شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"فقد عمله وصار يضربني كثيراً"... مبادرات لدعم السوريات بمواجهة العنف أثناء الحجر المنزلي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 9 مايو 202012:05 م

على مدار أكثر من أسبوعين، بذلتُ جهوداً كبيرة للتواصل مع العديد من السوريات اللواتي عرفت عن تعرضهنّ لحوادث عنف منزلي قاسية، أثناء فترة الحجر الصحي التي فرضها فيروس كورونا المستجد، وهو أمر بات شائعاً في معظم بلدان العالم خلال الأسابيع الفائتة.

لم تكن بالمهمة السهلة، إذ رفض معظمهنّ الحديث معي بشكل مباشر: "نخاف العلنية والصحافة حتى وإن كان باسم مستعار"، هي الإجابة التي كنت أحصل عليها في كل مرة أصل إلى طرف خيط.

في نهاية المطاف، أرسلت إليّ واحدة من أولئك النساء بعض التفاصيل، مع صديقة محامية تنشط في مساعدة ضحايا العنف المنزلي، خاصة ذلك القائم على النوع الاجتماعي والموجه على الأغلب ضد الإناث.

تقول الرسالة، التي ذيّلتها صاحبتها بأول حرف من اسمها "ن": "فقد زوجي عمله كسائق لأحد وسائط النقل العامة بين دمشق وريفها، والتي توقفت مؤقتاً بسبب الإجراءات الحكومية المتخذة منذ أكثر من شهر لمنع انتشار الفيروس. منذ ذلك الحين ازدادت عصبيّته بشكل كبير، وصار يضربني كثيراً، وهو أمر كان يفعله من قبل في أحيان قليلة".

لم تفكر "ن" باتخاذ أي إجراء فعلي. حكت قصتها لبعض صديقاتها في المنطقة التي تعيش فيها، وتقول بأنهنّ أيضاً تعرّضن لمواقف مشابهة بشكل أكثر تواتراً في الفترة الماضية. اتصلت السيدة الثلاثينية أيضاً بصديقتها المحامية، التي أخبرتها بإمكانية تقديم شكوى ضد زوجها، ليكون جوابها بشكل قطعي: "لا، يستحيل أن أفعل ذلك، فترة وبتمر".

واقع... عنيف

تتحدث دراسة صادرة عن الهيئة السورية لشؤون الأسرة عام 2010، عن تعرض ما بين 20 و50 بالمئة من النساء المشمولات بالدراسة، لأسلوب من أساليب العنف الجسدي، وعلى الأغلب بشكل متكرر، وتشمل هذه الأساليب: الصفع، الضرب، اللكم، الدفع بقوة، الركل بالأقدام والقذف بأشياء تسبب الجرح أو الألم. إضافة لذلك، تعرضت نصف النساء اللواتي تتحدث عنهن الدراسة إلى أحد أشكال العنف النفسي واللفظي.

وخلال سنوات الحرب، ارتفعت هذه النسبة بشكل ملحوظ مع تزايد وطأة الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيش ضمنه آلاف العائلات، وقد خسرت منازلها وأعمالها، وتحول تأمين قوتها اليومي في بعض الأحيان إلى ما يشبه الكابوس. في عام 2016 صرح رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي بسوريا لصحيفة الوطن المحلية، بأن "نسبة ضرب المرأة ارتفعت 50%".

أما خلال الأسابيع الثمانية الفائتة، وهي الفترة التي قضاها السوريون في منازلهم تطبيقاً للإجراءات الحكومية المتعلقة بمنع التجمعات وإغلاق معظم الأنشطة للحد من تفشي المرض الجديد، فلا تصعب ملاحظة ازدياد حالات العنف المنزلي في معظم المناطق السورية، وإن كان من المبكر الحديث عن أرقام ونسب محددة لتلك الحالات.

تحدثني سامية الصديق، وهي ناشطة نسوية تعيش في واحدة من بلدات ريف دمشق الغربي، عن استقبال المراكز الطبية في بلدتها وبشكل شبه يومي لنساء تبدو عليهن آثار الضرب المبرح، وبعضهنّ يأتي في حالات إسعاف مستعجل: "للأسف تقضي هؤلاء السيدات بعض الوقت في المراكز ثم يعدن لمنازلهن كأن شيئاً لم يكن"، تقول.

وقد حاولت سامية التدخل في بعض الحالات، والتحدث للسيدات عند مجيئهن لتلك المراكز بهدف توعيتهن حول إمكانية تقديم شكاوى بشأن ما يتعرضن له، دون أن تلقى نصائحها آذاناً صاغية، تضيف في حديثها: "جميعهن خائفات، ويعتقدن بأنها فترة مؤقتة وستنقضي بعد عودة إيقاع الحياة لما كان عليه قبل فترة الحجر الصحي خاصة بالنسبة للرجال الذين فقدوا أعمالهم، وهو يبدو مبرراً كافياً، برأي عدد من النساء، ليمارس العنف عليهن. فعلياً، لا نعرف متى ستنقضي هذه الفترة وإن كانت ستنتهي فعلاً".

وتشترط العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات السوري، تقديم المتضرر شكوى أمام المحاكم المختصة، وهو أمر نادر الحدوث، خاصة من قبل النساء، مهما بلغت درجة العنف التي يتعرضن لها، حيث يخشين من "تصعيد الموقف" والدخول في إطار إجراءات قانونية لا عودة عنها، ويفضّلن متابعة حياتهن والسكوت عن معاناتهن

كيف نساعد هؤلاء النساء؟

بموجب قانون العقوبات السوري، تعاقب بالسجن والغرامات المالية مجموعة من الجرائم المتعلقة بحالات العنف الممارس ضمن الأسرة، مثل الضرب والاعتداء والتحرش، إضافة لحالات العنف اللفظي، ومنها القدح والذم، دون أن يكون هناك قانون منفصل يخصّ العنف الأسري بكافة أشكاله.

وتشترط العقوبات المنصوص عليها في القانون المذكور تقديم المتضرر شكوى أمام المحاكم المختصة، وهو أمر نادر الحدوث، خاصة من قبل النساء، مهما بلغت درجة العنف التي يتعرضن لها، حيث يخشين من "تصعيد الموقف" والدخول في إطار إجراءات قانونية لا عودة عنها، ويفضّلن متابعة حياتهن والسكوت عن معاناتهن.

وإلى جانب القانون، يقدم عدد من المراكز المجتمعية خدمات تتعلق بإيواء النساء المعنّفات الهاربات من أسرهنّ، وتستقبل هذه المراكز أعداداً قليلة من النساء اللواتي يقررن ترك عائلاتهن، رغم صعوبة الأمر الذي يعني التوجه نحو مستقبل مجهول، وأحياناً إعادة بناء الحياة بأكملها من الصفر، مع الخوف من ردود أفعال عنيفة من قبل أفراد العائلة.

ويبدو الخوض في مجال تقديم الاستشارات وجلسات التوعية القانونية والدعم النفسي والاجتماعي أكثر سهولة، فتنشط فيه العديد من الجمعيات والناشطين/ات والحقوقيين/ات المعنيين/ات بموضوع الدفاع عن المرأة، وتكثّف هذا النشاط في فترة الحجر الصحي على وجه الخصوص، مع انتشار أخبار العنف المنزلي وزيادة وتيرتها.

"نسيج" هي واحدة من هذه المنظمات غير الحكومية، والتي تعمل من دمشق في مجال تمكين وحماية النساء، من ضمن مجالات مجتمعية أخرى.

تطلق نسيج الآن، كما تتحدث مسؤولتها الإعلامية رهام مرشد، لرصيف22، مشروعها الذي يتضمن محتوى تدريبياً متكاملاً موجهاً للنساء المستفيدات من خدمات المنظمة، حول عدد من الأفكار والمواضيع المتعلقة بالحماية، وذلك عبر منصة يوتيوب التابعة لها، ومن خلال رسائل واتس آب ترسل لكافة المستهدفات من التدريب، مع إمكانية النقاش بالمحتوى المقدم مع المدربين والقانونيين المختصين، يضاف إلى ذلك إتاحة روابط بشكل أسبوعي لمجموعة من الأفلام والمسلسلات والكتب ذات المحتوى النسوي التي يمكن أن تكون مفيدة للنساء خلال هذه الفترة.

ومن جانب آخر، ومع ارتفاع حالات العنف خلال الأسابيع الأخيرة، نشطت المنظمة بمجال التوعية القانونية بما يخص الحماية، وشرح الإجراءات التي يمكن للنساء اللجوء إليها في حال تعرضهن لأي حوادث عنف منزلي، ومنها آليات الشكوى بشكل قانوني، وذلك من خلال منشورات دورية عبر صفحة المنظمة على موقع فيسبوك.

