تناشد وزارة الصحة المصرية ومنظمة الصحة العالمية يومياً المواطنين بضرورة غسل اليدين لتفادي فيروس كورونا، بينما أحمد في الوضع العادي، بعيداً عن كورونا، يغسلهما أكثر من 40 مرة في اليوم الواحد.
طلّق أحمد زوجته، بسبب إصرارها على الخروج إلى العمل في ظل أزمة فيروس كورونا المستجد، لم يتوقف الأمر عند ذلك، انزوى الرجل العشريني في غرفته، رافضاً الخروج منها، وممارسة حياته الطبيعية، خوف أن يصاب.
في غرفته، بمحافظة الغربية في مصر، يخاف أن يلمس الأثاث، يخاف أن يضع قدميه على الأرض ويخاف أن يأكل، فاختار أن يضع جسده النحيل على السرير دون حركة لمدة أسبوعين، فكل هذا قد يكون وسيلة لنقل الفيروس له.
"لم أمارس الجنس مع زوجتي"
منذ عام، شُخّص أحمد، ذو السابعة والعشرين ربيعاً، بالوسواس القهري من قبل طبيبه النفسي، بعد رحلة طويلة من الخوف والقلق والشك عاشها الرجل العشريني.
بدأت معاناة أحمد منذ صغره، كان يخاف من لمس أشقائه، ويرفض السلام على الآخرين، وإن فعل يغتسل ليلاً نهاراً.
"ماذا أفعل سوى أن أستسلم للنوم، والتكوّر في حجرتي، كنت أنام لفترات طويلة، ثم يوقظني خبط أبي على الباب منادياً لي: لا تخف، فأطمئن قليلاً بصوته، ولكن أخاف أن أتحرك، أعتقد أن نهاية العالم... ستكون من هذه الغرفة، من هذا السرير"
ولكن بعد زواجه تطوّر الأمر، فأُجبر على الذهاب لطبيب نفسي، بسبب رفضه إقامة علاقة جنسية مع زوجته، خوفاً من أن يُصاب بمرض نقص المناعة البشرية، رغم أن زوجته سليمة ولا تعاني من شيء، كما يقول لرصيف22.
أحمد ليس الوحيد، فوفقاً للمركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية NCBI، فإن 2% من سكان العالم مُصابون بالوسواس القهري، أي ما يقرب من155 مليوناً.
غالباً ما يعاني مصابو الوسواس القهري OCD، من نمط كبير من الأفكار والهواجس التي قد تدفع الشخص للقيام بسلوكيات قهرية، كغسيل الأيادي بشكل مُتكرر في اليوم، حتى يتسببوا بجروح، وندوب جلدية لأنفسهم.
"جحيم أعيشه يومياً"
"الوضع ليس صعباً بل جحيماً عشته بمفردي"، هكذا يصف الشاب العشريني حياته في ظل أزمة كورونا. فكر في الانتحار مراراً، فكل سبل الحياة من حوله قد تكون وسيلة لنقل الفيروس، حتى أدويته النفسية رفض أن يأخذها.
"كسرتُ هاتفي حتى لا أرى أعداد المصابين يومياً، الوفيات أو المنشورات الموجودة على فيسبوك عن كورونا، كان الوضع خفيفاً نسبياً حتى أعلنوا عن إصابات بالقرب من منزلي، أصابني الهلع، لم أعرف ماذا أفعل سوى أن أستسلم للنوم والتكور في حجرتي، كنت أنام لفترات طويلة، ثم يوقظني خبط أبي على الباب منادياً لي: لا تخف، فأطمئن قليلاً بصوته، وأرد عليه لأطمئنه، ولكن أخاف أن أتحرك أو أفتح له الباب، كنت أعتقد أن نهاية العالم، أو نهاية عالمي على الأقل، ستكون من هذه الغرفة، وتحديداً من هذا السرير"، يروي أحمد لرصيف22.
بعد مرور أسبوعين، كسر أباه باب غرفته، بعدما توقف أحمد عن الرد عليه، ليجده "جثة" على السرير لا يتحرك، اعتقد أنه مات لأنه لا يرد، ولكن بعد فحصه تأكد أنه فاقد للوعي بسبب امتناعه عن تناول الطعام.
يجلس أحمد الآن في منزله برفقة والده فقط، ويتابع مع طبيبه النفسي عبر تطبيق ZOOM، لا يتركه أبوه في أي لحظة، خوفاً من أن يؤذي نفسه.
"الوسواس أقرب إلى الهوس"
أحمد علام، أخصائي الصحة النفسية وتعديل السلوك، يقول لرصيف22: "مرض الوسواس القهري أقرب بتسميته إلى الهوس، فالمصابون به يعانون من كثير من الهواجس، مثل الخوف من التسبب بأذى لغيرهم، الخوف من عدم ترتيب الأشياء".
قد يؤدي الخوف من التلوث إلى أن يصبح الشخص مهووساً بنظافة اليدين، بحسب علام، النظافة العامة، وتجنب المواقف التي قد يراها عالية الخطورة، مثل السفر في وسائل النقل العام، وقد يتطور الأمر إلى عدم الخروج من المنزل من الأساس.
ويضيف علام: "أنباء انتشار أمراض معدية تسبب الهلع للمصابين بالوسواس القهري خوفاً من أن يصابوا"، وأشار إلى أن الأشخاص الذين تعافوا من الوسواس القهري وتاريخ غسيل الأيدي من المرجح أن يعودوا إليه في هذه الجائحة، وقد يصل الأمر إلى ما هو أبعد، كاستخدام المواد المطهرة بشكل كبير قد يجرح أيديهم.
ويشير علام أن أعداد المواطنين الذين سيصابون بالوسواس القهري بعد مرور هذه الجائحة سيزداد، وقد يشمل أمراضاً أخرى تتعلق بالصحة النفسية كالاكتئاب.
"كورونا رجل مُغتصب"
منذ مارس الماضي ومع انتشار أخبار كورونا في مصر، عاشت انتصار (26 سنة)، لحظات من الهلع والخوف مما قد يحدث لها، وخصوصاً أن مديرتها رفضت أن تعمل من المنزل، فاضطرت الفتاة العشرينية للنزول يومياً حتى منتصف مارس.
لم تحتمل الفتاة العشرينية الوضع، وطريقة تعامل من حولها مع الجائحة، فاستقالت من العمل، وخصوصاً أنها تضطر لركوب المواصلات يومياً، وقد تكون وسيلة لنقل الفيروس.
كانت انتصار تُحافظ على صحتها النفسية بسبب متابعتها المستمرة مع طبيب نفسي، لأنها كانت تعاني من قبل من اكتئاب مُزمن ووسواس قهري، استغرق علاجهما سنين طويلة، ولكن بعد إصابة طبيبها بكورونا، تحول الهدوء لهلع.
لم تكن تدري أن ظهور فيروس جديد سيكون بمثابة اللعنة التي ستُعيدها لنقطة الصفر مرة ثانية، فالفتاة العشرينية عاشت من جديد نوبات الهلع كلما نزلت إلى الشارع لشراء حاجياتها المنزلية.
"وضعت الكلور على طعامي وأكلته".
تطور الأمر من مجرد غسل مستمر للأيادي إلى قص شعرها بشكل كامل، لاعتقادها بأن الفيروس قد يعلق فيه، لم تتوقف عند ذلك، بل أضافت الكحول والكلور إلى أطعمتها، ظناً منها أن ذلك سيحميها من الإصابة، ولكنها أصيبت بتسمم غذائي نقلت إثره إلى المشفى، بمجرد أن استردت عافيتها هربت من المشفى خوف أن تصاب بكورونا هناك.
تقول انتصار لرصيف22: "أشعر وكأن كورونا رجل يحوم حولي في كل مكان، ويريد اغتصابي، ليس عندي مشكلة في الموت، ولكني أريد أن أموت مرتاحة بدون خوف أو قلق أو نوبات هلع مثل التي أعيشها يومياً، أرى في كل الأشياء حولي وسيلة للإصابة، ولم أكن أعرف أن فيروساً لا يرى بالعين سيكون سبباً في عودتي للوسواس القهري الذي حاربته سنيناً طويلة".
"أنتظر قدري وحيدة"
لم تتخيل مي يوماً أنها ستُصاب بكورونا، رغم كل الاحتياطات التي أخذتها منذ ظهور الجائحة في مصر، رغم ظهور الأعراض بشكل واضح، رفضت الذهاب إلى المشفى لإجراء مسحة PCR، فعزلت نفسها في المنزل بمفردها، واشترت العلاجات التي نصح بها الأطباء على الإنترنت، لأن الذهاب للمشفى فيه مخاطرة كبيرة عليها، ولن تحتمل الوضع في المستشفيات الحكومية، ولن تقدر على الدفع للمستشفيات الخاصة، حيث وصلت فاتورتها لأكثر من 100 ألف جنيه (6309 دولار) في اليوم، وفقاً لحديثها لرصيف22.
"أفضل الموت على الذهاب لمستشفى حكومي"، هكذا تصف مي ذُعرها.
"أشعر وكأن كورونا رجل يحوم حولي في كل مكان، ويريد اغتصابي، ليس عندي مشكلة في الموت، ولكني أريد أن أموت مرتاحة بدون خوف أو قلق أو نوبات هلع مثل التي أعيشها يومياً"
الشركة التي تعمل بها توقفت عن الدفع جراء المشاكل الاقتصادية التي لحقت بكل القطاعات الخاصة في مصر، فتوقفت مي بدورها عن التواصل مع طبيبها النفسي، لأنها مضطرة لدفع 500 جنيه مقابل الجلسة الواحدة.
حاولت مي التواصل مع الأرقام التي وفرتها وزارة الصحة المصرية للمواطنين الذين يعانون من مشاكل نفسية بسبب كورونا، لكن لم يتفهموا حالتها، فاختارت الجلوس بمفردها تنتظر قدرها.
"اطلب دعم أصدقائك"
شالا نايسي، المُعالجة السلوكية المُتخصصة في علاج اضطرابات الوسواس القهري، ومؤلفة كتاب "ترويض اضطراب الوسواس القهري واستعادة حياتي"، قدمت عدة نصائح للتعامل مع فيروس كورونا المستجد:
● قلل من مشاهدة الأخبار بشكل مُستمر: ما المفيد من ذلك؟ اجعل ذلك مرة واحدة في اليوم لمدة أقصاها5 دقائق، والأفضل أن تمتنع عن مشاهدتها مطلقاً.
● إذا كنت تخطط للسفر، إذن سافر مع شخص تثق به ولا يعاني من اضطراب الوسواس القهري، يمكنك ملاحظة كيفية اتخاذ هذا الشخص للقرارات ومحاولة اتباع خطواته.
● اتبع إرشادات منظمة الصحة العالمية في غسيل الأيادي: الكثير من مصابي الوسواس القهري يحاولون تقليل طقوس التنظيف القهري، أو قد تعافوا من غسيل اليدين المستمر، ويحاولون إبقاء هذا تحت السيطرة، ولكن بسبب الوضع الحالي، امنح نفسك الإذن باتباع إرشادات منظمة الصحة العالمية (WHO) أو غيرها من الإرشادات التي أصدرتها السلطات في بلدك.
● كن لطيفاً مع نفسك: فكر بأن الأمر طبيعي وأنت لست وحدك، الوضع صعب حتى على الأشخاص الذين ليس لديهم اضطراب الوسواس القهري، اسمح لنفسك بالشعور بالقلق وإدراك أن قلقك قد لا يزول بينما الوضع لا يزال ينكشف.
● كن متعاطفاً مع نفسك، إذا كنت تعاني من زيادة في أعراض الوسواس القهري، إنها ليست غلطتك.. افعل ما بوسعك لإبقاء الأعراض تحت السيطرة دون محاولة أن تكون مثالياً.
● ابق على اتصال مع طبيبك أو عائلتك أو أصدقائك، واطلب منهم الدعم في هذا الوقت الصعب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون