تتعدد التساؤلات التي تعلقها النساء البحرينيات المتزوجات من أجانب على كتف الخوف من المستقبل. يكرر القلق ذاته في صفحة الأمل حتى يغطيها تماماً، فيبدو كل شيء مجهولاً مشوشاً، وتبدو حياتهن مثل القصص التي تحمل نهايات مفتوحة.
هُن في بحث مستمر عن الأجوبة لتساؤلاتهن اللامتناهية، وأبناؤهن في بحث مستمر عن هويتهم التي يعرفونها جيدًا ولكنها لا تعرفهم، فهم يفتقدونها في الوثائق والقوانين، ويجدونها دائمًا أمامهم في انتمائهم ولهجتهم وعاداتهم!
هاجس إقامة زوج وأبناء البحرينية
تقول شيخة لرصيف22: "يقلقني المستقبل فالدنيا حياة وموت، وأفكر كيف لأبنائي أن يبقوا مستقرين في البحرين من بعدي؟"، موضحةً: "لا أواجه أي مشاكل مادية حالياً بحكم وضعي المادي ومستوى وظيفتي الجيد، لكنني أفكر بموضوع إقامة أبنائي في البحرين بعد تجاوزهم السن القانونية، إذ لا يمكن أن أمنحهم كفالتي لإقامتهم لاحقاً، فماذا لو لم يحصل ابني على عمل في البحرين بعد إنهاء تعليمه؟ هل سيخضع للترحيل؟ وعندما يجدون عملاً هل سيعاملون معاملة الأجنبي في وطن لم يعرفوا غيره؟".
تنص المادة الرابعة من قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 على أن الشخص يعتبر بحرينياً إذا ولد في البحرين أو خارجها وكان أبوه بحرينياً عند الولادة.
بدأت معاناة شيخة منذ 13 عاماً عندما تزوجت من رجل مغربي الجنسية. وعلى الرغم من أن القانون يمنح الرجل البحريني حق كفالة إقامة زوجته الأجنبية، ما زال من غير المسموح أن تكفل المرأة البحرينية زوجها في الإقامة. بدأت التساؤلات تكبر مع مجيء الأبناء. تقول شيخة: "هل يمكن لأبنائي أن يرثوا منزلي من بعدي؟ فاليوم الأجنبي في البحرين من حقه أن يتملك العقارات في المناطق الاستثمارية فقط وأنا بيتي في منطقة سكنية، فهل يسقط حق أبنائي في هذه الحالة؟".
وتتابع: "تمكنت من تجاوز بعض المواقف ولكن ما زال هناك غيرها الكثير. مثلاً في بداية زواجي جاءت فاتورة الكهرباء غير مدعومة، وراجعت الجهة المختصة بيقين تام أن هناك خللاً ما، فأنا مواطنة بحرينية وعقد الإيجار باسمي، ومن حقي أن تكون الكهرباء مدعومة. إلا أن الموظف قال لي ‘نعم، المقصود من الدعم للمواطن أي للمواطن الذكر’!".
لا حق لي في سكن وليس لدي مكان يؤويني
"أشعر بالعجز، وتحولت أبسط حقوق أبنائي إلى أحلام بالنسبة لي"، هكذا وصفت م.ع.ح (27 سنة) حالها وهي تتمنى أن تضع ابنتها ذات الخمسة أعوام في الروضة لتتعلم، ولكن الصعوبات المادية تشكل جداراً منيعاً في وجه طموحاتها وكفاحها أن تعيش مع عائلتها حياة بسيطة وطبيعية.
تقول بصوتٍ مشحون بالألم: "المعاناة أكبر من أن أشرحها. أنا أم لأبنتين بعمر الخامسة والسنة ونصف، ومتزوجة من رجل باكستاني، وقد تقدم بطلب الحصول على الجنسية البحرينية منذ 2006 وما زال ينتظر، لذا أنا قلقة من أن يكون مستقبل أبنائي مثل مستقبل والدهم، خصوصاً أن القانون اليوم يمنح الأولوية للبحريني، ولا يوجد أي مساعدة من الحكومة لنا في مجال الدعم المالي أو الأولوية في التوظيف أو دعم العاطلين".
وتضيف: "أواجه مشاكل أسرية مع أهل زوجي وليس لدي مكان يؤويني، فأتنقل أنا وعائلتي من بيت لآخر، وليس لدينا مصدر دخل، فزوجي عاطل من العمل ولا يستحق دعم العاطلين الذي تقدمه وزارة العمل للمواطنين على الرغم من كونه ابناً لبحرينية، وأنا أستلف مبالغ في كل مرة لتجديد إقامته وأعيش على مساعدات أهل الخير، التي قد تأتي أحياناً أو لا تأتي، وأبقى قيد الانتظار أفكر".
طلبات الجنسية متوقفة إلى أجل غير معلوم!
تشير م. إلى أنها قدمت لابنتها ذات الخمس سنوات طلباً رسمياً للجنسية لدى الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة، عن طريق ملء استمارات تقديم الطلب مع إرفاق شهادة الميلاد وجواز الأم البحرينية والإقامة ورسالة من الأم وكذلك ورقة رسمية تبين أن الأبناء في حضانة وكفالة الأم البحرينية، ولكن لا يوجد مدة محددة يتم من خلالها الرد على الطلب.
أما بخصوص ابنتها الثانية، فقد علمت الأم بأن باب تقديم طلبات الجنسية حالياً مغلق إلى أجل غير معلوم بسبب فايروس كورونا، وتوضح: "متابعة الأمر باتت صعبة كذلك بات الانتظار مرعباً، لأنه يعني أن ابنتي ستنتظر أكثر حتى تُمنح الجنسية، فتقديم الطلب ودراسته وقبوله تستغرق الكثير من الوقت، وأخاف أن تصل للسن القانونية وهي بدون الجنسية ومن ثم أقع في دوامة حل معضلة إقامتها".
وتُكمل م.: "أشعر أن كل شيء في الحياة ضدي، حتى إنني طلبت مساعدات مادية من الجهات الرسمية التي تقدم الدعم المالي للمواطنين المحدودي الدخل، ورُفض طلبي لأني متزوجة من غير بحريني"، وتنهي حديثها موضحة أنها ما زالت تحاول الاتصال بمختلف الجهات الرسمية مثل الديوان الملكي والمجلس الأعلى للمرأة والجمعيات النسائية وغيرها ولكن لا يزال الحل مفقوداً.
تعديل القانون تعديلاً يتناسب مع الدستور
تنص المادة الرابعة من قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 على أن الشخص يعتبر بحرينياً إذا ولد في البحرين أو خارجها وكان أبوه بحرينياً عند الولادة، كما يمكن التقدم بطلب للحصول على الجنسية عند استيفاء مجموعة من الشروط الموضحة في القانون نفسه.
عام 2017 رفضت لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب اقتراحين بقانون يهدف لمنح الجنسية لأبناء الأم البحرينية المتزوجة من أجنبي، معللة ذلك بأن "موضوع منح الجنسية البحرينية متعلق بسيادة الدولة، الأمر الذي يتطلب عدم التوسع في منحها من دون ضوابط".
في هذا الإطار تقول الناشطة في مجال حقوق وتمكين المرأة مريم الرويعي: "الحل الجذري لهذه القضية هو تعديل المادة الرابعة من قانون الجنسية البحرينية بما يتلاءم مع روح الدستور البحريني الذي ينص ويؤكد على المساواة بين المرأة والرجل".
أشعر أن كل شيء في الحياة ضدي، حتى إنني طلبت مساعدات مادية من الجهات الرسمية التي تقدم الدعم المالي للمواطنين المحدودي الدخل، ورُفض طلبي لأني متزوجة من غير بحريني
وحول الحلول المؤقتة للأمر تذكر الرويعي -وهي عضوة في لجنة الجنسية في الاتحاد النسائي ورئيسة مركز تفوق الاستشاري للتنمية- أنه من الممكن اتخاذ تدابير تساوي أبناء البحرينية بالمواطن، مبينة إصدار القانون 35 عام 2009 بشأن معاملة زوجة البحريني غير البحرينية، وأبناء المرأة البحرينية المتزوجة من غير بحريني معاملة المواطن في التعليم والصحة، ولكنه ما زال يحمل بعض الثغرات ولا يطبق بشكل فعلي.
وتتابع الرويعي في حديثها لرصيف22: "ما زال أبناء البحرينية محرومين من البعثات، فيوجد امرأة تجاوز معدل ابنها 98% ولم يحصل على بعثة دراسية، كما أنهم لا يستفيدون من الخدمات الصحية بالشكل الكامل مثل بقية المواطنين، وكذلك إقامتهم في المملكة مؤقتة وليست دائمة".
وطالبت الرويعي بحلول حقيقية تنهي أو تخفف من المعاناة حتى تعديل القانون، كإصدار بطاقة تؤهل أبناء البحرينية الاستفادة من الامتيازات في التوظيف والإسكان والتأمين الاجتماعي والإقامة.
جهود المؤسسات الرسمية والأهلية
منذ أكثر من عشرة أعوام، أطلق المجلس الأعلى للمرأة في مملكة البحرين خدمة متابعة طلبات منح الجنسية لأبناء الأم البحرينية المتزوجة من أجنبي بعد التقدم بطلب لدى الإدارة العامة للهجرة والجوازات بوزارة الداخلية، وتقوم فكرة هذا الخدمة على أن يعمل المجلس من خلال الصلاحيات المتاحة له والشراكات التي يعقدها مع الجهات ذات العلاقة لاستعجال حصول أبناء البحرينية على الجنسية.
وفي أحد التصريحات الصحافية التي نشرها المجلس عام 2017، أشار إلى أنه تم منح ما يقارب 4 آلاف ابن وابنة الجنسية البحرينية خلال عشرة أعوام تقريباً.
كما أطلق الاتحاد النسائي البحريني حملة "الجنسية حق لي ولأبنائي" منذ عام 2005 واستمرت أنشطة الحملة حتى اليوم متضمنة إطلاق فعاليات ونشرات توعوية وإعلامية إضافة لاجتماعات مع أعضاء مجلس النواب ومع المجلس الأعلى للمرأة.
أفكر بموضوع إقامة أبنائي في البحرين بعد تجاوزهم السن القانونية، إذ لا يمكن أن أمنحهم كفالتي لإقامتهم لاحقاً، فماذا لو لم يحصل ابني على عمل في البحرين بعد إنهاء تعليمه؟ هل سيخضع للترحيل؟ وعندما يجدون عملاً هل سيعاملون معاملة الأجنبي في وطن لم يعرفوا غيره؟
أبناء بدون جنسية وطلبات مرفوضة
في إحدى الندوات التي نظمها الاتحاد تحدث محمد غلام وهو ابن لامرأة بحرينية تزوجت من شخص إيراني الجنسية وانفصلت عنه بعدما أنجبت ابنها الأول بسنة، وقال: "عشت طوال حياتي مع والدتي في بيت جدي، ولا أحمل أي جنسية. ارتبطت بامرأة بحرينية وأنجبنا طفلتنا الأولى وهي الآن تعاني مما عانيت منه، لأنها هي أيضًا بدون جنسية!".
وروت نداء علي حكايتها ضمن نفس الندوة التي اطلع رصيف22 على مقاطع منها: "أنا مواطنة بحرينية تزوجت من رجل باكستاني الجنسية وأنجبت ثلاثة أطفال من مواليد البحرين ثم توفي الزوج، فبقيت أنا وأولادي حتى اليوم في غرفة واحدة بمنزل عائلة زوجي الذي بلغ فيه أبنائي سن العشرين، وقد طرقت أبواب وزارة الإسكان أكثر من مرة لكوني مواطنة أرملة وعاطلة عن العمل وأعيل عائلة ولكن طلبي رُفض لأن الأبناء غير بحرينيين".
عام 2017 رفضت لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب اقتراحين بقانون يهدف لمنح الجنسية لأبناء الأم البحرينية المتزوجة من أجنبي، معللة ذلك بأن "موضوع منح الجنسية البحرينية متعلق بسيادة الدولة، الأمر الذي يتطلب عدم التوسع في منحها من دون ضوابط"
تروي زهرة سلمان قصتها في الندوة عينها مبينة: "تزوجت من رجل عراقي منذ 37 سنة، وعندما أردنا الاستقرار في البحرين كان وما زال من غير الممكن أن أكفله ويجب أن يسجل كموظف، والآن وقد وصل لسن الستين نواجه صعوبة في تجديد إقامته لوجود قانون يقضي بعدم وجود تأشيرة للعمال فوق هذه السن إلا في حالات معينة".
وتضيف: "أما فيما يخص أبنائي فلا يمكنني كفالتهم لكونهم تجاوزوا عامهم الثامن عشر ويواجهون صعوبات في الإقامة، كما لي ابنة متزوجة من عراقي وأعاني كلما أردنا إصدار تأشيرة زيارة لها".
هذه الأصوات التي استطعنا سماعها، ويوجد الكثير غيرها لم نصل إليها، وكلما نسمع قصة نقول هذه أعظم ومن ثم نسمع معاناة أكبر، وكأن المعاناة تنمو وتتكاثر، وتغطي كل شيء وتبقى الأسئلة والحيرة فقط. نتساءل عن الحلول ونبحث عنها، ونود معرفة كيف سيؤثر تجنيس أبناء البحرينية على سيادة الدولة! وما العائق وراء منح أبناء البحرينية إقامة دائمة؟ وإلى متى ستستمر هذه الأصوات تنادي وتبقى من دون جواب؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه