المفتاح لفهم موضوع استتباع حزب الله للأحزاب المدنية في لبنان "ليس في البحث حول العلاقة بين هذا ‘السوبر حزب’ وبين كل حزب من هذه الأحزاب... بل هو كمفتاح السارق، أو ‘الماستر كي’، الذي يفكّ كل المغاليق والأبواب المقفلة... هو العداء مع إسرائيل، ويندرج تحته مفهوم المقاومة، ورفض التطبيع، وزوال إسرائيل، ومحاربة ‘الشيطان الأكبر’".
هذا مما قاله الباحث والناشر والناشط السياسي اللبناني لقمان سليم في حوار أجري معه في آذار/ مارس 2019، ولم يُنشَر قبل الآن، مضيفاً أن بعض الأحزاب "وتحديداً اليسار والقوميين والبعثيين" والتي لديها نظرياً مشروع اجتماعي أو قومي مضاف إليه العداء لإسرائيل "أفلست مشاريعها المجتمعية والقومية وبقي من برنامجها فقط العداء لإسرائيل".
واغتيل سليم قبل أيام في الرابع من شباط/ فبراير، في إحدى قرى جنوب لبنان وعُثر على جثمانه داخل سيارة مركونة على جانب الطريق وتبيّن من تقرير الطبيب الشرعي إصابته بست رصاصات، خمس في رأسه وواحدة في ظهره.
في المقابلة، يتحدث سليم عن كيفية تجيير حزب الله الديني للأحزاب المدنية والعلمانية في لبنان لصالحه، وعن الأسس التي تحكم هذه العلاقة.
ـ ما هو المفتاح لفهم العلاقة بين حزب الله الديني والأحزاب "المدنية" و"العلمانية" في لبنان؟
في البداية تجدر الإشارة إلى أن هنالك نوعين من الأحزاب أو ثلاث فئات: الأحزاب ذات النزعة اليسارية، وريثة إيديولوجيا الماركسية؛ والأحزاب القومية كحزب البعث والحزب السوري القومي الاجتماعي؛ والفئة الثالثة تتضمن بعض التنظيمات الفلسطينية، العلمانية منها والتي تزعم العلمانية، وهؤلاء، حتى وإنْ كانوا غير لبنانيين، لكن وجودهم في لبنان يصيّرهم لاعبين لبنانيين.
ما هي طبيعة العلاقة التي أتاحت استتباع الأحزاب غير الدينية لمصلحة حزب ديني حتى النخاع الشوكي، على الأقل بدليل اسمه فهو حزب ينسب نفسه إلى الله؟ المفتاح لفهم الموضوع ليس في البحث حول العلاقة بين هذا "السوبر حزب" وبين كل حزب من هذه الأحزاب. المفتاح الذي يفسّر هذه العلاقة والذي يمكن أن يفسّر علاقة الاستتباع التي تجمع حزب الله بأحزاب كانت منه في موقع العداء في يوم من الأيام، هو كمفتاح السارق، أو "الماستر كي"، الذي يفكّ كل المغاليق والأبواب المقفلة، وهذا المفتاح السحري هو العداء مع إسرائيل، ويندرج تحته مفهوم المقاومة، ورفض التطبيع، وزوال إسرائيل، ومحاربة الشيطان الأكبر.
هنالك بعض الأحزاب تركيبتها الإيديولوجية معادية لإسرائيل، وتحديداً اليسار والقوميون والبعثيون، ولديها مشروع اجتماعي أو قومي مضاف إليه العداء لإسرائيل. هذه الأحزاب أفلست مشاريعها المجتمعية والقومية وبقي من برنامجها فقط العداء لإسرائيل، والتنازل عن هذا المشروع يُعتبر الطلقة الأخيرة أو الزفرة الأخيرة التي تطلقها هذه الأحزاب في مسار إندثار فاعليتها، ولكي تبقى حيّة صارت مضطرة لأن تلعب داخل مساحة حزب الله أو داخل المساحة التي يسمح بها حزب الله.
حزب الله وجد أن هذه الأحزاب والتيارات، بعدما أفلست مشاريعها، أصبحت كالقط بدون مخالب، وعملياً لم يعد هنالك وجود لمشكلة إيديولوجية بينه وبينها، واعتبر أنه هو وكيلها الحصري بفعل قوة خطابه وصعوبة مواجهة هذا الخطاب المقاوم المعادي لإسرائيل في الشارع اللبناني.
العلاقة بين الأحزاب المدنية وبين حزب الله الديني ليس لها أي أساس فكري أو طرح نظري مشترك غير العداء لإسرائيل. وأيضاً، يجب النظر إلى العلاقة من زاوية مختلفة، إذ يجب البحث في كيف يرى كل طرف الطرف الآخر. فالعلاقة ليست باتجاه واحد بل لها اتجاهان، فحزب الله لا ينظر إلى كل هذه التشكيلات والفصائل النظرة نفسها.
ـ كيف يمكن أن نصف العلاقة بين الحزب الشيوعي وحزب الله؟
إذا أخذنا نموذج الحزب الشيوعي، فما يعني حزب الله في دعمه في بعض المحطات هو إبقاء صمام أمان تنفيسي في بعض المناطق، فحزب الله يعرف بوجود مزاج غير موالٍ لنهج التديّن عند شريحة كبيرة من الشيعة، لذا يترك هامش مناورة ضيّق، وتحديداً في جنوب لبنان، ولكنه يأخذ من الشيوعيين ما هو أكبر بكثير ومن جملة ذلك: تثبيت صورته كطرف يحترم التعددية السياسية. وفي المحطات الانتخابية يستخدمهم لمصلحته.
يعرف الحزب الشيوعي أن حزب الله هو موزّع الفساد في لبنان ويتغاضى عن ذلك بذريعة المقاومة والعداء لإسرائيل أولاً، ولعدم قدرته على الخوض في مواجهة سياسية معه، إذ ستكون نتائجها الشعبية مدوّية وتفكيكية للحزب الشيوعي.
هكذا، أصبح الحزب الشيوعي لمالكه حزب الله، وكل مَن يغرّد خارج السرب في هذا الحزب يُفصَل، خاصة إذا كانت لديه أفكار معارضة لحزب الله أو لديه رؤية بديلة مختلفة عمّا يحدده حزب الله للمقاومة والعداء لإسرائيل. وللدلالة على ذلك: هل يمكن للحزب الشيوعي أو لأي حزب يدّعي المدنية والعلمانية والوطنية أن يقوم بأي نشاط داخل المناطق المسيطر عليها من حزب الله بدون إذنه؟ أو هل يمكن للدولة اللبنانية أن تقوم بأي نشاط دون إذن حزب الله في مناطقه؟ إذا كانت الدولة اللبنانية غير قادرة على ذلك فهل يملك أي حزب آخر القدرة على فعل ذلك، كالدعوة إلى تحركات شعبية وتظاهرات أو إنشاء مراكز حزبية أو وضع لافتات أو توزيع منشورات سياسية أو قطع طرقات وإقامة مهرجانات حزبية في الضاحية أو القرى الجنوبية أو في بعلبك الهرمل، إلا فيما ندر؟!
لقمان سليم في مقابلة لم تُنشر سابقاً: "لا يمكن رؤية حزب الله إلا من خلال المنظور العسكري الحربي، فالحزب لا يمكنه أن يبقى ويستمر دون حروب، تماماً كالسمكة لا يمكنها العيش خارج الماء، والبيئة الحاضنة لحزب الله ليست جمهوره بل هي الحرب"
إذاً، يستثمر حزب الله في السياسة كما يستثمر في أي شركة، فهو شركة قابضة متعددة الجنسيات عملها إدارة شركات صغيرة ولديه كل الأدوات اللازمة الإيديولوجية والقوة العسكرية والاقتصادية والمالية.
في دعوة تأبين أقامها الحزب الشيوعي قبل فترة، وضع على نص الدعوة آية من الذكر الحكيم... في هذا وفي وقائع أخرى شبيهة دلالات على أن عقائد الأحزاب اليسارية، والشيوعي بشكل خاص كونه من أوسع هذه الأحزاب المدنية انتشاراً على مساحة لبنان، أخذت بالتبدد وتغلغلت داخلها عقيدة حزب الله الدينية.
والآن، للحزب الشيوعي رصيد من النوستالجيا المبعثرة في عشرات القرى ولدى مئات الناس وتعود إلى عهده الذهبي، لذلك يُسمح له بأن يكون راعيها لكن ضمن ما هو مسموح. يترك حزب الله مساحات لهذه الأحزاب لتلعب فيها دون أن يكون لها قدرة على تشكيل وحدة متماسكة.
ـ من الأحزاب المدنية العلمانية المؤثرة في المشهد السياسي اللبناني نجد الحزب السوري القومي الاجتماعي، فما الذي يحكم علاقته مع حزب الله؟
الحزب السوري القومي الاجتماعي من أعرق الأحزاب اللبنانية، ومع خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان صار هذا الحزب موالياً لسوريا، ومن أحد الألغاز عدم إيجاد رابط إيديولوجي بينه وبين حزب الله الديني.
يكتفي الحزب السوري القومي من الغنيمة بما يعطيه له حزب الله وذلك عبر تقديم أولوية الصراع مع إسرائيل على أي شيء آخر، إضافة إلى الهروب من طرح إشكاليات تتعلق بالتوافق الإيديولوجي بينه وبين حزب الله. وما يجمعهما أيضاً التنظيم الحديدي، ويجمعهما التحاقهما بالنظامين الإيراني والسوري.
في الانتخابات النيابية الأخيرة (2018)، لم يخرج الحزب السوري القومي الاجتماعي عن طوع حزب الله والتحق بلوائحه لأن لديه رصيد ما، ويعتبر حزب الله أن هذا الحزب من الاحتياط الاستراتيجي الذي يستثمره ويفرض شروطه عليه... ويفضّل حزب الله أن يدعم مرشحي هذا الحزب لأن له شعبية ما في بعض المناطق ويمثّل حساسية في بعض المناطق.
ـ ماذا عن حزب البعث السوري؟
حزب البعث السوري لم تَعُد لديه قيمة شرائية على الساحة الانتخابية، ولذلك يُستثنى من الدخول في لوائح حزب الله، بالرغم من كونه جزءاً من الحزب الحاكم في سوريا، دون أن يملك حزب البعث أي بديل آخر. كانت له فترة عزّ في ظل الوجود السوري وفقد شعبيته. وكان له حضور في عكار لكنه فقده والسبب في ذلك يعود إلى غلبة الحس المذهبي في لبنان على باقي الانتماءات الأخرى القومية والعروبية.
وحتى على المستوى الإيديولوجي، فإن فكرة العروبة فقدت بريقها وأفلست الأحزاب الداعية إلى القومية العربية، وأكثر بكثير من إفلاس الأحزاب اليسارية، لأن الأحزاب اليسارية تتمكن من التسلل من خلال عناوين اجتماعية. يجد حزب الله باعتباره شركة أن حزب البعث فقد ربحيته، وأصبح مثل سلّة العقارب إذ تتناتش قياداته في ما بينها من الداخل، مثل الخلاف بين فايز شكر والوزير عاصم قانصوه، وهنالك اتهامات متبادلة داخل الحزب.
كذلك، أعاد حزب الله إحياء "المرابطون"، وذلك من أجل تأمين جسر عبور ضمن السنّة. يكتنف الضباب بعض هذه الأحزاب فهي تدّعي أنها أحزاب مدنية وعلمانية لكنها تتحرك ضمن حيّز مذهبي واحد فقط لا غير وليست لها أي امتدادات عابرة للطوائف. تخاطب هذه الأحزاب الوجدان السنّي من منطلق الناصرية، لكن اليوم ما هو التعريف السياسي والمشروع السياسي للإيديولوجية الناصرية؟ من شبه المستحيل تعريف ماذا تعني الناصرية الآن. إنها تشبه الآثار إلى حد ما.
ويستخدم حزب الله "سرايا المقاومة"، وهي جناح عسكري تابع له ويخدم أهدافه، وتتم عملية استتباع الأحزاب اليسارية والقومية عبر إعطائها دور ما في هذه السرايا، ويمد لهم حزب الله يد العون، كنسور الزوبعة (تنظيم عسكري تابع للحزب السوري القومي الاجتماعي) وغيرها.
أوجد حزب الله أطر عمل لكل هذه الأحزاب إذ تجتمع وتُصدر بيانات. ليس لها أي دور أصيل وإنما هي نوع من الواجهة التي تصب في تلميع صورة حزب الله. وخلق حزب الله إطاراً لهذه الأحزاب الصغيرة، عام 1997، أسماه تجمع الأحزاب والقوى الوطنية، ويضمّ أكثر من 20 حزباً في لبنان.
التنظيم الشعبي الناصري برئاسة النائب أسامة سعد لديه حيثية صيداوية موروثة لا يمكن المرور دونها، لأن لهم تاريخ في المقاومة. أما حركة الشعب فلم تستطع تجيير أصوات انتخابية وفشلت في إيصال نجل نجاح واكيم إلى البرلمان.
ويجمع أيضاً حزب الله من حوله مجموعات من المجتمع المدني مستخدماً ذات الاستراتيجية وتحت عنوانين "عنوان المقاومة وعنوان أخلاقي في مواجهة إسرائيل" وهكذا يبقي هذه التجمّعات مدينة له ومرهونة له بسبب صعوبة معارضة هذه الاستراتيجية والتحرر منها.
ـ ما السبب الذي يجعل من الشيعة نواةً للأحزاب المدنية في لبنان؟
الشيعة هم الأكثر تأثيراً داخل الأطر التنظيمية لأغلب الأحزاب المدنية والعلمانية وذلك لأسباب تاريخية جعلت منهم الأرض الخصبة لهذه الأحزاب. ولمقاربة ذلك يجب العودة إلى جذور الحزب الشيوعي في مطلع حياته أو بداياته، إذ كان قوياً عند الطائفة الأرمنية حين كانوا الطائفة أو الجماعة المستضعفة. لذا، من الطبيعي أن يجد الحزب الشيوعي نواته الصلبة وضالته داخل الطائفة الشيعية كفئة مهمشة بحاجة إلى تمثيل سياسي وتطوير لأوضاع أبنائها الاجتماعية، وكانوا يدفعون أثمان بقاء النظام.
لقمان سليم في مقابلة لم تُنشر سابقاً: "اليسار والقوميون والبعثيون لديهم مشروع اجتماعي أو قومي مضاف إليه العداء لإسرائيل. هذه الأحزاب أفلست مشاريعها المجتمعية والقومية وبقي من برنامجها فقط العداء لإسرائيل، ولكي تبقى حيّة صارت مضطرة لأن تلعب داخل مساحة حزب الله"
يُضاف إلى ذلك أن الجنوب اللبناني هو مَن كان في خط المواجهة مع إسرائيل في فترة وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. تغرف هذه الأحزاب من الوسط الشيعي لأن نشوء دولة إسرائيل عام 1948 أدى إلى إقفال الحدود وبدأت هجرة الشيعة من الجنوب وهذا معطى ديموغرافي لا يمكن القفز فوقه وتناسيه.
ـ كيف يمكن ربط ما تقوله بالأرقام الانتخابية المستقاة من انتخابات 2018 النيابية؟
في الانتخابات النيابية الأخيرة، كانت نتائج كل بقايا اليسار غير مشرّفة على الإطلاق، واستفاد حزب الله من أصوات الشيعة العلمانيين، حتى أولئك الذين ينادون بالدولة المدنية الديمقراطية، فقد صوتوا لحزب الله الديني تحت شعار المقاومة.
وهذه الأرقام الهزيلة لها مدلولاتها في السياسة وفي كيفية تبعية مَن إلى مَن في السياسة اللبنانية. فحزب الله حاز على 343 ألف صوت وحركة أمل على 204 آلاف صوت، مع الإشارة إلى أن حزب الله جيّر أصواتاً لصالح رئيس حركة أمل نبيه بري، علماً أنه سيرث حركته بعد وفاته.
أما حزب البعث الاشتراكي، ممثلاً بفايز شكر، فقد حصل على 1159 صوتاً، وحصد مرشحو الحزب السوري القومي الاجتماعي، الفائزين والراسبين، على 20651 صوتاً في كل لبنان. أما الحزب الشيوعي اللبناني فلم يجمع سوى 10119 صوتاً ورسب كل مرشحيه، فيما حاز أسامة سعد على 9880 صوتاً تفضيلياً، ولم تنجح حركة الشعب ممثلة بعمر نجاح واكيم سوى بالحصول على 476 صوتاً لا غير.
ـ الشيعة في لبنان، إلى أين؟ وهل هنالك دور تلعبه حركة أمل باعتبارها ذات أساس مدني؟
الرئيس نبيه بري هو الوريث الحقيقي للزعامة الأسعدية التي كانت تمسك العلاقة مع الجمهور بواسطة مصالح الناس المباشرة، وحركة أمل تريد الدولة ولكنّها تريد أن تحلب الدولة حتى العظم، وتستخدم العصبية الشيعية حسب الظروف في حين أن حزب الله تعبئته مستمرة ودائمة، في السلم تعبئة وفي الحرب تعبئة.
حزب الله يتمتع بإمكانية صناعة القائد، والعقيدة تلعب دوراً أساسياً في هذا المضمار وتعطي أفضلية له على حركة أمل وباقي الأحزاب المدنية التي تدور في فلكه، فالأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هو نائب الولي الفقيه وظله في لبنان، والولي الفقيه ظل للإمام المهدي. هنالك لعبة ظلال مترابطة والوجدان الشيعي وجدان ديني بامتياز وهنالك ربط للوعي الشيعي بالأسطورة الدينية وهذا ما يتفوق فيه حزب الله على حركة أمل وباقي الأحزاب المدنية.
ما ينادي به الرئيس بري في خطاباته حول إلغاء الطائفية السياسية (وهو بند من بنود ميثاق حركة أمل) أصبح أضغاث أحلام، ودوائر القرار في الحركة تدرك ذلك جيداً لأن أجندة حزب الله هي الأجندة المعبّرة عن غالبية الوجدان الشيعي، كذلك فالأوضاع في المنطقة تؤشر إلى مزيد من التطرف والعصبية والتقوقع ومن هنا استحالة قيام مجتمعات مدنية في المنطقة، فالعالم ذاهب إلى تطرف أكثر.
حزب الله "تنظيم مقفل"، قالها نصر الله بمعنى مديح السرية، فالحزب يمكن تخيّله كآلة تعمل أوتوماتيكياً بينما حركة أمل جسم بشري قابل للعطب. ولا وجود لعقيدة لدى حركة أمل وليس لديها مشروع مجتمع رديف على غرار المجتمع الرديف الذي شيّده حزب الله.
ولربما نتفاءل بالقول إن حركة أمل تحمي بعض الشيعة من التطرف ولكن إذا تحدثنا عن الجماعة الشيعية ككل عموماً فلا شك أنهم كما غيرهم من الجماعات في هذه المنطقة ذاهبون إلى مزيد من التطرف وهذه حالة عامة. فبمقدار ما يرتفع الحنق السنّي سوف يقابله حنق شيعي ومسيحي ودرزي، إلخ.
ومَن يريد أن يبيع من اللبنانيين مقولات كالاعتدال والتسامح يجب أن يبدأ بالقول علناً إنه ضد حرب الله وضد التعبئة وضد الأحادية وضد تعليق الحياة المدنية في لبنان. فأي طرف يوافق، قناعةً أو تقيةً، على منطق استمرار الحرب مع إسرائيل أو مع غيرها في سوريا واليمن والعراق والبحرين هو شخص لا يعوَّل عليه. فسلام جائر أفضل من استمرار حالة الحرب، وسلام يسمح بأن تتفتح حياة سياسية ومدنية أفضل مئة مرة من استمرار حالة حرب تبرر التضييق على الحريات وزيادة القمع وبالتالي خنق الشخصية الفردية للمواطن العربي.
الموقف الرئيسي لحزب الله ليس محاربة إسرائيل وإنما استمرار حالة التعبئة الحربية، أياً تكن الوجهة الحربية، لأن هذا الحزب يفقد دوره ومبرر وجوده خارج حالة التعبئة الحربية. فحزب الله يقتات على الحروب سواء كانت حروباً مع عدو داخلي أو مع عدو خارجي.
وحزب الله سوف يبقى في حالة شغل دائمة لتوسيع حصته داخل حركة أمل وداخل المزاج الشيعي ككل وداخل الأمزجة الأخرى من الجماعات المختلفة في لبنان كالمزاج السنّي واليساري والمدني. ولا يمكن رؤية حزب الله إلا من خلال المنظور العسكري الحربي، فالحزب لا يمكنه أن يبقى ويستمر دون حروب، تماماً كالسمكة لا يمكنها العيش خارج الماء، والبيئة الحاضنة لحزب الله ليست جمهوره بل هي الحرب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...