تشهد مدينة بشرّي اللبنانية حالياً ردود فعل عنيفة وعقاباً جماعياً للاجئين السوريين المقيمين فيها على خلفية مقتل شاب لبناني على يد عامل سوري مقيم هناك. إذ طُرد عدد كبير من هؤلاء السوريين من منازلهم بعد حرقها والاعتداء عليهم دون اعتبار في ذلك للنساء والأطفال والمسنين بينهم.
بدأت القصة في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر حين أقدم القاتل الذي كان يعمل حارساً (بواباً) في فيلا محاذية لأرض يملكها الشاب المغدور، جوزيف طوق، على قنصه عقب "إشكال فردي" بينهما قبل أن يسلم نفسه إلى قوى الأمن الداخلي.
سرعان ما انتشر الخبر في المدينة وخرج السكان اللبنانيون للانتقام من المقيمين السوريين. أظهرت صور متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مجموعات من اللاجئين، بما في ذلك نساء وأطفال، وهم يغادرون المدينة في شاحنات، علاوةً على حرق وتدمير مساكن بعد طرد سكانها السوريين منها.
ولفتت الوكالة اللبنانية الوطنية للإعلام إلى أن القاتل تم نقله، على خلفية التوتر في البلدة، إلى سراي طرابلس لاستكمال التحقيقات، مبرزةً تسيير الجيش اللبناني دوريات راجلة مدعومة بآليات في المدينة لإعادة الهدوء إليها.
كما ذكرت الوكالة أن "مجموعات من شباب بشرّي قامت بطرد السوريين من المدينة كرد فعل على الجريمة".
تنبيه بالمغادرة فوراً
وعقد مجلس بلدية بشرّي اجتماعاً طارئاً لمتابعة تداعيات الحادثة، تعهد خلاله: "لن نسكت عن هذه الجريمة"، داعياً الجميع إلى "التروي لحين انتهاء التحقيقات"، والأجهزة القضائية إلى "عدم المماطلة وإنزال أقصى العقوبات بحق المجرم".
نتاج "خطاب الكراهية ضد اللاجئين المستعر منذ عامين"... عمليات طرد وحرق مساكن في إطار "العقاب الجماعي" للاجئين السوريين في بلدة بشرّي بلبنان عقب مقتل شاب لبناني على يد حارس سوري
وفيما عبّر المجلس عن استغرابه لـ"وجود أسلحة بيد من يدعون العمالة في المدينة"، حث السلطات الأمنية على الإسراع في تفتيش منازل اللاجئين السوريين والتحقق من هوياتهم، مع تنبيه جميع السوريين المقيمين في البلدة بشكل غير شرعي إلى "مغادرتها فوراً".
وناشد المجلس أهالي المدينة "اتخاذ قرار تاريخي وجريء بتغيير وجه العمالة في استخدام اليد العاملة المحلية في القطاعات كافة وعدم تأجير أي شخص غريب من دون التأكد من أوراقه الثبوتية"، موضحاً أن المدينك التي "كانت وما زالت ملجأ للمضطهدين والمظلومين، ولم تميز يوماً بين عرق أو دين، واستقبلت اللاجئين السوريين وعاملتهم كأبناء لها (...) لن تقبل تحت أي ذريعة أن يشكل أي شخص أو جماعة تهديداً لأمنها ومجتمعها".
عنصرية وعقاب جماعي
وقد عبّر العديد من اللبنانيين والسوريين عن غضبهم إزاء العقاب الجماعي الذي سُلط على اللاجئين السوريين من دون ذنب لهم.
وأوضح هؤلاء أن "القتل جريمة بس العنصرية وتحميل الكل إثم إنسان واحد كمان جريمة"، معبرين عن تفهمهم الكامل لألم أهل القتيل، ولافتين: "قتل ناس ما إلها ذنب أو الاعتداء عليها ما رح يبرد هالقلوب".
ونبّه أحدهم إلى أن السوريين في لبنان لا يتحملون "كل هذا التنمر والعقاب"، موضحاً أن الجريمة لا تتعدى كونها "أعمالاً فردية" تستدعي "العدالة والإجراءات المناسبة".
ووصف الأستاذ بالجامعة الأمريكية في بيروت، ناصر ياسين، ما حدث في بشرّي بأنه "محزن"، مضيفاً "مقتل شاب من البلدة جريمة وجبت معاقبة منفذها، لكن العقاب الجماعي لعائلات لاجئة أمر مؤسف".
ولفت ياسين إلى أن العلاقة بين اللبنانيين واللاجئين "في تدهور، خاصة مع التأزم الاقتصادي" بسبب زيادة "الشعور بالتنافس وتحوله إلى ميل للعنف" يغذيه "خطاب الكراهية تجاه اللاجئين المستعر منذ سنتين".
وفي حين أكد ياسين أن الأزمات في لبنان ستطول، وعودة اللاجئين السوريين بطيئة، رأى "الحل الآني" في "تهدئة النفوس، والاستثمار في مشاريع في المجتمعات المضيفة -التي أصبحت في معظمها فقيرة- تولد فرص عمل للبنانيين واللاجئين".
واختصرت إحداهن توصيفها للعقاب المبالغ فيه بقولها: "بتتنفسوا عنصرية".
بدورهم، دافع بعض السوريين عن القاتل مروجين لرواية مفادها أن الحارس كان يقوم بعمله ويحاول ثني المغدور عن السرقة حين اضطر إلى إطلاق النار عليه. لكن الغالبية العظمى منهم شددت على أن "الإذلال والقهر والتعنيف" بحق السوريين في لبنان "لن تمحى من الذاكرة". وتحسرّوا على أن السوري في لبنان "كبالع الموس على الحدين لا يمكنه البقاء فيه ولا العودة لبلده".
"اللاجىء السوري في لبنان كبالع الموس على الحدين لا يمكنه البقاء فيها ولا العودة لبلده"
وذكّروا بأنه حين وقع انفجار مرفأ بيروت تعاطف غالبية السوريين مع اللبنانيين، متناسين العنصرية، والعديد من الجرائم التي كان ضحاياها سوريون في لبنان وأبرزهم الطفل السوري الذي تعرض للاغتصاب من قبل شبّان لبنانيين.
"بشرّي حكيمة"؟
على الجانب الآخر، رفض أهالٍ غاضبون الانتقادات على ردود فعلهم. كتبت معلقة، كنيتها "طوق"، عائلة المغدور: "ما حدا يعلّم العشاير عَ شغلا! بشرّي حكيمة وبتعرف تحاسب بعدل".
وفيما قال الإعلامي اللبناني أندريه داغر إنه ضد ما يحدث، أضاف: "بس كمان ما فينا نلوم أهالي شافوا ابنن مقتول قدامن، مش حلو كب الزيت عالنار".
وبلهجة أشد غضباً، عقّب الإعلامي اللبناني جوزيف طوق: "ما بقى حدا يزايد على إنسانية وأخلاق أهل بشرّي، كل عمرها بشري كانت ورح تضل القلب الكبير والبيت المفتوح للغريب والقريب". وتابع: "أهل بشرّي بيعرفوا إيمتى يغضبوا وإيمتى يروقوا... ولحظة الغضب ما بتقدر تمحي تاريخ الصبر... الحزن على مقتل شبّ بأول عمرو أكيد ما بيخلص، بس منتمنى يخلص حقدكن".
الجدير بالذكر أن الأمر لم يقتصر على العنف المادي، بل دُشنت حملة "تحريض" إلكترونية تدعو إلى طرد السوريين من كل لبنان وليس من بشرى وحدها، تُصنف السوري على أنه "عدو مش شقيق". ردد هؤلاء عبارة: "إذ كان الدفاع عن الكرامة إجراماً، وأخذ الحق في ظل غياب الدولة افتراء، فبكلّ فخر أنا مجرم"، عبر وسميّ #اعرف_عدوك و#السوري_عدوك.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...