شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لماذا أكره اللافتات المناهضة للعنصرية؟ لأنها عنصرية

لماذا أكره اللافتات المناهضة للعنصرية؟ لأنها عنصرية

لماذا أكره اللافتات المناهضة للعنصرية؟ لأنها عنصرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 12 يناير 202102:31 م

أمرّ على طريق سريع، أو ربما أقطعه بسرعة لأنسى المشهد، أقلّب صفحات فيسبوك بالسرعة نفسها، لكن لمَ كل هذه العجلة؟ لأن لافتة أو صورة تحتوي يداً سوداء تمسك بيد بيضاء، أو العكس أقرب إلى الحقيقة لأن صاحب اليد البيضاء هو العطوف الذي لا يملك مشكلة في إمساك يد طفل أو رجل أسود، ظهرت أمامي. 

هكذا بدأ الأمر معي، لم أتمكّن يوماً من النظر إلى هذه اللافتات على أنها مناهضة للعنصرية، بل كانت تنضح بالعنصرية بالنسبة لي.

فتاة غير محجبة تعانق أخرى محجبة، في رسالة مفادها أن "الدين لله والوطن للجميع"، أو لا للإسلاموفوبيا. ربما الصورة لزميلتين في الجامعة لم تفكرا يوماً في دين بعضهما، أو قد تناقشتا بالأمر كثيراً وتصالحتا مع فكرة أن الصداقة عابرة للأديان، وأن المؤمن بحقّ سيكون الحب والإنسانية شعاره في التعامل مع كل الآخرين المختلفين، بينما يمارس طقوسه الدينية بكل خصوصية وحرية.

 هذا إن أردنا الإسهاب كثيراً في شرح سيميائية الصورة وما خلف سطورها، لكنها تبقى صورة عنصرية. من المستهدف فيها؟ الفتاة المحجبة بنظر بعض الجماعات وغير المحجبة بنظر جماعات أخرى، أما بنظري فالإجابة هي الفتاتان.

لماذا يكون التقييم لشكلهما؟ لماذا نقول من خلال صورتهما: "لا بأس بأن تكونا صديقتين"، الطبيعي أن يكون لا بأس بذلك، من الطبيعي أن نحيا معاً على هذا الكوكب، وأن نتعرّف على كل ثقافة أخرى لنُغني أنفسنا، لا أن نتعايش ونروّج لهذه البدعة. التعايش يعني أن أذكّرك كل يوم بأنك مسيحي وأنا مسلمة، على سبيل المثال لا الحصر، ورغم ذلك سأشاركك مكان العمل هذا، المدرسة أو الوطن... يا لسخائي. 

العبارة الافتتاحية والأكثر عنصرية: "زينب بالكنيسة لمّا زرتينا وبحجابك الحلو نوّرتنيا"، هل كانت ستكون لو الفتاة القادمة لزيارة الكنيسة والمشاركة في التراتيل مسلمة غير محجبة؟! أو حتى غير مسلمة، لماذا وضعت زينب وحجابها على منصة التقييم؟

زينب وطوني كان لهما رأي مختلف تماماً عن رأيي، الرأي التقليدي والصورة النمطية لجامع يعانق كنيسة، في أغنيتهما "شوفونا متحدين"، التي ظهرت منذ مدة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهنا لسنا بصدد النقد الفني للعمل، إنما لتأكيد المؤكد. العبارة الافتتاحية والأكثر عنصرية: "زينب بالكنيسة لمّا زرتينا وبحجابك الحلو نوّرتنيا"، هل كانت ستكون لو الفتاة القادمة لزيارة الكنيسة والمشاركة في التراتيل مسلمة غير محجبة؟! أو حتى غير مسلمة، لماذا وضعت زينب وحجابها على منصة التقييم؟ متوددة للجمهور بقبولها بينهم، وكأنها ضيفة رماها المريخ داخل مجرّتنا، لا بنت جلدتهم وتشاركهم كل شيء آخر باستثناء المعتقد الديني.

 الأمر نفسه كان ليحصل مع طوني لو دخل أحد الجوامع حاملاً صليبه، البعض قد ينبذه ويطالب بخروجه، بينما سيحتويه البعض الآخر بنظرات وعبارات مفادها: "أهلاً بك في بيتنا رغم ما أتيت به إلينا". هذه جميعها بيوت الله على أي حال، ولن يتغير السائد في بلادنا إلا إذا أدخلنا إلى كل بيوتنا ثقافة الاختلاف وتقبله كما هو، لا تنميقه والتعايش معه. هذا قطعاً لا يلغي أن العنصرية حاضرة في أكثر الدول تقدماً. 

أما أسخف نموذج منتشر على مواقع التواصل، هو نشر صورة لشخص لديه وزن زائد مرفقة بعبارة: "الجمال جمال الروح"، ربما نيّة الناشر حسنة، لكنّنا لسنا آلهة لننظر إلى النوايا، نحن رواد مواقع تواصل اجتماعي نرى الصورة والعبارة ونحاول أخذهما بإيجابية. لكن مهما حاولنا، ستقفز في وجوهنا فكرة وتساؤلات: "لماذا لا تُكتب هذه العبارة فوق صورة شخص بوزن معتدل (حسب المعايير السائدة)؟"، لأن لا حاجة لذلك؟

 في اللاوعي المجتمعي الإجابة نعم. الأشخاص الذين لا يملكون مشاكل في وزنهم، زيادةً أو نقصاناً، هم الأكثر جمالاً، هذا إذا ما أغفلنا المعايير الأخرى المفروضة. وفي محاولة لتطييب خاطر الآخرين الأقل جمالاً تنتشر هكذا عبارات وإطراءات، ليس فقط على السوشال ميديا إنما في حياتنا اليومية.

"الجمال جمال الروح" هي عبارة نسبية، ويمكن استخدامها للجميع، ليس لأصحاب الوزن الزائد فقط، فهم جميلون روحاً وشكلاً فقط لأنهم هم. 

 في اللاوعي المجتمعي فإن لأشخاص الذين لا يملكون مشاكل في وزنهم، زيادةً أو نقصاناً، هم الأكثر جمالاً. وفي محاولة لتطييب خاطر الآخرين الأقل جمالاً تنتشر عبارة مثل "الجمال جمال الروح"، ليس فقط على السوشال ميديا إنما في حياتنا اليومية

لسنا عنصريين بالفطرة، البعض منا لا يدرك حتى أنه رمى عبارة عنصرية أو قاسية أحدثت انفجاراً نفسياً داخل أحدهم، ولذلك أكثر ما نحتاجه اليوم في بلادنا، بعد كل هذا التشتت والدمار، هي حلقات الدعم النفسي، أو أن نرمّم أنفسنا ونتعرف على بعضنا، على سجّيتنا، أن نسمّي الأشياء بمسمّياتها، ونتعلم مفهوم دمج كل فئات المجتمع دون أي تطويع. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard