شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"معلَّقة في غزة وزوجي لا يستطيع إطعام نفسه في تركيا"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 31 يناير 202105:03 م

انتظرت سبع سنوات على أمل أن تستطيع اللحاق به إلى كندا، بلد هجرته، لكن نادية شاهين (39 عاماً) اضطرت، تحت ضغط من عائلتها، لطلب الطلاق من أحمد (42 عاماً) مثل غيرها من الغزيات اللواتي انفصلن عن أزواجهن، وأخريات على وشك الطلاق بسبب ظروف الحصار، إذ يقف المعبر المغلق حاجزاً أمام سفرهن.

"هذه ليست حياة"

تقول نادية التي تعمل في أحد صالونات التجميل للسيدات، لرصيف22: "لم يدم زواجنا إلا سبعة شهور، ثم حصل أحمد على منحة دراسية، وسافر على أمل أن ألحق به، لكن الأمر امتد لسبع سنوات، دون أي أمل في أن يحصل على موافقة لسفري".

وتضيف: "أهلي ضغطوا عليّ وبشدة خلال آخر سنتين، واعتبروا أنني بدأت الدخول في سن حرجة، ولا يجوز أن أظل هكذا، معلقة، واعتبروا أن عدم إنجابي منه خير، حتى لا يكون هناك رابط، وانفصلت عنه".

ولم يختلف الأمر كثيراً مع سوسن يوسف (43 عاماً)، وهي ربة منزل، إلا أن زوجها منير هو الذي طلقها، بحجة أنه لن يستطيع تأمين سفرها، تضيف: "ضل زوجي عالق في تركيا 4 سنوات، ولا يستطيع الهجرة إلى بلجيكا كما كان يخطط، وأصبحت ظروفه صعبة، بعد أن أنفق كل ما بحوزته، وطلبت منه الرجوع لغزة لكنه رفض".

وتضيف: "عندما سافر، كنت حامل في شهري الأخير، والآن ابني يوشك على دخول المدرسة، وهو لا يعرف والده إلا عبر الإنترنت، وهذه ليست حياة، أنا هنا معلقة، وهو هناك لا يستطيع حتى توفير طعامه".

ألم نفسي وجسدي

أما سهى الأشرم (38 عاماً)، تعمل محاضرة جامعية في إحدى جامعات غزة، فزواجها انتهى منذ لحظة قران زوجها بامرأة أخرى.

تقول سهى لرصيف22: "انتظرته أربع سنوات على أمل أن يحصل على الجنسية، لكن كان يتم رفضه، ويعيد المحامي الاستئناف دون أي نتيجة، ومع ذلك لم أيأس رغم كل الألم النفسي والجسدي، وتحملي لمسؤولية أبنائي الثلاثة".

"باع البيت بالعفش الذي به، والسيارة، وسكنت مع والديه المسنين، وعرفت أنه تزوج بأخرى، لم ينكر، قال لي: وين بدي آخدك بكوم الصغار وأهلي الكبار، خليكي في غزة، ونجوم السما أقرب لك من الطلاق، ومصروفك حيوصلك كل شهر"

كانت سهى توفر مصاريف المنزل، وتحرم نفسها من كثير من الضروريات، حتى تستطيع تحويل مئة وخمسين دولار شهرياً لزوجها لمساعدته في نفقاته، مضيفة: "بعد فترة، بدأ زوجي يتغير وانقلبت حياتي جحيماً، وأنا أنتظر كل ليلة مكالمته، لكنه كان يغيب بالأيام دون اتصال، ثم عرفت من أصدقاء لنا هناك أنه تزوج من بلجيكية، وعندما واجهته أنكر في البداية، ثم اعترف أنه تزوج بحجة تسهيل حصوله على الجنسية".

رفعت سهى دعوى في المحكمة للتفريق بحجة الضرر الواقع عليها من غياب الزوج، وطُلّقت، تقول: "لم أعد أشعر بالأمان، كيف أستمر مع شخص لم يقدر تضحياتي وصبري، أنا هنا في غزة موظفة حكومة، وأستطيع إعالة نفسي وأبنائي".

وحسب بيان أصدره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فإن معاناة سكان قطاع غزة الحالية تعود أساساً إلى استمرار الحصار الإسرائيلي غير القانوني وغير الإنساني المفروض على القطاع، والذي يشكل عقوبة جماعية لـ 2 مليون فلسطيني، إذ يبلغ حالياً عدد المسجلين للسفر في كشوفات هيئة المعابر والحدود، التابعة لوزارة الداخلية في غزة، نحو 20 ألف شخص، جلّهم من العائلات المشتتة.

وتطالب زوجات بالطلاق بسبب عدم استطاعتهن السفر عبر معبر رفح للالتحاق بأزواجهن، كما حدث مع مريم (33 عاماً)، ربة منزل، انفصلت عن زوجها قبل شهور قليلة، تقول: "لم أمض معه سوى عامين، ثم سافر وأنا كنت ضد السفر، خصوصاً وأنه موظف ولديه راتب في غزة، لكنه أصر على السفر".

وتضيف مريم: "في البداية تحملت، ولكن بعد فترة بدأت أشعر برغبتي في أن أعيش حياتي كامرأة، وتكون علاقتي الجنسية مع زوجي كما تمنيت، ولكن الوضع كان صعباً، خصوصاً وأن زوجي كان يطلب مني كثيراً أن نتحدث في أمور الجنس عبر الإنترنت، وهذا زاد من رغباتي أكثر وشعرت بأنني لن أستطيع الانتظار".

وتشير إلى أنها ضغطت على زوجها كثيراً للرجوع إلى غزة، لكنه كان يواجه طلبها بالرفض، وحاولت أكثر من مرة تقديم أوراقها للسفر، لكنها كانت تمنع عبر المعبر، ولا تستطيع الحصول على تنسيق إلا بمقابل مالي يقدر بحوالي ألفي دولار أمريكي، حتى وصلت لأخذ قرار الانفصال، ثم تزوجت مباشرة، وهي الآن على وشك ولادة طفلها الأول.

"خليكي معلّقة"

تحمل قصة الممرضة هدى (41 عاماً) مذاقاً أكثر قسوة للغبن الذي اختبرته مع زوجها، الذي قرر أن يسافر إلى أوروبا ليبحث عن حياة أفضل، فباع منزلهما وسيارته، وسافر آملاً أن تلحق به زوجته بعد شهور قليلة، ريثما يدبر أموره في تركيا.

تقول هدى لرصيف22: "للأسف تركني أنا وأبنائي الخمسة، وسافر بعد أن باع البيت بالعفش الذي به، وذهبت لأسكن مع والديه المسنين، ثم مرت الشهور وهو يقول لي هانت، حتى صدمني خبر لم أكن أتوقعه".

تفاجأت هدى أن زوجها كان متزوجاً عليها قبل سفره بأسابيع، وسافر مع زوجته الأخرى، وتركها في منزل والديه لتخدمهما، تضيف: "عندما واجهته لم ينكر، وقال لي: وين بدي آخدك بكوم الصغار وأهلي الكبار، خليكي في غزة ومصروفك ومصروف أهلي والأولاد حيوصلك كل شهر".

"نجوم السماء أقربلك، وخليكي معلقة".

أصرت هدى على الطلاق، لكنه رفض، وقال لها: "نجوم السماء أقربلك، وخليكي معلقة"، ولا زالت قضيتها معلقة في المحاكم، كما كثير من القضايا، بحسب المحامية شوق أبو عيشة، التي تقول لرصيف22: "عشرات القضايا المشابهة في المحكمة لنساء سافر أزواجهن، بدأوا حياة جديدة وتركوا الزوجات في غزة معلقات".

وعن حقوق الزوجة في هذه الحالة، تقول أبو عيشة: "للزوجة الحق في رفع دعوى التفريق للغياب، ويشترط سفر الزوج وغيابه مدة أكثر من سنة بلا سبب شرعي أو عذر مقبول، ولم يطلب زوجته للسفر إليه طوال مدة سفره، ولم يأت للإقامة معها في غزة".

وتضيف: "النفقة حق للزوجة، فيحق لها رفع نفقة على زوجها حتى لو كان مسافراً، والتحصيل بالاستدانة من أحد أقاربه، وفي حال الانفصال، حقوقها تتمثل في المهر المؤجل (المتأخر)، وتابع مهرها المعجل (عفش البيت)، والأمر ينطبق كلياً على الخاطبات بعقد شرعي حتى من دون دخول، فالدخول ليس له أثر على النفقة التي تجب بموجب العقد".

"علاقتنا تتعقّد"

فاقم الحصار بشكل واضح من معاناة الشباب في غزة، إذ تشير أرقام جهاز الإحصاء الفلسطيني إلى ارتفاع نسبة الفقر إلى 53% ومعدل البطالة إلى 27.8%.

تدفع الظروف المعيشية الصعبة الشباب إلى الهجرة من قطاع غزة المحاصر، بحثاً عن فرص عمل وحياة أفضل، لكنهم في الغالب يخسرون أسرهم وزوجاتهم وحبيباتهم، وتحول المعابر دون الالتقاء بهم مجدداً، وهذا ما تخشاه سالي أحمد (اسم مستعار).

عاشت سالي (26 عاماً) قصة حب منذ أربع سنوات، قبل أن يضطر لؤي للهجرة إلى بلجيكا، أملاً في أن يجد فرصة عمل له ويؤسس منزلاً، لتلحق به سالي فيما بعد.

تقول سالي لرصيف22: "تفاجأ كلانا بقرار رفض طلب اللجوء قبل 5 أشهر، ومن حينها بدأت علاقتنا تتعقد، كنت أتعرض لسؤال دائم من قبل أهلي وأصدقائي: متى سوف تتزوجين؟".

"بعد فترة بدأت أشعر برغبتي في أن أعيش حياتي كامرأة، وتكون علاقتي الجنسية مع زوجي كما تمنيت، الوضع كان صعباً، وزوجي كان يطلب مني كثيراً أن نتحدث في أمور الجنس عبر الإنترنت، وهذا زاد من رغباتي أكثر، وشعرت بأنني لن أستطيع الانتظار"

كانت تسرح بالإجابة على هذا السؤال، خاصة بعد أن قال لها لؤي: "في حال رجعت إلى غزة لن نتزوج، لأني غير قادر على فتح منزل في هذا القطاع البائس الذي هاجرت منه قبل 4 سنوات".

وتشير سالي إلى أن طول مدة الفراق، وتعقد الأمور، تتسبب في حدوث المشاكل وفتور المشاعر، حتى أن قرار الانفصال أصبح وارداً بعد ما أضحى الانتظار "كابوساً لا نهاية له".

"انفصال قهري"

ويرى المعالج النفسي، الدكتور علي جحجوح أن "الحاجات الإنسانية الرئيسة هي الحب والانتماء في ظل الأسرة، ولكنها لن تتوفر في ظل غياب الزوج، ولذلك أصبح انفصال العائلات عن بعضها البعض انفصالاً قهرياً، وليس اختيارياً، نتيجة الحصار وعدم مقدرة الزوجة على السفر".

"الانتظار يقتل الحب، لأن الحالة مؤقتة، ولا أحد يعرف متى الحل، وحالة الانتظار بحد ذاتها تشكل ضغطاً نفسياً، وهذا كله يزيد الضغوط على الفردين، سواء الزوج أو الزوجة أو الخطيبين".

تغيب الزوج يترك فراغاً نفسياً وعاطفياً كبيراً.

ويشير إلى أنه في حال وجود أبناء يكون الضغط على الزوجة أكبر، حيث تصبح مسؤوليتها مضاعفة والأعباء عليها أشد، إضافة إلى أن تغيب الزوج يترك فراغاً نفسياً وعاطفياً كبيراً.

ويضيف جحجوح، شارحاً: "من ناحية فيزيولوجية وما يتعلق بالعلاقة الجنسية، في حال غاب الرجل عن زوجته كحد أقصى 6 شهور تزداد الضغوط عليها، ونحن نعيش في مجتمع القيم والأخلاق تمنع المرأة أن تطلب الطلاق، رغم أن هنالك حالات حدثت بالفعل، خصوصاً بعد سيطرة مشاعر اليأس على المرأة وفقدانها الأمل".

أما عن العلاج فيرى جحجوح أن أفضل ما يقدم للمرأة هو "الدعم النفسي والعاطفي"، وأن تنخرط في عمل مجتمعي، يساعدها على تفريغ الضغط النفسي، وتحمل غياب الزوج حتى لا يكون الطلاق هو الحل الوحيد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image