شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"الغود بوي ضعيف الشخصية والباد بوي جذاب"... صور نمطية للرجل المصري بين المجتمع والسينما

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 9 فبراير 202112:32 م

"أحمد أول راجل حبني بجد، ماكنش ينفع بأي شكل من الأشكال أرفض حب حد زيه، ومفرحش بيه قوي كمان، كان بيعمل علشاني كل الحاجات اللي بحبها (...) ناجح جداً في شغله، منظم في تفكيره بطريقة غريبة، عارف يقسم وقته بيني وبين شغله، لأنه ببساطة ماعندوش في حياته غيرنا، دمه خفيف ومخلص (...) مش عارفة ليه كنت بقلق لما بفكر إن هو ده الراجل اللي هعيش معاه بقية حياتي".

"أنا وقتها كان معنى الحب عندي لهفة وقلق وحيرة، زي اللي في الروايات والأفلام. رشيد كان جذاب لواحدة زيي في الوقت ده، حرّ كدا ومنطلق، واللي بيطق في دماغه بيعمله من غير حسابات، كل الستات عينها عليه، والمحظوظة فيهم هي اللي هو يشوفها، وأنا كنت تافهة، تافهة قوي وجعانة خبرة، بس الإحساس ده ماكنش من حقي، أو يعني بالأصح، حاولت أدور عليه مع الراجل اللي هتجوزه".

(من الفيلم المصري أسوار القمر)


التنميط والتصنيف المتطرف

تصدر مجتمعياً صورة الرجل الجيد Good boy بمعنى التزامه في علاقته العاطفية، التي يهتم فيها بالعاطفة قبل الجنس، ويحترم شريكته وحقوقها وحريتها، بينما هناك صورة نمطية عن هذا الرجل أنه ضعيف الشخصية، بما يشمل خجله وانطواءه وعدم اهتمامه بجسد ومظهره.

وعلى الجانب الآخر، فإن الرجل السيئ Bad boy هو شخص جاذب للنساء بسبب شخصيته ومظهره المثير وفحولته الجسدية. قد يكون شخصاً متحرشاً ومؤذياً، لا يقبل فكرة الرفض وأن هناك امرأة لا تتقبله، وفي الغالب، ضمن المجتمع العربي، لا يقبل أن يتزوج من الفتاة التي مارس معها الجنس، باعتبارها مخطئة حتى لو فعلت ذلك باسم الحب أو الحرية، اللذين ربما يدعيهما كذباً في الخفاء، بينما قد يدعي التدين في العلن، وعندما يريد زوجة، يكون اختياره فتاة بكراً، ليس لها شخصية أو رأي، ليشكلها كيفما شاء. ويسامح نفسه على أخطاء الماضي، ليدخل حياة الاستقامة، وربما يعود لحياته السابقة ليروح عن نفسه من حين لآخر.

في المجتمع والسينما نرى صوراً نمطية للرجل الجيد على أنه شخص ملتزم وضعيف الشخصية وممل، بينما يبدو الرجل السيئ جاذباً للنساء لكنه قد يكون متحرشاً ومؤذياً.

ويتحدث كتاب "الإنسان بين الجوهر والمظهر" لعالم النفس الألماني إريك فروم، عن نمطين من الحياة: التملك والكينونة. يعتقد الكاتب بأن بنية المجتمع الاقتصادية تؤثر في شخصية الإنسان الاجتماعية، وأننا نعيش في مجتمع يتبنى ثقافة التملك الاستهلاكية الأنانية الجشعة، بمعنى أن قيمتنا هي بما نملك من أشياء تندرج ضمنها أيضاً الناس والعلاقات، بينما يعتمد نمط الكينونة على الحب والإيثار والتفهم.

ويمكننا القول بأن الباد بوي يتجه نحو نمط التملك، بينما النموذج الثاني يتوجه لنمط الكينونة.

يقول إريك أيضاً: "إن دعاة بعض الأشكال المعاصرة للحياة الجماعية، مثل زواج المجموعات والجنس الجماعي وتبادل الرفقة، إنما يحاولون، حسب ما أرى، مجرد الهروب من مواجهة معضلة الحب، وعلاج ما يعانون من ملل بابتداع مزيد من المنشطات، والرغبة في الحصول على مزيد من المحبين، للتغطية على العجز عن تحقيق حب حقيقي واحد".

بالطبع لا أدعم النمط السلبي في كلا النموذجين المتأثرين بشكل كبير بنمط شخصيات تقدمها السينما، أو الحكايات المتداولة بين الشبان والفتيات عن تجارب الحب والجنس المشوهة، لكن أدعم أن يكون الإنسان نفسه، وأن يثق في مميزاته ويعرف كيف يعبر عنها عاطفياً مع الشريك الذي يشبهه، ويتصالح مع عيوبه التي لا تضر بهذا الشريك.


بين الرجل الطاووس والرجل الهادئ

تعلق المعالجة النفسية إيمان جابر (33 عاماً) بالقول: "الباد بوي، بشكله النمطي، هو مثل الطاووس الذي يظهر ما ليس فيه، ويحاول أن يمتلك أشياء، مثل السيارة والهاتف الجوال والعمل الناجح، ويستخدم الكلام اللامع والهدايا الفاخرة، كل ذلك كمزينات ليكون جاذباً في العلاقات. في الحقيقة هو غير قادر على التواصل لأنه يعتقد بداخله أنه ليس جيداً كفاية".

أما الغود بوي برأي إيمان بشكله النمطي هو الرجل الهادئ الذي يجلس في الصف الأخير ولا يتحدث جيداً ولا يهتم بمظهره بشكل كاف، ويبحث عمن يقبله كما هو، ولكن لا يبذل أي مجهود لنفسه، وبالتالي، يصل لنتائج سيئة لأنه لا يصدق نفسه.

"لكن لماذا، كمجتمع، نلجأ إلى التصنيف؟"، نسأل المتحدثة لتجيب: "هذه الفكرة في نظرة المجتمع الذي يحب التصنيف طفولية وساذجة جداً. ما نحاول الوصول إليه هو الوسط وممارسة الحياة بشكل معتدل. من الطبيعي أن تكون جيداً في أشياء وسيئاً في أشياء أخرى، أو أنك تكون الجيد والسيئ مجتمعين، ولا تلجأ لتمثيل شخصية مزيفة لأجل حصد الإعجاب والانجذاب، أو أن تكون نجماً معتماً وغير مرئي، فتسقط من الرؤية".

تستكمل المعالجة حديثها لرصيف22: "دائماً يصدر للفتاة أنها تحتاج لرجل يمتلك خبرة ليستطيع إسعادها، ولكن ليس بالضرورة أن يكون الشخص صاحب الخبرات الحياتية والثري فكرياً واجتماعياً شخصاً سيئاً، بالتالي، فهي تنجذب للباد بوي وتنبذ الغود بوي، لأن هناك لأن هناك هالة حول الأول بأنه يمتلك العديد من التجارب، وحتى إذا مارس الأخطاء يجد من يغفر له، لأنه يبدو مثيراً ظاهرياً، بينما الثاني لا يستطيع أن يجعل نفسه مرئياً بشكل كافٍ، وبالتالي يظهر كشخص عديم الخبرة وغير مؤثر".

من الطبيعي أن تكون جيداً في أشياء وسيئاً في أشياء أخرى، أو أنك تكون الجيد والسيئ مجتمعين، ولا تلجأ لتمثيل شخصية مزيفة لأجل حصد الإعجاب والانجذاب، أو أن تكون نجماً معتماً وغير مرئي، فتسقط من الرؤية

حول نشأة هذه المفاهيم الخاطئة تربوياً تضيف إيمان: "الأمر يبدأ من نمط التربية في البيوت المصرية، الذي يدعم البنت المطيعة بشكل كامل للرجل. هؤلاء البنات عندما يصبحن أمهات، يغذين لدى الابن الرجل مساحات السيطرة والسطو الذكوري، بالإضافة للنموذج الأبوي المؤثر في مفهوم البنت عن الرجولة، بالتالي، لو كان الأب نرجسياً، فهذا يدفعها إلى الانجذاب لهذا الشكل من الرجال بلا وعي. نحن لم نتربّ على الشعور بالأمان وأننا نستحق أن نُحب حتى النهاية".


نماذج موجودة في السينما العالمية والمصرية

عن تكريس هذا النمط في الأفلام، تقول الناقدة السينمائية علياء طلعت (35 عاماً): "هناك علاقة تفاعلية بين السينما والمجتمع، فالسينما تكرّس لشيء موجود في المجتمع، وعندها يتعزّز كنمط سائد من جديد. نموذج الغود بوي والباد بوي موجود منذ بداية السينما، حيث يكون هناك تقابل وتضاد في الشخصيات، فلأجل أن يكون هناك باد بوي بارز، نسطّح الغود بوي. وقد لاقت الأفلام التي كرست هذا النمط نجاحاً تجارياً كبيراً، لأسباب عديدة، منها تقديم صورة حية من المجتمع من خلال ممثلين محبوبين، مما أدى لتكرارها على مدار عقود، وبالتالي لا تعطي فرصة للتغيير في الوعي الجمعي".



تستكمل علياء في حديثها لرصيف22: "من أقرب الأمثلة على ذلك من السينما الهوليودية، الممثل الأمريكي جيمس ستيوارت، الذي ظهر في الثلاثينيات واستمر للثمانينيات، واشتهر بشخصية الغود بوي بصفاتها سابقة الذكر، ومن المقبول أن تتركه الفتيات مقابل شخص آخر، متلاعب ومتنمّر، لأن شخصيته غير مثيرة للسيدات درامياً. على الجانب الآخر في فترة الثلاثينيات والأربعينيات وما بعدها، كان الممثل همفري بوغارت مشهوراً بشخصية الباد بوي، فشكله لم يكن قابلاً لأن يوضع في الدور المناقض".

تضيف علياء: "هناك تنميط للشخص اللطيف المهتم بالعلم والناجح في عمله. عندما نشاهد مسلسلاً مثل الأصدقاء (فريندز)، سنجد أكثر شخصية بها هذا التنميط هي شخصية (روس). فهو شخص لطيف وذكي وموهوب، وتم تنميطه بأنه ممل ولا يمكن أن تحبه فتاة جميلة، على الرغم من مرور أحداث درامية كبيرة في حياته استطاع التعامل معها".

نموذج الغود بوي والباد بوي موجود منذ بداية السينما، حيث يكون هناك تقابل وتضاد في الشخصيات، فلأجل أن يكون هناك باد بوي بارز، نسطّح الغود بوي. وقد لاقت الأفلام التي كرست هذا النمط نجاحاً تجارياً كبيراً

تقارن علياء ما بين السينما العالمية والسينما المصرية في تقديم هذا النمط، فتقول بأننا سنجد هذه الصور النمطية شائعة، في أفلام من أبرزها في الألفية الجديدة "السلم والثعبان": "فلدينا شخصية متلاعبة ومتعددة العلاقات، وفي نفس الوقت يتقبلها الجمهور ويعطيها فرصة، لأنه يرى أنه نمط قابل للإصلاح".

في المقابل نجد فيلم "سهر الليالي، 2003"، ويقدم لنا عدة نماذج من العلاقات، من ضمنها شخصية الغود بوي بشكله النمطي "علي"، الذي سُمى من شدة انضباطه "علي ابن الناس الكويسين"، فهو شخص تقليدي للغاية في مظهره الكلاسيكي، مطيع لأسرته الأرستقراطية التي دفعته لترك حبيبته والتزوج من قريبته، والتي تشعر تجاهه بالرفض، وأنه غير مشبع أو مثير عاطفياً وجنسياً لها، وتقيّمه كشخص جيد، لكنه عادي لدرجة الملل، ويظهر لنا كشخص مخلص في حبه لزوجته، لكن قلّة خبرته جعلت زوجته تشعر تجاهه بالنفور.

وتختم علياء حديثها بالقول: "المجتمع العالمي يمرّ بنضج وتطور ويكسر هذا النمط السائد، وبالتالي ظهرت أفلام تكسره، فحدثت تغييرات في صورة الرجل في المجتمع، وبالتالي في السينما، لكن في مصر لم يحدث ذلك، لأنه لا يليق بمعتقدات المجتمع الاجتماعية والدينية".

أعود هنا لفيلم "أسوار القمر" الذي اقتبست منه في المقدمة، حيث يتم تقديم شخصية هي أقرب، في السينما المصرية الحديثة، لنموذج الرجل الناضج. أحمد، الذي يترك حبيبته لأنه يشعر بأنها لا تحبه كما يحبها، وعندما ترتبط برشيد "الباد بوي" فيما بعد، تعرف كم هو مهووس ومؤذٍ، فتعود لتعترف أنها لم تكن تفهم معنى الحب الذي كان يفهمه أحمد.

وأستدعي أيضاً فيلم "hitch" الذي يعرض شخصية خبير العلاقات الذي يساعد من يرغبون بالارتباط بفتيات يحبونهن، لكن ليس لديهم المقومات ليثيروا إعجابهن، فيشرح كيف أن النساء لا يقبلن بالغود بوي الذي يتوجه لهن بشكل مباشر. الفيلم يدعم وينتصر لجوهر الحب الحقيقي الصادق، ويتحدث عن أن المظاهر شيء يمكن اكتسابه، لكن بغرض الحصول على الحب، وليس لإقامة علاقات سطحية وجنسية سريعة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image