شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل تريدون واقعاً أفضل؟... اطلبوا إحصاءات

هل تريدون واقعاً أفضل؟... اطلبوا إحصاءات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 7 يناير 202104:41 م

عام 2021، كما في عامي 2020 و2019 وما سبقهما عبر مئات الأعوام، ما زال كثيرون يأملون بتحسين حياتهم وظروفهم المعيشية، وكان ولا يزال كثيرون لا يتحملون نتائج أفعالهم.

الحكومات لا تتحمّل عواقب قراراتها السيئة. إذا حاولت إنتاج شيء، سنكون مجبرين على استخدامه وستقتطع تكاليفه منا بالإكراه عبر الضرائب، وإذا فشل منتجها لن يخسر أحد من المسؤولين ما أنفقه، فالمال ليس مالهم والمخاطرة ليست على عاتقهم!

وأولئك الذين غردوا دعماً لسياسات الحكومات واتهموا كل رافضيها بالعمالة سيستمرون في حياتهم دون أيّ اعتذار حتى.

رواد الأعمال والعلماء غالباً ما يتحملون ثمن فشلهم على نفقتهم الشخصية…
حتى أكبر الشركات الضخمة وأغناها يمكن أن تعلن إفلاسها إذا فشلت في إرضاء زبائنها. فالزبائن دائماً يمتلكون حق الامتناع عن الشراء وبالتالي التسبب بخسائر للشركات، وهذا ينعكس سلباً على العلماء المطورين لمنتج ما.

وأصحاب الشركة والعاملون فيها يقفون أمام خيارين: إما أن يقدّموا منتجاً أفضل يحترم رغبات الزبائن وقدراتهم الشرائية أو أن يعلنوا إفلاسهم ويخرجوا من السوق تاركينه خلفهم لبقية الشركات المتصارعة في عالم الحرية الاقتصادية حيث البقاء للأفضل وليس لمَن يعرف فلاناً أو علاناً.

أُثبِتَ علمياً أن البشر ليسوا إحصائيين بالطبيعة بل يميلون إلى تصديق ما يعرفونه مسبقاً ولو كان لا يمثل الحقيقة. ففي تجربة قام بها الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد عام 2002 الباحث دانيل كانيمان ويذكرها في كتابه "التفكير بسرعة وببطء"، أنّ هنالك شخصاً، ولنسمّه سامي، يتصف بكونه شخصاً محبّاً للمطالعة جداً، هادئاً، منظّماً ومثقّفاً. والآن يُسأل السؤال التالي: ما هي مهنة سامي؟ هل هو أمين مكتبة أو عاملٌ في معمل؟

الحكومات لا تتحمّل عواقب قراراتها السيئة. إذا حاولت إنتاج شيء، سنكون مجبرين على استخدامه وستقتطع تكاليفه منا بالإكراه عبر الضرائب، وإذا فشل منتجها لن يخسر أحد من المسؤولين ما أنفقه، فالمال ليس مالهم والمخاطرة ليست على عاتقهم!

معظم الإجابات قالت إنّ سامي أمين مكتبة فهو يحب القراءة والمكتبة مليئة بالكتب كما أنه هادئ والمكتبة مكانٌ هادئ وكونه منظماً فذلك مناسبٌ لينظّم الكتب وفهارسها بشكلٍ جيَد.

حسناً، هذه مناقشة جيّدة ولكن هنا يغيب الحسُّ الإحصائي نهائياً! ففي علم الاحتمالات، إذا امتلكنا تسع كرات في علبة، ثمان منها حمراء وواحدة بيضاء وسحبنا واحدة فالجواب الأقرب إلى الصحة سيكون أنها في الغالب ستكون كرةً حمراء!

نفس الفكرة تتكرر مع مثال سامي، فعدد العاملين في المعامل حول العالم أكثر من عدد أمناء المكاتب بأضعاف مضاعفة، وبالتالي فإن احتمال كون سامي عاملاً أكبر من احتمال كونه أمين مكتبة.

ما مرّ معنا الآن يُدعى الاستدلال التمثيلي Representative Heuristics: نحن نعطي ثقلاً أكبر للاحتمال فقط لكونه يمثل الشريحة التي فكرنا فيها (أمناء وأمينات المكتبات) بشكلٍ أكبر، رغم كونه نادر الحصول إحصائياً.

تذكّروا دائماً أن التفكير ليس مشاعرَ وليس دائماً ما تعرفونه مسبقاً. إذا سألتكم عن حاصل 2*2 فالجواب أربعة سيكون سريعاً، أما إذا سألتكم ما حاصل 756*266 فسوف تتردون ولكن ذلك لا يعني أنكم لا تعلمون. أحضروا ورقة وقلماً وابدأوا بالعمل خطوة بخطوة للوصول إلى النتيجة

لماذا كل هذا الكلام؟ 

بالمختصر، هل تريدون واقعاً أفضل؟ اطلبوا إحصاءات... إذا قال لكم مسؤولو بلادكم لقد جعلنا التعليم مجانياً، اسألوهم عن إحصاءات تتعلق بالمبالغ المدفوعة لجعل التعليم مجانياً ومن أين تأتي هذه المبالغ ومَن دفعها وأين كان يمكن أن تذهب؟

اطلبوا إحصاءات تتعلق بعدد الخريجين وعدد الأبحاث العلمية المنتجة سنوياً وأثرها الاقتصادي. اطلبوا أن تعرفوا الأرقام وانتقالها من ميزانية إلى أخرى.

السياسيون الذين يرشون الشعوب بعبارات التعليم المجاني ودعم المحروقات عليهم أن يثبتوا أنّ هذا بالفعل دعم وليس مجرد سحب لأموال الناس من صناديق التنمية إلى صناديق الرشوة.

تذكّروا دائماً أن التفكير ليس مشاعرَ وليس دائماً ما تعرفونه مسبقاً. إذا سألتكم ما حاصل ضرب اثنين باثنين فالجواب أربعة سيكون سريعاً، أما إذا سألتكم ما حاصل 756 ضرب 266 فسوف تتردون ولكن ذلك لا يعني أنكم لا تعلمون. أحضروا ورقة وقلماً وابدأوا بالعمل خطوة بخطوة للوصول إلى النتيجة 201096.

عملية التفكير أمرٌ مماثل، يحتاج إلى اتّباع خطوات ثابتة والتشكيك بكل المعطيات والتحقق منها قبل الحصول على النتيجة.

والآن: متى آخر مرة استطعتم التوقف عند خبر من أخبار الفيضان الإعلامي وفكرتم فيه بخطوات هادئة بحثاً عن الحقيقة؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard