شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"لست سعيداً بأن أنحشر وحبيبتي داخل سيارة"... أين يلتقي العشّاق الأردنيون وسط الغلاء وكورونا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 18 يناير 202104:21 م

كما اللبيب بالإشارة يفهم، كذلك يفهم عامل أحد مقاهي الشارع السريعة أو "التيك آواي" في العاصمة عمّان، وهو يلوح بالصينية من أمام باب المحل الذي يقصده علي (33 عاماً، اسم مستعار) الذي يرفع يده لدى ركنه سيارته. إشارته هذه "تعني قهوة فوق الوسط" مع ابتسامة للعامل الذي نشأت بينهما علاقة أقرب للصداقة، ليس لأجل الربع دينار البقشيش التي يحصل عليها العامل، بل لأن ذلك المقهى هو المنقذ لعلي وحبيبته.

لماذا هو منقذ؟ سؤال سيجيب عليه علي وغيره من شباب وصبايا أردنيين/ات في حديثهم/ن لرصيف22، لكن قبل التطرق لتلك الإجابات، لا بد من تعريف ماذا تعني مقاهي الشارع السريعة في الأردن.

 هي مقاهي تختصر بتسميتها بـ "قهوة أبو صالح" رغم أنها ليست جميعها ملك صاحب مقهى "أبو صالح" بل لأن هذا الاسم هو الأكثر شهرة في مقاهي الشارع السريعة. مساحة المقهى لا تتجاوز المترين طولاً والمتر عرضاً، تخلو من المقاعد وتتوافر فيها كل أنواع المشروبات الساخنة وكثير من السجائر "المهربة". هذه المقاهي باتت مقصداً ليس فقط لمن يمرون سريعاً بها قبل الذهاب إلى العمل أو الجامعة، بل منفذاً و"منقذاً" للعشاق هرباً من أسعار المقاهي والمطاعم المرهقة، وهرباً كذلك من عيون "أعداء الحب" كما جاء في وصف بعضهم/ن. 

بالعودة إلى علي، الذي في بداية الحديث معه لم يكن متردداً في ذكر اسمه الحقيقي، لكن خوفاً على حبيبته وخصوصيتها فضل كباقي من تحدثت معهم/ن الاحتماء باسم مستعار. علي موظف في شركة "آي تي"، التي كغيرها من كثير من الشركات "على كف عفريت" بحسب وصفه من جراء تبعات أزمة فيروس كورونا الاقتصادية على الأردن. يروي لنا قصته مع مقاهي الشارع السريعة وكيف هي منقذ لعلاقته مع حبيبته، يقول: "لو قمتِ بعمل مسح عشوائي سوف تجدين أن أغلب الشباب من جيلي، يقصدون مقاهي الشارع السريعة بدلاً من الذهاب إلى المطاعم والكوفي شوبات، وأتمنى عليك لو قمت بهذا المسح أن تدرجي فيه مجموعة من قوائم (المنيو) تلك المطاعم وترصدي أسعار المأكولات والمشروبات فيها".

مساحة المقهى صغيرة، تخلو من المقاعد وتتوافر فيها كل أنواع المشروبات الساخنة وكثير من السجائر "المهربة". هذه المقاهي باتت  منفذاً و"منقذاً" للعشاق هرباً من أسعار المقاهي والمطاعم المرهقة، وهرباً كذلك من عيون "أعداء الحب" كما جاء في وصف البعض

"نستمع إلى أغانينا"

"أسعار كافرة"، أجاب علي على سؤاله عن أسعار المطاعم والمقاهي التي يحرم نفسه وحبيبته من أن يقصدها، ويضيف: "لن أتحدث عن أسعار مطاعم ومقاهي الخمسة نجوم، سأتحدث عن أسعار المحلات العادية أو كما يقولون التي تناسب الطبقة الوسطى (مع أنني على قناعة أن هذه الطبقة اندثرت في الأردن)، تجدين سعر وجبة خفيفة مع نرجيلة لشخص واحد تتعدى الـ 11 ديناراً (حوالي 17 دولاراً)، وهذه تكاليف شخص واحد فقط، يعني لو خرجت مع حبيبتي إلى هناك وبالإضافة إلى جائزة الضريبة التي تنتظرك في نهاية الفاتورة فلن أخرج بأقل من 25 ديناراً!".

"يا بنت الحلال فنجان القهوة هناك تقريباً خمسة دنانير (حوالي ثمانية دولارات)" يقول علي، وينتقل إلى مقارنة أسعار تلك المطاعم والمقاهي مع مقاهي الشارع السريعة: "قهوتي مع قهوة حبيبتي بدينار واحد فقط بدون البقشيش، نحملهما إلى مطلات جميلة في عمّان نجلس أمامها ونستمع إلى أغانينا التي نختارها بأنفسنا ليس تلك الأغاني المملة التي تفرضها علينا المقاهي، ونقضي وقتاً ممتعاً".

ويختم علي: "لا تعتقدي أنني سعيد جداً بأن ننحشر أنا وحبيبتي داخل سيارة، ونحرم من الجلوس في أماكن ومقاهٍ جميلة في بلدي، لكن هذا حال شباب الأردني المرهق مادياً وعاطفياً، لكنني أعزي نفسي بأنني عندما أقصد مقاهي الشارع وأصف سيارتي أمام مطل جميل، أقول 'القهوة والمنظر والوجه الحسن'... طبعاً حبيبتي هي الوجه الحسن".

حالتنا تعبانة

أما هنادي (31 عاماً، اسم مستعار)، فوصلت عندها حدود "الإيثار" كما تمزح خلال حديثها لرصيف22، أنها توفر على حبيبها ثمن فنجاني قهوة من مقاهي الشارع، وتستبدلهما بـ "ثيرموس" من منزل عائلتها تملأه بالقهوة "الوسط" كما تحب أن تشربها هي وحبيبها وأحياناً كثيرة "إذا كنت راضية عنه ومش زعلانة منه، بعمل معهم كعكة بالليمون مثل ما يحب"، تقول هنادي مازحة.

مثل جملة علي عندما قال لا تعتقدي أني سعيد جداً، قالت هنادي: "حالتنا الاقتصادية كشباب وشابات تعبانة جداً، محرومون من أبسط حقوقنا، محرومون من أن نفرح ونقضي أوقاتاً ممتعة مع أحبتنا بظروف لائقة أكثر من الظروف التي نقضي فيها أوقاتنا مع من نحب، لا أبالغ إذا قلت لك إني وحبيبي لم يسلم منا أي مطل ليس فقط في العاصمة عمّان بل في محافظات في المملكة أيضاً"، وتضيف مازحة مرة أخرى: "أنا وحبيبي ترجمنا شعار: جولة اعرف بلدك!".

ما الشيء الذي يعزيك بأنك تضطرين إلى اللجوء إلى هذا النوع من "الطلعات؟"؟ سألت هنادي وأجابت: "ما يهون علي، التقدير الذي ألمسه من حبيبي بأنني فتاة راضية بأن تخرج مع حبيبها في السيارة بدلاً من أن تجلس معه إلى طاولة صغيرة فيها شمعة ووردة كما هي طاولات المقاهي الراقية، تقديره لي يطمئنني بأنني أقدم كل هذه التنازلات لشخص يستحق!".

لماذا اعتبرتها تنازلات؟ سألت هنادي، أجابت: "لأنه للأسف هناك صورة نمطية عن فتيات عمّان تحديداً، أننا كما يدعون متطلبات ولا نقبل بالقليل ويجب على من نرتبط به سواء في علاقة حب أو زواج أن يكون قادراً على أن يعيّشنا في الإنتركونتيننتال، لكن هذه صورة نمطية ظالمة، صحيح أن هنالك فتيات لا يقبلن بالقليل، لكن صدقيني الكثيرات منا لا يقبلن بالقليل فقط بل بكل ما يحيط القليل من صعوبات، مثلي أنا تعديت الثلاثين من العمر ومصير تتويج علاقتي بمن أحب بالزواج ما يزال مجهولاً وراضية من كل قلبي أن أترجم مقولة أعيش على الحلوة والمرة مع حبيبي، ببساطة لأنني أحبه".

"عندما أفكر في حجم التكاليف التي ندفعها مرة في الشهر، أحزن على نفسي وعلى حبيبي وعلى حال بلدي، وأقول بيني وبين نفسي: كيف ممكن أشخاص من جيلي رواتبهم لا تتعدى 500 دينار (حوالي 700 دولار) وأغلبنا لديهم قروض والتزامات أن نقصد تلك الأماكن أسبوعياً... وضعنا كم هو محزن وبائس"

"وضعنا محزن وبائس"

"لدينا يوم عسل في الشهر"، تقول مرام (31 عاماً)، وهي صديقة لهنادي، وتعني بيوم العسل في الشهر كما جاء في حديثها: "تحديداً عندما ينزل راتبي وراتب حبيبي، وقتها نقول إلى اللقاء وليس وداعاً لمقاهي الشارع السريعة ومطلات الجبيهة، واللويبدة، وطريق المطار، وشارع الستين في السلط، وندلل أنفسنا بقضاء يوم كامل نصرف فيه ربع راتبنا، نتغدى في المطعم، نشرب القهوة في كوفي هاوس، وإذا (الله فاتح علينا رزق منيح) نذهب إلى السينما".

لماذا إلى اللقاء وليس وداعاً؟ سألت مرام، فردّت: "لأنه آخرتي أنا وحبيبي، بعد صرف ما تم صرفه في يوم العسل في الشهر سنعود (زي التوتو) إلى ارتياد مقاهي الشارع والوقوف أمام المطلات، بصراحة عندما أفكر في حجم التكاليف التي ندفعها في ذلك اليوم (اليتيم) أحزن على نفسي وعلى حبيبي وعلى حال بلدي، وأقول بيني وبين نفسي: كيف ممكن أشخاص من جيلي رواتبهم لا تتعدى 500 دينار (حوالي 700 دولار) وأغلبنا لديهم قروض والتزامات أن نقصد تلك الأماكن أسبوعياً... وضعنا كم هو محزن وبائس".

وتختم حديثها بشيء من الإيجابية: "أحرص على البحث على النور في وسط الظلام، وصدقاً جولاتي مع حبيبي أمام المطلات وبصحبة قهوتنا وأغانينا المجنونة لفرقة جماعة خير، وأوتوستراد لها طعم جميل جداً، لم أشعر بالملل منها رغم أنه مرت على علاقتنا ثلاثة أعوام، باختصار جولاتنا تشبهني أنا وحبيبي، تشبه بساطتنا".

"ممنوع أن نختار من نحبّ"

المختلف في ارتياد الشاب مؤيد (33 عاماً، اسم مستعار) لمقاهي الشارع السريعة والوقوف أمام المطلات برفقة حبيبته، ليس فقط العامل المادي الذي يوفر عليه تكاليف الأماكن "المغلقة" كما يصفها، بل أيضاً الهرب من عيون العمانيين/ات، ويقول: "عمّان مدينة صغيرة جداً، غالباً ما تجدين شخصاً يعرفك إذا ذهبت إلى مكان عام، وأنا أهرب مع حبيبتي في لقاءاتنا إلى الشوارع والمطلات خوفاً من أن يرانا أحد، تحديداً أعداء الحب، أو من هم على معرفة بأعداء الحب".

من هم أعداء الحب؟ سألت مؤيد، فأجاب: "للأسف أهلي، فهم غير راضين على علاقتي بالفتاة التي أحب رغم أنهم لم يتعرفوا عليها بشكل مباشر ورفضوا حتى اللقاء بها ولو مرة واحدة، لأن في بيت عائلتي: قواعد العشق الممنوع، فأنا وباقي إخوتي ممنوع على قلوبنا أن تختار من تحب".

"بالطبع حصل ذلك مرة"، يقول مؤيد  ويوضح: "مرة خرجت مع حبيبتي لتناول العشاء في مطعم أكاد أجزم لك أن لا أحد يعرفه غيري وغير صاحب المطعم، وكانت جائزة القدر لي أن كانت صديقة والدتي في نفس المكان، وكانت المعلومة أي وجودي مع فتاة قد وصلت لأمي قبل أن أعود إلى المنزل... تخيلي أنه حتى معلومة أن حبيبتي نحيلة كانت قد وصلتها رغم أنها كانت جالسة وظهرها إلى طاولة صديقة أمي".

ويختم مؤيد: "الوضع المادي صعب على الشباب والشابات في الأردن، نعم صحيح، لكنه لا يقل صعوبة عن الوضع العاطفي الذي نعانيه، أنا لا أنكر أن لقاءاتي وجولاتي مع حبيبتي في السيارة وأمام المطلات جميلة وتوفر علينا مادياً الكثير، لكنني أود أن أكسر روتين جولاتنا ولو مرة ونجلس في مكان عام ومغلق، وما يزيد شعوري بالقهر، قهر حبيبتي الذي تخفيه لكني أراه في عينيها عندما تكذب وتقول: بالعكس أنا بحب هاي الطلعات أكتر!".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard