حين يقال "بطل خارق" تتوجه الأذهان على الفور نحو "سوبر مان"، ذاك الرجل الذي حط من كوكب آخر ويتمتع بصفات استثنائية من طيران وأشعة ليزر تعطيه تفوقاً لهزيمة الأشرار وإنقاذ الناس وذلك بعد أن يشق عن قميصه ويظهر حرف "S".
حتى أنه مشتق من "سوبر هيرو"، الاسم الأساس لكل من يتمتع بقوة ما، وبعيداً عن الرسوم المتحركة إلا أن أفلام الخارقين كان لها، وما زال، رمزاً للمتابع لما يحققه من عدالة وتوازن وصراع.
عديدة هي اللقطات في الأفلام عن أبطال كثر يتفننون في إنقاذ البشرية بالاعتماد على قواهم الخارقة للطبيعة، فكيف صنعت البلدان أبطالها الخارقين؟ وهل واقعها فرض عليها نوعاً من الأبطال تتناسب مع مجتمعاتها؟
الرجل الوطواط منقذ "غوثام" المدينة الرئيسية في سلسلة "بات مان" يحارب المجرمين الذين كانوا السبب وراء مقتل أبويه، ويخفي وجهه بقناع ورداء أسود ولوحة سماوية بشعاره تنذر المجرمين باقتراب الحساب والوعيد. كل هذه الرموز التجأ لها صانعو الفيلم تماشياً مع واقعهم، الذي ارتفعت فيه نسب الجريمة آنذاك، فحاول صناع الفيلم ترك تعابير للأطفال بأن الفقدان قد يحولهم خارقين مدافعين عن القانون بشكل أو بآخر.
وفي ضوء التقدم التكنولوجي الحاصل والتخمينات بشأن اختلاط الجينات الحيوانية بالبشرية والعكس صحيح، ظهر الرجل العنكبوت، الذي أصبح كذلك بعد لدغة سامة، حتى البطل السريع "فلاش" كان نتائج التخمينات البشرية للسرعة إذا ما كانت كسرعة الضوء.
عديدة هي الأفلام عن أبطال كثر يتفننون في إنقاذ البشرية بالاعتماد على قواهم الخارقة للطبيعة، فكيف صنعت البلدان أبطالها الخارقين؟ وهل واقعها فرض عليها نوعاً من الأبطال تتناسب مع مجتمعاتها؟
الأعمال الأميركية حملت أبطالاً خارقين كثراً وكان لها النسبة الأعلى من الإنتاجات العالمية، لكن أوروبا مثلاً انتهجت نوعاً معيّناً من الأبطال فراحت تصنع الخارق في الكتابة والاختراع والرياضة وفي الحرب العالمية، والأهم من بين ذلك هو شارلوك هولمز، المحقق الفذ، ومكتشف المستحيل، والذي لا تزال بريطانيا تتغنى به وتنتج العديد من قصصه بجميع الوسائل.
بالعودة إلى طبيعة البلدان وارتباطها بصناعة الأبطال، يجد المتابع أن اليابان أخذت تنتج طابعاً مغايراً للقسوة والدموية عما كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية، بطريقة أشبه باللطافة وتسويق نفسها عبر باقي البلدان بأنها لا تهتم إلا بالرياضة كالكابتن ماجد أو في التحقيق مثل كونان، ودوماً تقوم بربط أبطالها بصفات استثنائية لا يحصل عليها إلا من كان منهم.
أبطال الواقع
في بلد شرق أوسطي، صُنِع أبطال خارقون، ليسوا كالعادة، لا ينبهرون بالذكاء أو الحداثة التقنية أو الرجل الحديدية أو "روبوت ذكي"، وحتى بالاكتشافات والاختراعات، لأن الواقع لديهم لم يجرفهم إلى ما آلت إليه البلدان المذكورة آنفاً.
حكايات الأبطال الخارقين في ذاك البلد ليست حكراً على شخصية محددة ولم تنل النصيب في عرضها على الشاشات، فكل مواطن يحكي بطولاته من وجهة نظره، يتفنن في الرواية ومع قليل من "البهارات"، أي المبالغة في الحديث، وذلك عند كل مرة يرويها، وهنا إذا ما كان الحديث عن معركة جرت ما بين ذاك المواطن وآخر من حارته أو من حارة أخرى.
حتى أن اللهجة بات لها وزنها في المعركة، ولربما تنال حصتها من رواية الحكاية، كي يرسل فكرة للمستمع بأنه استطاع التغلب على "رأس كبير" أي شخص ذي شأن.
المبالغة أمر طبيعي وليست حكراً على منطقة معينة، بل تعتبر وسيلة للجذب أو حبكة ضرورية تتناسب مع الحكاية، وإن غيّر البطل حبكته عند رواية القصة للمرة العاشرة أو العشرين فإنه يتابع الحكاية حتى النهاية.
تحكي الفلسفة شيئاً عن نوع الأبطال الخارقين في المنطقة، إذ تبيّن أن ما قيل "خارق فعلاً" إذا ما طُبق على أرض الواقع، أو لم يكن بعكس القصة الحقيقية، فمثلاً عندما يتعرض مواطن لأذى من آخر، لن يُظهر ما حصل أمام أصدقائه، فيروح لرواية ما تعرض له، وكأنه هو المنفذ والبطل الخارق، محقق العدل.
ويبقى العنوان الأبرز لفيلم عن ذاك البلد المشرقي، إذا ما جاء أحد من الخارج ليصنع بطلاً خارقاً يحكي عن المنطقة هو: "الصَبر مان بوجه التخيّلات"
في تفصيل آخر، ومع زيادة الشر في المنطقة لا يجد البطل الصامت وسيلة أخرى يحقق بها العدل سوى التخيل أو رواية القصص واختلاقها.
فعند وقوف المواطن الخارق على طابور للحصول على الخبز، فإنه يتخيل نفسه يصرخ بوجه من اقتحم الدور وحصل على الخبز بسرعة وبكمية أكبر، حتى أنه يذهب ببطولاته حدّ ضرب الشرير وأخذ ربطات الخبز من بين يديه وإعطائها للمحتاجين.
والأمر هنا لا يتوقف على هذا الطابور وحده، فلكل طابور مادة، ولكل مادة أبطال خارقون واقفون ومتخيلون لواقع لا يمكنهم تغيره إلا بمخيلاتهم، ويبقى العنوان الأبرز لفيلم عن ذاك البلد المشرقي، إذا ما جاء أحد من الخارج ليصنع بطلاً خارقاً يحكي عن المنطقة هو: "الصَبر مان بوجه التخيّلات".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون