ما زالت السير الذاتية للفنانين العرب مادة ثرية لعدد من المؤلفين، ويعتبرها صنّاع الدراما وسيلة مضمونة للنجاح، تأتي من اسم الفنان الذي يقدم العملُ الدرامي سيرتَه وتاريخه.
ورغم أن بعض هذه الأعمال التي أنتجت في بلدان عربية مختلفة لم تحقق النجاح المأمول منها، إلا أن تقديم سير جديدة للفنانين بقالب درامي ما زال قائماً. فما هي شروط تقديم هذه الأعمال لتخرج بشكل ناجح؟ وما الذي يجعلها تتعرض لانتقادات واسعة؟
منى زكي وفخ السندريلا
عام 2006، قدمت الفنانة المصرية منى زكي سيرة الفنانة سعاد حسني في مسلسل السندريلا الذي أخرجه سمير سيف. تعرض المسلسل لانتقادات كثيرة، إذ رأى عدد من الفنانين وصناع الدراما أنه لم يتطرق لمراحل هامة في حياة سعاد حسني.
المسلسل كتبه السيناريست ممدوح الليثي إلى جانب عاطف بشاي، وقد أعلن الأول إن منى زكي تسببت بفشل العمل، عندما لجأت للمؤلف تامر حبيب ليقدم شخصية صلاح جاهين، وقال أيضاً إن الفنان مدحت صالح، الذي جسد دور عبد الحليم حافظ، كان سبباً في انتقاد العمل. كما تقدم عاطف بشاي بشكوى ضد المخرج لنقابة المهن التمثيلية متهماً إياه بتشويه السيناريو.
وفي لقاء متلفز ضمن برنامج "البيوت أسرار" عام 2006، مع نقاد وكتاب سيناريو وبعض أفراد عائلتي سعاد حسني وعبد الحليم حافظ، وُجهت انتقادات لمنى زكي وصناع العمل، نتيجة لإغفال بعض الأمور الأكثر أهمية من حياة وشخصية سعاد. إلى جانب ذلك، صرح عدد من النقاد بأن المسلسل لم ينجح بتجسيد سيرة سعاد كما كان يأمل الجمهور، ووقع في أخطاء تاريخية وفنية عديدة.
وضمن هذا السياق، التقينا الممثل محمود الشبراوي، الذي قال في حديثه لرصيف22: "كنا ننتظر أن يعرض المسلسل أسراراً لا نعرفها، لكنه أغفل مراحل هامة من حياة السندريلا. إضافة لذلك، يصعب على الجمهور العربي أن يقبل بوجه آخر يجسد سعاد، فلها روح خاصة جداً".
الممثلة المصرية فاطمة محمد علي تحدثت لرصيف22عن أداء منى زكي لدور سعاد حسني، وقالت إنها أحبت الممثلة ووجدت أنها قدمته بطريقة جيدة، ورفضت أن يتم التعامل مع فنانين بعينهم كأنهم آلهة لن يتكرروا، "فمن الممكن أن تتكرر سعاد وتظهر من هي موهوبة مثلها وأكثر".
ما هي شروط تقديم هذه الأعمال لتخرج بشكل ناجح؟ وما الذي يجعلها تتعرض لانتقادات واسعة؟
ومن جانبه، قال المخرج والممثل عمرو قابيل لرصيف22: "لم تكن منى زكي هي السبب في عدم نجاح مسلسل السندريلا، وإنما ضعف السيناريو. قد يكون الممثل قوياً في أدائه لكن السيناريو لا يخدمه".
صابرين وكوكب الشرق
قدم قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصري عام 1999 مسلسلاً عن السيرة الذاتية لكوكب الشرق أم كلثوم، أخرجته إنعام محمد علي وجسدت شخصية المغنية الشهيرة الفنانة صابرين. عرض المسلسل في شهر رمضان وحقق نسب مشاهدة عالية، كما حصدت صابرين الإعجاب واعتزلت بعد عامين خوفاً على النجاح الذي حققته، ورأى بعض النقاد أن الإنتاج هو السبب الأول في نجاح العمل.
تحدثنا لعدد من الفنانين والنقاد حول المسلسل. برأي الناقد السينمائي محمود عبد الشكور، فإن المسلسل من أفضل أعمال السير الذاتية من حيث أداء الممثلين، إذ توافر فيه عدد كبير من العناصر اللازمة لتحقيق النجاح، لكنه يضيف: "المسلسل مع ذلك لم يقدم نقاط ضعف شخصية أم كلثوم، فظهرت للجمهور مثل ملاك".
كما تحدث الممثل محمود الشبراوي بالقول: "من الطبيعي تجسيد شخصية أم كلثوم في عمل درامي، فهناك تاريخ كبير لها وفضول من الجمهور ليعرف تفاصيل كفاحها حتى وصلت لأعلى قمة الهرم الغنائي. وأداء صابرين جاء موفقاً، لكني شخصياً لم أحبها رغم نجاحها، لأنها كانت جامدة وجادة في الأداء كما يتطلب منها العمل، بينما اعتدت أن أرى صابرين بخفة دمها واستعراضاتها".
وفي حديثه لرصيف22، وصف المؤلف المسرحي السيد فهيم مسلسل أم كلثوم بأنه "ظاهرة استثنائية بكل الجوانب، فالكاتب محفوظ عبد الرحمن مخضرم وذو خبرة كبيرة في دراما السير والتاريخ، ويسبق كتاباته المتأنية والدقيقة بدراسات وبحوث قد تستغرق سنوات، وقدم سيناريو محكماً ودراما شيقة غنية بالتفاصيل والشخصيات المؤثرة في الحركة الفنية آنذاك. كذلك ساهم إخراج إنعام محمد علي بنجاح المسلسل، فمعروف عنها اهتمامها بالتفاصيل، وأعتقد أنها قدمت شخصيات على الشاشة من لحم ودم".
كما تحدثت الناقدة الدكتورة نجلاء نصير لرصيف22 عن أداء صابرين، قائلة: "استطاعت رسم البناء الخارجي للشخصية ولم تحاول تقليدها، وكانت لها كاريزما عالية. برأيي مسلسل أم كلثوم من أكثر مسلسلات سير الفنانين نجاحاً".
رحلة كارول مع الشحرورة
في عام 2011 قدمت الفنانة اللبنانية كارول سماحة السيرة الذاتية للفنانة صباح، والمسلسل كتبه فداء الشندويلي وأخرجه أحمد شفيق وشارك به عدد من النجوم.
لم يسلم المسلسل من الانتقادات، رغم الحديث عن نسب مشاهدات عالية له حين عرضه، فاعترض بعض الفنانين، بمن فيهم الشحرورة نفسها، على العمل ومستواه والعديد من الأمور المذكورة ضمنه، وعلى أمانته بنقل تفاصيل حياة صباح.
المؤلف المسرحي السيد فهيم تحدث لرصيف22 عن فتور الأداء في مسلسلات السير الذاتية، ومن بينها مسلسل الشحرورة، وقال: "السبب في خروج هذه الأعمال بهذا التواضع، هو البحث عن السمات الخارجية الظاهرية، وتقليد الشخصية وليس تجسيدها، ما يجعل الجمهور يقارن بين الشخصية الرئيسية وبين ما يراه على الشاشة، كما أن بعض التفاصيل التي تقدم في عشرات الحلقات لا تعني للمشاهد شيئاً، فقد يسهب المؤلف والمخرج بذكر تفاصيل خاصة بعائلة الفنان وجيرانه وأصدقائه، ويمل المشاهد فهو لا يهتم إلا بتفاصيل حياة الفنان".
تجربة العندليب
جسد أكثر من فنان شخصية العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ على الشاشة، ورغم النجاح الذي حققه أحمد زكي في السينما، لم يحظ الفنان الشاب شادي شامل بالنجاح ذاته في مسلسل "العندليب: حكاية شعب" الذي عرض عام 2006، وتعرض لانتقادات، أبرزها اتهام مؤلفه، مدحت العدل، للممثل بعدم امتلاك الخبرة الكافية لتجسيد شخصية كهذه، وتصريح الناقد طارق الشناوي بأن شامل لم "يستطع تقمص الشخصية بل قلّدها".
ويتحدث المؤلف السيد فهيم عن ذلك بالقول: "كل ما حدث مع مسلسل العندليب وما سبقه من مسابقة لاختيار وجه جديد لأداء الشخصية ثم الدعاية الهائلة، قابله عدم إحراز النجاح المتوقع، وبرأيي فإن ذلك حكم على الممثل الشاب شادي شامل بنهاية مشواره الفني قبل أن يبدأ".
تتفق الناقدة نجلاء نصير معه، وتقول لرصيف22: "لم تكن لدى شامل كاريزما عبد الحليم رغم محاولات تقريب الماكيير لملامحه من ملامح العندليب. كان الأداء نمطياً بعيداً كل البعد عن شخصية حليم التي نشاهدها على الشاشة. على النقيض، استطاع أحمد زكي تجسيد دور حليم بجدارة لما يملكه من كاريزما".
لابد من جرأة في تناول حياة الشخصية بما لها وما عليها، فالبشر ليسوا ملائكة. وتحتاج هذه المسلسلات لقوة في الإنتاج والإنفاق وإلا فقد العمل مصداقيته. كما يجب أن يكون الممثلون على أعلى مستوى ومناسبين تماماً للشخصيات شكلاً وموضوعاً، ويديرهم مخرج مثقف وفاهم
سلاف وأسمهان
عام 2008 قدمت الدراما مسلسل "أسمهان"، وجسدت فيه الفنانة السورية سلاف فواخرجي شخصية المطربة الراحلة، وأخرجه التونسي شوقي الماجري. حظي المسلسل حين عرضه بشهر رمضان على نسب مشاهدات عالية، وكانت للنقاد آراء متنوعة حوله، فأثنى عديدون على أداء الممثلين فيه، وعلى طريقة تناوله للحقبة الزمنية التي عاشت ضمنها الفنانة، وأشادت الناقدة ماجدة خير الله بكاتبَي السيناريو، السوري نبيل المالح والمصري بسيوني عثمان.
وفي لقاءات لرصيف22 مع فنانين وكتاب، تنوعت الآراء حول مسلسل أسمهان أيضاً. قالت الفنانة فاطمة محمد علي: "سلاف فواخرجي لم تجد تقديم شخصية أسمهان، فليس كل فنانة لها نفس لون عينيها يمكن أن تقوم بالدور. كان ينبغي أن تتم الاستعانة بمطربة لتقديم الشخصية". وافقتها الناقدة نجلاء نصير، إذ قالت: "سلاف لم تحسن تقديم الشخصية وافتقدت إلى الكاريزما، وكانت فقط تجسد أسمهان من الخارج وتقلد بعض حركاتها، ولكنها لم تلمسها من الداخل".
وبشكل مغاير تحدث الفنان عمرو قابيل قائلاً إنه أحب أداء سلاف فواخرجي، لأنها استطاعت أن تلم بالتفاصيل الداخلية والخارجية للشخصية، فلم يشعر أنها مفتعلة في الأداء أو تبالغ بالتقليد، معتبراً المسلسل "من أفضل أعمال السير الذاتية".
عوامل أساسية للنجاح
منذ عدة أشهر، قالت المخرجة كاملة أبو ذكري في تصريح لبرنامج "المساء مع قصواء"، إن حياة الفنان بها أسرار يصعب ذكرها، وإن ذكرت ستسيئ له ولأسرته، فتكون النتيجة تجسيد الفنانين كأنهم ملائكة لا يخطئون، ولذلك ترفض أبو ذكري إنتاج أعمال درامية عن سير الفنانين.
ويحدد الناقد السينمائي محمود عبد الشكور عدة شروط لنجاح هذا النوع من الأعمال: "لابد من جرأة في تناول حياة الشخصية بما لها وما عليها، فالبشر ليسوا ملائكة. الأمر الثاني قوة الإنتاج، فهذه الأعمال تعتمد على التفاصيل، وكثير منها عن شخصيات في عصور ماضية، ما يتطلب إنفاقاً على الديكورات والملابس والسيارات القديمة، وإلا فقد العمل مصداقيته. ثالثاً، يجب أن يكون الممثلون على أعلى مستوى ومناسبين تماماً للشخصيات شكلاً وموضوعاً، لا يقلدون وإنما يدرسون طبيعة وتفاصيل كل شخصية، ويديرهم مخرج مثقف وفاهم".
العمل الفني يجب أن تكون به قصة مشوقة، وفي أغلب الحالات لا توجد قصة أو أحداث بارزة، وقد تكون قصة الفنان بسيطة رغم نجاحه، ولا يوجد فيها تفاصيل كثيرة أو خبايا، فلماذا سيهتم الجمهور بعمل كهذا؟
الممثل المسرحي مازن الغرباوي تحدث أيضاً لرصيف22 بالقول: "تجسيد السير الذاتية ضرورة فنية برأيي، وقد تكون مصدر إلهام للجيل الجديد، ولكن ينبغي التمهل قبل التنفيذ، فالأمر لا يقتصر على سيناريو ومخرج وممثلين، ويجب أن يكون هناك بحث جيد حول الشخصية وأهم مراحل حياتها".
المخرج عمرو قابيل قال إن هناك معايير يجب أن تتوفر لنجاح أعمال السير الذاتية، أهمها جودة السيناريو واهتمام المخرج بكل تفاصيل العمل، وقدرة الممثل على الوصول لروح الشخصية.
أما الممثل محمود الشبراوي فهو يرفض تقديم سير الفنانين، مبرراً ذلك بالقول: "العمل الفني يجب أن تكون به قصة مشوقة، وفي أغلب الحالات لا توجد قصة أو أحداث بارزة، وقد تكون قصة الفنان بسيطة رغم نجاحه، ولا يوجد فيها تفاصيل كثيرة أو خبايا، فلماذا سيهتم الجمهور بعمل كهذا؟".
كما تحدثت الناقدة نجلاء نصير عن عوامل نجاح هذه الأعمال: "ينبغي أن يتم أولاً اختيار فنان قادر على تجسيد الشخصية ولا يقلدها، إضافة إلى سيناريو جيد ومخرج متمكن من أدواته يساعد الممثل على تقمص روح الشخصية وليس بنائها الخارجي فقط".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...