شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
في بلادنا... لا وطن لذوي الاحتياجات الخاصّة

في بلادنا... لا وطن لذوي الاحتياجات الخاصّة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 11 أبريل 201906:24 م

قد تحمل بداخلك قدراً كافياً من الإنسانيّة التي تجعلك تراقب ما حولك، بحثاً عن يدٍ مرفوعةٍ تطلب المساعدة، كي تهرع وتمسك بها، وتحاول تقديم ما تستطيع إلى صاحبها لتخليصه من ألم ما، ولكن مهما كان صدق مشاعرك، فلا مقارنة بين ما تخوضه في تلك المساعدات المتكرّرة، وبين ما يخوضه المحتاجون لها، نعم قد تحمل أحدهم، وتصعد به إلى الطابق الأعلى، بما أنه لا يوجد مصعد في بناية وسط المدينة، ولكنك لن تشعر بمرارة أن ينتظر هو أمام كلّ بناية، بحثاً عن خطة تمكّنه من إتمام تلك المهمّة الصعبة المتكرّرة، وبداخله سؤال يلاحقه من بناية إلى أخرى: لماذا لم يفكّر أحدهم، في وضع حلّ مبتكر، يمكّنني من الصعود بمفردي، لماذا وصلنا إلى القمر وصعدنا إلى المريخ، ومازلت أنتظر أحداً ما يحملني ليصعد بي إلى هذا الطابق اللعين؟

هكذا انتقلت أنا، من صفوف الأشخاص الذين يشعرون بالبؤس كلّما شاهدوا مثل تلك المواقف لذوي الاحتياجات الخاصّة، إلى صفوف ذوي الاحتياجات الخاصّة، أو يمكن القول أنني "بنصف إعاقة"، بعد إصابتي باعتلال الأعصاب الطرفيّة، في حالة متقدّمة تقترب من التلف كما أخبرني الطبيب، فجأة أصبحت أضع خطة من أجل كلّ شيء، طالما قرّرت الخروج من المنزل، بداية من عدم قدرتي على السير في خط مستقيم، ناهيك عن الصعود إلى الطوابق العليا، مروراً بحسابات عدم الاتزان، التي تجبرني على انتظار خلوّ الشوارع تماماً قبل العبور، تجنباً لفقدان التوازن والسقوط والتعرّض لخطر الدهس مثلاً، وصولاً إلى التركيز الشديد في تحديد أرضيّات الأرصفة الصالحة للسير عليها، لأن مجرّد كسر بسيط أصاب الأرضيّة لن يمكّنني من إكمال طريقي، حينها سأضطرّ للعودة مجدّداً، والسير بمحاذاة السيارات، على أمل ألا يخونني توازني، وحتى العثور على رصيف آخر أفضل.

لمن لا يعرف ما هو التهاب الأعصاب الطرفيّة، هو الشعور بوخزٍ وألمٍ شديدين طوال اليوم في القدمين والذراعين، وفي أفضل الأحوال، يستطيع المريض النومَ ساعتين أو أكثر قليلاً ،بفعل المسكّنات لمدة شهور، فيرافقه عدم الاتزان وفقدان التركيز، وبالطبع عدم القدرة على إتمام أية أعمال مهما كانت بسيطة، حالياً أمرّ بالشهر الثالث في رحلة العلاج، نعم الأمور تتحّسن وهذا تحديداً ما دفعني لكتابة المقال، قبل أن تذهب مشاعر السخط والغضب وتحلّ محلها مشاعر الإنسانيّة، التي قلت من قبل، إنها غير كافية لوصف الأمر مهما بلغ صدقها.

في حالتي، أحياناً مجرّد سلالم قصيرة لا يفصل بين درجاتها مسافات كبيرة، ونفس الأمر بالنسبة لسلالم الصعود إلى سيارات النقل الجماعي، قد تفي بالغرض، ولا أضطرّ للضغط على أعصاب قدمي بقوّة أكبر، أما عن الشوارع فالحديث عن إشارات مرور في جميعها قد يكون حلماً مثالياً، في الوقت الذي تكمن أزمة أخرى أسفل قدميك، وهي حالة الشوارع السيئة التي تجعل من كلّ خطوة معاناة، وبالطبع المرور من ناصية إلى أخرى، يتطلّب سائقاً نادراً يوافق على الوقوف -رغم عدم وجود إشارة بتاتاً- كي يسمح لي بالعبور، بعد أن يلاحظ العَرَجَ في مشيتي.

فماذا عن هؤلاء الذين لن يسعفهم مقدار المسافات بين السلالم؟ أعلم أن الحلّ بسيط، ويكمن في سلالم ذوي الاحتياجات الخاصّة المستقيمة بدون تدرّج، ولكني لا أراها، ولم يحدث أن قابلتها إطلاقاً طوال حياتي، ربما لهذا السبب لم أصادف أحداً يجلس على كرسي متحرّك، يحاول ركوب مترو الأنفاق مثلاً، إلا قليلاً، بما أن المصعد معطل في أوقات كثيرة، ولا توجد إلا تلك السلالم الطويلة للغاية كبديل، وبالمثل لن تجد أي استعداد لاستقبال هذا الشخص في المصالح الحكوميّة، على الرغم من وجود نسبة تشغيل إجباريّة لذوي الاحتياجات الخاصّة، لكن توفير احتياجاتهم للوصول إلى مكاتبهم، أمر آخر لا يهمّ على ما يبدو، فما بالك بمواطن يحاول تخليص بعض الأوراق في ذات المصلحة؟

هكذا انتقلت أنا، من صفوف الأشخاص الذين يشعرون بالبؤس كلّما شاهدوا مثل تلك المواقف لذوي الاحتياجات الخاصّة، إلى صفوف ذوي الاحتياجات الخاصّة، أو يمكن القول أنني "بنصف إعاقة"، بعد إصابتي باعتلال الأعصاب الطرفيّة.

 التهاب الأعصاب الطرفيّة هو الشعور بوخزٍ وألمٍ شديدين طوال اليوم في القدمين والذراعين، وفي أفضل الأحوال، يستطيع المريض النومَ ساعتين أو أكثر قليلاً ،بفعل المسكّنات لمدة شهور، فيرافقه عدم الاتزان وفقدان التركيز.

وكيلا يقرأ البعض المقال ويبدأ في توجيه اللوم مباشرة إلى الحكومة، فلا مانع من تذكير الجميع بأن مداخل البنايات الخاصّة والمحلّات التجاريّة الخاصّة والشركات الخاصّة هي الأخرى، لم تضع ذوي الاحتياجات الخاصّة في الحسبان.

وكيلا يقرأ البعض المقال ويبدأ في توجيه اللوم مباشرة إلى الحكومة، فلا مانع من تذكير الجميع بأن مداخل البنايات الخاصّة والمحلّات التجاريّة الخاصّة والشركات الخاصّة هي الأخرى، لم تضع ذوي الاحتياجات الخاصّة في الحسبان، ويكفي أن تقرّر ملاحظة ذلك ليوم واحد وتضع نفسك في هذا الموقف، وتبدأ في حصر عدد الأماكن التي يستطيع ذوو الاحتياجات الخاصّة، الوصول إليها دون مساعدة من أحد، لتعرف حجم التهميش غير الطبيعي لتلك الفئة المليونيّة في المجتمع.

ولا أتحدّث هنا عن رجل/امرأة على كرسي متحرّك فقط، ولكن كذلك عن كفيفٍ لم تتوفّر له تنبيهات صوتيّة تشرح له تلك اللافتات الهامة المعلّقة، وعن أصمٍّ لا يستطيع الاستمتاع بدخول السينما أو مشاهدة العروض العربيّة على التلفاز، وإذا كان الأمر يتوقّف على إيجاد الحلول، فالتجارب من حولنا كافية للغاية، شريطة أن يقرّر الناس قبل الحكومة، أنه بالفعل يوجد لذوي الاحتياجات الخاصّة وطن يعيشون فيه بأقصى شكل طبيعي ممكن، وإلا لنرفع بجوار لافتات الترحاب في مصر لافتة "لا وطن لذوي الاحتياجات الخاصّة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image