ارتبطت إحدى صور المرأة الفلسطينية بشكل ما في ذهن الجمهور العربي بالقيادية الفلسطينية حنان عشراوي، التي أعلنت في العاشر من كانون الأول/ديسمبر، استقالتها من منصبها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
في خطاب استقالتها، شددت حنان عشراوي على الحاجة إلى ضرورة إجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية، لكنها لم تشر إلى التقارير التي تفيد بأن قرارها جاء بعد خلافات حول عودة التنسيق مع إسرائيل.
اللافت في استقالة عشراوي أنها أثارت جدلاً بين النخبة الفلسطينية، فهناك من اعتبرها قفز من سفينة غارقة، وأخرون يرون في تنحيها خسارة وجه ليبرالي معتدل في الاتصال مع الغرب.
خطاب الاستقالة
أعلنت عشراوي أنها تسلمت إخطاراً من الرئيس الفلسطيني حول استقالتها يبلغها بتأجيل "البت بالموضوع إلى حين انعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير".
في استقالتها قالت عشراوي: "آن الأوان لإجراء الإصلاحات المطلوبة وتفعيل منظمة التحرير وإعادة الاعتبار لصلاحياتها ومهامها واحترام تفويض اللجنة التنفيذية التي تعاني من التهميش وعدم المشاركة في صنع القرار".
وطالبت عشراوي بتداول السلطة ديمقراطياً عن طريق الانتخابات، مشيرة إلى أن النظام السياسي الفلسطيني بحاجة إلى تجديد مكوناته ومشاركة الشباب، نساء ورجالاً.
ويرأس اللجنة التنفيذية المؤلفة من 15 عضواً، وهي أعلى هيئة في منظمة التحرير الفلسطينية، الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وفقًا للتقارير التي تم تداولها على نطاق واسع في وسائل الإعلام العربية، شعرت عشراوي بالإحباط من قرار السلطة الفلسطينية الأخير بتجديد التنسيق الأمني مع إسرائيل، وهو القرار الذي قالت إنه اتخذه عباس وحده.
قطعت السلطة الفلسطينية العلاقات مع إسرائيل في أيار/مايو الماضي، احتجاجاً على خطة إسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية وفقاً لخطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ولم يُستأنف التنسيق بين الجانبين حتى تم الإعلان عن فوز الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن.
حول الشائعات التي تناقلتها وسائل الإعلام عن أسباب استقالتها، اكتفت عشراوي بالقول إنها أجرت مع عباس "مناقشة صريحة وودية" عند مناقشة رحيلها.
وأضافت عشراوي: "للأسف، تسربت أنباء استقالتي من" مصادر رفيعة "بطريقة مضللة وغير مسؤولة أدت إلى التخمين والشائعات".
في خطاب استقالتها، شددت حنان عشراوي على الحاجة إلى ضرورة إجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية، لكنها لم تشر إلى التقارير التي تفيد بأن قرارها جاء بعد خلافات حول عودة التنسيق مع إسرائيل أو رغبتها في منصب آخر
المناضلة حنان عشراوي
تعد الدكتورة حنان عشراوي من أكثر أسماء النساء المألوفة لدى معظم الأسر الفلسطينية والعربية، بسبب ظهورها الدائم في وسائل الإعلام الدولية والإقليمية للدفاع عن القضية الفلسطينية.
ظهرت عشراوي في المشهد الفلسطيني أبان المحادثات التي جرت برعاية الولايات المتحدة مع إسرائيل في 1991 في مؤتمر مدريد، حيث تم تقديمها كمتحدثة باسم منظمة التحرير الفلسطينية، واشتهرت بإعلانها أن الفلسطينيين يريدون إقامة دولتهم.
بعد توقيع اتفاقيات أوسلو مع إسرائيل في عام 1993، وإعلان تأسيس السلطة الفلسطينية، تم تعيين عشراوي لتمثيل فلسطين في الولايات المتحدة الأمريكية.
ثم عين الرئيس الراحل ياسر عرفات عشراوي كوزيرة للتعليم العالي والبحث في 1996، وهو المنصب الذي علقت عليه بالقول: "لم أكن أريد أن أكون جزءاً من نظامنا. أردت أن أكون جزءاً من قوة تصحيحية تضمن أن يكون نظام الحكم قائماً على العدالة وحقوق الإنسان".
فازت في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 2006، وكانت أول امرأة تُنتخب لعضوية اللجنة التنفيذية في عام 2009. وأعيد انتخابها في 2018، وترأست فيها قسم الدبلوماسية والسياسة العامة.
قالت عشراوي - عن توليها منصبها في اللجنة التنفيذية - إنه جاء بدعم جماعي من النساء اللواتي يساعدن بعضهن البعض. وتؤكد أن النساء هن من صوتن لتعيينها رسمياً في اللجنة التنفيذية، موضحة أن ذلك "يدحض أسطورة أن النساء لا يصوتن لنساء أخريات".
كانت عشراوي منذ فترة طويلة واحدة من أبرز مناصري القضية الفلسطينية في الصحافة الغربية نظراً للغتها الإنكليزية البليغة، والتي اتقنتها بعد حصولها على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن في الولايات المتحدة.
وكذلك كانت عشراوي إلى جانب زميلها صائب عريقات الذي توفي في تشرين أول/ أكتوبر الماضي، قِبلة الصحفيين الناطقين بالإنجليزية الذين يسعون إلى وجهة النظر الرسمية في رام الله.
ورغم اعتبارها شخصية معتدلة في السياسة الفلسطينية، فإن دعم عشراوي القوي لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على بضائع المستوطنات (BDS) جعلها شخصية مثيرة للجدل في إسرائيل.
وأدان الإسرائيليون عشراوي لارتباطها بشخصيات أكثر تشدداً، مثل الرئيس الراحل ياسر عرفات، واعتبروها بأنها تعمل كوجه معتدلة لشخصيات غير مستساغة في القضية الفلسطينية.
في العام الماضي رفضت الولايات المتحدة منح عشراوي تأشيرة دخول لأراضيها بسبب مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية ومناهضتها لصفقة القرن.
تُعرف عشراوي بأنها من المدافعين عن حقوق المرأة والمساءلة في السلطة الفلسطينية، حيث أسست الفرع الفلسطيني لمنظمة الشفافية الدولية، المعروف باسم "أمان".
تتذكر عشراوي محادثة جرت بين الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر وياسر عرفات. قال كارتر لعرفات: "ليس لديك ما يكفي من النساء في حكومتك"، فرد عليه عرفات، "لدي حنان عشراوي، وهي تساوي عشرة رجال". ثم ردت هي قائلة: "أنا على استعداد للمغادرة ويمكنك تعيين عشر نساء في مكاني."
تقول عشراوي في حديثها مع النساء: "من المهم لأي امرأة حينما تصل إلى أي مكان ألا تكون مجرد نموذج يحتذى به، ولكن أيضاً تفتح المجال أمام النساء الأخريات".
إلى جانب عملها الحقوقي والسياسي، وجدت عشراوي شغفاً في العمل بالأوساط الأكاديمية منذ أن كانت طالبة في الجامعة الأمريكية في لبنان، فأسست قسم اللغة الإنكليزية في جامعة بيرزيت في 1973-1978، ثم أصبحت فيما بعد عميد كلية الآداب بها.
وعلى الرغم من دعم عائلتها، بما في ذلك زوجها إميل، وابنتيها أمل وزينة، كان هناك عالم بأكمله يضع في مسيرتها تحديات وعقبات.
تشير إلى إلى أنها "كامرأة، لم تكن تجاربها خالية من المحن، فستجد الكثير من الرجال الذين سيحاولون كسرها وإعادة تعريفها بلغتهم الخاصة. نظروا إلي كما لو كنت آخذ مكانًا لهم".
خلال محادثة جرت بين جيمي كارتر وياسر عرفات. قال كارتر لعرفات: "ليس لديك ما يكفي من النساء في حكومتك"، فرد عليه عرفات، "لدي حنان عشراوي، وهي تساوي عشرة رجال". ثم ردت هي: "أنا على استعداد للمغادرة ويمكنك تعيين عشر نساء."
قراء في استقالة عشراوي
في رأى أستاذ العلوم السياسية، أيمن الرقب، فإن استقالة عشراوي جاءت متأخرة ولم تتحدث عن نوع الإصلاح الذي ترغب به داخل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية المتكلسة و المتآكلة.
ولفت الرقب في تصريحات لرصيف22 أن أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية غائبين عن الواقع وليس لهم قرار في ظل وجود الرئيس محمود عباس وقراراتهم لا قيمة لها.
ولفت إلى أن عشراوي استفادت من مميزات الموقع كثيراً، ويتمنى الفلسطينيون ألا تكون استقالتها من باب لفت النظر لها بعد عن خبا نجمها وأن يكون تحركها بالفعل دق لناقوس الخطر حول الحياة السياسية والمؤسسات الفلسطينية المتآكلة.
وينقل الرقب إلى رصيف22 أن بعض التقارير في فلسطين تتحدث أن سبب استقالة عشراوي هو طلبها شغل موقع أمين سر اللجنة التنفيذية وهو الموقع الذي كان يشغله صائب عريقات وعندما رفض أبو مازن هددت بالاستقالة، ثم سربتها للإعلام، مؤكداً أنه يميل لهذا الرأي.
فيما قرأ المحلل والكاتب الفلسطيني يوسف منير في استقالة عشراوي خسارة إلى الرئيس محمود عباس لأنه يتعمد عليها في مخاطبة الغرب.
وقال منير في تغريدة على تويتر: "في فترة قصيرة، أصبح عباس بدون الشخصين اللذين اعتمد عليهما أكثر من غيرهما لإيصال موقف منظمة التحرير الفلسطينية إلى الغرب، خصوصاً في الوقت الذي يأمل فيه إعادة العلاقات مع واشنطن".
ودعت الحقوقية الفلسطينية عبير الخطيب إلى طي صفحة عشراوي، مشيرة إلى أن هناك الآلاف من الفلسطينيات. وكتبت الخطيب في تغريدة: " لدينا الآلاف من القيادات النسائية الفائقة الموهوبات الملهمات ذوات الكفاءة العالية، والنساء الأقوياء".
وقال أستاذ القانون الفلسطيني رامي عبده في تغريدة على تويتر: "قرار عضو اللجنة التنفيذية حنان عشراوي الاستقالة يمثل خطوة مهمة لحفظ ماء الوجه ويعبر عن عمق الانحدار الذي وصلت إليه آلية صناعة القرار الفلسطيني".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...