قبل أيام، طرحت الفنانة الموريتانية الشهيرة كرمي منت آبه أغنيتها الجديدة "إنت اللي هويت"، والتي تعاملت فيها مع "DJ ذاكر"، وكتب كلماتها المغني والمنتج الموسيقى علي باريك، وأنتجتها شركة "Zein".
ما أن رفعت الشركة المنتجة الأغنية على حسابها عبر يوتيوب، حتى انطلق جدل بين طرفين، الأول مرحب بها باعتبارها تجديداً في الموسيقى الموريتانية، والآخر رأى فيها تجديفاً وخروجاً عن التقاليد الموسيقية الموريتانية.
وللذاكر والشركة المنتجة تجارب عدة سابقة مع أغان أثارت جدلاً، وقوبلت بالرفض من جمهور لم يتقبّل ما تقول الجهات المنتجة إنها محاولة لخلق موسيقى بوب شبابية موريتانية.
بعد ساعات قليلة على انطلاقتها، تمكنت الأغنية من حصد عدد كبير من المشاهدات، ويُتوقع لها مشاهدات أعلى في الأيام المقبلة، كما وجدت مكاناً لها بين الأغاني التي يشاركها الموريتانيون بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما وصلت إلى خارج موريتانيا حيث شاركها جمهور سوداني ونيجيري ومغاربي مهتم بهذا النسق من الموسيقى الموريتانية.
تقول صاحبة الأغنية في حديثها لرصيف22: "جاء تعاملي مع DJ ذاكر عقب مجموعة من الاتصالات جرت بيننا نتج عنها الاتفاق على تسجيل أغنية على طريقتهم، والسبب في التعاطي معهم أنني لاحظت اهتماماً كبيراً من طيف لا يستهان به من الشباب بهذا النوع من الموسيقى، والهدف من تبني هذا النمط هو تلبية رغبات جمهور عريض تستهويه الحداثة والتجديد".
بموازاة التأكيد على فرحتها الكبيرة بنجاح الأغنية، تعلق الفنانة قائلة: "أتفهم من انتقدوا أسلوب الأغنية، وذلك لخوفهم من أن أتخلى عن الأغنية الطربية الحسانية ولهؤلاء أقول: اطمئنوا فأنا لم أتخلَّ عن هويتي ولن أفعل، بل أزداد يوماً بعد يوم ارتباطاً بها".
"ردة الفعل بحجم الفاعل"
اعتبر البعض أن ردة الفعل على الأغنية كانت قاسية، فيما رأى آخرون أنها مفهومة وذلك لأن كرمي تُعتبر اليوم أهم فنانة شابة في موريتانيا، وهي تنحدر من أسرة فنية عريقة كما أن لها جمهور كبير اعتاد عليها في النسق التقليدي.
وفي السياق، كتب الصحافي الموريتاني حنفي والداه منشوراً داعماً للأغنية، جاء فيه: "أسالت أغنية كرمي بنت آبه الأخيرة حبراً كثيراً، وأثارت يعاسيب من وكناتها، و أعتقد أنها سنّة كل مُحدِّث، فكلما نسخت آية أخرى ثارت ثائرة التقليديين، واعتبروا أنه أحيط بهم و ضُربوا في ثوابتهم ومقدساتهم. وردة الفعل تكون دائماً بحجم الفاعل".
وأضاف: "كانت ردة الفعل على الشعر الحر أعنف منها على الموشحات، حتى قال بعض الخليليين إن الشعر الموزون المقفى هو تعويذة الأمة التي تحفظ عليها بيضتها، فبالموشحات ضاعت الأندلس و بشعر التفعيلة خسرنا فلسطين… لقد كانت ردة الفعل قاسية على مشروع سيد درويش لتطوير الأغنية العربية، غير أن أغاني درويش عاشت أضعاف ما عاش من اتهموها بإفساد الذائقة الفنية".
ثم علّق: "أبدعت كرمي في غنائها الذي شابته نغمة أمازيغية شاردة، تخلب القلوب، و كشفت عن صوت قوي، تتحكم في ذبذباته صعوداً وانحداراً... كما أبدع صديقي علي باريك و بذل ذاكر جهداً جيداً في تقديم لحن عصري، غير أن الكلمات التي هي عصب كل أغنية كانت دون مستوى الغناء و اللحن، فثارت حفيظة المتلقي الذي تستفزّه الكلمة أولاً".
وعلق المغني الموريتاني الشيخ ولد آبه على الأغنية، ومما قاله: "كرمي غنّت في مقام موسيقي بالرغم أنه عالمي ومعروف لدى الجميع فهو ليس من مقاماتنا الخمسة، و ليس هذا ممنوع عليها ما دامت أثبتت جدارتها في مقاماتنا"، مضيفاً "أداء كرمي كان رائعاً ومطمئناً على أن من شبابنا من يستطيع المنافسة العالمية بقدراته الصوتية".
اعتبر البعض أن ردة الفعل على الأغنية كانت قاسية، فيما رأى آخرون أنها مفهومة وذلك لأن كرمي تُعتبر اليوم أهم فنانة شابة في موريتانيا، وهي تنحدر من أسرة فنية عريقة كما أن لها جمهور كبير اعتاد عليها في النسق التقليدي
أما الصحافي إبراهيم سيدي فكان له رأي مغاير، حيث شارك في الجدل حول الأغنية، معلقاً: "من أراد التجديد في أي فن عليه أن يتقنه أولاً... الآخر في أغلبه محاولات للتميّز بانتهاج ′الغرابة′ سعياً للانتشار، ورواده الحاليون يدّعون التجديد في فن لا يعرفون عنه أي شيء أصلاً".
جدل سابق وحديث معاد
الجدل الذي أثارته أغنية كرمي ليس الأول حول أغنية لفنانة موريتانية، فعندما قامت الفنانة منى منت دندني قبل سنة بالتعامل مع الدي جي نفسه وكذلك كاتب الأغاني، في أغنيتها "يا مغلاه" التي صورت على طريقة الفيديو كليب وبحرفية عالية مقارنة بالإنتاج البصري الموريتاني، اتُهمت بالسطحية والتفاهة وبأن الأغنية هابطة.
في نفس الوقت وجدت مناصرين لها، وهي اليوم من أشهر الأغاني الموريتانية، تلتها تجارب أخرى لدندني مع نفس المجموعة ونفس الشركة، مثل" ساكن بالي" و"ياويلو"، والتي حققت نجاحاً باهراً مقارنة بأغاني موريتانية أخرى.
وكتب الصحافي الموريتاني محمدي موسى عن الجدل وقتها: "محاولات منى دندني للخروج من عباءة ايگيو نحو العالمية تلاقي حملة مضادة هنا، كافة الكلمات العربية والأجنبية المنتشرة هي كلمات بسيطة وتافهة أحياناً، هذا هو الطريق الصحيح يامنت دندني فواصلي، قبلك حاربوا المعلومة (فنانة موريتانية أخرى)، لكن موريتانيا عرفت في تونس بـ′حبيبي حبيتو′" .
وأثبتت هذه التجارب قدرتها على استقطاب جمهور غير موريتاني للموسيقى الموريتانية، وكذلك جمهور المراهقين الذين يفضلون الموسيقى الأجنبية على المحلية التقليدية.
وبالعودة إلى كلام كرمي، فهي تقول في هذا السياق إنها على تواصل مع مخرجين وملحنين عرب، على أمل أن تطل على الجماهير العربية بمجموعة من الأغاني التي تضع موريتانيا في المكانة التي تليق بها في العالم العربي، خصوصاً وأنه يندر أن نجد فناناً أو فنانة من موريتانيا في عالم الأغنية العربية.
خارج الوسط الفني التقليدي
نقاش الموسيقى الموريتانية وتطويرها والتجديد فيها ليس بالجديد، وهناك محاولات سابقة على أغنية كرمي أبرزها تجربة المعلومة منت الميداح والتي تعتبر الأبرز، وهي بدورها كانت قد تعرضت للانتقاد في بدايتها حتى فرضت نفسها على الجمهور والنخب.
ثمة كذلك تجارب أخرى متنوعة حصلت في السنوات الأخيرة، مع بدء ظهور أصوات غنائية وصناع للموسيقى من خارج الوسط التقليدي، ومن خارج الطبقة المعروفة بالغناء وعالمه، وهم من يشرفون على الأغاني التي أثارت الجدل مؤخراً كأغاني كرمي ودندني، وسبق أن خاضوا معارك قبل هذا حين بدأوا يظهرون كمغنين وصانعي موسيقى.
نقاش الموسيقى الموريتانية وتطويرها والتجديد فيها ليس بالجديد، وهناك محاولات سابقة على أغنية كرمي أبرزها تجربة المعلومة منت الميداح والتي تعتبر الأبرز، وهي بدورها كانت قد تعرضت للانتقاد في بدايتها حتى فرضت نفسها على الجمهور والنخب
ومن أبرز هؤلاء، حمزة براين. وكان فيديو كليب أغنيته "It started from Nouakchott" الذي ظهرت فيه موديل حاسرة الرأس وتخلع الملحفة (الزي المحلي للنساء في موريتانيا) قد تعرّض للانتقاد الشديد عام 2013.
رغم ذلك، واصل براين مساره وأصدر أغان وفيديو كليبات أخرى لاقت النجاح، ومنها أغنية "طفل بحلمي".
وهناك تجربة باريك الذي أصدر بدوره أغان أصبح لها جمهورها، ومن أشهرها "حال الدنيا" و"غريب".
ويعتبر باريك أحد عرابي هذا المشروع، كمنتج ومغني وكاتب أغاني. يقول في حديثه لرصيف22: "أنا شخص عادي جداً وأعيش في حي شعبي... ثروتي الحقيقية هي إرادتي القوية و حلمي أن أُحدث فرقاً في الساحة الثقافية، وربما لاحقاً أترك بصمة إيجابية في نفوس الأجيال القادمة من أبناء وطني، من خلال ما تعلمت في هذا المجال".
يكمل باريك الحديث عن بداياته، فيقول: "استلفت نقوداً و اشتريت كاميرا كانون 5D و بعض معدات التسجيل الصوتي، وقمت بتسديدها تدريجياً من النقود التي كنت أحصل عليها مقابل إنتاج وثائقيات قصيرة لحساب منظمات أممية و غير حكومية. لاحقاً أحسست بالحاجة إلى تكوين فريق عمل متكامل يدعمني و يشاركني أحلامي الكبيرة".
ويضيف: "كرست السنوات العشر الأخيرة في سبيل تحسين مستوى الإنتاج السمعي والبصري في موريتانيا كي يواكب العصر، و قمت تدريجياً بتدريب شباب أصبحوا اليوم بارزين المجال في البلاد. لم أطلب يوماً دعماً من أي جهة رسمية أو غيرها، بل حاولت دوماً ترسيخ فكرة المبادرة ونبذ فكرة الاتكالية. الآن أنا مدير شركة إنتاج صغرى، رأس مالها الطموح".
ومن نفس المجموعة والموجة الجديدة برز المغني ماكسيم دادي، كما توجد تجارب شبابية تظهر كل حين، تغني البوب والهيب هوب وأنماط موسيقية غير تقليدية وتستمر بإثارة الجدل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...