ونتيجة غياب الحماية الكافية التي يمكن أن تحصل عليها النساء المعنّفات في سوريا اليوم، نشطت المحامية براءة الطرن، وخاصة خلال الأسابيع الأخيرة، بمجال الدفاع عن حقوق النساء وتقديم الاستشارات والدعم لهنّ: "اخترت أن أساعد. لا يمكننا أن نصم آذاننا عما يجري حولنا"، تقول المحامية في حديثها لرصيف22.

وتشير براءة، وهي محامية متمرنة في أحد المكاتب القانونية بدمشق، إلى ارتفاع كبير بحالات العنف المنزلي، والموجه بشكل خاص ضد النساء، خلال الشهرين الأخيرين: "تعج صفحات فيسبوك ومجموعات النساء بقصص العنف وطلب المساعدة، سواء باسم واضح وصريح أو من خلال طلبات مجهولة الاسم، تنشد الحصول على توجيهات قانونية. ذلك بالإضافة لمعرفتنا بالعديد من قصص راحت ضحيتها فتيات ونساء تعرضن للضرب وحتى القتل".

بذلك، تقدم براءة استشارات قانونية عبر الانترنت بشكل تطوعي، وبالاستعانة أيضاً بمدربتها في مكتب المحاماة، كما تقدم مساعدات قانونية مباشرة لنساء تعرضن لحالات عنف واخترن عدم السكوت عن حقهن، وفق تعبيرها.

ومع أهمية هذه الجهود والأثر الذي تحققه في منع بعض حالات العنف من التفاقم، وفي توعية حالات أخرى حول حقوقها القانونية وإمكانية تجريم أفعال العنف، ترى براءة بضرورة وجود إجراءات أخرى ذات أهمية كبيرة أيضاً، كالدعم النفسي والمعنوي، وتأمين سكن بديل للنساء المعنفات، إضافة إلى الحاجة لأن تكون العقوبات رادعة أكثر، خاصة عند تكرار الجرم.

"للأسف لم نتمكن بعد من مساعدة أي حالة للوصول إلى بر الأمان، فالقوانين تعطي الآباء الوصاية الكاملة، والثقافة المجتمعية تعتبر العنف ضد أفراد الأسرة عموماً والنساء خصوصاً، حقاً تأديبياً للأب أو الزوج أو الأخ، كما أن إجراءات الشكوى التي يمكن التقدم بها معقدة، في حين تغيب القوانين الواضحة للتعاطي مع حالات العنف"

بدورها تعمل ريم محمود، وهي ناشطة نسوية سورية ومؤسسة لمبادرة نسويات سوريات، على مساعدة النساء لمواجهة حوادث العنف التي ازدادت بشكل كبير أثناء فترة الحجر الصحي، خاصة وأن حالة العزلة المفروضة تصعب على النساء اللجوء لعائلاتهن وأصدقائهن، ما يجعل الأمر أشد خطورة من ذي قبل.

تتضمن مساعدة ريم، كما تقول لرصيف22، تقديم استشارات قانونية تمكّن النساء من معرفة الخيارات المتاحة أمامهن، وذلك بالتعاون مع مجموعة من النشطاء والمحامين وأيضاً الأماكن المخصصة لاستقبال هذه الحالات.

"للأسف لم نتمكن بعد من مساعدة أي حالة للوصول إلى بر الأمان، فالقوانين تعطي الآباء الوصاية الكاملة، والثقافة المجتمعية تعتبر العنف ضد أفراد الأسرة عموماً والنساء خصوصاً، حقاً تأديبياً للأب أو الزوج أو الأخ، كما أن إجراءات الشكوى التي يمكن التقدم بها معقدة، في حين تغيب القوانين الواضحة للتعاطي مع حالات العنف. كل ذلك يحد من عملنا وقدرتنا على التأثير، ويجعلنا بحاجة لقوانين عادلة ومجتمع يدين كافة أشكال العنف بحق النساء"، تشرح ريم في حديثها.

وأنا أضع اللمسات الأخيرة على هذا التقرير، أخبرتني سامية الصديق عن حالة جديدة وصلت إلى المركز الطبي في بلدتها، لامرأة تعرضت لضرب عنيف من زوجها: "من حقهنّ علينا على الأقل، إن عجزنا عن مساعدتهن، أن نحكي قصصهن، كي لا تمر هذه المعاناة بصمت"، قالت لي بنبرة حزينة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image