل ارتكاب الجرائم، يعطي إشارة كبيرة جداً إلى أن لا إفلات من العقاب حتى لمن يسهّل الجرائم وليس فقط للذي يرتكبه"

فتح باب المحاكمات

إن إصدار الحكم على أياد الغريب يعتبر سابقة قانونية. إذ هي الأولى من نوعها في العالم، وستفتح الباب أمام محاكمات إضافية للكثير من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم التعذيب في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية. كما أنها مؤشر مهم لكل المرتكبين والأنظمة حول العالم إلى أن هناك طريقاً للعدالة وأنه سوف تتم محاكمتهم حتى خارج بلدانهم بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمي.

أما الأهم حالياً، وهو الحكم على أياد الغريب، فيعطينا مؤشراً إلى مدة الحكم المتوقع على أنور رسلان الذي تستأنف جلسات محاكمته  في العاشر من آذار /مارس المقبل، إذ سيتم الاستماع لشهود إضافيين وجمع أدلة جديدة.

لذلك يقول أندرياس شولتز أحد محاميي الضحايا في قضية  أنور رسلان لرصيف22 إنه من خلال الحكم على الغريب، يتوقع أن تحكم المحكمة على أنور رسلان بعشر سنوات حداً أدنى.

عن محاميي أنور رسلان الذين يطالبون بتبرئته، يقول المحامي شولتز: "هذا ضرب من الخيال" إذ يُذّكر بمبدأ التناسب بالأحكام، وبحسب هذا المبدأ من المستحيل أن يتم الحكم على رسلان بأقل من عشر سنوات كحد أدنى. فهناك تناسب في الحكم بين من ساعد وتواطأ في 30 قضية وحُكمَ عليه بأربع سنوات ونصف، وبين من هو أعلى رتبة بكثير ومتهم مباشرة بأربعة آلاف حالة تعذيب و58 حالة قتل وعنف جنسي .

"إن فكرة ألمانيا النيرة بتوخي العدالة وتصميم قانون الجرائم ضد الانسانية تُشكّل، من حيث لم تتقصّد المحكمة ولا المشرعون، خطراً مستقبلياً من تخوّف العنصر الذي يفكر بالانشقاق بأنه سيحاكم  في حال ترك سوريا أو سقط النظام"

"النظام ما زال موجوداً"

ختاماً، يُِذكّر شولتز بأن قانون الجرائم ضد الإنسانية قد وُضع وفي النية محاسبة الدول التي سقطت والدول المارقة. فإذا سقط نظام ما، يقوم النظام الذي يليه أو دولة من المجتمع الدولي بمحاسبته. لكن محكمة نورنبرغ عام 1946 فتحت الباب أيضاً لاتهام الأفراد بجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبت أثناء نظام الحكم النازي الذي سقط. في حالة سوريا، النظام ما زال موجوداً ويبدو أنه يربح الحرب برأي شولتز. لذا يرى شولتز أن  محاكمة الأفراد ضمن إطار هذا القانون ستسمح للأنظمة بالتنصل والزعم أنها انتهاكات يقوم بها أفراد وهي ليست ممنهجة وليس للنظام علاقة بها. 

يؤكد شولتز لرصيف22 أن لاستخدام قانون الجرائم ضد الانسانية وجهيْن: الوجه الأبيض من العملة هو أن الجرائم ضد الإنسانية من الممكن أن تتم المحاسبة عليها في أي مكان في العالم. 

أما الوجه المظلم، فهو في حالة النظام السوري الذي ما زال مستمراً، والرسالة التي تصل من المحاكمة هي "لا تنشقوا عن النظام، لأنكم إذا فعلتم ذلك فستحاكمون في ألمانيا أو بلدان أوروبية أخرى". 

برأي شولتز، ما حصل في هذه المحاكمة الأولى قد يخيف الكثيرين ويدفعهم الى العزوف عن الانشقاق عن النظام والتعاون مستقبلاً. لذلك فالمحامي الألماني يرى أن فكرة ألمانيا النيرة بتوخي العدالة وتصميم قانون الجرائم ضد الانسانية تُشكّل، من حيث لم تتقصّد المحكمة ولا المشرعون، خطراً مستقبلياً من تخوّف العنصر الذي يفكر بالانشقاق بأنه سيحاكم  في حال ترك سوريا أو سقط النظام. فإذا انشق وتعاون مع المحكمة، فسيُسجن، وبعدها يفقد صفة اللاجىء وقد يٍُرحّل إلى سوريا، مشيراً إلى أن هذا من شأنه دفع عناصر النظام لعدم الانشقاق أو التعاون في المستقبل. ولذلك، من وجهة نظر شولتز، من الأجدى في هذه القضايا إصدار أحكام أعلى وأطول، تكون رادعة للمرتكبين. على سبيل المثال، 15 سنة لإياد الغريب الذي تواطأ في التعذيب والقتل، وحكم بالسجن المؤبد لأنور رسلان تحت ظرف مشدد للعقوبة، وبغير ذلك، لن يكون للعقوبة تأثير رادع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image