بعد نهار طويل، يرتمي الزوجان بسعادة على سرير كبير King size، يحتضنان بعضهما ويغطان في نوم عميق، دون أرق أو قلق أو حدوث أي شيء يعكر صفو أحلامهما، ومع شروق الشمس يستيقظان على صوت زقزقة العصافير والابتسامة على وجهيهما. مشهد يكاد يتكرر في معظم الأفلام والمسلسلات والأغاني المصورة التي نراها على الشاشة، ولكن هل هذا "التناغم" في السرير ينطبق على جميع الأزواج في الحقيقة؟ وهل النوم بشكل منفصل يعني بالضرورة نهاية بريق الرومانسية بين الطرفين؟
معاناتي مع النوم
لم تكن آمال تتخيل نفسها يوماً أن تنام في غرفة منفصلة عن زوجها، إذ إنه لطالما انتظرت اللحظة التي تتقاسم فيها السرير مع شريك حياتها، إلا أنه بعد مرور عدة أشهر على زواجهما، والليالي الطويلة التي قضتها وهي "تتصارع" مع الأرق، قررت "الانفصال" جسدياً عن زوجها أثناء الليل.
وعن هذه النقطة، قالت لرصيف22: "قبل الزواج، كنّا نتحدث دوماً عن لذة النوم في سرير واحد مع كل الـintimacy (الحميمية) التي يخلقها السرير ومتعة الاستيقاظ معاً في الصباح، ولكن عندما أتت هذه اللحظة بدأت معاناتي مع الأرق، وأضافت: "نومي سوبر خفيف، بوعا عصوت البرغشة وهو بيشخر ودايماً بيغفى قبلي، بصير هزو كل شوي ليبرم ويغيّر نومتو، بس كلها دقيقتين وبيرجع بيشخر من جديد كيف مفروض فيي نام بهيك وضع؟".
وأشارت آمال إلى أنها حاولت مراراً وضع رأسها تحت الوسادة أو استخدام سدادات الأذن لتجنب الأصوات المزعجة من حولها، إلا أن محاولاتها كلها باءت بالفشل، لحين أن قررت في إحدى الليالي "اصطحاب" وسادتها والذهاب إلى الغرفة الثانية، وهكذا كرّت السبحة وأصبحت كل ليلة تنام في غرفة منفصلة: "بالأول كانت غريبة الفكرة بالأخص أنو نحنا ما إلنا زمان مجوزين ومش حلوة من هلق ما ننام سوا، بس بعيدن حكينا بالموضوع ولقينا أنو هيدا أزبط حل"، وتضيف ممازحة: "أحسن كل واحد ينام بغرفة من مانقضيها تاني يوم مش طايقين بعضنا".
ليست آمال وحدها التي تفضل النوم بشكل منفصل عن شريكها، فقد كشفت المؤسسة الوطنية الأميركية للنوم أن 1 من كل 4 أزواج يختار النوم بكل منفصل.
وفي حين أن بعض الأزواج يعتبرون أن النوم إلى جانب الطرف الآخر هو دليل على الحميمية وصلابة العلاقة، فإن البعض الآخر يعتبر أن مشاركة السرير يؤدي الى مشاكل في النوم، الأمر الذي يسبب مشاكل صحية، خلل جنسي وخلافات زوجية.
تطور السرير الزوجي
كشف الدكتور ديفيد كانينغتون، وهو طبيب متخصص في النوم ومدير مركز اضطرابات النوم في ملبورن، أن فكرة تقاسم السرير تأتي من حقيقة أن البشر هم بطبيعتهم مخلوقات اجتماعية، شارحاً ذلك بالقول: "نحن نحب تلك الرفقة، سواء كانت مشاركة سرير مع الشريك أو النوم المشترك مع جميع أفراد الأسرة في السرير، وهو ما يحدث في بعض الثقافات، هناك شعور بتقاسم التجربة والأمن والانتماء إلى فريق أو قبيلة".
وبدورها قالت الطبيبة المتخصصة في علم السلوك، ويندي تروكسل: "السرير المشترك هو نافذة على أعمق نقاط ضعفنا، وكيف ننظر إلى علاقتنا لمساعدتنا على الشعور بالأمان خلال أوقات التهديد"، مشيرة إلى أنه من أكثر الأسئلة التي تُطرح عليها: "هل من السيء أن ننام أنا وشريكي في سرير منفصل؟".
في حين أن بعض الأزواج يعتبرون أن النوم إلى جانب الطرف الآخر هو دليل على الحميمية وصلابة العلاقة، فإن البعض الآخر يعتبر أن مشاركة السرير يؤدي الى مشاكل في النوم، الأمر الذي يسبب مشاكل صحية، خلل جنسي وخلافات زوجية
وأوضحت تروكسل أنه في ثقافتنا لدينا توقعات وأفكار سلبية مرتبطة بالنوم على حدة، بخاصة وأن الإنسان بشكل عام يستمد الراحة والأمان من الآخر: "من المحتمل أن تكون الرغبة في مشاركة سرير مرتبطة بقوة في حمضنا النووي. إنها تتعلق بالشعور بالاطمئنان والأمان ،خاصة في الليل عندما نكون ضعفاء".
غير أن ويندي أوضحت أن فكرة السرير الزوجي جديدة نسبياً، إذ إنه في العصر الفيكتوري مثلاً، كانت مشاركة السرير تعتبر سلوكاً فادحاً وغير صحي، وبخاصة وأن التفكير البشري حينها كان منصبّاً على النظافة والخشية من البكتيريا والتقاط العدوى، بالإضافة إلى اعتبار النوم المنفصل ترفاً: "كان النوم في سرير منفصل هو علامة على الثراء ودليل على الرفاهية".
وتحدثت تروكسل عن الثورة الجنسية التي ولدت مواقف ثقافية لا نزال نتمسك بها حتى يومنا هذا، كالاعتقاد مثلاً بأن النوم المنفصل بين الأزواج يعني غياب الحميمية بينهما، وأكبر دليل على ذلك هو ظهور مصطلح sleep divorce (طلاق النوم) والذي يعني قيام الأزواج بالنوم في أسرّة منفصلة.
صعوبة النوم في سرير واحد
لا شك أن النوم بجانب الشريك/ة يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على حياة الثنائي، إذ إن الاحتكاك الجسدي مع الآخر من شأنه أن يرفع من مستويات الأوكسيتوسين (هرمون الحب) وبالتالي الشعور بالراحة والهدوء، الأمر الذي يساعد الجسم على الاسترخاء والانخراط في النوم العميق.
ولكن ماذا لو كان النوم في سرير واحد لا يناسب الثنائي؟
بعيداً عن الأحلام الوردية والأوهام الخيالية، غالباً ما يكون النوم في العالم الحقيقي صاخباً ومتقطعاً بين الأزواج، نظراً لوجود بعض أنواع التحديات في تجربة النوم المشتركة.
ففي الواقع هناك الكثير من العوامل التي يمكن أن تجعل الأزواج غير متوافقين، عندما يتعلق الأمر بالنوم في سرير واحد.
وفي حين أن بعض الأزواج يقررون النوم بشكل منفصل، بسبب الخلافات والفتور والنفور من بعضهم البعض، فإن البعض الآخر يختار النوم في أسرّة منفصلة لمجرد الحصول على ليلة هادئة وقسط وافر من النوم، بعدما اكتشف هؤلاء أنه من شبه المستحيل أن يتمكنوا من النوم معاً في سرير واحد، وذلك بسب عادات النوم المختلفة وغيرها من الاعتبارات: الطرف الأول يشخر والثاني نومه خفيف، واحد يريد تشغيل المكيّف والآخر يحب فتح النافذة والاستمتاع بالهواء الطبيعي، بالإضافة إلى التضارب في أوقات النوم ومواعيد الاستيقاظ.
وتعليقاً على هذه النقطة، قال الدكتور كانينغتون: "سوف تتشاركون الأغطية، أي من المتوقع أن يكون لديكم نفس درجة حرارة الجسم، وتذهبون إلى الفراش في نفس الوقت، أي من المتوقع أن يكون لديكم نفس توقيت الساعة الداخلية، سوف تستيقظون في نفس الوقت، لذلك يتوقع أن يكون لديكم نفس الحاجة الى مدة النوم"، ناهيك عن الأخذ في الاعتبار أن هناك 1 من كل 6 يعاني من اضطرابات في النوم: "إن الشخص الذي يعاني من أعراض الأرق الصعبة حقاً ولا ينام جيداً لفترة طويلة من الزمن، يمكن أن يصبح دفاعياً جداً عن بيئة نومه".
وتحدث كانينغتون عن بعض الحالات التي تجعل مشاركة السرير الواحد فكرة غير ملائمة للكثير من الأزواج، كالمشي أو التحدث أثناء النوم أو تمثيل الأحلام، أي أن يقوم الشخص الذي تنامون بجانبه بمحاولة ضربكم أو لكمكم في الليل.
وفي السياق نفسه، تحدثت ويندي تروكسل عن المشكلة الأبرز الذي يواجهها بعض الأزواج، وهي الشخير في الليل: "إن الأشخاص الذين لديهم شركاء يشخرون هم أكثر عرضة للإصابة بالأرق، بمعدل 3 مرات أكثر من الشركاء الذين لا يشخرون"، مشيرة إلى أنه في الكثير من الحالات، يكون النوم المنفصل أفضل للعلاقة: "النوم معاً لن يضمن بالضرورة العلاقة الناجحة، النوم المنفصل لا يعني علاقة غير ناجحة. إن الأمر يتعلق حقاً بما هو أفضل لكم ولشريككم".
مصارحة الشريك/ة
إذا كان شريككم يعاني من الشخير أو الأرق فإن أول شي يجب عليكم فعله هو محاولة معرفة ما إذا كان هناك أي سبب طبي يكمن وراء هذه المشاكل في النوم، فالحل الطبي قد يوفر الكثر من "وجع القلب".
أما في حال لم يكن هناك من مشكلة طبية، فعندها يجب على الأزواج أن يتحدثوا بشكل صريح مع بعضهم البعض عن فكرة النوم المنفصل، بحسب ما أكدته ويندي تروكسيل: "الأمر يتعلق بفتح المحادثة بطريقة صادقة، لطيفة وهادفة. إن إثارة هذه المحادثة تتعلق بإعطاء الأولوية لصحة علاقتكم"، مضيفة: "ابدؤوا بإخبار شريككم أن هذا لا يعني عدم الرغبة في أن تكونوا حميميين أو قريبين منهم".
"من المحتمل أن تكون الرغبة في مشاركة سرير مرتبطة بقوة في حمضنا النووي. إنها تتعلق بالشعور بالاطمئنان والأمان خاصة في الليل عندما نكون ضعفاء"
وبالتالي شددت تروكسل على ضرورة التحدث بالموضوع بدلاً من ترك المشاعر السلبية تطفو على السطح: "ما يحدث غالباً أنه لا تتم المحادثة على الإطلاق، ونتيجة اليأس والإحباط التام يقرر الشريك مغادرة غرفة النوم والهروب إلى الأريكة، وعندها يمكن أن تنشأ مشاعر الأذى والاستياء والتخلي".
في الختام من المهم التفكير في النوم كضرورة وليس ترفاً، والواقع أن خبراء النوم يشددون على أن الحصول على نوم جيد بشكل منتظم مفيد لصحتكم النفسية والجسدية، وكذلك لصحة علاقتكم العاطفية، إذ كشفت دراسة في العام 2013 أن الأزواج يميلون إلى مشاجرات أكثر تكراراً وأكثر حدّة بسبب قلّة النوم، هذا ومن المهم تجاهل "وصمة العار" المرتبطة بالنوم في سرير منفصل، إذ إن تحديد كيفية النوم يعتبر من أكثر القرارات الحميمية التي يجب على الأزواج اتخاذها بمعزل عمّا يعتقده الآخرون.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...