شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"يظل الأصل أصلي"... حمدي بتشان ورحلة الأغنية الشعبية بين "الأساتوك" وأوروبا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 2 ديسمبر 202012:15 م

في فترة السبعينيات، سعى بعض المطربين لنسب كنية "عدوية" إلى أسمائهم، تيمناً بالنجاح اللافت الذي حققه المطرب الشعبي أحمد عدوية، لكن مسيرة غالبيتهم لم تكتمل، فحققت ألبوماتهم نجاحاً خجولاً، ثم اختفت سريعاً، باستثناء مطرب واحد ظهر في أواخر الثمانينيات في محافظة الإسكندرية، وبدأ بالغناء على أسطح المنازل في الأفراح الشعبية، باسم حمدي عدوية، مكملاً مسيرته بنجاح لافت.

وفي منتصف الثمانينيات، عاد جيل الأغنية الشعبية إلى النسق الفني لأغنية ما قبل أحمد عدوية، والذي كان من رواده محمد رشدي، ومحمد العزبي ومحمد عبد المطلب، أملاً في خلق ملامح فنية تخصهم، فضلاً عن سعيهم لتجنّب الهجوم الذي صاحب ظهور عدوية بسبب كلمات أغنياته التي وُصفت بالـ"مسُفّة" لاعتبارات أخلاقية.

هكذا راج "موال العد" الذي أعاد بريقه الشاعر الغنائي يوسف طه، بدلاً من الموال السداسي والخماسي الذي كان يغنيه عدوية، وهو ما يؤكده الشاعر أمل الطائر الذي لفت إلى أن فناني جيله آنذاك كانوا يُصرّون على استخدام "الكلمة المهذبة"، في قالب لحني وغنائي يخصهم، فظهرت الأغنية العاطفية والاجتماعية بطابع شعبي.

وضمن هذا القالب، غنى حسن الأسمر "على مهلك يا جميل" عام 1986 في ألبوم "عيون ست البنات"، وغنّى آخرون حول غدر الأصدقاء والزمن والزوج والزوجة، إلى جانب أغنيات احتفت بالأماكن الشعبية مثل "يا بتاع باب الشعرية" و"غزال الدرب الأحمر".

لم يحكم الإنتاج في سوق الأغنية الشعبية، آنذاك، أية اعتبارات احترافية بالمفاهيم الحالية، بل كان صاحب شركة أجهزة كهربائية، أو كشك سجائر أو تاجر خردة، ينتجون شرائط الكاسيت أملاً في تحقيق ربح مادي، على أن يتولى المؤلف والملحن اختيار مطرب قد يحقق نجاحاً، إلى جانب صناعة الشريط بأكمله إلى وقت صدوره.

في ذلك الوقت، كان الحاج عبده، صاحب شركة "صوت الهدى"، قد ملّ من الخسارة، وينوي العودة لتجارته، لكن الثلاثي، أمل الطائر وحسن إش إش وحمدي بتشان، تعاقدوا معه على إنتاج شريط كاسيت، واتفقوا على إما أن يكون الأخير الذي ينتجه أو يُعوّض به خساراته السابقة.

"الأساتوك"... النجاح الأول

يحكي بتشان لرصيف22 قصة صعود الثلاثي ورواج أغنياتهم، منطلقاً من كيف وافق الحاج عبده على الاقتراح وقبل إنتاج شريط "الأساتوك" الذي انتهوا منه عام 1988، وحقق نجاحاً باهراً عوّض صاحب شركة "صوت الهدى" خساراته.

"سافرت بعد هذا النجاح إلى سويسرا لأول مرة، لإقامة حفلات غنائية هناك، ثم التقيت بالمطرب محمد منير في رحلتي الثانية إلى باريس، وقدمني لشركة إنتاج مصرية تُدعى ′ساوند أوف أمريكا′ فتعاقدت معها على إنتاج شريط ′حضرته مش وش ذلك′ في أوائل التسعينيات، وبعدها تعاقدت مع شركة ′صوت الحب′ لصاحبها المنتج عاطف منتصر، على شريط ′جراح′".

يعترف بتشان أنه لم يكن يصدق الحفاوة التي استقبله بها الجمهور في سويسرا، وفرنسا، وألمانيا وأمريكا، قائلاً: "استقبلني الجمهور في أوروبا، بحفاوة بالغة، لم أصدقها في البداية، كما لم أستوعب تفاعلهم مع الإيقاع الموسيقي للأغنية، رغم عدم فهمهم للكلمات".

ويرى بتشان أن نجاحه يرجع إلى الشكل واللون الغنائي اللذين اعتمدهما، وإلى المونولوغ الخفيف والكوميدي الذي ظهر به لأول مرة للجمهور، وهو ما شكّله في الأساس الشاعر أمل الطائر وحسن إش إش باختيار الموضوعات الغنائية، فضلاً عن "الفكرة الجديدة" التي ميّزته باعتماده على المونولوغ والديالوغ بين رجل وامرأة كما في أغنياته " كلمونا فهمونا"، و"غاوي" و"الأساتوك".

احتفاء ناقص

في فترة التسعينيات، استغل صناع السينما المصرية، وإلى حد ما المسرح، النجاح اللافت الذي يحققه مطربو الأغنية الشعبية، فدُعي بتشان للمشاركة في أفلام سينمائية ومسرحيات. وهكذا، تعاون مع الفنان سيد زيان في مسرحية "الباراشوت" عام 1991 بأغنيته "أنا واد خلاصه"، وشارك في أفلام "نساء ضد القانون" عام 1991، و"الشقي" عام 1992، كما غنت معه الفنانة إلهام شاهين في فيلم "اليتيم والذئاب" عام 1993، وحقق إعلانه التجاري لشركة "سافو" نجاحاً كبيراً، لدرجة أن الجمهور في الأفراح بدأ يطلب منه غناء كلمات الإعلان نفسه.

وحرصاً على استمرارية النجاح، لم يتخلَّ بتشان عن الثنائي أمل الطائر وحسن إش إش إلى الوقت الحالي، إذ يقول: "كنت أصر على مشاركتهم معي في كل ألبوماتي، حتى بعدما توجهت إلى الإنتاج الذاتي على نفقتي الشخصية، بعد ألبومي الرابع مع شركة ′روتي′".

كان صاحب "صوت الهدى" قد ملّ الخسارة، لكن الثلاثي أمل الطائر وحسن إش إش وحمدي بتشان تعاقدوا معه على إنتاج شريط إما يكون الأخير الذي ينتجه أو يُعوض خساراته السابقة... حقق "الأساتوك" نجاحاً باهراً لتبدأ رحلة بتشان إلى الشهرة التي نغّصتها مواقف عدة يرويها لرصيف22  

عن هذا التوجه، يشرح بتشان أسبابه، فيقول: "اتجهت للإنتاج الذاتي على نفقتي الخاصة منذ منتصف التسعينيات، كي أتخلص من تدخلات شركات الإنتاج، وأكون حراً في اختيارات الأغنيات التي تروق لي، بعيداً عن فكرة الربح التجاري من عدمه".

لم يكن نجاح بتشان خالياً من الانتقادات التي وجهت لكلمات أغنياته، والتنمر على شكله. حول ذلك يقول: "بعد نجاح أغنياتي، خاصة ′الأساتوك′، وجهت لي عدة انتقادات نالت من شكلي ومظهري، كالقول إن ملامح وجهي قبيحة، وصدر قرار من الرقابة الفنية على المصنفات برئاسة حمدي سرور، بمنع التعامل معي من المنتجين، بالإضافة إلى رفض تصريح أغنياتي كأغنية ′حارمنا من أنسك ليه′، لذا كان قرار الإنتاج لنفسي، وكنت أسجل أغنياتي وأوزعها خارج مصر".

النجاح الطاغي الذي حققه بتشان من خلال إعلان "سافو" تم وقفه بعد عشرة أيام تقريباً، من الإذاعة على قنوات التلفزيون المصري. يحكي بتشان عن وقف الإعلان: "توجهت لمبنى الإذاعة والتلفزيون برفقة اللواء حسنين شنان، محافظ مدينة السويس آنذاك، وكان شغوفاً بكتابة الأغنيات الشعبية، واستفسرنا عن سبب إيقاف الإعلان، وكان الرد غريباً، بأنني لست وسيماً، ′شكلي مش حلو′، لكن وجود اللواء شنان برفقتي، أنهى الأمر، وحُلت الأزمة، وأعيدت إذاعة الإعلان".

ورغم الاحتفاء التجاري الذي تعامل به صناع السينما والمسرح مع نجاح مطربي الأغنية الشعبية، إلا أن موقف التلفزيون الرسمي للدولة، كان مغايراً، إذ رفضهم وحرمهم من إمكانية الدعاية لأعمالهم الفنية في البداية، إلى أن سمح في منتصف الثمانينيات بإمكانية الدعاية فقط للألبومات، لكن دون أن تذاع لهم أغنيات كاملة، إلى أن جاء حكيم مع بداية التسعينيات وحُطمت كل هذه القواعد.

وجه جديد

شكّل ظهور حكيم بداية التسعينيات منحى جديداً في الأغنية الشعبية، من ناحية شكله، وسماته الشخصية، وصوته وموهبته، فقد امتلك الوسامة التي يفتقدها غالبية المطربين الشعبيين، شاب ذو عيون ملونة، وسيم، خفيف الظل، بجانب صوته الراقص واختيار موضوعات بعيدة عن الحزن والشكوى والكآبة التي سيطرت لسنوات على طابع الأغنية الشعبية.

دفعت هذه العوامل شركة "سونار" عن طريق حميد الشاعري، بصفته موزع موسيقي وصاحب طفرة قوية آنذاك، إلى إنتاج ألبومات لحكيم، فكان الأول "نظرة"، وهو ما كان مغايراً في رؤية الشركة التي انحازت لإنتاج الأغنية الشبابية لمطربين بعينهم، مثل محمد منير، وإيهاب توفيق، وهشام عباس ومحمد فؤاد.

يلفت بتشان إلى أن ظهور حكيم حقق طفرة هائلة في الأغنية الشعبية، وهو ما يقول إنه أسعده على المستوى الشخصي، فـ"نجاح أي مطرب شعبي بمثابة نجاح بقية المطربين أيضاً، لأنه يدفع الأغنية الشعبية للأمام، ويحفز البقية على مواصلة التطور الفني للمنافسة".

ويواصل: "ظهرت قبل حكيم، بعشر سنوات، لكن بعد ظهوره غنى أغنيتي ′إيه اللي بيحصل ده′ التي شاركت بها في فيلم ′استقالة ضابط شرطة′ عام 1997، اقتبس المذهب الموسيقى للأغنية وغيّر الكلمات، وغناها، كما غنى المطرب جورج وسوف أغنيتي ′حارمنا من أنسك ليه′ وهو ما أسعدني للغاية، وهناك بعض المطربين، لن أذكر أسماؤهم، كانوا يغيرون كلمات أغنياتي و يغنوها، لكن يظل الأصل أصلي".

شروط الاستمرار

تطرأ بعض الموجات الفنية على الأغنية الشعبية، وسرعان ما تختفي، دون أن تحدث سوى الضجيج. عن ذلك، يقول بتشان إن "كل عامين أو ثلاثة، تظهر موضة جديدة في الأغنية الشعبية، بعضها يبدأ أول العام وينتهي آخره فينتهي معها المطرب، وبعضها ينتهي بعد سنوات، لكن الحقيقي منها يستمر لوقت طويل بتوافر المقومات الفنية الحقيقية، كالصوت الجيد، والموضوع الفني، والموهبة، وتوظيف الصوت بشكل يتناسب مع الموضوع الغنائي، واستقبال الجمهور للأغنية واستشعاره بمدى صدق المطرب، بجانب الكاريزما الشخصية للمطرب نفسه".

ويلفت إلى أنه يجب على المطرب أن يواكب التطورات والتغيرات التي تطرأ على ذوق الجمهور، من اختياره للأغنيات وكلماتها ولحنها الموسيقي، كي لا يقع في فخ الرتابة والمكوث عند القديم، إذ لا بد أن يصر على أن يكون متميزاً في السوق الفني، لأن التميز هو أساس النجومية.

"بعد نجاح أغنياتي، وُجهت لي انتقادات نالت من شكلي، كالقول إن ملامحي قبيحة، وصدر قرار من الرقابة الفنية على المصنفات بمنع تعامل المنتجين معي"... لم يكن نجاح مطرب الأغنية الشعبية حمدي بتشان خالياً من العقبات، فماذا يقول لرصيف22 عن رحلته التي بدأت في الثمانينيات؟ 

ويشير بتشان إلى أنه يتعامل مع الأغنية من منطلق الصدق والاحترام، فإذا كانت كلمات الأغنية خلاف ذلك، لا يقدم على غنائها، لأن الجمهور يستشعر ذلك، لذا لن يستقبلها بحفاوة، وستفشل في النهاية.

ويرى بتشان أن ما يميز جيله هو افتقاده للتكنولوجيا الحديثة الحالية، فبمقومات زمانهم، إذا لم يكن المطرب ذي موهبة وصوت حقيقيين لن ينجح، لأنه لن يجد الآلات التكنولوجية التي تحسن من جودة صوته، أو تكمل النقص الذي يعتريه، مثلما يحدث في هذه لمرحلة، فبعض المطربين في الوقت الحالي يكمل بقية الأغنية عن طريق "الأوتتيوم"، لكن لن يستطيع الغناء "لايف"، بصوته الفطري المباشر.

في النهاية، يصر بتشان على رفض  الغناء في الكباريهات أو الملاهي الليلية، لأنه يرى أن "هذه الأماكن تستهلك المطرب، ولا تضيف له، وتحيده عن طريقه الفني الذي نجح فيه"، ومن وجهة نظره، يجب "على المطرب أن يحرص على أن يكون انتشاره محسوباً، كي لا يمل منه الجمهور".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard