شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"لا حلول من المعنيين كأنها قضية فلسطين"... أسلاك الكهرباء في المخيّمات تواصل قتل الناس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 6 يناير 202106:24 م

تأخذ زواريب المخيمات الفلسطينية في لبنان شكلاً مختلفاً في وضعها وضيقها الخانق على اللاجئين الفلسطينيين مما يسبب خطراً على حياتهم من تراكم أسلاك الكهرباء بين الزواريب بشكلٍ عنكبوتيٍّ، من خطوط وأسلاك وعلب كهرباء هنا وهناك، وهذه الأسلاك أغلبها مقطوعة وموصلة ومتشابكة وتصل للبيوت جميعها التي يحتويها الحي في المخيم، وبعضها منخفضٌ جداً حتى أنه يلامس رؤوس المارة في الزواريب، وهنا يكمن خطر الموت الحقيقي، وهناك بعض الزواريب لا تستطيع أن ترى الشمس من خلالها من شدة كثافة الأسلاك التي تشكل سقفاً عشوائيّاً، فأسلاك الكهرباء وأسلاك اشتراك المولد وأسلاك أخرى كلها متراكمة على نحو مخيفٍ يشكل الخطر الأكبر على سكان الحي، وقد حدثت قصص عدة عن هذه الأسلاك التي قضت على أرواح الكثير في المخيمات الفلسطينية في لبنان، مثل حادث موت الولد الصغير في مخيم برج البراجنة أثناء لمسه "ماصورة" الماء التي يأتي منها سلك الكهرباء ( البارد) في زواريب المخيم، وحين لمسه بيديه توفي على الفور.

في كل مخيم قصص مختلفة لأسلاك الكهرباء التي تضع المخيم في سجنٍ حقيقيٍ لموتٍ يترصد اللاجئين ويمنعهم من العيش بسلام في بيوتٍ آمنة.

في حديثهِ لرصيف22، قال خالد القاضي (21 عاماً) من مخيم نهر البارد في طرابلس: "هذه المشكلة خطيرة يعاني منها الكثير من الناس هنا، لا نستطيع إدخال أغراض كبيرة مثل المفروشات الجديدة إلى البيوت بسبب أسلاك الكهرباء التي تسد علينا ذلك، وكأنها تشبه قضبان السجن، وهناك أسلاك تُقطع فجأة خلال مرورنا في الزواريب مما يشكل الخطر الأكبر على حياتنا، كما أنّ الأسلاك تحدث ماساً كهربائيّاً مما يسبب حريقاً مفاجئاً، وهذه هي المشكلة التي نعيشها في المخيم، نطالب المعنيين بحل جذري لهذه المشكلة يمكنهم تنظيم الأسلاك ضمن أنابيب أو رفعها إلى الزوايا الخاصة بها، كي تبتعد عن رؤوس الناس".

من هذه الزواريب التي يعيش فيها خالد خطر الانفجار الكهربائي المفاجئ، إلى مخيمات أخرى تعيش نفس المعضلة، وتشهد قصص الموت الكثيرة التي حدثت، ففي مخيمات بيروت تكاد تشكل هذه الأسلاك المساحة الأكبر في جميع الأحياء والزواريب الضيقة، وفي كل مخيم قصص مختلفة لأسلاك الكهرباء التي تعتبر قضبان السجن القاتلة، تضع المخيم في سجنٍ حقيقيٍ لموتٍ يترصد اللاجئين ويمنعهم من العيش بسلام في بيوتٍ آمنة.

أمّا الناشط في مؤسسة نقب في مخيم برج البراجنة، بيروت محمود معطي (33 عاماً)، فقال لرصيف22: "بالنسبة لأسلاك الكهرباء في المخيم هي بداية تمديدات عشوائية بناءً على البيوت العشوائية، لأنهُ إذا كان التمديد صحيحاً يكون البناء صحيحاً، وعندنا البناء ليس صحيحاً، يعني من يريد بناء بيت أينما كان، في أية زاوية يفعل ذلك دون رقابة أو حسيب، فهذا يعتبر بناء عشوائياً إذ ستكون أسلاك الكهرباء عشوائية وفوضوية، لأنّ الأسس الهندسية لتركيبة بيوت المخيم فوضوية ودون رقابة، فهذه الأسلاك تصبح متداخلة مع خطوط الكهرباء، ومع خطوط التلفون، ومع خطوط المولد، هكذا يصبح المكان مثل بيت العنكبوت كهربائياً، ووقت الشتاء تَتقطع الأسلاك وتبدأ بالذوبان والاشتعال من الماء المنهمر عليها، وهناك قصص موت كثيرة حدثت لأطفال يلعبون في الزواريب ويلمسون الأسلاك الممدودة. شهدنا موت اثنين من أبناء المخيم بهذه الأسلاك، لصقا كهربائياً بالأسلاك ولم يحس عليهما أحد إلا بعد فوات الأوان".

إن أسلاك الكهرباء وأسلاك اشتراك المولد وأسلاك أخرى كلها متراكمة على نحو مخيفٍ يشكل الخطر الأكبر على سكان الحي، وقد حدثت قصص عدة عن هذه الأسلاك التي قضت على أرواح الكثير في المخيمات الفلسطينية في لبنان

ويتابع: "الحلول معروفة، يجب على المعنيين بتنظيم خطوط الكهرباء والعلب أولاً، لكل البيت، يجب أن يملك علبة كهرباء ذات أسلاك مغطاة لتنظيم استهتار الأسلاك والتمديدات الحاصل، والذي يسبب حالات الموت الرئيسي هو أسلاك السرقات من خطوط لمولدات أخرى لأن الكهرباء في المخيم ضعيفة جداً، وغير منظمة من ناحية التقنين. وصراحة هناك مشاريع كثيرة مدفوعة للتصليح، لكن لم يقم المعنيون بتصليحها بالشكل الصحيح لكي يحفظوا الأمن والسلامة للقاطنين في المخيم".

يذكرنا قول محمود بأغنية مصطفى زمزم الجديدة، والتي كتب كلماتها على لحن أغنية "بالبنط العريض" لحسين الجسمي، والتي تحكي عن  أسلاك الكهرباء، يقول فيها: "شرطان الكهربا، ما أحلى عيشة المخيمات، هي أبدا مش تعتير، وشعبنا مبسوط كتير، وأسلاك امدندلي"... وبالتالي، شر البلية ما يضحك، يسمع الناس في المخيم هذه الأغنية ويرددون وراءه في ظل غياب الحلول الجذرية لهذه المشكلة، فأصبح دخول الزواريب مثل دخول السجون، لا تستطيع أن تتحرك بحرية يساراً أو يميناً، فالأسلاك / القضبان تحيطك من جميع جهاتك وأنت تمشي، وإن وصلت بسلام، فهذا انجاز مصيري كبير، فمخيم برج البراجنة في بيروت مخيم صغير وفيه كل هذه المشاكل، فما هو الحال في أكبر المخيمات الفلسطينية  في لبنان مخيم عين الحلوة؟


 في حديثهِا لرصيف22، تقول أم محمد( 45 عاماً)، من مخيم عين الحلوة في صيدا: "أحياناً وأنا عائدة إلى بيتي من الزواريب تصيبني نوبة خوف من الأسلاك المترامية يساراً ويميناً، وعندما أصل أحمد الله كثيراً لأنني ما زلت على قيد الحياة، وعندي في البيت شبابيك أخاف أن أفتحها خوفاً من ماس كهربائي يصعقني، أو تلمس الأسلاك الحديد النافذة فيصبح البيت كله مكهرباً، إذا لمست أي شيء آخر فيه ممكن أن نلتصق ونموت، هناك شبابيك دائمة الإقفال عندي ولا توجد وسيلة لفتحها أبداً، مع أنني بحاجة لفتح الشباك من أجل دخول الشمس إلى البيت، فبيتي أصبح مثل الزواريب المغلقة بالأسلاك، وصدقاً لا أريد أن أفكر ما هو الحل، لأنّ الجميع غير مكترث بهذه المشكلة القاتلة، والتي تشكل خطراً حقيقياً علينا جميعاً، منذ متى وهم يقولون إنهم سيقومون بترميم البنية التحتية في المخيمات ولم نر شيئاً، كلها وعود بوعود".

 ألا تكفي الظروف المعيشية والسياسية التي تشكل سجناً أسلاك الموت من جهة أخرى، حتى نقع ضحية أسلاك موت كهربائية من نوعٍ آخر، أم سنظل نردد مع شعر محمود درويش:" أينما وليت وجهك كلُّ شيءٍ قابلٍ للانفجار"، لهذا الفلسطيني اللاجئ الذي تقيّدهُ المعاناة من كل جانب في المخيم.

 ظافر عكر (50 عاماً) من مخيم عين الحلوة  في صيدا، يعمل في مهنة تصليح الكهرباء، قال لرصيف22: "نحن صراحةً ككهربائيين يئسنا من هذه المشكلة، لا يوجد حل جذري إلا بتغيير هندسة البناء الكامل في المخيم، وأنا لم يعد لدي أي حديث حول هذا الموضوع، الكل يرمون الملامة بعضهم على بعض، وكل الجمعيات والمؤسسات تأتي وتجتمع بنا، وتذهب ولا حلول لهذه المشكلة، كأنها قضية فلسطين".

"أحياناً وأنا عائدة إلى بيتي من الزواريب تصيبني نوبة خوف من الأسلاك المترامية يساراً ويميناً، وعندما أصل أحمد الله كثيراً لأنني ما زلت على قيد الحياة، وعندي في البيت شبابيك أخاف أن أفتحها خوفاً من ماس كهربائي يصعقني"

ويتابع: "غيرت أنا شخصياً خطوطاً كثيرة، وقمت برفع الأسلاك عن الزواريب عدة مرات ولكنها تعود وتتساقط مرة أخرى، لأنها تتطلب حلاً جذرياً وليس ترميمياً، لكن لا أحد يسمع كلامنا ويأخذه على محمل الجد من المعنيين، والله تعبنا من هذه المشكلة، علماً أن الكثير من الناس ماتوا من هذه الأسلاك، لا أريد أن أفتح جروحاً الآن، تاركين ذلك كله على الله يا أخي، طبيعة المخيم لا تصلح للسكن صراحة، نحتاج تدمير وإعادة بناء وتنظيم من جديد، لا اللجنة الشعبية في المخيمات قادرة على الحل ولا الأونروا تأخذ هذه المشكلة على محمل الحل الجذري، مات العديد من شبابنا من الأسلاك المفتوحة والعشوائية ولا أحد يحرك ساكناً، هذه قصة الأسلاك الكهربائية تصلح أن تكتب رواية تراجيدية، لأنها تصور معاناتنا مع اللجوء... أعاننا الله. سأترك هذه المهنة في النهاية نتيجة هذه المصيبة التي حلّت بنا".

أسباب المعاناة كثيرة في المخيمات ومنها أسلاك الكهرباء المقطوعة والموصلة باللصيق النايلون الذي يتمزق فوراً، إثر تساقط الماء عليه، ويصبح خطراً يحاصر الجميع، الكبار والصغار. والذي يصل إلى بيته في زواريب المخيم عليه أن يحمد الله كثيراً على نعمة الوصول بأمان وسلام دون أن يموت عالقاً بشبكة الكهرباء القاتلة، ولا من سميعٍ ولا من مجيبٍ في ظل هذه الظروف الصعبة التي وضعت اللاجئين في وضعٍ يُرثى له. لكن تبقى عدة أسئلة بحاجة إلى أجوبة، منها: أين الحل؟ وأين المسؤولون منه أم أنّ هذا الزمن يشبه أسلاك الكهرباء العشوائية التي لا تبشر إلا بالموت؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image