سلّط تقرير جديد للجنة الإنقاذ الدولية (IRC) الضوء على معاناة اللاجئين في اليونان، مبرزاً تضخم المشكلات المتعلقة بالصحة النفسية في أوساطهم، وخاصةً معدلات إيذاء النفس مع زيادة بنسبة 66% بين سكان مخيمات اللجوء، ملقياً باللوم على سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي.
وصرّح لرصيف22، د. عصام داوود، طبيب نفسي ومدير الخدمات النفسية بمنظمة Humanity Crew، المعنية بالصحة النفسية للاجئين وضحايا الحرب، أن وضع الصحة النفسية للاجئين العرب، خاصةً السوريين والفلسطينيين، هناك أكثر سوءاً بسبب "خلفيتهم" وملابسات لجوئهم التي تدفعهم لذلك قسراً دون أغراض أو أموال كافية على سبيل المثال. وأبرز أن العرب هم النسبة الغالبة من بين هؤلاء اللاجئين.
بالعودة إلى IRC، فإن البيانات التي جمعها علماء النفس في اللجنة الدولية من المخيمات على جزر ليسبوس وخيوس وساموس، بين آذار/ مارس عام 2018 وتشرين الأول/ أكتوبر عام 2020، ونشرت في 17 كانون الأول/ ديسمبر، بيّنت أن ثلاثة أرباع الأشخاص الذين تلقوا المساعدة من اللجنة أبلغوا عن اضطرابات نفسية.
من بين 904 أشخاص قدمت لهم اللجنة الدعم، أبلغ 41% عن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، و35% عن أفكار انتحارية، و18% عن محاولات انتحار. لاحظت اللجنة زيادة بنسبة 71% في الأشخاص الذين أبلغوا عن أعراض ذهانية وزيادة بنسبة 66% في معدلات إيذاء النفس عقب الإغلاق الأول المرتبط بتدابير الوقاية من جائحة الفيروس التاجي.
ويرى داوود أن هذه النتائج "غير مفاجئة نهائياً للعاملين في هذا المجال. هذا شيء نعيشه كل يوم"، معدداً ما يتعاملون معه من حالات يأس شديد واكتئاب ونوبات هلع واضطرابات نوم وعنف داخل العائلات وعنف ضد الفئات المستضعفة لاسيما النساء واعتداءات جنسية واعتداءات بين الفئات الإثنية المختلفة. وأضاف: "لم يعد هناك تعاون بين اللاجئين... أصبحت (المخيمات) غابة القوي يأكل فيها الضعيف".
في إطار برنامج الصحة العقلية التابع للجنة الإنقاذ الدولية، وجد الخبراء أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص فكّر في الانتحار، بينما أقدم واحد من كل خمسة على ذلك، خلال فترة التقرير، وذلك إما قبل الوصول إلى اليونان أو خلال فترة الإقامة فيه، وفق التقرير المعنون "قسوة الاحتواء: حصيلة الصحة النفسية لنهج ‘نقطة ساخنة‘ في الاتحاد الأوروبي على الجزر اليونانية".
15 ألف شخص يعيشون ظروفاً غير إنسانية وخطيرة… لجنة الإنقاذ الدولية تحذّر من تفشي مشكلات الصحة النفسية في أوساط اللاجئين في المخيمات اليونانية. واحد من كل ثلاثة فكّر في الانتحار وواحد من كل خمسة أقدم عليه
الأسباب "واضحة"
بحسب خبراء IRC، فإن أسباب هذه الأزمات النفسية للاجئين واضحة، لافتين إلى أنه عقب خمس سنوات من إنشاء مراكز الاستقبال، مثل مخيم موريا في ليسبوس، لا يزال ما يقرب من 15 ألف شخص عالقين في اليونان "في ظروف معيشية غير إنسانية وخطيرة" في كثير من الأحيان، لا يتوفر فيها ما يكفي من المياه أو خدمات الصرف الصحي أو المأوى أو الخدمات الحيوية مثل الرعاية الصحية والتعليم والمساعدة القانونية.
وجد الخبراء أن تفشي فيروس كورونا، والتدابير الاحترازية المتصلة، ساهما في رفع الأعراض الذهانية وإيذاء الذات، إلى درجةٍ أشعرتهم بالقلق. أدت إجراءات الإغلاق الصارمة، التي فرضتها اليونان على المخيمات دون غيرها من مناطق البلاد، إلى عدم قدرة الأشخاص على مغادرة حدود المعسكرات، واحتجزتهم داخل مساحة صغيرة. تبعاً لذلك، يضطر سكان المخيمات إلى مشاركة نقاط المياه والمراحيض، ما يصبح معه الحفاظ على الصحة عبر إجراءات مثل غسل اليدين بانتظام وتفادي الزحام أمراً صعباً.
في هذا الصدد، أضاف ديميترا كالوجيروبولو، مدير IRC في اليونان: "تدهورت الصحة العقلية للاجئين هذا العام عقب الحرائق المدمرة في ليسبوس وساموس، وكوفيد وقيود الإغلاق التي فرضت عليه، والانتقال إلى مركز استقبال مؤقت جديد في ليسبوس، والذي لم يوفر بعد الظروف المعيشية الكريمة".
ولفت كالوجيروبولو إلى ما أخبره به علماء النفس في لجنة الإنقاذ الدولية حول تقييد الأشخاص بالبقاء داخل المخيمات "القذرة والخطيرة"، والاضطرار إلى الوقوف في طوابير للحصول على الطعام أو استخدام المراحيض العامة، علاوةً على عدم توفر مساحة كافية لتنفيذ ممارسات النظافة والتباعد الاجتماعي.
من 904 أشخاص ساعدتهم اللجنة، أبلغ 41% عن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، و35% عن أفكار انتحارية، و18% عن محاولات انتحار. مع زيادة بنسبة 71% في المبلغين عن أعراض ذهانية وزيادة بنسبة 66% في معدلات إيذاء النفس
الاتحاد الأوروبي واليونان مدانان
في الوقت الذي دان فيه التقرير سياسات الهجرة المتبعة في الاتحاد الأوروبي واليونان، أشار أيضاً إلى تقاعس الاتحاد الأوروبي والسلطات في اليونان عن توفير الدعم المطلوب لتحسين أوضاع اللاجئين في مثل هذه الظروف. لعبت المنظمات غير الحكومية الدور الأكبر في سد الفجوة الناجمة عن نقص هذا الدعم، بحسب التقرير.
مع ذلك، يشدد التقرير على الحاجة الملحة إلى "القيام بالمزيد لضمان عدم التخلي عن الناس من قبل الآليات هناك لدعمهم". وعن هذا صرّح إيموجين سودبيري، مدير الشؤون الأوروبية في IRC: "يمكن إرجاع إحساسهم (اللاجئين) الساحق باليأس وفقدان الأمل إلى قرارات سياسية ملموسة وثغرات سياسية على المستويين الوطني اليوناني والاتحاد الأوروبي تركت الناس يقبعون في معسكرات مكتظة ونقص الموارد".
وتابع: "هذا هو الوجه الإنساني لخمس سنوات من الجمود السياسي في سياسات الهجرة" في الاتحاد الأوروبي، مبرزاً الحاجة إلى "نظام عادل وقادر على التنبؤ تشارك عبره الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في المسؤولية عن استضافة الوافدين الجدد، بما يحترم حق كل فرد في تقييم كامل لطلب لجوئه، ويضمن للناس العيش بأمان وكرامة في غضون هذه العملية".
ويوصي داوود بضرورة الوقاية لتفادي كلفة ومراحل العلاج النفسي الطويل والمرهق للاجئين، موضحاً أن منظمته عمدت إلى توفير "طواقم إنقاذ نفسية" هدفها التعامل مع الاضطرابات والأحداث التي تؤدي إلى مشكلات نفسية في وقتها لمنع تطورها إلى الأسوأ.
يشار إلى أن لجنة الإنقاذ الدولية شرعت في تقديم الدعم الخاص بالصحة النفسية للاجئين في اليونان منذ عام 2016، فيما بدأت برنامجاً خاصاً بالصحة النفسية في ليسبوس عام 2018. وذلك قبل أن توسع خدمات البرنامج لتشمل جزيرتي ساموس وخيوس منذ ذلك الحين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.