يواجه العراق موجة جديدة من جائحة فيروس كورونا المستجد، سببها الرئيسي العادات القديمة والتقاليد الدينية وعجز السلطات عن إلزام المواطنين بالتقيد بالإجراءات الاحترازية.
ودخل عموم العراق فترة حظر تجوال منذ الساعة الثامنة من مساء الخميس 18 شباط/ فبراير، حتى الخامسة من فجر الاثنين 22 شباط/ فبراير. وينص قرار الحكومة العراقية على تطبيق حظر كلي أيام الجمعة والسبت والأحد، وحظر جزئي يومي (من 8 مساءً حتى 5 فجر اليوم التالي) بقية أيام الأسبوع، مع توقيع غرامة مقدارها 25 ألف دينار عراقي (نحو 17 دولاراً أمريكياً) على كل شخص لا يلتزم ارتداء الكمامة في الأماكن العامة.
تضمنت التدابير الاحترازية أيضاً إغلاق المساجد والمدارس ومنع التجمعات الكبيرة. وصرح مسؤولون بأن قرار الحظر الشامل، بما في ذلك غلق المطارات والحدود، قد يصدر قريباً.
تزامنت الإجراءات مع تحذير وزير الصحة والبيئة العراقي، حسن التميمي، من أن أكثر من 50% من الإصابات الجديدة بفيروس كورونا في البلاد من السلالة الجديدة المكتشفة في بريطانيا، موضحاً أنها تمتاز بسرعة الانتشار وتحتاج إلى تضافر الجهود والتقيد بتعليمات الوقاية لمواجهتها.
وسجلت وزارة الصحة العراقية 4024 إصابة جديدة، قابلها شفاء 1800 شخص، و12 وفاة، الجمعة 19 شباط/ فبراير، في حصيلة هي الأعلى في غضون أسابيع. ومنذ بداية الجائحة، سجل العراق 661477 إصابة بكوفيد-19، شُفي منها 614529، وتوفي 13232.
في غضون ذلك، قالت وزارة الصحة في حكومة إقليم كردستان العراق شبه المستقل إنها رصدت 131 إصابة جديدة مقابل شفاء 80 حالة، ولم تسجل أي حالات وفاة خلال الـ24 ساعة الماضية.
أطباء يكافحون "جهل" و"استهتار" العامة... المخاوف من كورونا تتزايد في العراق بعد تخطي الإصابات اليومية حاجز الـ4000 حالة، والحظر الشامل قريب
"جهل" و"استهتار"
وعزا مسؤولون وعاملون في القطاع الطبي الارتفاع الكبير في الإصابات، والذي يكاد يقترب من الذروة اليومية في أيلول/ سبتمبر الماضي (أكثر من 5000 حالة)، إلى "إهمال واستهتار" عامة الناس وعجز الحكومة عن تطبيق بروتوكولات الفيروسات.
في تصريح لوكالة أسوشيتدبرس، قال طبيب أمراض الرئة في مستشفى الزهراء بالعاصمة العراقية بغداد، محمد شحاتة: "كطبيب، أحارب الجهل العام وليس الوباء". أوضح الطبيب العراقي أن بعض المرضى فضلوا مغادرة عيادته الخاصة على ارتداء الكمامة.
أما إسماعيل طاهر، الطبيب في مستشفى الشيخ زايد ببغداد، فقال إن شخصاً واحداً كل 10 أشخاص يدخلون المستشفى يلتزم قناع الوجه.
قبل أيام، لفتت "الصحة العراقية" إلى أن الموجة الجديدة من إصابات كوفيد-19 كانت مدفوعة بالأنشطة الدينية، بما في ذلك التجمع لأداء صلاة الجمعة وزيارات الأضرحة. وذلك جنباً إلى جنب مع الحشود الكبيرة التي تملأ الأسواق والمطاعم ومراكز التسوق والمتنزهات، حيث التحية بالمصافحة والقبلات هي القاعدة.
وزير الصحة العراقي يرى أن "تغيير الوعي العام هو الطريقة الوحيدة لوقف موجة جديدة للفيروس القاتل"، وعالم اجتماع طبي يقول إن الأهوال التي عاناها العراقيون على مر السنين جعلتهم لا يأبهون للوباء
لامت الوزارة كذلك "بعض الأشخاص الذين يشككون صراحة في وجود الوباء".
من المشككين، يحيى الشمري (28 عاماً، خريج جامعي). قال لأسوشيتدبرس: "إنه مجرد إنفلونزا. ذهبت إلى المستشفى مرتين بدون كمامة ولم أُصَب بالعدوى". وقال عباس (21 عاماً): "أنا لا أؤمن بفيروس كورونا، بل بالله".
وقال رحيم شبيب (32 عاماً) إنه لاحظ كيف انخفضت معدلات الإصابة بعد حج الشيعة في "أربعينية الحسين" في تشرين الأول/ أكتوبر، مضيفاً: "إذاً، الله أقوى من كوفيد-19". وكان العراق قد منع الحجاج الشيعة الأجانب من حضور الأربعينية هذا العام، مما قلل بشكل كبير أعدادهم.
أهوال العراق السابقة تصعب الأزمة
في رأي ماك سكيلتون، عالم الاجتماع الطبي في الجامعة الأمريكية في العراق ومقرها السليمانية، إن الموقف الرافض من المواطنين ليس مرده إلى الجهل بقدر ما تأثر بما واجهه العراقيون. وشرح كيف أن العراقيين عانوا الكثير من الكوارث في العقود القليلة الماضية، بما في ذلك الحروب والعنف السياسي والعقوبات، لدرجة بات معها وباء COVID-19 لا يمثل مشكلة كبيرة.
بعد 661477 إصابة بكوفيد-19 في البلاد، توفي 13232 شخصاً، لا يزال هناك عراقيون ينكرون الوباء ويرفضون تدابير الوقاية اعتقاداً بأن الفيروس "مجرد إنفلونزا" و"الله أقوى من كوفيد-19"
واعتبر سكيلتون أن سياسات الحكومة حيال الجائحة، والتي تتمحور بالأساس حول المستشفيات، لا تنسجم وتعامل العراقيين مع المرض. وشدد على أنه في خضم سنوات من عدم الاستقرار، كان على العراقيين أن يبتكروا إستراتيجياتهم الخاصة، لأن الرعاية الصحية إما لم تكن متوفرة أو أنهم لا يثقون بالمستشفيات، التي أصبحت في ذروة القتال الطائفي أماكن خطرة.
واستخلص من هذا أن العراقيين باتوا يتجهون إلى الصيادلة والممرضات أو حتى مساعدة الجيران والتعافي منزلياً وربما يعبرون الحدود للعلاج.
وأضاف: "معظم الأطباء ليسوا متفاجئين، فهم يعرفون أن المرضى سيرفضون الذهاب إلى المستشفى ما لم يلهثوا بحثاً عن الهواء ولا يكون لديهم خيار آخر".
ولم يتطور النظام الصحي المركزي في العراق منذ سبعينات القرن الماضي، برغم تهالكه إثر عقود من الحروب والعقوبات والاضطرابات الطويلة منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003. وسبب ذلك أن الحكومات المتعاقبة لم تستثمر فيه سوى القليل من الأموال.
ومن أسباب زيادة الإصابات بالفيروس اختلاط مرضى كورونا بالمرضى الآخرين في غرف الأشعة المقطعية والتصوير بالرنين المغناطيسي والأشعة السينية وعنابر المستشفيات، بحسب أطباء. ويخشى الأطباء والمسؤولون عن القطاع الطبي نقص الإمدادات الطبية أو قدرة وحدات العناية المركزة إذا استمرت الإصابات في الارتفاع بالمعدل الحالي.
ووفق خطط وزارة الصحة، لن يبدأ إعطاء اللقاحات حتى نهاية الشهر المقبل إذ خصصت الحكومة أموالاً تكفي لتأمين 1.5 مليون جرعة من لقاح فايزر، ووقعت عقداً بقيمة مليونَي جرعة إضافية من لقاح أسترازينيكا.
وفي ظل التطورات الأخيرة، شدد الوزير التميمي على أن "تغيير الوعي العام هو الطريقة الوحيدة لوقف موجة جديدة للفيروس القاتل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...