في ساحة الحبوبي في محافظة ذي قار، جنوبي العراق، يتواجد وفدٌ حكومي "رفيع المستوى" يرأسه مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي المُكلّف من قبل رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي لإدارة "الأزمة في المحافظة" التي شهدت يومي الجمعة والسبت الماضيين، في 27 و28 تشرين الثاني/ نوفمبر، "أعمال عُنف" بين المحتجين وأتباع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها ساحة الحبوبي هجوماً من قبل مسلحين، لكنها الأولى التي يُهاجِم فيها المسلحون بهوية واضحة وصريحة.
على عكس ما كانت تواجهه احتجاجات بغداد من جماعات مسلحة "مجهولة"، واجهت ساحة الحبوبي التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وشهدت الساحة خلال يومي الجمعة والسبت الماضيين صِدامات مع أنصار الصدر الذين "اقتحموا" الساحة، وفقاً لناشطين.
هجوم أتباع الصدر
منذ الثاني من شباط/ فبراير الماضي، صارت ساحة الحبوبي عاصمةً للاحتجاجات في العراق، بعدما بعث محتجو ساحة التحرير الشهيرة في بغداد برسالة إلى محتجي ذي قار تتضمن مقترحاً بنقل عاصمة الاحتجاجات إلى هناك، وكانت الرسالة موقعة بالدم.
مع هذا الانتقال وتراجع مستوى الاحتجاجات في بغداد وبقية المحافظات، سُلطت الأضواء على الحبوبي وبقيت حتى اللحظة عصية على إنهاء اعتصاماتها، بينما لم تنجح حكومة الكاظمي في إيقافها رغم أنها نجحت في بغداد بداية تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي عندما رُفعت كل خيم ساحة التحرير.
حكومة الكاظمي
تزامنت هذه الصِدامات مع الذكرى السنوية الأولى لـ"مجزرة الناصرية" التي قُتل فيها نحو 70 محتجاً وجُرح نحو 250 آخرين خلال فترة رئاسة عادل عبد المهدي للحكومة العراقية، فبينما كان المحتجون يستعدون لإحياء هذه الذكرى، قُتل أربعة منهم وأصيب أكثر من 50 آخرين خلال الصِدامات مع أتباع الصدر.
يقول حسين الغرابي، وهو أحد أبرز ناشطي ذي قار وكان منزله قد تعرض قبل أسابيع إلى استهداف بعبوة صوتية، إن "الصدريين نقلوا يوم الجمعة الماضية مكان صلاتهم من حي الشرقية إلى جسر الحضارات في بداية ساحة الحبوبي رغم أن المسافة بينهما قريبة".
ويضيف: "جاءوا مسلحين، فمنعهم الشباب في ساحة الحبوبي من دخولها وهو ما أدى إلى مشادات، لا سيما بعدما هتفوا للصدر وهتف المتظاهرون للسيستاني ثم ارتفعت حدة الشجار فاعتدوا على الشباب وردوا عليهم ثم سحبوا الأسلحة واقتحموا الساحة".
ويشير الغرابي إلى أن "الصدريين كانوا مستعدين لإحراق الخيم وجرفها، وكانوا مجهزين بآليات جرافة، وهذا يظهر أن العملية معدة ومُبيّتة. اقتحموا الساحة على جولتين، الأولى عصراً والثانية ليلاً، هدموا وأحرقوا الخيم، والقوى الأمنية كانت تنظر إليهم ولم تحرك ساكناً".
وفقاً لشهود عيان، فإن أتباع زعيم التيار الصدري بقوا مسيطرين على ساحة الحبوبي ومناطق حولها حتى صباح يوم السبت الذي عاد فيه بعض المحتجين مع خيمهم ونصبوها من جديد، لكن ناشطين تحدثوا عن تعرضهم إلى ملاحقات داخل الأحياء السكنية من قبل مسلحين تابعين للصدر.
سُلطت الأضواء على ساحة الحبوبي بعدما بقيت حتى اللحظة عصية على إنهاء اعتصاماتها، فيما نجحت حكومة الكاظمي في بغداد بداية تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي عندما رُفعت كل خيم ساحة التحرير... ماذا بعدما هاجم صدريون الساحة على مرأى قوى الأمن؟
وكتب حساب صالح محمد العراقي والمعروف بـ"وزير الصدر" وهو حساب يُقال إنه يُدار من قبل الصدر شخصياً أو من قبل ابن شقيقه، عن هذه الصِدامات موضحاً أن "(الجوكرية) في الناصرية الفيحاء أبوا إلا التعامل مع الوضع وفق أجندات خارجية مشبوهة أدّت الى تفاقم الوضع لولا رجالات الناصرية الفيحاء الذين أبوا إلا أن ترجع محافظتهم لأهلها ولرونقها الأول".
وتحدث عن المتظاهرين أو ما أسماهم بـ"الجوكرية"، وهم فئة تتهم بالعمالة لدولة أخرى، وكتب: "بالفعل انتهت أفعالهم السيئة من قطع الطرق والحرق والصلب في تلك المحافظة، واليوم إذ يعودون للتظاهر لسويعات فهذا من حقهم لكن من دون التعدي على الشعب والدولة والشرع والقانون، وإلا فالدولة ملزمة بحماية المحافظة، وإن لم تستطع فإن للعراق جنوده".
"زعماؤهم إرهابيون"
لم يكن للحكومة العراقية موقف من هذه الصِدامات إلا بعد أربع وعشرين ساعة، عندما قررت إرسال قوات الشرطة الاتحادية إلى ذي قار، لكن حتى هذا الموقف جاء بعد تغريدة الصدر، وهو ما وضعها في خانة اتهام مباشر من قبل الناشطين.
لم تكن عملية اعتبار ذي قار عاصمة الاحتجاجات العراقية، سهلة، إذ انتقلت معها كل أعمال العُنف ضد المحتجين، وتركز العُنف في أغلب الأوقات على ناشطي المحافظة التي شهدت عمليات اختطاف وقتل وحرق للخيم خلال الأسابيع الأخيرة، أبرزها عملية اختطاف الناشط سجاد العراقي الذي لم يُعرف مصيره حتى الآن.
يبيت مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي برفقة رئيس مجلس الأمن الوطني عبد الغني الأسدي ليلتهما الأولى في ذي قار دون اللقاء بالمحتجين الذين رفضوا ذلك، وبينما يبحث المسؤولون عن "مخرج" للأزمة، يُعاود شباب ساحة الحبوبي نصب خيمهم التي هاجمها صدريون
اعتبر الروائي العراقي الحاصل على جائزة البوكر العربية أحمد سعداوي، وهو أحد أبرز وجوه الاحتجاجات في العراق، أحداث ساحة الحبوبي بأنها "تدخل ضمن المادة 4 إرهاب (قانون مكافحة الإرهاب العراقي)".
وقال في تغريدة على تويتر إن "الذين قاموا بهذا الفعل، فضلاً عن أفعال مشابهة منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019 إلى اليوم هم إرهابيون. زعماؤهم في السياسة إرهابيون".
وأصدر الصدر يوم السبت، في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، موقفاً تجاه أحداث ساحة الحبوبي، وقال: "يجب أن يعم السلام والأمن في الناصرية الفيحاء، وعلى أهالي الناصرية ألا يتصارعوا بينهم".
وأضاف: "إن كان هناك من يزعزع أمنها من أي طرف كان ولا يحترم هيبة الدولة فعلى الحكومة المركزية التعامل معه، فالحكومة المحلية إما متخاذلة أو خائفة مع شديد الأسف".
"الحكومة متواطئة"
انتقد عراقيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي موقف الحكومة العراقية من الأحداث، واعتبروها "متواطئة" مع الصدريين، حتى البيان الذي أصدرته حذّر من "فتنة" وخلا من تسمية الجناة أو اتخاذ أي موقف.
يقول النائب عن التيار الصدري صباح العكيلي إن "أعداد التيار الصدري حفزت الأحزاب حتى توجه هجمة ضدنا، ومن تبقى في ساحة الحبوبي موجود لأداء اغراض لأجندات معينة".
يتحدث نزار مهاوي، وهو ناشط في الاحتجاجات العراقية، بغضب عن حكومة الكاظمي، ويقول لرصيف22: "بعيداً عن سيناريوهات الاتفاق بين الحكومة وبقية الأطراف المتورطة بالصراع، يجب ألا ننسى أنها حكومة محدودة الصلاحيات، وهي تدرك ذلك".
ويضيف: "نتوقع من هذه الحكومة إنصافاً تجاه المتظاهرين أو تغييراً ملموساً في سياسات المتنفذين، فهذا ضرب من الخيال. كل شركاء العملية السياسية، على اختلاف توجهاتهم، يتفقون على شيء واحد وهو المضي قدماً في نموذج الإدارة الفاشل وحماية هذا النظام القائم على ثالوث المحاصصة، والفساد والتبعية لمحاور الصراع في المنطقة".
لا يجد المحتجون الذين عوّلوا على وصول الكاظمي لرئاسة الحكومة العراقية أملاً في إنصافهم وتحقيق العدالة، لذا أصدرت ساحة الحبوبي يوم السبت، في 28 تشرين الثاني/ أكتوبر، بياناً طالبت فيه الحكومة بتقديم استقالتها، وطالبت أيضاً بحماية من مرجعية علي السيستاني.
يحاول الكاظمي الآن لعب دور "التهدئة" بين المحتجين والتيار الصدري الذي يبدو أنه عازم على إنهاء الاحتجاجات، وهناك من يتهم الحكومة بالاتفاق مع الصدريين على التخلص من عبء ساحة الحبوبي، آخر معاقل الاحتجاجات في البلاد.
يبيت مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي برفقة رئيس مجلس الأمن الوطني عبد الغني الأسدي ليلتهما الأولى في ذي قار دون اللقاء بالمحتجين الذين رفضوا ذلك، وبينما يبحث المسؤولون الأمنيون الذين وفدوا إلى ذي قار عن "مخرج" للأزمة، يُعاود شباب ساحة الحبوبي نصب خيمهم وزيادة أعدادها.
ويقول الغرابي مجدداً: "الوفد الحكومي هو وفد أمني وكأنه يُريد فرض حاكم عسكري على المحافظة. خيمنا عادت وستُضاف لها خيم أخرى ولن ننسحب من ساحة الحبوبي، وإذا أرادوا خيار القوة، فلكل حادث حديث".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...