"ما بكفّي تلتغى المواد المتعلقة بقانون ما يسمى بجرائم الشرف، بدنا تطبيق ومحاسبة." هكذا أجابتني بوضوح ومباشرة عُلا حمزة، إحدى المشاركات بحملة "لا شرف في جريمة الشرف"، و "دمّك برقبتنا" عندما سألتها: ماذا عن تظاهرة الخميس في السويداء؟
دعت ناشطات مجتمع مدني إلى تظاهرة صامتة يوم الخميس الماضي 19 تشرين الأول/ نوفمبر 2020، أمام "قصر العدل" في مدينة السويداء تحت شعاري "دمّك برقبتنا" و"لا شرف في جريمة الشرف"، تنديداً باستمرار مقتل نساء على أيدي أقاربهن بذريعة "الشرف"
في ظل الجدل حول التظاهرة بين أهالي السويداء، لم تغب أصوات أبنائها وبناتها في الغربة مساندةً التظاهرة والاحتجاج.
مساندة من اللجوء والغربة
في ظل الجدل حول التظاهرة بين أهالي السويداء، لم تغب أصوات أبنائها وبناتها في الغربة مساندةً التظاهرة والاحتجاج. وفي حديث مع فاديا أبو زيد، صحافية وناشطة اجتماعية ونسوية مقيمة في السعودية، قالت لرصيف22: "ما قام به شباب وشابات السويداء خطوة مهمة ومطلوبة وتدخل ضمن الحراك السلمي المطلبي، الذي يحتج ويعلن رفضه لقتل النساء بحجة الدفاع عن "الشرف"، بعد أن سجلت "جرائم الشرف" في السويداء نسبة عالية خطيرة في الأشهر الماضية دفعت المجتمع الأهلي المستقل للخروج والاحتجاج، رغم الحالة الأمنية القاهرة التي تعيشها سوريا، والتي تجعل من النساء الحلقة الأضعف في البنية المجتمعية التي تؤيد قتل النساء".
وتابعت فاديا: "هذه البنية مدعومة بالبنية القانونية للدولة التي ساندت الموروث السوري من خلال إطباق الخناق على حياة المرأة عبر حزمة مواد قوانين "جرائم الشرف" التي تنتمي إلى قانون العقوبات السوري، الذي يحمي القاتل ويستهين بدم النساء الضحايا الدائمات لهذه القوانين منذ بداية تأسيس الجمهورية الأولى. فهي مواد مأخوذة من القوانين الفرنسية، المأخوذة بدورها من الدولة العثمانية، وقد ألغتها فرنسا في عام 1973 لكنها ما زالت جاثمة فوق صدور السوريين، والمرأة السورية".
وأضافت: "التعديل الأخير بإلغاء المادة (548) من قانون العقوبات، والتي تحمي القاتل بالعذر المخفف، ليس كافياً. فمواد كثيرة في القانون السوري ما زالت تعطل هذه المادة وتحمي القاتل. ولم تشهد المحاكم السورية إلى اليوم محاكمة لقاتل اتهمته المحكمة بالقتل العمد. نقول جريمة قتل عمد لأن عمليات قتل النساء بنسبة كبيرة جداً لا تحدث نتيجة غضب بسبب المفاجأة بـ "ارتكاب الزنى أو الجنس المحرم" –أساس مواد جرائم الشرف- ولكن تأتي غالباً بعد تخطيط من قبل الرجل في العائلة: أخ أو أب، بموافقة أفراد العائلة أو بالتخطيط معهم".
قالتها نساء السويداء بوضوح: "قُتلت لأنها امرأة... قَتَلها لأنّهُ مجرم".
وختمت فاديا: "قد لا تنتهي "جرائم الشرف" بإلغاء قوانين معينة متعلقة بها، لأن قتل النساء عادة موروثة في الكثير من الدول العربية التي ما زالت تناضل للانتقال إلى حالة الدولة. فالأنظمة المتعاقبة بعد الاستقلال لم تسمح لبلداننا بالتخلص من بنيتها العشائرية والعائلية، والقبلية، وقتل النساء جزء من هذه البنية الماضوية التي منعت الأفراد من الانتقال إلى مرتبة /مواطن محميّ ومواطنة محمية بقوانين الدولة، وليس مهددة بقوانين الدولة العشائرية. فالبداية من القانون دائماً".
الحرب فجّرت ميولاً عنيفة
أما سالم ناصيف، وهو صحافي مقيم في فرنسا، فيقول لرصيف22: "العديد من جرائم العنف الأسري، ومنها ما يسمى "جرائم الشرف"، تجري دون أن نعلم بها، فما يظهر للعلن هو الجزء الأقل من تلك الجرائم، وغالباً يُعدّ القتل بدوافع ذكورية حالات انتحار وتتواطأ الأجهزة المختصة والقضائية مع مرتكبيها".
ويضيف: "الحرب فجّرت لدى المجتمعات ميلها للعنف، وزاد في نسبته غياب المحاسبة القضائية وتواطؤ القوانين مع معظم الجرائم بالاستناد إلى أسباب تخفيفية، لذلك لن يكون هناك حلّ أو رادع لتلك الجرائم ومرتكبيها ما لم يكن هناك إصلاح قانوني كامل يشمل قانون الأحوال الشخصية ويمنح المرأة حصانة قانونية كما يجري في الدول التي تحترم أفرادها بغض النظر عن الجندر (النوع الاجتماعي)، والدين والعرق، وإلخ".
ويتابع سالم: "الاحتجاج ضد ما يسمى "جرائم الشرف" هو الوجه الحضاري والنقطة المنيرة في هذا الواقع البشع، واقعٌ باتت معظم العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فيه تشجع على الإجرام الذي غدا حدثاً اعتيادياً ينهش في التكوين الأخلاقي لتلك المجتمعات ولا يترك لها سوى قبحها".
يرى سالم أيضاً أن جميع المناطق السورية تحتاج إلى تنسيق تظاهرات احتجاجية وحملات شبيهة بتظاهرات السويداء، مشيراً إلى أن تُقتل امرأة في السويداء بمطرقة وتسعى أمها وخالها لإخفاء جثمانها هو العار، ويختم حديثه: "القتل هو العار. الشابات والشبان الذين خرجوا وقالوا "لا لجرائم الشرف في السويداء" هن/م الشرف هن/م كرامة السويداء وحبل نجاة القيم النبيلة في المستقبل".
في حديث لرصيف22 عن التظاهرة مع سارة هنيدي، كاتبة وناشطة حقوقية وجندرية مقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية، قالت: "التظاهرة شجاعة جداً في مجتمع يتم التطبيع فيه مع القاتل بحجة الشرف، وتأتي أهميتها من كسر هذا التطبيع وإعلان رفض هذه الجرائم غير المبررة، علناً. هذه التظاهرات من شأنها أن تحمي بناتنا مستقبلاً من أن يكنّ ضحايا هذا النوع من الجرائم. فخورة جداً بصبايا مدينتي وبقدرتهن على خوض معركتهن الخاصة وسط الحروب اليومية التي يعشنها، وبدي قلن إنتوا مش لحالكن".
"التظاهرة شجاعة جداً في مجتمع يتم التطبيع فيه مع القاتل بحجة الشرف، وتأتي أهميتها من كسر هذا التطبيع وإعلان رفض هذه الجرائم غير المبررة، علناً"
تظاهرة أمام كل بيت
*صورة الغلاف للفنانة السورية مروة مزهر
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...