بعد أيام من الجدل والتكذيب، أقرّت السلطات الإيرانية، في 21 شباط/ فبراير بوفاة السجين الإيراني الشاب بهنام محجوبي. أيام بقي خلالها جثمان الشاب "المقتول"، حسب ناشطين مدنيين، رهينة لدى السلطات الإيرانية في محاولة للتعتيم على الإهمال الطبي المتعمد الذي أودى إلى وفاته.
ففي بيان لها، أوضحت دائرة السجون في إيران أن محجوبي (مواليد 1987) المحكوم عليه بالسجن لمدة سنتين لانتمائه إلى جماعة دراويش قنابادي، توفي إثر تعرضه لتسمم بأدوية تناولها بمفرده، على الرغم من تقديم الرعاية الطبية له.
لكنّ والدة محجوبي بتول حسيني أعلنت عبر تسجيل فيديو أنها ترفض دفن ابنها قبل تقرير طب شرعي محايد، لا سيما بعد أنّ مُنعت مراراً من رؤيته في المستشفى، داعمةً بذلك الرواية التي نقلها الناشط المدني إبراهيم الله بخشي ومفادها أن تعليمات السلطات أجبرت إدارة المستشفى على إبقاء جثة الشاب لمدة ثمانية أيام تحت أجهزة التنفس، لادّعاء تقديم رعاية طبية له.
وعلّقت مؤسسة توانا الإيرانية المعنية بشؤون المجتمع المدني بأن الجمهورية الإسلامية لا ترحم حتى جثث مَن يعارضونها عقائدياً.
بهنام الذي رأى أفول الإنسانية
اعتُقل بهنام محجوبي إثر احتجاجات دراويش قنابادي مطلع عام 2018، وحُكم عليه بالسجن لمدة سنتين بتهمة "التجمع والتواطؤ ضد الأمن القومي". نُقل إلى سجن إيفين في حزيران/ يونيو 2020، على الرغم من وجود تقارير طبية تؤكد عدم قدرته على تنفيذ مدة الحكم بسبب إصابته بمرض اضطرابات الهلع النفسي.
قضى الشاب الأشهر الماضية بين زنزانته في إيفين ومستشفى أمين آباد للأمراض العقلية في طهران، المتعاون مع الأجهزة الأمنية والسلطة القضائية، وازدادت حالته سوءاً حسب وصف العائلة، فالأوضاع في المسشتفى كانت أسوأ من السجن، حسب تسجيل صوتي لبهنام نقله ناشطون مدنيون.
يقول بهنام محجوبي في التسجيل: "وضعوني على السرير على شكل صليب، وحقنوني بالإبر، ومارسوا عليّ أفعالاً غير أخلاقية أخجل من وصفها، أقلّها كان التبول فوقي. قالوا لنا يجب أن تستحمّوا وأجبرونا على التعرّي وبدأوا بالسخرية منّا. قاومت، ولكنّي شاهدت ما حدث، لقد رأيت أفول الإنسانية هنا".
وعلى الرغم من نشر صالحة حسيني، زوجة محجوبي، نداءً تطالب فيه السلطات بإنقاذ زوجها من مأساته في مستشفى الأمراض العقلية، ولا سيما بعد تعرّضه مراراً لشلل نصفي مؤقت نتيجة الأدوية التي كان يُحقن بها، إلا أن السلطات لم تحرّك ساكناً، واستمرت بنقله بين المسشتفى وسجن إيفين إلى أن تعرض في 13 شباط/ فبراير الماضي لحالة تسمم بالأدوية أودت بحياته.
مَن هم دراويش قنابادي؟
تُعتبر طريقة التصوف القنابادية، نسبة إلى منطقة قناباد، شرق إيران، من أشهر طرق التصوف الشيعية المعاصرة، وهي وريثة طريقة التصوف النعمة اللهية التي يعود تأسيسها إلى السيد نور الدين شاه نعمة الله ولي، المعروف بالعلوي الحلبي الكرماني، والمولود في حلب سنة 1331م. حلب، والمتوفي في كرمان سنة 1431.
كان نعمة الله ولي، حسب بعض المصادر، من أب سوري وأم إيرانية، وتتلمذ على يد عدد من الصوفيين في عصره أشهرهم الشيخ عبد الله يافعي، ويتوارث أحفاده حتى اليوم مشيخة طريقته الصوفية. وانتقلت هذه السلسلة المتصوفة إلى الهند لسنوات ثم عاد قسم منها إلى إيران في العهد القاجاري.
"وضعوني على السرير على شكل صليب، وحقنوني بالإبر، ومارسوا عليّ أفعالاً غير أخلاقية أخجل من وصفها، أقلها كان التبول فوقي....أجبرونا على التعرّي وبدأوا بالسخرية منا. قاومت، ولكنّي شاهدت ما حدث، لقد رأيت أفول الإنسانية هنا"
يذكر الباحث جواد نور بخش في كتابه "حياة وآثار شاه نعمة الله ولي" أن أبرز ما يميّز طريقة التصوف النعمة اللهية هو مسألة التوحيد التي دعا إليها مؤسس الطريقة، إذ شبّه الوجود بالبحر واعتبر أن كل ما يبدو للناظر من مظاهر مختلفة كالأمواج والفقاعات ليست إلا مظهراً لحقيقة واحدة هي الماء، متقاطعاً في ذلك مع الكثير من مقولات وحدة الوجود في العرفان الإسلامي.
ويشير إلى أن الولي رفض اعتزال المجتمع ومَنَعَ مريديه من الزهد في الحياة داعياً إياهم إلى العمل وعدم التمسك بمظاهر الصوفية الدارجة حينذاك كارتداء الملابس الممزقة، كما تميّز بدعوته إلى الفرح والنشاط في الحياة مرحباً بكل أتباعه من مختلف العقائد، فالتصوف عنده لا ينحصر بديانة ما، وكل إنسان موحّد يمكنه تعلم أصول المحبة.
عبر القرون الماضية، استمرت الطريقة في الانتشار في إيران، واعتبرها كثيرون من الباحثين الطريقة الصوفية الأقوى لدى الشيعة، وتوارث مشيختها أبناء مؤسسها، إلى أن تشعّبوا إلى ثلاث فرق في القرن التاسع عشر، إحداها القنابادية (شيخها سلطان علي شاهي) التي لقيت رواجاً أكثر وكانت أقرب إلى أهل الشريعة ونقلت مراكز تجمع أتباعها من الخانقاه إلى الحسينية.
فصول من العداء بين النظام والدراويش
لا يرى دراويش الطريقة القنابادية اختلافاً بينهم وبين أتباع المذهب الشيعي، بل يعتقدون أن طريقتهم قائمة على العشق عوضاً عن الفقه، فالعشق عندهم انعكاس لمنهجهم حول الإنسان والعالم المبني على الحب والتسامح والسلام، وعلى الرغم من أنهم يرفضون خلط عقائدهم بالسياسية، إلا أنهم لا يمانعون من انخراط الدراويش في العمل السياسي.
أبرز ما يميّز طريقة التصوف النعمة اللهية (ومنها القنابادية) هو مسألة التوحيد التي دعا إليها مؤسس الطريقة، إذ شبّه الوجود بالبحر واعتبر أن كل ما يبدو للناظر من مظاهر مختلفة كالأمواج والفقاعات ليست إلا مظهراً لحقيقة واحدة هي الماء
وهذا ما تعكسه الحياة السياسية لنور علي تابنده (1927 - 2019) الملقّب بمجذوب عليشاه، قطب الدروريشية القنابادية لمدة 25 عاماً، فقد كان ناشطاً سياسياً في جميعة الدفاع عن الحرية وسيادة الشعب الإيراني قبل الثورة الإسلامية، وله مواقف بارزة في دعم مهدي كروبي أيام الحركة الخضراء عام 2009.
على الرغم من أن المادة 23 من الدستور الإيراني تنص على "منع التفتيش العقائدي وعدم محاسبة أي شخص لمجرد إيمانه بعقيدة ما"، إلا أن السلطات الإيرانية تلاحق بتهم مزيفة كل مَن يخالفها عقائداً دينياً وسياساً، حتى شركائها في المذهب إذا ما اختاروا طريق التصوف.
عداء النظام الإيراني للدراويش القناباديين يمكن أن يكون انعكاساً طبيعياً للخلاف التاريخي بين التصوف والفقه، والذي تجلى بشكل واضح بعد انتصار الثورة الإسلامية وتقلدها السلطة في إيران وفق نظرية الولي الفقيه.
وجّه كثيرون من رجال دين في الجمهورية الإسلامية عبر منابرهم اتهامات عديدة لدراويش القنابادي أهمها حرف الشباب عن مسار الثورة والدين الصحيح، ومارس هؤلاء ضغوطاً عديدة لمنع الدراويش من ممارسة نشاطهم، أفضت إلى هدم حسينية الدراويش في مدينة قم عام 2006، في حادثة سجّلت أول شكل للاشتباك الميداني بين قوات الأمن وبين مئات الدراويش الذين حاولوا منع الحفارات من الهدم، وكانت نتيجتها تعرّضهم للضرب والتنكيل واعتقال أكثر من ألف منهم.
الأمر نفسه تكرر أثناء هدم حسينية الدراويش في مدينة بروجرد غرب إيران، عام 2007، وحسينية ومكتبة الدراويش في أصفهان عام 2009.
بعد مطارات وملاحقات متعمدة لدراويش القنابادي أرسلت هذه الجماعة، في حزيران/ يونيو 2010، رسالة اعتراض إلى المرشد الإيراني علي خامنئي تنتقد فيها القمع الممنهج لأبنائها، إلا أن الاعتقالات استمرت خلال السنوات العشر الماضية بتهمة إقامة مراسم أو تجمعات، كان آخرها احتجاجات مطلع عام 2018 التي أسفرت عن اشتباكات بين قوات الأمن والدراويش الذي تجمعوا أمام بيت قطب الطريقة، وانتهت بمقتل عدد من المتظاهرين وعدد من قوات الأمن، واعتقال المئات ومحاكمتهم بتهمة التواطؤ ضد النظام.
كما فرضت السلطات الإيرانية بعد هذه الاحتجاجات الإقامة الجبرية على قطب الطريقة نور علي تابنده الذي أضرب مدة عن الطعام إلى أن توفي بعد سنتين عن عمر يناهز 92 عاماً، مولياً في وصيته قطب الطريقة بعده للدرويش علي رضا جذبي.
بعيداً عن معركة الفقه والتصوف، يبني النظام الإيراني عداءه لمواطنيه على أساس الطاعة والانصياع فمَن يمتلك رؤية أخرى خاصة تختلف عن رؤيته في أي مجال يصير عدوه، والمقياس هنا ليس الاعتقاد الديني فحسب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع