منذ توقيع اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والإمارات في أيلول/ سبتمبر الماضي، تتوالى الأنباء بشكل متسارع عن اتفاقيات تجارية واستثمارات بين البلدين. وهي اتفاقات طالت كافة المجالات الاقتصادية والتجارية وحتّى الثقافية، بدعوى تحقيق الاستقرار في المنطقة. منها ما تمّ التوقيع عليه بالفعل، ومنها ما زال طي التنبؤات والتوقعات.
آخر أشكال هذا التقارب الكثيف والسريع، قياساً بالفترة القصيرة منذ أن وقّع البلدان الاتفاقية، اعتزام أحد أفراد العائلة المالكة في الإمارات شراء قرابة نصف الأسهم في نادي كرة القدم الإسرائيلي "بيتار القدس".
هل يعلم الشيخ حمد أنّ الشعار الملازم لمشجعي هذا النادي هو "الموت للعرب"؟
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، من بينها قناة "كان" الرسمية، فإن الشيخ حمد بن خليفة آل نهيان، أحد أفراد العائلة الحاكمة في أبوظبي، هو الذي عرض شراء حصة في النادي. وأشارت "كان" نقلاً عن أحد مُلاك النادي الإسرائيلي، قوله إن "الشيخ حمد قدم عرضاً رسمياً لشراء حوالي نصف الأسهم في النادي، ولقد أبدى نيته بشكل جدي في ذلك". وقالت صحيفة "واللا" الإسرائيلية الخاصة إنّ "الشيخ حمد قد يستحوذ على 49 في المائة من أسهم النادي".
ورغم أنّ هذه هي المرة الأولى التي يصرح فيها مسؤول في النادي الإسرائيلي عن مطامح إماراتية بشكل رسمي، إلا أنّ وسائل إعلام عبرية تحدثت في أيلول/ سبتمبر الماضي قبل توقيع اتفاقية التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب، عن اعتزام رجال أعمال إماراتيين الاستثمار في النادي، في أعقاب اجتماعهم مع أحد ملاكه.
قطار التطبيع الكروي بين الإمارات وإسرائيل قد لا يتوقف عند فريق "بيتار القدس"، حيث ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، من بينها قناة 12 الخاصة، أنّ رجال أعمال إماراتيين يسعون للاستثمار في صفقات كروية مع فرق أخرى أهمها "مكابي حيفا" و"هبوعيل تل أبيب".
يأتي ذلك تتويجاً لمذكّرة التفاهم التي وقعتها رابطة المحترفين الإماراتية لكرة القدم مع نظيرتها الإسرائيلية، في أكتوبر/ تشرين أوّل الماضي، هي الأولى من نوعها، بهدف "التقريب بين الشعبين".
الغريب هو ما توارد في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن اعتزام الشيخ حمد بن خليفة آل نهيان وغيره من المستثمرين الإماراتيين في الاستثمار في "بيتار القدس" الذي يعتبر أكثر الأندية الإسرائيلية عنصرية وعنفاً ضد العرب والمسلمين
شعار النادي الملازم "الموت للعرب"
قد لا يكون غريباً في هذه الآونة أن نشهد توقيع سلسلة اتفاقيات جديدة متوِجة لاتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات. لكن الغريب هو ما توارد في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن اعتزام الشيخ حمد وغيره من المستثمرين الطامحين في الاستثمار في "بيتار القدس" الذي يعتبر أكثر الأندية الإسرائيلية عنصرية وعنفاً ضد العرب والمسلمين. كما أنه مرتبط باليمين المتطرف في إسرائيل.
فهل يعلم الشيخ حَمَد أنّ جمهور هذا النادي سبّ النبي محمّد آلاف المرات، بهتاف عشرات الآلاف من الأصوات الموحدة داخل المدرجات؟ هل يعلم أنّ هتافات مشجعين النادي الإسرائيلي تتضمن التهديد بقتل وحرق العرب والفلسطينيين؟ هل يعلم أنّ الشعار الملازم لمشجعي هذا النادي هو "الموت للعرب"؟
"هو ليس نبياً، بالنهاية هو مجرد عربي، لديه ذقن مليئة بالبراغيث، كما يبيع جبنة ماعز ويعمل بالبناء حتى وهو صائم خلال رمضان، معه هوية برتقالية (لون الهوية الفلسطينية القديمة)، وهو مثلي الجنس". هذه كلمات أغنية منتشرة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وموقع "يوتيوب"، ينشدها مشجعو "بيتار القدس" خلال مباريات فريقهم، خاصةً عندما يواجهون فرقاً عربية. كلمات تُهين وتحتقر المسلمين والعرب والفلسطينيين والبدو وعاملي البناء ومثليي الجنس على حدّ سواء.
إنّ أناشيد جماهير نادي "بيتار القدس"، التي يمكن الوصول إليها بسهولة لمن يجيد اللغة العبرية على موقع "يوتيوب"، تهدّد العرب بشكل مباشر، ودون تلميحات. تهدّد بالحرق وبأنّ "اليهود لن يسامحوا العرب أبداً"، كما يُهاجم "اليساريون الإسرائيليون" الذين يدعون إلى التعايش مع العرب. تقول كلمات أحد الأناشيد العنصرية التي يهتف بها مشجعو نادي "بيتار القدس": "إسرائيل هي دولة اليهود، أنا أكره سليم طعمة (لاعب عربي في فريق "هبوعيل تل أبيب" الإسرائيلي) وأكره كلّ العرب".
تهديد النادي إن فكّر بانضمام لاعبين عرب أو مسلمين
"بيتار القدس"، الذي تأسّس في عام 1936، أي قبل قيام دولة الاحتلال، يعتبر أكبر فرق كرة القدم الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلّة. كما أنّ ملعبه "تيدي" مقامٌ على قرية المالحة المهجرة عام 1948. معروف عن مشجعي "بيتار القدس" رفضهم انضمام لاعبين عرب ومسلمين إلى صفوفه. ولعلّ من أبرز مواقف الكراهية التي تعكس أيدلوجية جمهور نادي "بيتار القدس" رفضهم في عام 2019 انضمام لاعب نيجيري مسيحي، لمجرد أنّ اسمه "محمد علي"، مشترطين تغييره أو استخدام اسم مستعار كشرط لاستمرار لعبه بالفريق، بحسبما نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الخاصة.
يُعبَّر عن كراهية أنصار "بيتار القدس" وأحقادهم عبر رابطة تطلق على نفسها اسم "لا فاميليا" (العائلة). لها صفحة على فيسبوك، وهي مليئة بالدعوات إلى "تنقية" النادي من العرب والمسلمين، والتحريض واستخدام العنف ضدّهم. تجاهل إدارة نادي "بيتار القدس" مطالب رابطة "لا فاميليا" لا يمرّ مرور الكرام، ففي إحدى المرّات استقدم النادي لاعبَين روسيَين مسلميَن إلى صفوف الفريق، ليردّ عناصر الرابطة بحرق مكاتب تابعة لإدارة النادي، مطالبين أنّ يبقى النادي "نقياً من المسلمين". إنّ سطوة "لا فاميليا" ونفوذها داخل الفريق كبيرٌ جداً، فالمشجعون ليست لديهم مشكلة في تنفيذ اعتداءات قد تطال اللاعبين أنفسهم. ففي إحدى المرات هدّدوا لاعباً بـ "إنهاء مستقبله الكروي" بدعوى أنه أيد جلب لاعبين مسلمين للفريق. فيما حاولوا قبل عدة أعوام الاعتداء جسدياً على مالك النادي وهو بجانب وزيري الخارجية والثقافة في الحكومة الإسرائيلية، للسبب ذاته.
"هو ليس نبياً، بالنهاية هو مجرد عربي، لديه ذقن مليئة بالبراغيث، كما يبيع جبنة ماعز ويعمل بالبناء حتى وهو صائم خلال رمضان، معه هوية برتقالية (لون الهوية الفلسطينية القديمة)، وهو مثلي الجنس". هذه كلمات أغنية ينشدها مشجعو "بيتار القدس" خلال مباريات فريقهم
نادي اليمين الإسرائيلي المتطرّف
لا تقتصر العنصرية في ملاعب كرة القدم الإسرائيلية على نادي "بيتار القدس"، إلّا أنّ سلوك مشجعي الأخير تتجاوز حدود الشتم والازدراء والعنصرية، فقد وصلت إلى العنف والاعتداء ومحاولات القتل. وصفهم النائب العربي في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، أيمن عودة على صفحته الرسمية في موقع "فيسبوك" بأنهم "عصابات كراهية" قد تؤدي أفعالهم وتحريضهم إلى القتل، وخاصة تجاه العمال الفلسطينيين الذين يبحثون عن لقمة عيشهم في محلات إسرائيلية. ويقول عودة: "رعاع اليمين العنصري الذي يستحقر كل ما هو عربي ومختلف عنه؛ لأنه يرتكز في أيديولوجيته على الكراهية والعداء التام للمواطنين العرب".
لا تتأتّى هذه الكراهية العلنية المتجسّدة في العنف دون منابع ودون سياسات تعطيها الشرعية بالاستمرار. فنادي "بيتار القدس" عادة ما اقترن اسمه سياسياً باليمين المتطرف في إسرائيل، وتحديداً بحزب "الليكود" الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو. كما أنّ أبرز مشجعي وداعمي الفريق سياسيون معروفون بتطرّفهم، من بينهم "وزير الدفاع" السّابق أفيغدور ليبرمان ورئيس "بلدية القدس" الإسرائيلية نير بركات.
كما يُشير مقال نشره مركز "مدار" الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية إلى أنّ سلوك مشجعي الفريق لا يجابه عادةً بمعارضة أو تنديد من قبل إدارة الفريق أو المدربين أو اللاعبين، وهذا دليل على أنّ عنصرية "لا فاميليا" لا تحتكر على فئة قليلة فقط، بل هي أيديولوجية نادي كامل بكافة عناصره. ينوه المقال إلى أنّ نسبة كبيرة من مشجعي النادي الإسرائيلي هم من المستوطنين، ينتمون إلى جماعة "فتية التلال" الصهيونية الإرهابية، التي تستهدف الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلتين وممتلكاتهم ومساجدهم وكنائسهم.
قالت صحيفة "واللا" الإسرائيلية الخاصة إنّ "الشيخ حمد قد يستحوذ على 49 في المائة من أسهم النادي".
مشجّعون شرقيون يعانون من التقسيم الطبقي
تتطرق مقالة إسرائيلية نشرتها المكتبة الإلكترونية لوسط وشرقي أوروبا، إلى العلاقة بين الرياضة والمجتمع في السياق الإسرائيلي، حيث تشير إلى أنّ نادي "بيتار القدس" أنشأه أحد التيارات الرئيسية داخل الحركة القومية اليهودية الصهيونية الذي يمثل المهاجرين الشرقيين من اليهود (السفارديم والمزراحيون). لذا فإننا نجد أن معظم مشجعي الفريق اليوم هم من اليهود الشرقيين الذين يعانون بالأصل من التقسيم الطبقي الاجتماعي في المجتمع الإسرائيلي.
يتوصل المقال إلى أنّ عملية إنتاج الهوية التي خضع لها نادي "بيتار القدس" ومشجعوه على مدى ثمانين عاماً من وجوده، هي عملية وظيفية متأصلة لأزمة الهوية التي حدثت في مراحل مختلفة من التقسيم الطبقي الاجتماعي. إنّ الصراع الطبقي الداخلي الذي يعاني منه الشرقيون اليهود الذين يشكلون النسبة الأكبر من مشجعي "بيتار القدس"- بحسب المقال- مرتبط اجتماعياً ونفسياً بالموقف المعادي بشدة للشرقيين اتجاه العرب.
الإمارات تتجاهل وليست جاهلة
وعنّ احتمالية شراء شيخ إماراتي من العائلة الحاكمة لنادي "بيتار القدس"، يقول الباحث والكاتب في الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت لرصيف22: "إنّ سبب ذلك ينبع من انتهاج الإمارات سياسة تجاهل الرفض الفلسطيني وبعض الدول العربية الإسلامية للخطوات التي تقوم به أبو ظبي إزاء توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل".
ويضيف شلحت: "إنّ تسارع توقيع الاتفاقيات بين إسرائيل والإمارات بعد إعلان تطبيع العلاقات، يهدف إلى تسريع التقارب بين الحكومتين في ظلّ الرعب الإماراتي من إيران، لذا فإن المنطق قد يغيب في بعض الأحيان، حيث أنّ أساس هذا التطبيع يغلب عليه الطابع الأمني. لا اعتقد أنّ الإمارات تجهل صفات هذا النادي العنصري الإرهابي، لكن ذلك يعتبر تفصيل صغير في عالم العلاقات الدولية والمصالح المشتركة". وتابع حديثه: "علينا كفلسطينيين أنّ نسلط الضوء على الفكرة العامة فيما يتعلق بالتطبيع، وهي أنّ التطبيع جاء مع دولة احتلال".
"إنّ تسارع توقيع الاتفاقيات بين إسرائيل والإمارات بعد إعلان تطبيع العلاقات، يهدف إلى تسريع التقارب بين الحكومتين في ظلّ الرعب الإماراتي من إيران، لذا فإن المنطق قد يغيب في بعض الأحيان، حيث أنّ أساس هذا التطبيع يغلب عليه الطابع الأمني"
تهافت إسرائيلي على بئر المال الإماراتي
أما المحلل الفلسطيني المختص بالشأن الإسرائيلي نظير مجلي فيعتقد أنّ ما صرّح به مالك نادي "بيتار القدس" بشأن اعتزام شيخ إماراتي شراء النادي، هو دليل على تهافت إسرائيلي على بئر المال الإماراتي.
ويضيف في حديثه لرصيف22: "الإماراتيون أذكياء، يتعاملون مع إسرائيل بتأنٍ وحذر، إذ يركزون في استثماراتهم المتبادلة مع تل أبيب على تكنولوجيا المعلومات، في الوقت الذي لا استبعد فيه وجود رغبة أحد الشيوخ الإماراتيين بشراء حصة في نادي بيتار. لكنها قد تكون خطوة فردية وغير مدروسة، كون الفريق الإسرائيلي ليس فريقاً عالمياً أو مشهوراً".
ويشير مجلي إلى أنّ مالكي النادي الإسرائيلي يبحثون عن مستثمرين في النادي بسبب أنه يعاني وضعاً مالياً صعباً. ويقول: "بالنهاية المال هو أساس كل شيء، يبدو أنّ مالك النادي لم يجد منفذاً للضائقة المالية سوى الإماراتيين".
ويضيف: "في الحقيقة، أعتقد أنّ إسرائيل ورجال الأعمال فيها متحمسون جداً إزاء اتفاقية التطبيع مع الإمارات، ويحاولون اقتحام كافة المجالات بهدف استنزاف المال الإماراتي قدر الإمكان، كأنها طاقة السماء وانفتحت أمامهم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...