شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
رسالة من كورونا في عيد ميلاده الأول

رسالة من كورونا في عيد ميلاده الأول

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 3 فبراير 202103:02 م

مرحباً

نادني كما شئت، فأسمائي كثيرة، دلّعني إنْ رغبت، اسخرْ مني، لديك كامل الحرية في الحديث عني، أو مخاطبتي. أعرف أنك تكرهني وتمقتني، وتلعن الساعة التي سمعت بي فيها، ولو كنتَ حينَها تظن أنك بمأمنٍ مني.

مضى أكثر من سنة على إقامتي لديك، على إشغالي بالك وتفكيرك، أنت وحكومتك التي أضافتني على قائمة حججها المبتذلة والطويلة، مثلما يفعل أرباب العمل الآن. أتضامن معك يا صديقي.  

هل كنت تسمع بمنظمة الصحة العالمية قبل ظهوري؟ 

ماذا أقول لك؟ أنا فيروس لطيف؟ هل تنتظر ذلك؟ أو Happy Anniversary على علاقتك بتلك الكمامة؟

ماذا أقول لك؟ أنا فيروس لطيف؟ هل تنتظر ذلك؟ أو Happy Anniversary على علاقتك بتلك الكمامة؟ طبعاً بغضّ النظر عن لونها، نوعية قماشها وماركة تصنيعها، أليست صديقة جيّدة؟ ولو أنها مقيتة وبشعة وسيّئة، لكن ربما دامت علاقتك بها أكثر من غيرها، فلتنظرْ إلى الأمر من هذا الجانب، ستتحسّن علاقتك المتدهورة معها ربما. هل كنت تعرف مديرها تيدروس أدهانوم؟ الذي أعلن ذلك النبأ بداية السنة الفائتة، المكروهة أكثر مني بالمناسبة. حقك. 

لقد كانت سنة مذهلة حقاً، أعجبني مناخ إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا كثيراً، وكل أوروبا بشكل عام، وأقمت في أمريكا فترة طويلة. حتى أني دخلت البيت الأبيض، فكرهني سيده السابق، كرهني أنا وكل الصينيين. أما فترة إقامتي قرب حوض الأمازون، خصوصاً في البرازيل، فكانت مروّعة. الشرق الأوسط؟ آه من الشرق الأوسط! وآهين من أفريقيا! لم تكن تلك الدول "المعتّرة" مستعدة لاستقبالي، كعادتها مع أشقائي وأولاد عمومتي الفيروسات. زرت كل مكان تقريباً، ولا زلت أتنقل وأسافر وأصيب. بالمناسبة، أنا مثلك أحب الترحال. 

لا مستشفيات جاهزة ولا مراكز حجر، حتى أن بعض الدول تعاملت معي بسخافة وحماقة، أتوجد دولة في العالم أغلقت فقط لمدة عشرين يوم غير سوريا؟ أيوجد من يقول "معندناش مشكلة مع كورونا"، وبلده ضمن التصنيفات العالمية للبلدان الموبوءة غير السيسي؟

بلغني من عدّادات منظمة صحتك العالمية، أن الإصابات بي تجاوزت 100 مليون إنسان، والوفيات تكاد تقترب من 2.5 مليوناً آخرين، وحالات الشفاء وصلت إلى أكثر من 57 مليون شخص، بغض النظر عن عمر من توفي بسببي، والمستوى الصحي لديه، إلا أن نسبة كبيرة منهم قيل إنهم احتاجوا أجهزة تنفسٍ اصطناعي وغرف عناية مشددة، ولم تقدر دولهم تأمين ذلك. لا مستشفيات جاهزة ولا مراكز حجر، حتى أنها تعاملت معي بسخافة وحماقة، أتوجد دولة في العالم أغلقت فقط لمدة عشرين يوم غير سوريا؟ أيوجد من يقول "معندناش مشكلة مع كورونا"، وبلده ضمن التصنيفات العالمية للبلدان الموبوءة غير السيسي؟

 لكن دولاً كثيرة من تلك الفصيلة، وفي نفس الوقت، استطاعت تأمين أحدث البوارج والطائرات ومنظومات الصواريخ الحربية، ولو بالدَّين، وفعلت ولا تزال تفعل، ثم أكون أنا القاتل! 

بصراحة، أحياناً أقرأ ما تكتب صحفك التي أسهمت في زيادة وعي وثقافة محرريها الصحية الغائبة قبلي، ولو ما يزال بعضهم يخطئ أحياناً في المفاهيم والمعلومات، وأتابع ما تبثه تلفزيوناتك عني، التي أوجدت وظيفة ثانية "Part Time" للأطباء والخبراء الصحيين، بعد الظهر. لقد صاروا أهم من المذيعين فعلاً. حزين جداً على هذه العناوين والمضامين. يقولون إني دمّرت العالم وأنهكت اقتصاده، يتهموني بالتسبب في وقوع مئات الملايين بمستنقعات الفقر المدقع، يتهموني بأني من سرّح 19% من العمال والموظفين، وأني خفّضتُ رواتب 24% منهم، وأني أنقصتُ ساعات عمل 32% منهم، وأني أمرتُ بإعطاء عطلة بلا أجر لأكثر من 40% منهم، وأني السبب في إيقاف 1.5 مليار طالب عن التحصيل العلمي، هكذا تقول تقارير إحصائية صادرة عما تسمونه "البنك الدولي" لسنة 2020.

لا أبرّئ نفسي. بشكل أو بآخر، لدي يدٌ في ذلك، لكن أيحق لي أن أسأل: هل فعلاً أنا من يتحمّل المسؤولية عن كل تلك المتاعب؟ 

أريد تذكيرك بأن وظيفتي البيولوجية والوبائية واضحة جداً، حتى أنك أصبحت خبيراً بها: سعال جاف، ارتفاع حرارة، تعب، صداع، فقدان حاسة الشم أو التذوق، وممكن إسهال، باقي الأمور ليست شغلتي. لا إيقاف التعليم، ولا بلاء الخوف ونقص المال والأنفس والثمرات، افهمْ هذه النقطة جيداً يا صابر، أو اصرخْ في وجه أي حكومة قريبة منك: أنا مجرد فيروس، مثلي مثل شقيقي السارس، وH5N1 (الطيور) ونسيبي إيبولا. 

لا أعرف متى أرحل عنك وأغيب عن مسامعك، لكنّي سمعتُ أن هناك سبعة لقاحات: روسية، بريطانية، صينية، ألمانية-أمريكية، وثلاثة أخرى أمريكية الصنع، بفاعلية مختلفة وأسعار متباينة أيضاً، وصل الصيني منها إلى حدود 70$ تقريباً، والبقية يتفاوتون بين الـ4 والـ16 والـ30$ للجرعتين، وربما سأسمع في الفترة المقبلة عن لقاحات جديدة، أي واحد منها ستختار، إذا وصلك طبعاً؟ أو بالأحرى هل تؤمن بفكرة التطعيم؟ بما أن الجدل قائم حيالها، صايرة وصايرة يعني. 

علمتُ أن الأمم المتحدة ومنظماتها مشغولة الآن بالتفكير في كيفية توزيع تلك اللقاحات على الدول الفقيرة والمتوسطة، طمّني هل وصل أيٌ منها إلى اليمن؟ نيجيريا؟ سوريا؟ غانا؟ ناميبيا؟ ليبيا؟ بوركينا فاسو؟ أفغانستان؟ ليتهم يكافحون الأوبئة كما يكافحون الإرهاب

 علمتُ أن الأمم المتحدة ومنظماتها مشغولة الآن بالتفكير في كيفية توزيع تلك اللقاحات على الدول الفقيرة والمتوسطة، طمّني هل وصل أيٌ منها إلى اليمن؟ نيجيريا؟ سوريا؟ غانا؟ ناميبيا؟ ليبيا؟ بوركينا فاسو؟ أفغانستان؟ ليتهم يكافحون الأوبئة كما يكافحون الإرهاب. هكذا تتمنى ربما، مثلما تتمنى رحيلي، لكن لا أحد يعرف متى اختفي، ربما أظهر في سلالات جديدة كما حصل في المملكة المتحدة، ربما يحل بدلاً مني وباء جديد، أو بالأحرى "جديد-قديم" كما تحذّر بعض الأوساط من إمكانية انتشار وباء "نيباه" هذه السنة، وهو -كما تقول منظمتك الشهيرة- أحد أبناء عمومتي الذين ينتقلون من الحيوانات إلى البشر، عن طريق خفافيش الفاكهة التي تحب التمر ونخيله كثيراً. يقولون إنه أخطر مني، سأسأله عن الأمر حينما التقيه. الصين نفت انتشاره عندها، أعلم، لكن من يدري؟ لعلّ تلك الكمامة ستحفظ عهدها معك أكثر. 

لا أحد يعرف متى تعود الحياة إلى طبيعتها كما كانت في 2019، حتى أن خلقي ضاق من معاشرتك، أنا أيضاً أريد الرحيل، صدقاً. أعلم أنك اشتقت للملاعب والسينما والترحال السهل، من دون أي نخزة أنفية أو شرجية، حتى أني حقاً لا أستطيع تخيل مونديال قطر2022 بلا جمهور، مثلما كنت لا أتصوره من دون مارادونا الغاضب على المدرجات، ذلك، إن حصل، سيحزنني، أنا وأنت وميسّي، كثيراً.

انتبه إلى نفسك صديقي. 

قبلاتي 

كورونا 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard