شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"أريد أن أعرف حقوقي بالحب"... دورة افتراضية تساند السوريات في علاقاتهن العاطفية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 1 ديسمبر 202005:53 م

أسبغت الحرب السورية سطوتها على ملامح العلاقات الاجتماعية عامة، والعاطفية خاصة، لتحفر في بنيتها تغيرات عميقة فرضتها على الجنسين معاً من ناحية الخوف من الآخر وإطلاق الأحكام المسبقة عليه، تبعاً لانتمائه السياسي أحياناً والديني أحياناً أخرى، كما تركت آثارها السلبية على كيفية التعاطي مع مفهوم الحب، والتعبير عنه، ووضعته ضمن أطر ومحددات، فعند الحروب تظهر الأزمات التي تبرز الحاجة للتعامل معها بطرق مختلفة ومبتكرة.

من هذه الطرق، ما اختاره فريق غاردينيا التطوعي السوري، إذ تبنّى دورة افتراضية تحت عنوان "الحب بذكاء"، امتدت على مدار شهر تقريباً بهدف إعادة صياغة مفهوم العلاقة العاطفية وتمكين الأفراد من معرفة حقوقهم وواجباتهم مع الشريك، والدخول بعلاقات صحية ما أمكن.


مؤثرات خارجية على العلاقات

عن أسباب إطلاق الدورة، تتحدث المدربة رشا نظام لرصيف22، فهي "تتمثل بمساعدة المشاركين في بناء علاقة صحية مع أنفسهم أولاً والشريك ثانياً، وتخطي المشقات وإيجاد حلول للمشاكل في سبيل بناء علاقات ثنائية ناجحة".

لكن هل هناك معيار محدد لقياس فشل الشخص في تكوين علاقة عاطفية ناجحة؟ تجيب المدربة: "نعم، فالعلاقة التي لا توفر شعور الأمان العاطفي وتمد الشريك بالراحة والسعادة هي حتماً غير صحية، وبالتالي سيلجأ أحد الطرفين إلى وسائل عديدة لمواجهة الصعاب وتحقيق الراحة".

"الحب بذكاء" دورة افتراضية موجهة للسوريين بهدف معرفة حقوقهم وواجباتهم مع الشريك

ولا يمكن إعفاء الحرب من دورها الممعن في ضخ المشكلات اليومية بين الشريكين وزيادة منسوب العقبات في طريق العلاقات العاطفية. تضيف نظام: "للحرب أثر كبير في تفاقم الصعوبات والمشكلات اليومية التي يعكسها الفرد بشكل عفوي على الطرف الآخر في العلاقة".

كما أن للعامل الاقتصادي دوراً لا يمكن إغفاله في التأثير على استمرار العلاقات العاطفية وإمدادها بشعور الاستقرار والديمومة. تتابع نظام: "إذا ما اعتبرنا أن تكوين الأسرة هو النتاج الطبيعي للعلاقة، فإنها حتماً ستتأثر بالوضع الاقتصادي الراهن، لما تفرضه من أعباء مادية على الشريكين ستؤثر تلقائياً على طريقة التعاطي بينهما، بل قد تؤدي إلى النفور من بناء علاقات عاطفية أساساً، وقد يصل الأمر إلى تغيير مسار العلاقة كلياً وانتهائها بالانفصال".

بذلك استهدفت الدورة النساء والرجال ممن يعانون فشلاً في تكوين علاقات عاطفية ناجحة، أو من يشعرون بإحساس دائم بالعجز عن إقامة علاقة سليمة، أو من هم مقبلون على علاقة عاطفية في المستقبل، إلا أنها في نهاية المطاف وبمحض الصدفة لم تستقبل سوى مشاركات نساء تتراوح أعمارهن بين العشرين والثلاثين، وينتمين لشرائح اجتماعية وخلفيات ثقافية متنوعة ومستويات مادية مختلفة.

"تسعى المشاركات من خلال الحب بذكاء إلى إيجاد الأمان العاطفي وخلق لغة تواصل مع الشريك توائم الطرفين أثناء بناء العلاقة، وهناك من يرغب في بناء علاقات صحية جديدة مستمرة ومريحة"، تضيف المدربة.


ترتيب الأولويات... الجنس في ذيل السلم

طلبت نظام من المشاركات، كخطوة أولى، ترتيب مجموعة خيارات حسب الأهمية، وذلك مؤشر ملموس لرصد أولوياتهن ومواصفات الشريك، وشملت الخيارات العمل والشكل الخارجي والوضع الاقتصادي والرومانسية والمستوى التعليمي والجنس والدين والطائفة.

تنوعت آراء الفتيات من ناحية سلم الأولويات، فالبعض اعتبرن الشرط الدراسي في طليعة هذه الشروط، وهناك من وجدنه ثانوياً لا يعيق الارتباط، كما ذهب أخريات لانتقاء الرومانسية أمراً في غاية الأهمية، فيما اختارت إحداهن طبيعة العمل شرطاً جوهرياً في اللائحة الخاصة. أما عنصر الدين فكان الطاغي على خيارات الأغلبية، وفي رأس القائمة اختيار الشريك من الديانة والطائفة نفسيهما، فيما تبوأ الجنس ذيل هذه الأولويات لجميع المشاركات.


تركّز دورة "الحب بذكاء" على طرد الأفكار السلبية وإلهاء النفس بأفكار أخرى أكثر إيجابية، وإيلاء الأولوية لبناء علاقة سليمة وصحية مع النفس أولاً ثم مع الشريك، وتوفير مصادر السعادة للذات وإن كانت بسيطة

التقنيات المستخدمة لزيادة الذكاء العاطفي

"إحراز النقاط" هو أحد الأساليب التي تلجأ إليها المدربة لرفع الذكاء العاطفي لدى المشاركات ولفت أنظارهن لمفارقات التفكير الموجودة بين الرجل والمرأة وكيفية التعامل معها على نحو صحيح. تشرح نظام: "الأمر أشبه بمباراة لكرة القدم، فالرجل يهتم بحجم الكرة التي تدخل الهدف، بينما تولي المرأة اهتمامها بعدد مرات الدخول، بمعنى آخر نقوم بإعلام المشاركات أن لكل من الجنسين فهماً خاصاً لمفهوم العطاء".

بالإضافة إلى الأسلوب السابق، طبّقت نظام "تحليل مضمون المجادلة"، وهي تقنية مستوحاة من كتاب "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة"، الذي عرف عنه توظيف البرمجة اللغوية العصبية في إنجاح العلاقات. عن ذلك تقول: "هذا التحليل يستخدم البرمجة العصبية من خلال ثلاثة أدوار هي المرسل والمستقبل والمراقب الخارجي، وذلك عبر وضع أنفسنا في مكان المستقبل وتحليل الجملة والموقف عوضاً عن أن نكون المرسل".

لكن كيف نقوم بذلك؟ تجيب نظام: "نستعين بمراقب خارجي أي طرف حيادي في العلاقة، وذلك بفضل الوعي الخاص الذي نعمل على ضخه في أذهان المشاركات".

وتركّز الدورة على طرد الأفكار السلبية وإلهاء النفس بأفكار أخرى أكثر إيجابية، وإيلاء الأولوية لبناء علاقة سليمة وصحية مع النفس أولاً ثم مع الشريك، وتوفير مصادر السعادة للذات وإن كانت بسيطة. ذلك إلى جانب الاهتمام بالتأقلم مع الوضع الراهن وتفعيل المنظومة الإبداعية لدى الشريكين عبر إيجاد بدائل مبتكرة لمصادر الدخل، خاصة في ظل جائحة كورونا وما أضافته من عبء مادي لقائمة أعباء الأسرة السورية.


التعلم على قول لا

لفت راغدة عنوانُ الدورة التدريبية "الحب بذكاء" وقررت التسجيل فيها لعلها تأخذ من هذا العنوان حصة وافرة لتتعامل بذكاء وقوة مع شريكها بعدما خانها عدة مرات من دون أن تقوى على هجره ورفض طلبه بالعودة والغفران.

تقول الشابة العشرينية التي فضلت الحديث لرصيف22 باسم مستعار: "أريد أن أصبح قوية ومتحكمة بزمام العلاقة، وأن أكون الآمرة والناهية في كل شيء، وأن أتصرف بعقلانية وأترك قلبي جانباً، فبسببه خسرت جميع معاركي في الحب وهو يقودني لأشخاص يتلاعبون بعواطفي".

وتتابع: "خانني عدة مرات، وفي كل مرة كان يعود، وكله يقين من أنني سأسامحه، وبالفعل كنت أسامحه لأنني أحبه بشدة، وهذا الأمر يزعجني. كنت ضعيفة جداً أمامه، والآن أريد منح قلبي القوة لتركه من دون أي شعور بالألم والفقد".

تكشف الشابة، وهي طالبة في السنة الثالثة بكلية الحقوق، عن نيتها بعدم الاستمرار مع حبيبها، لكنه أمر مؤجل الآن: "أريد أن أستغله قليلاً. استغلال مع حب. لا أستطيع تركه الآن إذ أشعر بالتشتت الفكري ويتراجع مستواي الجامعي، وقد أرسب إذا ما انفصلت عنه. وجوده قربي يمدني بالطاقة والرغبة في الدراسة. سأتركه لاحقاً".


ألّا أكون ضحية للغبن العاطفي

اتخذت آلاء، وهي مهندسة معمارية، قرار المشاركة في دورة "الحب بذكاء" بعيداً عن أنظار الأهل والأصدقاء ومسامعهم كي لا تتحول مادة للسخرية والتسخيف من تجاربها العاطفية، كما أنها عزمت على ذلك بعد اعتراف أحد أصدقائها لها بالحب، أملاً بأن تتمكن من إنجاح العلاقة والتغلب على معضلة الغيرة التي تحاصرها منذ علاقتها العاطفية السابقة. تقول لرصيف22: "لدي مشكلة الغيرة القاتلة. خضت تجربة عاطفية فاشلة وكنت أعاني إذ لا أستطيع التحكم بغيرتي، خاصة أنه كان يعاملني بشكل سيىء طوال عام ونصف العام وينتقدني على الدوام إلى أن اكتشفت خيانته لي، فتركته".

تسعى آلاء من خلال الدورة إلى منح نفسها فرصة عيش تجربة ثانية ناجحة، وألا تسمح لأحد باستغلالها عاطفياً عن طريق منح عواطفها للشخص المناسب.


أمي هي التي أورثتني هذا الشعور بأنني غير جديرة بالحب. كانت تردد على الدوام أن الرجل وحده فقط من يستحق العناية والسعادة إذا ما قورن بالمرأة، وقد ولّد ذلك لدي مشاعر بعدم جدارتي بالحب والاهتمام من أحد

أريد أن أعرف حقوقي بالحب

"أنا فتاة قوية ومستقلة مادياً. أريد شاباً أحبه ويحبني وأعتمد عليه ويشعرني بأنوثتي وبأنني جديرة بالاهتمام". بهذه العبارة تختزل خلود -وهو اسم مستعار- الأسباب التي دفعتها للمشاركة في الدورة، وتضيف في حديثها لرصيف22: "أشعر أن قوتي قتلت جزءاً كبيراً من أنوثتي وعفويتي. أخاف حين يقترب مني شاب ما، فلم يسبق لأحد أن أغدق عليّ مشاعر الحب والرعاية".

تعيش خلود، وهي مهندسة زراعية، في كنف أسرة ملتزمة دينياً، ووجود الحبيب يعدّ من المحظورات إذا لم يكن بعلم الأهل وتحت أنظارهم. هذا الأمر انتزع منها فرصة مكاشفتها بالحب لأحد شبان الحي، مما دفعها لدفن مشاعرها بصمت إلى أن عرفت بارتباطه بفتاة أخرى.

تقول: "أحسست بالندم لأنني لم أبح بمشاعري. ربما لو أخبرته لما ارتبط. شعرت بغضب وألم كبيرين، وظللت أحبه بصمت عامين. لم أعرف حينذاك ما هي حقوقي في الحب، وهذا أحد الأسباب التي دفعتني للتسجيل في الدورة. أريد أن أعرف عند أي حدود يقف العطاء والأخذ في العلاقات".

ولا تخفي خلود سبب شعورها الدائم بعدم استحقاقها للحب. تقول: "هي أمي التي أورثتني هذا الشعور بأنني غير جديرة بالحب. كانت تردد على الدوام أن الرجل وحده فقط من يستحق العناية والسعادة إذا ما قورن بالمرأة، وقد ولّد ذلك لدي مشاعر بعدم جدارتي بالحب والاهتمام من أحد".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard