شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
للأسف ليست أمي وحدها تؤمن أن

للأسف ليست أمي وحدها تؤمن أن "ظل رجل ولا ظل حيطة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 22 يناير 202103:56 م

عندما كنت ابنة السابعة عشرة عاماً، وخلال حديث طريف كان يدور بيني وبين أخي وأمي، سألني أخي: "يعني مثلاً يا رنا هتعملي إيه لو وصلتي تلاتين سنة ولسة متجوزتيش؟"، أجابته دون تفكير "يا الله، هموت فيها".،حينها عقبت أمي "لأ، ليه يعني! عادي". 

ابنة السابعة عشرة التي أجابت هذه الإجابة لم تكن تعلم عن الحياة شيئاً سوى بعض الأفكار الحالمة التي صنعها وعيها الصغير وقتها وبيئتها المحيطة، وهو أن البنت لا بد أن تجتاز دراستها، ثم بعد انتهاء الدراسة ستجد شخصاً يحبها، وتبادله هي أيضاً الشعور ذاته، وستتزوجه، وفي الوقت نفسه ستُحقق ذاتها، لكن الأمور بالطبع لم تجر هكذا، لأن هذا الخيال الحالم لم يكن يحمل أي قدر من المنطق.

شعور المسؤولية تجاه قبول زوج المستقبل 

تغيرت هذه النظرة السطحية الحالمة للأمور بعد انتقالي للعيش وحدي في محافظة القاهرة، للدراسة في كلية الألسن، وتركي أهلي ومحافظة الإسكندرية التي عشتُ فيها 19 عاماً.

في عامي الثالث في كلية الألسن كان لي صديق مُقرب يكبرني بأربع سنوات فقط، شعرتُ بإعجابه بي، لكني لم أكن أبادله الشعور نفسه، وبالفعل صرح لي برغبته في خطبتي، جاء ردي بالرفض، مُعللة  أني لا أريد أن يُعطلني شيء عن تحقيق ذاتي، وكان ذلك حقيقياً، فكنت منشغلة بإنهاء دراستي الجامعية، وبالتدريبات الصحافية التي أتلقاها، وبعملي في مسرح الكلية، ورغم اقتناعي التام بقراري كان هناك جزء صغير بداخلي ينخر في منطقة الشعور بمسؤولية قبول رجل يبدو مناسباً، وهي فرصة قد لا تتكرر ثانية.

 كانت أمي متحمسة لقبولي الزواج منه، فهي مثل أي أم تريد أن تطمئن على ابنتها مع رجل "مناسب لها"، ومناسب بالنسبة لأمي التي تُطلق على الرجل وفق معايير معينة مثل أن يكون حسن الخلق، ولديه شهادة جامعية، وشقة، وعمل جيد، بهذه المعايير يصبح عريساً ممتازاً، فلمَ الرفض؟ 

تُشجعني أمي دائماً على تحقيق ذاتي، لكن حين يدق رجل بابي، تنحي هذه الفكرة جانباً

الضغط النفسي نتيجة الإلحاح 

تُشجعني أمي دائماً على تحقيق ذاتي، لكن حين يدق رجل بابي، تنحي هذه الفكرة جانباً، وتدق رأسي بأفكار مُغايرة، فتقول لي: "أن هذه السنوات هي أحلى سنين عمري، وفرص زواجي فيها كثيرة، وإنما مع تقدم العمر تقل هذه الفرص".

 فهي ترى أن الزواج أهم من الركض لتحقيق الذات، فالبنت طبقاً للأعراف ليست مثل الرجل، غير مطالبة بذلك لأنها في النهاية ستتزوج، وتجد من يعيلها، ويكفيها فقط الحصول على أية وظيفة تستند عليها إذا استلزم الأمر ذلك. هنا كنت مطالبة بالعودة والحصول على وظيفة في محافظتي الإسكندرية، فأعيش حياة بعيدة عن الإقامة بمفردي في محافظة أخرى، وهو الأمر غير المقبول، وسيرفضه أي رجل يتقدم لخطبتي.

زواج الصالونات

في عامي الأخير من الكلية جاءني عريس آخر، ذهبت لرؤيته في جلسة تسمى "جلسة زواج صالونات"، وأنا على يقين أنه ليست هناك فتاة توافق على هذه الجلسة بنفس راضية مائة في المائة، فشعور أن هناك رجلاً جاء لتقييمي حتى يتخذني زوجة هو شعور بشع، والأبشع منه إذا انتهى تقييمه بالرفض.

لي صديقة ترغب في الزواج، وترى أن  زواج الصالونات طريقة جيدة للحصول على رجل "يدخل البيت من بابه"، ورغم أنها رأت أكثر من عريس لكنهم لم يتوفقوا سوياً، وفي المرة التي كانت بالفعل وافقت وستتم خطبتها لم تكن سعيدة إطلاقاً وكانت تشعر بضغط نفسي رهيب من كونه رجلاً لا تعرفه جاء يفرض شروطه عليها حتى يقبلها زوجة، ورغم ذلك لم تُتم الخطبة، وعندما سألتها "مش زعلانة أن الموضوع باظ؟"، أجابت: "بالعكس حاسة أني ارتحت".

الزواج لإسعاد أمي 

ذهبتُ إلى جلسة التعارف عازمة على الرفض، أثناء الجلسة أدركت إعجاب هذا الإنسان بي، أما عني فلم أتراجع عن عدم لهفتي في مثل هذه الجلسات. أخبرتُ أمي بقراري، فسألتني عن السبب قُلت لها إنني جئت فقط إرضاءً لخاطرها، حاولت إقناعي به لكني تمسكت بموقفي الذي ما زالت تذكرني به إلى الآن، وفي كل مرة يُطرح فيها موضوع الزواج، أو أرفض عريساً جديداً، تتكرر الأحاديث نفسها، فتزداد الرواسب النفسية لدي، وتُشكل ضغطا، نفسياً عليّ، ضغطاً يخص علاقتي بأمي، فأشعر أنه لا بد من أن أتزوج لإسعادها.

أما الضغط النفسي الآخر، وربما هو الأصعب، لأنه نابع من داخلي، فالتساؤلات لا تخمد: ماذا لو أن حديث أمي كان صحيحاً؟ هل صحيح أن الأمان هو في وجود رجل؟ هل من الغباء إضاعة رجل يُحبني من بين يدي؟ أم هل ما أفعله هو الأفضل، والغباء أن أقبل رجلاً لا أحبه ولا يفهمني؟ لكن ماذا أن بقيت وحيدة؟ 

ذات مرة قال لي صديق إن قررتِ البقاء وحيدة في انتظار الرجل الذي ترتاحين إليه، فهنا سيكون احتمالان، أن يأتي هذا الرجل أو أن لا يأتي، أما إذا قررت الزواج من رجل لمجرد الزواج وأن لا تبقي وحيدة، بهذا تكوني قضيت على أي احتمالات أخرى، وهذا ما يستحق الندم فعلاً، ربما بسبب هذه الكلمات ما زلت عزباء إلى الآن.

الضغط النفسي الآخر، وربما هو الأصعب، نابع من داخلي، فالتساؤلات لا تخمد: ماذا لو أن حديث أمي كان صحيحاً؟ هل صحيح أن الأمان هو في وجود رجل؟ هل من الغباء إضاعة رجل يُحبني من بين يدي؟ أم هل ما أفعله هو الأفضل، والغباء أن أقبل رجلاً لا أحبه ولا يفهمني؟ لكن ماذا أن بقيت وحيدة؟ 

زواج سيئ أم لا شيء؟

ليست أمي وحدها تؤمن أن "ظل رجل ولا ظل حيطة" طبقاً للمثل المصري السيئ، وإنما الكثيرات من السيدات اللواتي يسعين لزواج بناتهن، كذلك زميلاتي وصديقاتي اللواتي تزوجن، جميعهن يرين أنني ينقصني شيء مهما حققت من إنجازات أخرى، حتى لو كانت زيجاتهن تنغصن عليهن، وعلى أولادهم حياتهن. 

تراودني خيالات الزواج من رجل لا يصلح أن يكون زوجاً أو أباً، رجل اضطر إليه بسبب العجلة على الزواج، اختاره لألحق بمن سبقنني وهنّ في سني، وإذا تأخرت أكثر يقولون لا وقت لفرض الشروط، ويجب الموافقة، فأغمض عيني عن مساوئ العريس، وأقبل، وليس مهماً لو اكتشفت بعد الزواج أنه "بخيل" أو "متسلط" أو "عديم المسؤولية" أو "سليط اللسان"... لا يهم إطلاقاً إذا أهانني بألفاظ بذيئة أو بالضرب أمام أولادي، لا يهم إذا لم يحمل من صفات "الأبوة" لأولادي سوى أن اسمه يلحق بأسمائهم في شهادات الميلاد.

 مهلاً لمَ كل هذا التعنت، فلا يكفي أني حصلت على لقب "زوجة"؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image