يُوثق تقرير حقوقي "عقاباً جماعياً" يتعرّض له معتقلو "سجن العقرب" الشديد الحراسة في القاهرة يتضمن "إزالة مصادر التهوئة والضوء والكهرباء من الزنازين" وغيرها.
فُرضت قيود جديدة على التهوئة والكهرباء في "سجن العقرب" الشديد الحراسة في القاهرة عقب واقعة قتل أربعة سجناء في عنبر المحكومين بالإعدام أربعة من عناصر الأمن في 23 أيلول/سبتمبر. ورغم تنفيذ حكم بالإعدام ضد السجناء الأربعة التي قالت وزارة الداخلية إنهم "كانوا يحاولون الفرار"، فإن "عقاباً جماعياً" أُنزل على السجناء في "سجن العقرب"، بحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية.
أصدرت المنظمة تقريراً في 17 كانون الأول/ديسمبر قالت فيه إن "أجهزة الأمن المصرية أجرت في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر تغييرات على 'سجن 992 الشديد الحراسة'، المعروف باسم 'سجن العقرب'، وحَرمت النزلاء من التهوئة الكافية والكهرباء والماء الساخن بشكل كامل تقريباً".
ولفتت إلى أن "تشديد القيود يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي"، موثقة، إلى جانب منظمات حقوقية أخرى، انتهاكات جسيمة داخل سجن العقرب الذي يقع في "مجمع سجون طرة" ويُحتجز فيه حالياً بين 700 و800 سجين. من الانتهاكات "غياب ترتيبات إنسانية للنوم والصرف الصحي وعدم كفاية الإضاءة الاصطناعية والتهوئة المناسبة وحظر الزيارات العائلية منذ آذار/مارس 2018، مما يؤثر على حقهم في الحصول على الملابس والبطانيات والأدوية مثلاً وترك حراس السجن في أوقات كثيرة زنزانة فارغة بين كل زنزانة وأخرى لجعل التواصل بين السجناء أكثر صعوبة.
شملت التغييرات بحسب ما رصدته المنظمة عبر رسالة من ثلاث صفحات وفيديو مدته 13 دقيقة سُرّبا من "سجن العقرب"، إضافة إلى حديثها مع ثلاثة مصادر أخرى: إزالة مصادر التهوئة والضوء والكهرباء من الزنازين وتعديل النافذة الوحيدة التي تطل على ممر داخلي وكذلك فتحة الباب (النضارة) في كل زنزانة لعرقلة أي اتصال بين السجناء. (حتى قبل التغييرات، لم يكن هناك مصدر في الزنازين لضوء الشمس أو الهواء النقي).
وقالت المصادر الثلاثة (محامٍ على اتصال مع نزلاء في السجن وشخصَان على دراية مباشرة بالتغييرات) إن رجال أمن بملابس مدنية، يعتقد أنهم من مسؤولي "المخابرات الحربية" يعملون في السجن منذ عمليات القتل ويشرفون على التغييرات، مضيفين أن هؤلاء الضباط لم يكونوا ضباط السجن المعتادين أو عناصر "جهاز الأمن الوطني".
وقال أحد المصدرَيْن المطلعَيْن إنهما قابلا بعض السجناء "لفهم وضعهم النفسي" و"فهم سبب قتل النزلاء لحراس السجن"، إلا أن تقرير هيومن رايتس ووتش لم يتضمن شيئاً عن هاتين النقطتين.
في ما يلي القيود التي تبيّنها الرسالة، والفيديو المسرّب، والمصادر، بحسب تقرير المنظمة:
1- أزال عمال البناء، الذين تعتقد المصادر أنهم من "الهيئة الهندسية للقوات المسلحة"، جهاز التهوئة المثبت على الحائط في كل زنزانة في مباني السجن الأربعة (كل مبنى على شكل حرف "H").
2- أزال العمال أيضاً المقبس الكهربائي، وهو المصدر الوحيد للكهرباء للاحتياجات اليومية مثل تسخين المياه في الأباريق الكهربائية للشرب أو الاستحمام، وتشغيل طارد البعوض الكهربائي. قال أحد المصادر: "اعتاد السجناء غلي الماء عندما يكون أحدهم مريضاً لتحضير بعض الشاي".
3- أزال عمال البناء أيضاً شِباك البعوض التي كانت تغطي النافذة الوحيدة في كل زنزانة، والتي تطل على ممر السجن، واستبدلوا قضبان النوافذ بشبكة فولاذية (حديد بقلاوة)، مما حدّ كثيراً من دخول الهواء إلى الزنزانة. قالت المصادر إن البعوض قد استشرى في الزنازين الآن طوال الوقت.
4- قالت المصادر أيضاً إنه في "المبنى H4"، حيث وقعت حوادث القتل في 23 أيلول/سبتمبر، أزال العمال المصباح الكهربائي الوحيد في كل زنزانة، مما ترك حوالى 100 زنزانة من دون مصدر للضوء. في الزنازين الموجودة في المباني الثلاثة الأخرى، نقل العمال مفاتيح الإضاءة إلى خارج الزنزانة حتى لا يتمكن السجناء من التحكم بها.
5- أثناء أعمال البناء، نقلت السلطات السجناء إلى زنازين مكتظة إلى حين انتهاء الأشغال في كل جزء من أجزاء السجن، ومن ثمّ نقلهم إلى الزنازين المعدلة. قال المصدر: "يُسلمّ إلى السجين بطانية واحدة ويُرسل إلى الزنزانة. إذا اعترض، يتعرض للضرب". قال المصدر إن السجناء جُردوا من ممتلكاتهم وإن عشرة سجناء تعرضوا للضرب وأُرسلوا إلى "زنازين التأديب" بعدما اعترضوا على القيود الجديدة.
تمّت إزالة جهاز التهوئة المثبت على الحائط في كل زنزانة في مباني السجن الأربعة… تقرير مبني على رسالة وفيديو مسرّبين وثلاثة مصادر مطلعة يوثّق حرمان سجناء في مصر حتى من الهواء
وفاة 14 نزيلاً على الأقل
و"يتم نشر ملابس النزلاء المبللة والبالية على حبال معلقة على الجدران حتى تجف. وتظهر مقتنياتهم القليلة في أكياس بلاستيكية معلقة على الحائط بمسامير. ويعرض الراوي لوح صابون يقول إن كل نزيل يحصل على واحد منه كل خمسة أشهر. مصدر الهواء الوحيد هو فتحة الباب التي يحصلون من خلالها على طعامهم. يضيف الراوي إن النزلاء اضطروا إلى إغلاق النافذة المطلة على الممر، لأن الجو كان شديد البرودة ولم يكن لديهم أغطية كافية"، وفقاً لما رصدته هيومن رايتس ووتش التي تشير إلى وفاة 14 نزيلاً على الأقل في سجن العقرب منذ عام 2015، من بينهم خمسة توفوا نتيجة عدم كفاية العلاج الطبي.
عشرة سجناء تعرضوا للضرب وأُرسلوا إلى "زنازين التأديب" بعدما اعترضوا على القيود الجديدة… تقرير مبني على رسالة وفيديو مسرّبين وثلاثة مصادر مطلعة يوثّق حرمان سجناء في مصر حتى من الهواء
"هو متصمم على إن اللي يخش ما يرجعش منه تاني"
في هذا السياق، يقول جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يبدو أن السلطات المصرية تفرض عقاباً جماعياً على مئات السجناء في سجن العقرب، بعد عزلهم عن العالم قرابة ثلاث سنوات. الأوضاع في هذا السجن تتعارض تماماً مع حقوق السجناء". وكان اللواء إبراهيم عبد الغفار، مأمور سجن العقرب السابق، قد قال في مقابلة تلفزيونية عام 2012: "هو متصمم على إن اللي يخش ما يرجعش منه تاني"، مضيفاً أنه "مُصمم للسجناء السياسيين".
وتؤكد هيومن رايتس ووتش أن "عدم وجود إضاءة طبيعية كافية للعمل أو القراءة، وغياب ترتيبات إنسانية للنوم والصرف الصحي، ومراعاة الطقس، فضلاً عن ضيق المساحة وعدم كفاية الإضاءة الاصطناعية والتهوية المناسبة" انتهاكات لحقوق السجناء الأساسية.
عام 2017، كانت "هيئة مفوضي الدولة"، وهي جزء من القضاء الإداري في مصر، قد قبلت النظر في قضية رفعتها أسر نزلاء سجن العقرب تطالب السلطات بإغلاق السجن. كلفت اللجنة خبراء في الهندسة والصحة وحقوق الإنسان دراسة ظروف السجن وتصميمه إلا أن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من معرفة ما إذا كان هناك قرار نهائي من المحكمة.
وعن هذا يقول ستورك: "يأتي تصعيد الظروف القاسية والمسيئة في سجن العقرب ليزيد من استفحال الوضع المروّع، والمستمر لسنوات، ويجعل من هذا السجن بالتعريف منشأة تعذيب. على مصر أن تعالج بجدية مكان الرعب هذا وأن تضمن عدم حرمان النزلاء من حقوقهم الأساسية كسجناء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...