شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
عندما تصبح الأم مصدر الخطر... قصص معاناة مع تنمّر الأمهات عذّبت أصحابها طويلاً

عندما تصبح الأم مصدر الخطر... قصص معاناة مع تنمّر الأمهات عذّبت أصحابها طويلاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 1 ديسمبر 202011:31 ص

تُعرف الأمهات عامة بدفاعهن عن أبنائهن بشراسة ضد أي خطر محتمل أو قائم، لكن عندما تنقلب الأمور إلى العكس، وتصبح الأم مصدر هذا الخطر، يكون الأمر محيراً وموضع تساؤل. ما الذي يجعل أماً تتنمّر على أولادها وتوجه لهم جملاً قاسية قد تطاردهم لسنوات، أو تدفع بعضهم أحياناً إلى الذهاب لطبيب نفسي، أو التفكير في الانتحار؟

"قالت صراحة إنني لست رجلاً"

تجاوز عماد محمود اليوم الخامسة والأربعين، فيما كان في الأربعين من عمره عندما رحلت والدته عن العالم، ورغم ذلك لم ينس أبداً كلماتها التي لاحقته لسنوات طويلة.

يقول لرصيف22: "عندما تزوجت لأول مرة منذ سنوات لم يرزقني الله بأولاد، وكانت والدتي تقول لي إن الرجل لا يذهب للطبيب للإنجاب، وفي أكثر من مرة قالت صراحة أنت لست رجلاً لأنك لا تستطيع أن تنجب، وأقنعت نفسي وقتها أنها تقول ذلك لجهل وعدم تدين، لكن مع تكرار الموقف بات الأمر لا يطاق".

مرت السنوات وكان عماد يعيش "قانعاً مع زوجته وراضياً بما قُسم له"، كما يقول. رحلت والدته دون أن ينجب وكانت دائماً تسخر منه ومن عدم قدرته على منحها حفيداً، ورغم غيابها بقيت "جملتها البغيضة" تطارد عماد حتى انفصل عن زوجته وتزوج من أخرى، لكنه لم ينجب أيضاً رغم كل المحاولات.

"منذ عام نصحني صديق لي يعمل مدرساً أن أذهب لطبيب نفسي وبالفعل ذهبت إليه دون أن يعلم أي شخص بذلك، حتى زوجتي"، حسب ما يختم عماد قصته مع كلمات والدته الجارحة وشعوره السلبي ناحيتها رغم وفاتها.

"لا أرى إلا أنفي الطويل"

"عندما أنظر إلى المرآة لا أرى إلا أنفي الطويل"، بهذه العبارة تبدأ عواطف جمال (اسم مستعار) بالحديث عن علاقتها الهشة مع والدتها.

تقول: "في الصغر، كنت أسمع أمي وهي تردد ′أنفك طويل مثل والدك′. لم أفهم في البداية أنها تعيب على شكلي، وبعد سنوات مات والدي، وأصبحت تنظر لي في ضيق لأنني أشبهه، عندما كبرت كلما نظرت في المرآة لا أرى إلا أنفي الطويل. أصدقائي يقولون إنني جميلة لكنني لا أرى ذلك أبداً".

تشكو عواطف أن كلمات أمها انتقلت إلى خارج المنزل، وأنها أصبحت تردد العبارة نفسها أمام الأقارب، فكرهتها بسبب ما تقوله، مردفة بأن ذلك استمر حتى بعد زواجها منذ 7 أعوام وإنجابها لطفلين. "ما زالت أمي تقول لي هذه الجملة، حتى أن زوجي دافع عني بشدة في إحدى المرات وطلب منها ألا تقول لي ذلك أبداً".

"قالت أنت لست رجلاً لأنك لا تستطيع أن تنجب"، "عندما أنظر إلى المرآة لا أرى سوى أنفي الطويل الذي تكرهه أمي"، "لم تترك فرصة إلا وأشعرتني أنني عبء عليها"، "تردد باستمرار أنني فاشلة على عكس ابنة خالتي"... تنمّر الأمهات عندما يطارد الأبناء لسنوات طويلة ويُغيّر حياتهم

تُخبر عواطف أنها طلبت من زوجها منذ أشهر أن تجري جراحة تجميلية لأنفها، لكنه رفض، بينما هي كما تقول لا تزال مصممة على إجراء الجراحة، فـ"طوال الوقت أسمع جملة أمي تتردد في أذني".

"لم أختر أن أكون معوقاً"

"أنا لم أختر أن أكون معوقاً"... هكذا يعلق حسين أنور (اسم مستعار) على السؤال عن مشكلته مع أمه، موضحاً بالقول: "كرهتني أمي منذ تلك اللحظة التي عرفت فيها أنها رزقت بطفل معوق لا يسير بشكل طبيعي مثل باقي الأطفال، إذ كنت عائقاً وعبئاً ثقيلاً عليها، وهي لم تترك فرصة واحدة إلا وأشعرتني بذلك".

يشكو حسين أنها كانت تقول له "أنت آخر صبري... قدري المُر". ويقول: "لسنوات تحملتني، سمعتُ نساء عائلتنا تنصحها أن تحمد الله على كل النعم وألا تقول لي ذلك ولكن بلا فائدة، والآن عمري 22 عاماً وأصبحت أعمل وأعتمد على نفسي بشكل أكبر لكن لا أنسى ما كانت تقوله أبداً، رغم أنها اعتذرت لي مرة ولكني لم أشعر بها ولم أحس يوماً أنها تحبني مثل أي أم طبيعية. أفكر مؤخراً في الزواج لكن أسأل نفسي إن كانت أمي لم تتحملني فهل تتحملني فتاة غريبة؟".

"تقارنني بابنة خالتي"

تقارن الأمهات أحياناً بين أولادها وأولاد أقاربها، وهذا وجه آخر لوطأة "تنمّر" الأم على أبنائها.

تشرح سميرة ما حدث معها في هذا السياق، فتقول: "لم أحب أبداً الدراسة وكنت أشعر طوال الوقت أني مجبرة عليها، إذ كانت أمي تعيّرني لأنني لست متفوقة مثل ابنة خالتي التي تحصل على أعلى الدرجات"، مردفة "مشكلتي الرئيسية كانت مع الرياضيات، حيث كنت أحصل على درجات ضعيفة، وفي الثانوية العامة عندما حصلت ابنة خالتي على مجموع كبير والتحقت بكلية الصيدلة انهارت والدتي بعد رسوبي، وانهالت علي بالضرب وسبتني ولعنتني وظلت على هذه الحال لأشهر، بل لعام كامل".

تُكمل سميرة قصتها بسرد المزيد من التفاصيل، فتقول: "هربت من المنزل وذهبت إلى صديقة لي لمدة أسبوع، وعندما عدت ضربتني أمي مرة ثانية وقرر والدي أن يخلصني من هذا العبء فخرجت من المدرسة. كنت أحب الأشغال اليدوية، فقررت الالتحاق بمعهد لأعزز موهبتي بالدراسة لكن والدتي رفضت واستمرت بالقول إنني فاشلة ولست مثل ابنة خالتي المتفوقة".

تختم سميرة قصتها بالتعبير عن "كرهها" لوالدتها لهذا السبب. "والدي يساندني، لكنه لا يستطيع أن يمنع ضربها لي وسبها المستمر، أكرهها وأتمنى أن تموت قريباً، وأفكر ليلاً بينما تكون نائمة في أن أخنقها لأتخلص منها لكنني أتراجع بطبيعة الحال".

"أنت تأكل كالبغال"

"منذ أن كنت في العاشرة من عمري ووزني يزداد بشكل كبير، لا سيما بعد إصابتي بمرض السكري. أسمع والدتي طوال الوقت وهي تقول لي ′أنت تأكل كالبغال′". هي قصة سعيد أيمن (اسم مستعار) مع والدته.

"في سن المراهقة كنت شاباً بكرش، ولم أكن قادراً على التوقف عن الأكل، فرغم مرضي كنت أحب الأكل جداً وفي الجامعة ازداد الأمر سوءاً وازدادت قسوة والدتي التي كانت تعيّرني بسمنتي وحبي للأكل وتضربني على بطني، حتى أنها قالت مرة بحدة إن مرتبها كله يضيع على الأكل وإنني لن أجد من تنظر لي".

يضيف سعيد: "منذ عامين، بدأت أُغيّر من عاداتي بعد مرضي الشديد، فقدت وزناً كثيراً وأصبح وزني مثالي، لكن والدتي استمرت بمناداتي بالبغل ولا أعرف السر. واجهتها بالسؤال عن سبب معاملتها لي بهذا الشكل، نظرت لي ولم ترد ثم اتهمتني بقلة الأدب، ورغم تحسن مظهري وخسارتي لوزني أرى نفسي دائماً شخصاً أقل من غيره. أبكي أحياناً وأدعو الله أن تحبني".

"لم تحبني أبداً"

ولاء عبد الله حاولت الانتحار مرة بسبب تنمر والدتها لكن تم إنقاذها في آخر لحظة. تحكي قصتها لرصيف22، فتقول: "تكرهني والدتي حاولت أن أقنع نفسي بالعكس لسنوات طويلة، لكن الحقائق كلها تؤكد كرهها لي، لم تحبني أبداً فأنا البنت السوداء التي لم ترث شيئاً من جمالها والتي تعاني من اللثغ ولا تجيد الكلام".

"تنمر الأمهات موجود للأسف وأصبح أكثر انتشاراً رغم الوعي الموجود في المجتمع، فنرى أمهات يقمن به باعتباره نوعاً من أنواع التحفيز لأولادهن لتغيير نمط حياتهن، فينتقدن أولادهن باستمرار، لكن ذلك يأتي بصورة عكسية تماماً"

تضيف ولاء: "أُشبه جدتي وأمي لم تحب حماتها أبداً، وعندما تركنا والدي قالت والدتي إنه تركنا بسبب وجهي العكر وقتها كنت في الخامسة عشر بحثنا عنه طويلاً ولم نعثر عليه. شعرت أن حياتي بلا قيمة بحثت في الدولاب وجدت علبة دواء مسكن فتناولتها وانتظرت الموت، لكن أنقذتني أمي للأسف ودخلت المستشفى. لم تغير معاملتها لي رغم كل ذلك أتمنى فقط أن أموت وأتخلص منها".

جهل أو حسن نية

يتحدث الاستشاري النفسي جمال فرويز عن تنمر الأمهات لرصيف22، فيقول: "تنمر الأمهات موجود للأسف وأصبح أكثر انتشاراً رغم الوعي الموجود في المجتمع، فنرى أمهات يقمن به باعتباره نوعاً من أنواع التحفيز لأولادهن لتغيير نمط حياتهن، فينتقدن أولادهن باستمرار، لكن ذلك يأتي بصورة عكسية تماماً".

يوضح فرويز أن "التنمر قد يكون سببه الجهل أو حسن النية أو الغباء الاجتماعي، فتتسبب الأم في إصابة ابنها على المدى البعيد بالكراهية تجاهها وتجاه المجتمع، فيُصاب بالاكتئاب ويبدأ في التعامل بعدوانية مع الأم والمحيطين به، وقد يصدر عنه أي رد فعل هروباً من الواقع الذي يعيش فيه".

يقول الأخصائي النفسي إيهاب هندي لرصيف22: "تفتقد الأمهات في أغلب الأحيان لمهارة التربية، فالتربية حرفة وصنعة تحتاج وقتاً لإتقانها، ويجب التعامل معها على أنها تتغير وتحتاج لتدريب، وعليه يجب على الأم التي تتنمر أن تتعلم وتعتذر وتتغير".

ويضيف: "الأم التي تتنمر تفتقد إلى التعاطف ولا تضع نفسها مكان ابنها"، موضحاً أن "التعاطف يختلف عن الشفقة، إذ يعزز علاقة التفاهم بين الأم وابنها، وغيابه يسبب فشلاً في العلاقة بين الطرفين".

ويختم هندي كلامه بالتأكيد على أن "التعاطف يجعل الأم قادرة على تغيير أي مساوئ في الطفل، كما يجعلها تتقبله كما هو، فلو كان وزنه زائداً مثلاً تحبه كما هو وتحترمه، ومن ثم تسعى لتغييره".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image