"كل الناس ماتوا
كل من هو في العناية مات
كل من هو في العناية توفى
مفيش غير بتوع التمريض
حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم".
كلمات استيقظ عليها روّاد التواصل الاجتماعي في الثالث من كانون الثاني/يناير، قيلت في فيديو مؤثر لا تتجاوز مدته 45 ثانية، صُوّر داخل قسم العناية المركزة في مستشفى الحسينية العام بمحافظة الشرقية (شمال شرقي القاهرة)، بعد نفاد الأكسجين ووفاة أربعة مصابين بفيروس كورونا مساء الثاني من كانون الثاني/يناير.
ينقل الفيديو حالة الرعب التي شهدها المستشفى. ممرضون وممرضات يحاولون إنقاذ الموقف، فيما تجلس ممرضة عاجزة في إحدى الزوايا في مشهد كان كافياً لنقل مدى بشاعة الموقف، ومدى التقصير الحاصل.
المشكلة الفعلية تكمن في عدم الاعتراف بالتقصير، بل في اعتبار تصوير الجريمة جريمة أكبر.
بدايةً، صرّحت وزيرة الصحة والسكان المصرية هالة زايد أن هناك "مخزوناً كافياً من غاز الأكسجين الطبي بجميع المستشفيات التي تستقبل مرضى فيروس كورونا المستجد بمحافظات الجمهورية". في المُقابل، يقول أحمد ممدوح، نجل شقيق إحدى المتوفيات داخل العناية: "اشتكيت أن تانك الأكسجين في المستشفى بيخلص من الساعة 10 صباحاً، وقبل العصر قالولي إن المستشفى فيه 28 أسطوانة أكسجين احتياطي، وإن عربية اﻷكسجين هتوصل خلال دقايق. العربية وصلت الساعة 10 بالليل، بعد ما ماتت عمتي"، وهو ما يشير إلى تضارب في الروايات الرسمية وغير الرسمية إذ ترجع المصادر الرسمية إلى أن الوفيات ناتجة عن مضاعفات الإصابة بالفيروس.
وقال الشاهد لـ"مدى مصر" إن الفيديو الذي انتشر صُوّر الساعة 10:11 مساءً، و"وقتها وصلت عربية الأكسجين المستشفى وبدأت شحن التانك".
وأضاف ممدوح: "طلعونا كدابين وأننا بنفتري على مدير المستشفى وأن عمتي كان عندها أمراض مزمنة وماتت، لكن الحقيقة أن حياة الناس رخيصة".
وتتطابق هذه الشهادة مع شهادة أُخرى تعود لنجل متوفى آخر في هذا الحادث، إذ يقول لـ"المصري اليوم" إن والده (44 عاماً) لم يُعانِ أي أمراض مزمنة أو تدهور بالغ في حالته الصحية (كما قيل)، شارحاً: "والدي لحد إمبارح نسبة الأكسجين كانت كويسة، الدكتور قالي (أنا هديت الأكسجين على أبوك لأنه تخطّى نسبة الخطر، اللي عليكم تأكلوه)، أكلناه وشبِع، كان المفروض أروح استلمه يروح على البيت، بدل ما أروّحه البيت وديته على المقابر".
بالإضافة إلى ما سبق ذكره، أوضحت آية علي، وهي الممرضة التي جسّدت باللقطة التي ظهرت فيها بالفيديو معاناة أفراد الطاقم الطبّي في محاولاتهم العديدة لمُحاربة هذا الفيروس وإنقاذ مرضاه، أنه "تمام الساعة التاسعة والنصف مساءً، حدث خلل في أسطوانات الأكسجين، وهذا ما أدى إلى ضعف وصول الأكسجين للمرضى، وبالتالي إلى اختناق عدد كبير من حالات العزل"، مؤكدة أن "الأكسجين قلّ، والمرضد بدأوا تختنقون".
وأضافت الممرضة التي تعمل منذ نحو سبعة أشهر في قسم العزل بالمستشفى، بعدما تخرجت من أحد معاهد التمريض بالمحافظة: "حاولنا بكل الطرق أن نسعفهم وفشلنا لأن حالتهم كانت متدهورة بالفعل قبل نقص الأكسجين".
وتعليقاً على الصورة التي ظهرت فيها، قالت: "مكنتش خايفة ولا حاجة، لكن كنت مرهقة وزعلانة علي الناس اللي ماتت، مكنتش أتمنى ده يحصل عملنا كل اللي نقدر عليه وأكتر علشان ننقذ المرضي وفشلنا".
المشكلة الفعلية تكمن في عدم الاعتراف بالتقصير، بل في اعتبار تصوير الجريمة جريمة أكبر... إحالة مسؤول شركة الأمن بمستشفى الحسينية المركزي على التحقيق لسماحه لأحد الأفراد باقتحام عناية العزل وتصوير المرضى و"إثارة البلبلة"
"إثارة بلبلة"
وأعلن محافظ الشرقية ممدوح غراب إحالة مسؤول شركة الأمن بمستشفى الحسينية المركزي على التحقيق لسماحه لأحد الأفراد باقتحام عناية العزل وتصوير المرضى و"إثارة البلبلة"، وهو ما دفع بعض روّاد التواصل الاجتماعي إلى اعتبار أن الدولة المصرية تريد "إن اللي يموت يموت من سكات... متعملوش دوشة".
في سياق متصل، كتب الصحافي والباحث المصري عبد الرحمن عياش: "أنا مش قادر أستوعب إن الإجراء الأول اللي أخده محافظ الشرقية بعد انقطاع الأكسجين في مستشفى الحسينية ووفاة كل المرضى في العناية المركزة كان تحويل مسؤول الأمن في المستشفى للتحقيق لأن فيه شخص دخل العناية وصوّر المشهد!".
وتداول روّاد التواصل الاجتماعي أنباء غير مؤكدة حول اعتقال من صوّر الفيديو ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي، الشاب أحمد ممدوح.
"مطلوب إن إللي يموت يموت من غير ما يتصور واللي يشوف حد بيموت قدامه يسيبه. موتوا من سكات متعملوش دوشة"... حينما يُعتبر تصوير الجريمة "جريمة"
"صحح المفاهيم"
وكانت لافتةً الحملة الإعلامية ضدّ تداول الفيديو، والتعاطف معه. وأيضاً التعاطف مع الممرضة آية علي. إذ كتبت قناة ONtvLive في منشور على مواقع التواصل مستخدمةً هاشتاغ "#صحح_المفاهيم": "إذا كان هناك من يستحق الإشادة والتحية فعلاً في هذا المشهد، فهن الممرضات على يسار الصورة الشهيرة... لماذا؟ لأن من ينهض للقيام بواجبه في أصعب الظروف يستحق كل التحية والتقدير والإشادة…".
وحدّثت منشورها لاحقاً، رداً على من هاجمها، متسائلةً: "مين اللي يتبروز، اللي في لحظة ضعف إنساني ولا اللي واقفين بيناضلوا وبيعافروا وبيحاربوا علشان ينقذوا الناس؟ السؤال الأهم: مين المعبر عن طواقمنا الطبية، الناس اللي واقفة بتكافح في لحظة طوارئ، ولا اللي في لحظة ضعف إنساني -مقدرة جداً- ماقدرتش تواصل؟".
وتعليقاً على مثل هذا المنشور، أعرب بعض روّاد التواصل الاجتماعي عن قلقهم حيال مصير الممرضة، وما إذا كانت ستتعرض لأي مكروه وسط التحريض الإعلامي ضدها. مما قيل: "أنا خايفة عليها والله... خايفة يحولوها للتحقيق أو يعملولها أي بلوة من البلاوي اللي بيحدفوها علينا".
"إذا كان هناك من يستحق الإشادة والتحية فعلاً في هذا المشهد، فهن الممرضات على يسار الصورة الشهيرة"... تحريض إعلامي ضد الممرضة آية علي
في الإطار ذاته، كان الإعلاميون المحسوبون على النظام قد أعربوا عن غضبهم حيال تمكّن مصوّر الفيديو من دخول العناية المركزة ونقل صورة الجريمة. من بينهم الإعلامية لميس الحديدي التي تساءلت في برنامجها "كلمة أخيرة" على قناة On: "إزاي الناس تدخل لأماكن العزل بمستشفى الحسينية؟"، مشددة على أن تساؤلها نابع من أنه صوّر "في مكان عزل".
وقال الإعلامي عمرو أديب في برنامجه "الحكاية" على قناة "MBC مصر" إن "لا مجال للتبرير ولكن هناك شيئاً تشهده مصر، ليس موجوداً في أي دولة في العالم وهو التجارة في أنابيب الأكسجين"، موضحاً: "خلينا نتكلم بيننا وبين بعض. ده كُفر! أنا أعرف ناس ماتت ببيوتها لأنها معرفتش تجيب الأنابيب".
وأضاءت "مدى مصر" أيضاً على التجارة في أنابيب الأوكسجين إذ نقلت عن المتطوعين لدعم مرضى العزل المنزلي قولهم: "أنبوبة الأكسجين اللي كانت تقريبًا بألفين جنيه من تلات أسابيع بقت بأربعة آلاف، أما المنظمات الخاصة بالأسطوانات سعرها ارتفع من 600 جنيه لـ 1500، والحاجات مش متوفرة، واللي متوفر جودته سيئة وغالي".
وتأتي حادثة الحسينية بعد ساعات من وفاة اثنين من مصابي فيروس كورونا داخل العناية المركزة بمستشفى زفتى العام، بمحافظة الغربية، المخصصة للعزل، والتي تردد أنها كانت بسبب انقطاع إمدادات الأكسجين أيضاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين