في ظلّ تفشي فيروس كورونا واستحالة القضاء عليه بشكل نهائي، قد يبدو "التحصّن" في غرفة النوم بمثابة استراتيجية مثالية، لتمضية هذه الأوقات الصعبة والهروب من ضغوط الحياة اليومية، ولكن بالنسبة لبعض الأفراد، فقد أرغمتهم هذه الجائحة على العمل من المنزل، وتحولت غرفة النوم إلى مساحة عمل ومصدر جديد للإرهاق والأرق، مع ما يترتب عن ذلك من تداعيات سلبية على علاقتهم العاطفية وحياتهم الجنسية مع الشريك/ة.
ثمن الحرية
هناك الكثير من الصور التي تتبادر إلى أذهاننا بمجرد أن نفكر في مسألة "العمل من المنزل"، بدءاً من تخيّل شخص ما يعمل على الأرض ويكون محاطاً بحيواناته الأليفة، وآخر يجري مكالمات عمل ومن حوله أطفال يلعبون ويركضون في أرجاء المنزل، وصولاً إلى من يعمل بهدوء في السرير في ملابس النوم.
هذه الصور الذهنية على اختلافها، تدل على أنه عندما يفكر الناس في العمل عن بُعد، فأنهم يميلون إلى ربطه بمفهوم الحرية: الحرية في ارتداء الملابس المريحة والفضفاضة، الحرية في قضاء المزيد من الوقت مع العائلة ضمن دوام العمل والحرية في تأدية المهام المطلوبة من أكثر الأمكنة راحة في المنزل، وهو السرير.
إذا كان المرء يعمل في المنزل، يقوم بتربية الأطفال ويحاول الاسترخاء والنوم مع الطرف الآخر في نفس المكان، فقد يكون من الصعب عليه تغيير السياق، الفصل بين المهام والتمتع بمزاج مناسب لممارسة الجنس
بمعنى آخر، فإن العمل من المنزل يعني أنه سيكون من السهل قضاء اليوم كله في السرير، بحسب ما أكدته إحدى الدراسات التي وجدت أن 80% من الأفراد من جيل الشباب يعملون من السرير.
ولكن للحرية ثمن باهظ، إذ إن البقاء طوال اليوم في المنزل وحرمان أنفسنا من ضوء النهار، قد يكون له عواقب على نومنا وعلى مدى الانتباه واليقظة أثناء النهار.
في الواقع، يساعد التعرّض لضوء النهار الساطع في الحفاظ على ضبط الساعة البيولوجية، وتزامنها مع الوقت من النهار في الخارج، وإلا يمكن أن يحدث خلل، بخاصة إذا تعرضنا للضوء الساطع أثناء المساء، ما يؤثر سلباً على النوم.
في هذا الصدد، كشفت دراسة أن الأشخاص الذين تعرضوا لمزيد من ضوء النهار، خاصة خلال فترة الصباح، استغرقوا 18 دقيقة للنوم ليلاً، مقارنة بـ 45 دقيقة لأولئك الذين أمضوا صباحهم في ضوء خافت، كما تبيّن أن الأفراد الذين تعرضوا لضوء النهار تمكنوا من النوم لمدة 20 دقيقة إضافية، وأبلغوا عن أعراض أقل للاكتئاب.
ونظراً لكون الضوء الساطع يعزز أيضاً التركيز والانتباه، يشدد العلماء على أهمية الخروج خلال النهار وممارسة بعض التمارين في الهواء الطلق، مقابل الحفاظ على إضاءة دافئة وخافتة لتعزيز النوم في فترة المساء.
الجنس والعمل في سرير واحد
ليس النوم وحده الذي قد يتأثر بالعمل من السرير، فالأمر له تداعيات سلبية أيضاً على العلاقة الجنسية.
على الرغم من أن بعض الأزواج أفادوا بممارسة الجنس أكثر مما كانوا عليه قبل الوباء، لكونهم باتوا يقضون وقتاً أطول معاً، إلا أن البعض الآخر "يكافح" مع هذا الوضع المستجدّ.
في هذا السياق، درست كل من كاتي أندرسون وديبورا بيلي رودريغيز، من جامعة ميدلسكس، تأثير إغلاق كوفيد-19 على العلاقات الرومانسية، وخلصتا إلى القول إن "التواجد في نفس المكان طوال اليوم مع نفس الشخص، يتعارض مع آلاف السنين من التطور... لذا كونوا رحماء مع أنفسكم".
"في ظل هذه الظروف المحيطة بنا، يجب على الثنائي بذل مجهود إضافي لإنجاح العلاقة الجنسية"
وبالتالي، سواء كنتم من الأفراد الذين يمارسون الجنس بشكل أكثر أو أقل، فإنه لا بدّ من القول بأن ما نشهده حالياً هو عبارة عن تغييرات كبيرة، ليس من السهل التكيّف معها.
استند الأخصائي في العلاقات الجنسية، أنطوني حكيم، إلى بعض الدراسات والتجارب التي أثبتت أن استخدام المكان نفسه للقيام بمهام متعددة، يؤدي إلى اختلاط المفاهيم وتضاربها، بالإضافة إلى عدم القدرة على الفصل بين الأوقات أو تخصيص كل مساحة لعمل ما.
وأوضح حكيم لرصيف22، أنه وبسبب تفشي فيروس كورونا، بات الأزواج يتواجدون بشكل مستمر في المنزل، ويقومون بمهام متعددة ضمن مساحة ضيّقة، كاستخدام السرير مثلاً للعمل والنوم والجنس، ما يؤثر سلباً على الإنتاجية في العمل وعلى العلاقة العاطفية بين الطرفين، نظراً لارتفاع معدل الإجهاد، بحكم طبيعة العمل والظروف المستجدة.
من هنا شدد أنطوني على ضرورة خلق روتين معيّن داخل المنزل، لتخفيف الضغوطات وإبقاء الشغف بين الشريكين: "في ظل هذه الظروف المحيطة بنا، يجب على الثنائي بذل مجهود إضافي لإنجاح العلاقة الجنسية، كتخصيص وقت معيّن لمشاهدة فيلم معاً، بالإضافة إلى تعزيز التواصل عن طريق التحدث بشفافية عن الحاجات والرغبات الجنسية"، منوهاً بأهمية احترام المساحة الشخصية للشريك/ة، والروتين اليومي الذي كان معتاداً عليه قبل مرحلة كورونا.
إذن، يتضح أن الرغبة الجنسية تتأثر إلى حدّ كبير بما يجري حولنا، بمعنى آخر، إذا كان المرء يعمل في المنزل، يقوم بتربية الأطفال ويحاول الاسترخاء والنوم مع الطرف الآخر في نفس المكان، فقد يكون من الصعب عليه تغيير السياق، الفصل بين المهام والتمتع بمزاج مناسب لممارسة الجنس، بالإضافة إلى قيام الأفراد أحياناً بممارسة عادات معيّنة تؤثر سلباً على الرغبة الجنسية.
عادات النوم التي تخرب الحياة الجنسية
لا يوجد وقت أجمل من مشاطرة السرير مع شريك الحياة واحتضانه بعد يوم مرهق، وقد يتطلع الأزواج إلى مشاهدة المسلسلات والأفلام معاً، الدردشة قليلاً قبل النوم، أو حتى الاكتفاء بالاستلقاء جنباً إلى جنب.
غير أن هناك بعض الأمور التي تحدث في غرفة النوم قد تنعكس سلباً على الحياة الجنسية بين الشريكين.
ففي حين أنه من المفترض أن تكون غرفة النوم مكاناً مقدساً للثنائي، إلا أن حياة اليوم باتت مزدحمة: تفقد رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل في ساعات متأخرة من الليل، إصرار الأطفال على مشاركة السرير مع الأهل، وغيرها من العوامل التي قد تضر بالعلاقة الجنسية.
فما هي أبرز العادات الخاطئة التي قد "تقتل" المزاج الجيّد لممارسة الجنس في غرفة النوم؟
الاحتفاظ بالأجهزة الذكية بجانب السرير: لا شك أننا أصبحنا مرتبطين بشكل متزايد بأجهزتنا الذكية، لكن هذه العادة تشتت الانتباه وتؤثر سلباً على الرغبة الجنسية، وفق ما أكده جوناثان بينيت، مستشار العلاقات وصاحب موقع Double Trust Dating، لموقع إنسايدر: "الأجهزة الإلكترونية تشتت الانتباه في العلاقات، لأنها تقضي على قدرتكما على الاستمتاع بصحبة بعضكما البعض".
الاستمتاع بجلسات "ماراثونية" على نتفلكس: يشدد العديد من خبراء النوم والخبراء في العلاقات الجنسية، على ضرورة أن تكون غرفة النوم مخصصة لأمرين فقط: النوم والجنس.
ومع ذلك، يبدو أن مشاهدة التلفاز قبل النوم ليست فكرة ضارة، وفق ما أكده جوناثان، مشيراً إلى أن الأمر يعتمد إلى حد كبير على محتوى ما يختاره الثنائي: "إذا كنتم/نّ تشاهدون فيلماً كوميدياً ورومانسياً يلهمكم/نّ بالرومانسية والعاطفة، فقد يساعدكم/نّ فعلاً، ولكن إذا كنتم تشاهدون فيلماً أو عرضاً عادياً عن الشخصيات الخيالية، فقد يعيق ذلك التواصل الوثيق مع الشخص الموجود بجانبكم/نّ في السرير".
مشاركة السرير مع الأطفال أو الحيوانات الأليفة: إذا اعتاد الثنائي على السماح للأطفال أو حتى للحيوانات الأليفة بمشاركة السرير، فليس سراً أن فرصة العلاقة الحميمة بين الطرفين تتلاشى.
تعليقاً على هذه النقطة، قال بينيت إنه في حال قام المرء بدعوة أي شخص آخر إلى السرير، فإن ذلك يصرف الانتباه عن الشريك/ة، ويجعل العلاقة الحميمية صعبة للغاية أو حتى مستحيلة.
بمعنى آخر، يجب أن يكون السرير مخصصاً للثنائي فقط، وإلا فإن الحياة الجنسية بينهما تكون على المحك.
قد يكون من المفيد التلاعب ببيئة غرفة النوم وجعلها أكثر حميمية، كاعتماد الإضاءة الخافتة، تعطير السرير ووضع بطانيات ناعمة الملمس... هذا ويمكن للثنائي الاستمتاع أيضاً بقراءة الكتب الإيروتيكية في السرير، للمساعدة في جعل الجنس من ضمن الأولويات
تحول الجنس إلى روتين قاتل: مع مرور الوقت، قد يكون من الطبيعي أن يتحول الوقت الذي يقضيه المرء إلى جانب شريكه في السرير إلى روتين ممل.
وعن هذه النقطة، قال جوناثان بينيت: "إذا مارست الجنس كروتين، فقد يصبح الأمر مملاً"، مشيراً إلى أن هذا الأمر يحوّل الجماع إلى مجرد واجب، ما يسلب الكثير من المرح لكلا الطرفين، مما يعني بأنه يجب دوماً كسر الروتين عبر القيام بأمور غير متوقعة.
الفوضى: في بعض الأحيان تسرق منّا الحياة طاقاتنا، وينتهي بنا الأمر مع كومة من الملابس على الأرض أو أشياء متناثرة من حولنا، ولكن الفوضى سيئة بشكل خاص في غرفة النوم، ويمكن أن تؤدي إلى زيادة معدلات القلق.
في العام 2012، انكبت عالمة النفس شيري بور كارتر، على دراسة العلاقة بين الفوضى والإجهاد، واكتشفت أن الفوضى هي بمثابة عبء حسي على أذهاننا "يجذب انتباهنا بعيداً عما ينبغي أن يكون عليه تركيزنا".
هذا ينطبق بشكل خاص على غرفة النوم، والتي من المفترض أن تكون مساحة للاسترخاء، كما أوضح جوناثان بينيت: "بالنسبة للعديد من الأشخاص، يمكن أن تكون المساحة الفوضوية منعطفاً أو مصدراً للقلق. إذا كنتم/نّ تشعرون/ن بعدم الراحة في مكان معين بسبب الفوضى من حولكم/نّ، فمن الصعب الاسترخاء التام والاستمتاع بمزاج جيّد للعلاقة الحميمة".
وبالتالي قد يكون من المفيد التلاعب ببيئة غرفة النوم وجعلها أكثر حميمية، كاعتماد الإضاءة الخافتة، تعطير السرير ووضع بطانيات ناعمة الملمس... هذا ويمكن للثنائي الاستمتاع أيضاً بقراءة الكتب الإيروتيكية في السرير، للمساعدة في جعل الجنس من ضمن الأولويات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون