نوعٌ آخر من "الانتهاك" تتعرض له المرأة، يكون عن طريق استغلالها مادياً واغتصاب حقها الذي تكتسبه بجهدها وتعبها، سواء من قبل الزوج أو الأهل.
تتحدث عبير محمود (اسم مستعار) عن حياتها مع زوجها الذي ارتبطت به منذ حوالي عامين وأنجبت منه طفلة صغيرة، فتقول: "كنت في السابعة والثلاثين من عمري عندما تقدم زوجي لخطبتي، وكان يعلم أنني أعمل في شركة سياحة وأحصل على راتب مرتفع، بينما كان عمره 33 عاماً ويعمل كمحامي بدخل غير ثابت".
تقول عبير إنها وافقت على الزواج منه ولم تتصور أن هدفه كان استغلال كل راتبها.
"شعرت أثناء فترة الخطوبة بنواياه، وذلك عندما طلب مني شراء مستلزمات الشقة بحجة أنه لا يملك أي دخل، بينما دفعتني رغبتي القوية بالزواج وتكوين أسرة إلى أن أشتريها بالفعل"، تردف عبير معلقة أنه طلب منها حتى دفع أجرة المأذون وشراء فستان الزفاف، لكنها كانت تبرر له دائماً طمعاً بتحقيق حلمها والتخلص من إلحاح أهلها كي تتزوج.
تتقاضى عبير من عملها حوالي 4 آلاف جنيه (حوالي ثلاثمئة دولار) أصبحت بعد الزواج تنفقها كلها على البيت، كما أنها تتولى مصاريف الرعاية الصحية لرضيعتها، بينما لا يدفع زوجها أي نقود ولا يشتري لها ما تحتاجه وعندما تطلب منه نقوداً يعدها بالبحث عن عمل آخر، ثم تُفاجأ بطلبات البيت التي يتجاهلها متعمداً.
وعن معاملته لها في المنزل واحترامه لها، تشكو عبير قائلة: "أنا أكذب على أهلي وأخبرهم أن زوجي يعاملني بصورة حسنة، لكنه في الحقيقة لا يحبني ولا يحترمني ولا يهتم إلا براتبي فقط، حتى أنه يقول لي احمدي الله أنك وجدت رجلاً يتزوجك".
"منفعة" غير متبادلة
عبير ليست الوحيدة التي تعاني من هذا النوع من العلاقات، ففي ظروف لا تزال فيها الذكورية والضغوط الاجتماعية تفرض نفسها على المرأة، لا سيما العازبة التي تتقدم في السن، يصبح الزواج حتى لو لم تكتمل شروطه الموضوعية والمنطقية وسيلة للهروب.
يقول أستاذ علم الاجتماع سعيد صادق لرصيف22: "استغلال المرأة يتم في كل دول العالم وإن كان يزيد أكثر في الدول العربية، فالعادات تغيرت وانتهى وجود سي السيد للأبد كما في الخمسينيات والستينيات حين كان الرجل يسعى للعمل في الخامسة صباحاً"، مضيفاً "في المرحلة الحالية، المرأة هي الأقدر والتي تسعى للعمل مبكراً والأمر موجود في أوروبا فهناك السيدة تعمل والرجل يجلس في البيت يهتم بأمور المنزل".
"شعرتُ أثناء فترة الخطوبة بنواياه، وذلك عندما طلب مني شراء مستلزمات الشقة، بينما دفعتني رغبتي القوية بالزواج وكذلك إلحاح أهلي إلى شرائها بالفعل، وطلب مني دفع أجرة المأذون وشراء فستان الزفاف... ثم يقول احمدي الله وجدتِ رجلاً يتزوجك"
يشرح الباحث الاجتماعي رأيه بالقول: "ثمة نظرية اسمها التبادل الاجتماعي أو تبادل المصالح، وهنا في هذه الحالة نجد أن المرأة وجدت أنها كبرت في السن ولن تستطيع أن تجد زوجاً بسهولة فقبلت برجل يصغرها وهو تزوج منها طمعاً في راتبها الذي ستساعده به، لأنه يعلم أنه غير قادر على تأسيس منزل بمفرده وبالتالي تم تبادل المنفعة بينهما".
في المقابل، تأتي هذه "المنفعة" على المرأة في العديد من مجتمعات المنطقة بالأذى، إذ يعتبر صادق أن المرأة في المجتمعات العربية مظلومة إلى الآن بسبب الضغط الذي تتعرض له، فهي تجد نفسها تعمل خارج البيت وداخله ومسؤولة عن أولادها، وبالتالي تُرهقها المسؤوليات الملقاة على عاتقها، وما يزيد الأمر سوءاً هو ألا تجد الاحترام والتقدير من الزوج.
في حالة عبير مثلاً، يعاير الزوج الزوجة لأنه قبِل الزواج منها وهي أكبر منه سناً، فلو اختارت المرأة من البداية الزواج من رجل متفهم ومنفتح لن تواجه مشكلة مماثلة.
استغلال الأهل
ليلى صلاح عاشت مع أسرتها لسنوات، وكان الأب يضع دائماً العقبات في طريق زواجها، لتنتبه لاحقاً أن ذلك سبب ذلك عملها وراتبها الكبير.
تقول ليلى: "لم يكن زواجي من مصلحة والدي، ولذلك كان يجد أي عيب في أي عريس يتقدم لخطبتي وكانت والدتي توافقه على ذلك، وكان يخبرني دائماً أنه يخشى علي من الارتباط برجل يستغلني، لكن الحقيقة أن والدي هو المستفيد من عدم زواجي لأني أضع أكثر من نصف راتبي البالغ 6 آلاف جنيه في المنزل".
وتشكو مضيفة: "منذ عام تقدم لخطبتي زميل لي كان شاباً مهذباً وكنت متحمسة له لكن والدي رفضه، ما جعلني ألجأ لخالي وبالفعل أرغم والدي على الموافقة على زواجي بعد أن طلب والدي من عريسي مهراً كبيراً".
تتحدث الباحثة الاجتماعية سامية خضر عن استغلال الأهل للمرأة. وتقول لرصيف22: "استغلال المرأة من قبل الأهل للأسف ظاهرة منتشرة في المجتمع، وسببها الرئيسي هو تواضع العواطف من الابنة تجاه أسرتها وضعفها ناحية العائلة، ما يجعل الأخيرة تطمع فيها وتستغلها مادياً".
من وجهة نظر الباحثة الاجتماعية، فإن الأسرة عادة تطمح لتزويج الابنة ولكن لكل قاعدة شواذ، والمرأة هنا لا تقدر على الدخول في نزاع مع الأسرة فتستسلم للاستغلال طواعية ولكن "يجب عليها أن تتصدى لهم وتخبرهم أن لها طريقاً تريد أن تسلكه وأن طمعهم يجب أن يتوقف".
لأهل الزوج حصة أيضاً
الأمر لا يتعلق بالأهل والزوج فقط، بل يتعدى ذلك ليصل إلى أهل الزوج الذين يتصورون أن زوجة ابنهم هي "الدجاجة التي تبيض ذهباً"، وهي ملزمة بحمل مسؤولية زوجها.
تقول مروة إبراهيم (اسم مستعار) في هذا السياق: "يحضر أهل زوجي إلى بيتنا في أول الشهر في الموعد الذي أتقاضى فيه راتبي، ثم تجلس حماتي إلى جانبي وتطلب مني أن أعطي نصف الراتب لابنها حتى لا يتأثر نفسياً عندما يجد أن مع زوجته نقود بينما هو لا".
"لم يكن زواجي من مصلحة والدي، ولذلك كان يجد أي عيب في أي عريس يتقدم لخطبتي وكانت والدتي توافقه على ذلك، وكان يخبرني دائماً أنه يخشى علي من الارتباط برجل يستغلني، لكن الحقيقة أن والدي هو المستفيد من عدم زواجي لأنني أضع أكثر من نصف راتبي في المنزل"
تكشف مروة تفاصيل أخرى عن هذه الدينامية في علاقتها الزوجية، قائلة: "كنت أعرف منذ بداية الزواج أن عائلة زوجي مستغلة وهذا حذرتني منه أمي قبل الارتباط، لكنني كنت أحبه وكنت مغفلة"، مضيفة "يصل راتبي إلى 5 آلاف جنيه في الشهر، لكن لا يتبقى لي منه إلا مصاريف مواصلاتي فقط لا سيما وأن راتب زوجي ضعيف جداً، بينما تجد حماتي أن من واجبي أن أساعده وأن هذا الأمر طبيعي جداً، فيما لا يبذل جهداً لتحسين أوضاعه".
تعقّب الباحثة الاجتماعية على مسألة استغلال أهل الزوج، فتشير إلى أنهم "ينظرون إلى زوجة ابنهم الغنية وكأنها وسيلة إنقاذ فهم يعلمون أن المشاكل الاقتصادية كثيرة وأن ابنهم لا يقدر على تكوين أسرة وأن المسؤوليات ستغلبه، وبالتالي يبحثون له عن زوجة قادرة".
وتردف: "الأب والأم لا يجدان ما يقومان به أمراً مخلاً، لكن الزوجة في كل الأحوال ليست مضطرة أن تتحمل وضعاً لا تقبله أو تم خداعها به، ففي النهاية هذه الزيجات تنتهي بالطلاق لأن التفاهم والاتزان في العلاقة هو أساس نجاحها وأي خلل في البيت لا يجعل العلاقة ناجحة، فتنتهي سريعاً وغالباً بطلب الخلع".
الاستغلال المادي للمرأة
"أبي طلب من زوجي مهراً كبيراً، وقال لن يتزوجك دون أن يدفع". هذا ما تقوله داليا عبد الكريم التي بدأت مشروعاً خاصاً منذ سنوات وكبر حتى أصبح لديها الكثير من العاملات ولها دخل ثابت يزداد كل عام.
تخبر عن تجربة زواجها: "تقدم للزواج مني أكثر من رجل وكان والدي في كل مرة يطلب مهراً كبيراً جداً، وكنت أندهش لذلك ولكنه أخبرني أني أصبحت مطمعاً للرجال لأنني امرأة ناجحة ولي دخل كبير ومع الوقت اقتنعت بكلامه".
"أهل الزوج يظنون أن إجبار المرأة على تسليم ابنهم راتبها هو مساعدة له، ولا يعرفون أنهم يورطونه في زواج مصلحة مصيره الفشل".
وتضيف: "أنا الآن متزوجة منذ 4 أعوام، وعندما تقدم لي زوجي للارتباط بي طلب منه والدي مهراً كبيراً ومؤخر صداق كبير ووافق زوجي، والآن بعد زواجي اكتشفت أن والدي كان محقاً وأن زوجي لم يطلب الارتباط بي من أجل الحب فقط بل كانت له مطامع".
يعلق صادق على مسألة العلاقة بين المرأة وأهلها وتعاملهم مع الزوج، فيقول: "الأهل يرون أن من واجب الابنة والابن أيضاً مساعدة الأهل وعدم النظر إلى ذلك على أنه استغلال، لكن العلاقة تتحول إلى استغلال فعلي عندما يرغب الأهل بوضع عراقيل غير منطقية أمام زواج الأبناء، كي لا يخسروا راتبهم".
وعن قضية الاستغلال المادي للمرأة، تتحدث الخبيرة الاجتماعية واستشارية العلاقات الأسرية زينب نجيب لرصيف22، فتقول إن الاستغلال بشع وغير مقبول سواء كان من قبل الزوج أو من قبل الأهل، وهو نوع من أنواع العنف ضد المرأة.
أما عن تعامل أهل الزوج مع المرأة كأنها سند مادي للزوج، تقول الخبيرة الاجتماعية: "أهل الزوج يظنون أن إجبار المرأة على تسليم ابنهم راتبها هو مساعدة له، ولا يعرفون أنهم يورطونه في زواج مصلحة مصيره الفشل والطلاق، بينما يظن أهل الفتاة أن المهر الكبير يحصنها من غدر الزوج، لكن مكر الرجل لا نهاية له ويستطيع تحويل حياتها لجحيم، ولذلك المهم هو التفاهم وأن يعلم الأهل أن زواج المصلحة مصيره الفشل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...