شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"بيقولوا إني باعضّ وراكبني عفريت"... حكايات مرضى الصرع مع العائلة والجيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 9 ديسمبر 202004:51 م

تعضّ على لسانها، تتبول بشكل لا إرادي، تخرج من فمها الرغوة، تتعرض لتشنجات كاملة، يسمع من حولها صوت شخيرها، يرتعش جسدها، تضرب رأسها في السرير، تتجمد يداها وقدماها، أولادها يبكون، زوجها ذاهل… هذه هي الأعراض التي تصيب سارة المصابة بالصرع أربع أو خمس مرات كل عام.

خوف ورعب وعفاريت

"حاسة إنو جالي مرض نفسي، وإني بقيت أكره إخواتي رغم أنهم عارفين أني مريضة، وبردو بيزعلوني، وأخت زوجي بتقول راكبني عفريت"، تحكي سارة محمد (45 عاماً)، وهي ربة بيت وأم لثلاثة أطفال، وتسكن في القاهرة، عن معاناتها مع مرض الصرع.

"أعاني من الصرع منذ 11 سنة، كان عمري حينها 36 سنة، أصبت بالصرع بعد ولادة بنتي الثالثة بسنة واحدة، وقال لي الدكتور إن المرض أصابني بسبب ما يعرف بالذئبة الحمرا".

لاحظت سارة تغيرات على مشاعرها وسلوكياتها بعد إصابتها بالمرض، تقول: "نفسيتي بقت وحشة، وعاوزة انعزل عن الناس، غيرت رقم تليفوني حتى لا أرد على اتصالاتهم، أشعر بالاكتئاب". وتضيف: "لا أعرف ماذا كان سيحصل لي لو لم يكن زوجي وأولادي في حياتي. فقدت الأمل في العلاج، الطبيب المعالج زاد لي الجرعة دون جدوى".

"مريض الصرع يعيش حياة صعبة، كلها حذر، وخوف، وقلق".

تستعد سارة يومياً لأخذ جرعتها الليلية قبل النوم، وجرعة واحدة في الصباح بعد الفطور. تقول بنبرة حزينة: "على الناس أن يعرفوا أن مريض الصرع يعيش حياة صعبة، كلها حذر، وخوف، وقلق؛ المريض حساس، ويحتاج إلى أن يقف الجميع إلى جانبه، ويحتاج إلى حب الآخرين وأن يكون بعيداً عن القلق والتوتر، فكل ما أمر بمشكلة أو أتوتر تأتيني النوبات".

تشعر سارة بالرضا لأن زوجها وأولادها يحرصون على صحتها، ويراعون مشاعرها، ولكنها تشعر بالضيق من حديث الناس عن المرض، تقول: "يزرعون الخوف والرعب في نفسي، ويربطون المرض بالجن".

تعضّ على لسانها، تخرج من فمها الرغوة، يسمع من حولها صوت شخيرها،  أولادها يبكون، زوجها ذاهل… هذه هي الأعراض التي تصيب سارة المصابة بالصرع أربع مرات في السنة

تصف سارة النوبة الصغرى التي تتعرض لها، والتي قد تعاودها ثلاث مرات كل أسبوع، بضيق فى التنفس، تقول: "بابقى صاحية بس مش فاكرة حاجة، مش فاكرة غير أنها بتيجي فى صدري، مش قادرة أتنفس لمدة دقيقة أو دقيتين، وباقول لهم أشرب مية، بحس أني باموت".

"أخي لا يعضّ"

ينتقد محمد، يسكن في محافظة المنوفية المصرية، ويعمل في تصميم مواقع الإنترنت، الشائعات الطبية الخاطئة عن مرضى الصرع، وكيف تنال من نفسيات المصابين، الأمر الذي دفع عائلته لإخفاء مرض أخيه الأصغر سراً.

يقول محمد لرصيف22: "بدأ أمر أخي يكتشف شيئاً فشيئاً في العائلة، وفي محيط السكن عند الجيران، يرون مرضى الصرع على أنهم مقعدون بشكل ما، ولا يمكنهم الحياة بشكل طبيعي، ويتخيلون المرضى أناساً خطرين، ويعضون بأسنانهم".

ويضيف: "اكتشفنا مرض أخي عندما كان عمره أربع سنوات، أتذكر حينها عندما كان يقع على الأرض، وكان يتعرض لغيبوبة تدوم دقيقة أو دقيقتين، عكس معظم المصابين بنفس المرض، إذ تدوم نوباتهم ساعة أو ساعتين، أخي كانت تظهر عليه بعض التشنجات والرعشات الكهربائية في أصابع يديه اليمنى، وذراعه، ومن ثم يزيد التشنج لدرجة لا يمكن السيطرة عليه، وينتهي به الأمر إلى السقوط أرضاً، وفقدان الوعي".

حاولت العائلة احتواءه، رفض الإدلاء بتصريحات لحساسيته النفسية في الحديث عن الموضوع، يقول محمد عن أخيه: "هو الآن يعيش حياة طبيعية رغم مرض الصرع، متزوج وأب لطفلين، ويعمل بانتظام، عكس ما يعتقده الناس بأن المصاب بهذا المرض ليس بإمكانه أن يعيش بشكل طبيعي".

"أحببت زوجتي ومرضها"

الكثيرون يرفضون الارتباط بمرضى الصرع لأن المجتمع يعتبر المصابين بهذا المرض مجانين، أو ساكنهم جن، أو مصدر خطر على الآخرين. فغالبية مرضى الصرع يتعرضون للمعاملة السيئة وسط العائلة، وفي العمل، وفي العلاقات الحميمية أيضاً، بحسب فؤاد.

يروي فؤاد، اسم مستعار (40 عاماً)، مدرس، وأب لطفلين، يسكن في الدار البيضاء المغربية، أن عائلته كانت متخوفة من أن يتزوج بفتاة مصابة بالصرع، يقول: "كانوا متخوفين من ألا أعيش حياة مستقرة، لم تكن مخاوفهم في محلها، عشت مع زوجتي بشكل طبيعي، تزوجنا عن حب، أنجبنا طفلين، في البداية كنت أرافقها إلى طبيبها المعالج، الذي شرح لي جيداً نوعية مرضها، وطرق التعامل معه، وبعدها كنت حريصاً أكثر منها على مواعيد أخذ الأدوية، وعلى أن تبقى بعيدة عن التوتر والقلق، وفي نوباتها كنت أحرص أيضاً على إبعاد الأطفال، والجلوس بقربها إلى أن تعود إلى وعيها، والحمد لله، جميع النوبات التي تعرضت لها كانت في أوقات متأخرة من الليل، إذ أكون موجوداً بقربها".

"أخذتني أمي إلى السحرة والعرافين، ففي مجتمعنا المغربي لا يقبل بالفتاة التي يسكنها الجن أو عندها مس، مع أن مرضي لم تكن له أي علاقة بتلك الخرافات"

يتابع: "كل ما كانت تحتاجه زوجتي هو القليل من الاهتمام والحب والعطف والاحتواء النفسي، في البداية أحببت زوجتي أم أطفالي التي كانت حبيبتي من أيام الجامعة، والآن أحببت مرضها".

يعتبر داء "الابليبسيا" أو ما يعرف بداء الصرع من أكثر الأمراض انتشاراً بين المغاربة، وبحسب ما خلص إليه أطباء مختصون في أمراض الدماغ والأعصاب في المغرب، فإن المرض يصيب حوالي 300 ألف شخص، 200 ألف منهم من الأطفال والمراهقين، الذين يقل عمرهم عن 20 عاماً، وعدد المصابين بالداء من الذين يخضعون لعلاج طبي في المغرب يقل عددهم عن 50 ألفاً، في الوقت الذي يقدر فيه وجود 250 ألفاً لا يخضعون لأي استشارة طبية. ويشهد المغرب سنوياً 15 ألف إصابة جديدة.

"أمي أخذتني للعرافين"

فاطمة من اللواتي لم تخضع مبكراً للكشف الطبي، تقول: "كنت أتعرض لنوبات ناتجة عن الصرع، بينما كانت أمي وخالاتي يعتبرنها نوبات لها علاقة بعوالم الجن، وكانت أمي دائماً منذ أن أصيبت بهذا المرض تأخذني إلى العرافات والعرافين، وكنا نمارس بعض أعمال الشعوذة، كل هذا أخّر من الكشف المبكر لمرضي إلى أن أصبحت في العشرين من العمر، حينها كنت قد تعرضت لنوبة داخل الحرم الجامعي، ونقلت على إثرها للمستشفى حيث تم تشخيص مرضي".

"الكثير من العائلات في المغرب لا يفهمن أن هناك مرضاً اسمه الصرع".

فاطمة مسالم ذات 34 ربيعاً، كاتبة في إحدى الشركات الخاصة، وتسكن في الدار البيضاء، تقول لرصيف22: "الكثير من العائلات في المغرب لا يفهمن أن هناك مرضاً اسمه الصرع، ولا يفهمن طبيعته وأعراضه ومسبباته، إذ يلجأن إلى الخرافة والشعوذة، هرباً من نعت أبنائهم بالحمقى ومن إقصائهم من المجتمع. أمي واحدة من هؤلاء، كان كل همها أن أتعافى بسرعة وبأي طريقة لأنني في نظرها وصلت إلى سن الزواج، وفي المجتمع لا يقبل بالفتاة التي يسكنها الجن أو عندها مس، مع أن مرضي لم تكن له أي علاقة بتلك الخرافات".

كانت ترغمها والدتها على مرافقتها إلى العرافين والمشعوذين ثلاث مرات في الأسبوع، مما أثر فيها نفسياً، وجعلها تشعر أنها ارتكبت خطأً، تقول فاطمة: "في تلك الفترة من حياتي كنت أشعر أن ذنبي الوحيد هو أنني مريضة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image