لم يكن إسماعيل يدرك طبيعة التغيرات الفيزيولوجية التي بدأت تطرأ عليه في الرابعة عشر من عمره، وهو ما يعرف بسن البلوغ، سواء على صعيد الجسدي أو النفسي، لذا لم يجرؤ على طرح ما يحدث معه لوالديه، رغم أنهما كانا قريبين منه وشديدي الحرص عليه، لدرجة منعه من الخروج لوحده من المنزل، تحسباً لأي تهديد جنسي قد يتعرض له، فهو بنظرهما انتقل لمرحلة ذات حساسية شديدة وبحاجة لأن تظل عيناهما عليه طوال الوقت، لكنهما لم يفصحا له عن سبب الرعاية الخاصة له دون أشقائه.
وهذا ما خلق لديه الكثير من علامات الاستفهام والفضول لاكتشاف هذا التغيير الذي طرأ عليه، فسيطرت عليه حالة صراع شديدة ما بين البقاء تحت مظلة والديه، وهما الأمان بالنسبة له، أو الخروج للبحث عن ذاته دون إشراك أحد، في خطوة أراد من خلالها تغيير الصورة النمطية لذوي الاحتياجات الخاصة.
"المراهقة صعبة"
إسماعيل يوسف (23 عاماً)، شاب جزائري يعاني من إعاقة حركية، ومحدودية رؤية لازمته منذ الصغر، بسبب تعرُّضه لخطأ طبي.
"عشت فترة مراهقة صعبة، كثيراً ما كان يصفني أصدقائي من الفتيات والفتيان بـالفتى الملاك: نيالك ما عليك ذنب، ما في عندك شيء تفكر فيه، أو اللاجنسي، بمعنى ليس لدي رغبة جنسية، لكن هذا يزعجني، يشعرني بالانفراد عنهم ربما عن دون قصد، لكنه يترك أثراً بداخلي خلق حاجزاً كبيراً بيني وبينهم، وتحديداً الفتيات، وفي كل مرة كنت أعجب بإحداهن كانت تنظر الي بعين الشفقة وليس العاطفة، بالتأكيد هذه الصورة الأحادية صنعت فجوة بيني وبين المحيطين"، هكذا وصف اسماعيل حياته في سن المراهقة.
"المجتمع يرى أن ذوي الاحتياجات الخاصة أشخاص عاجزون، لا يوجد بداخلهم حاجات كالحب والجنس، ربما لأنهم تربوا على ثقافة تكميم الأفواه تجاه الثقافة الجنسية، والتي يعتبرونها من المحرمات"
" التربية الجنسية لذوي الاحتياجات الخاصة مهمة، تحديداً في سن المراهقة حيث يبلغ النشاط الجنسي في هذه المرحلة أعلى قمته"
ويضيف إسماعيل لرصيف22: "المجتمع يرى أن ذوي الاحتياجات الخاصة أشخاص عاجزون، لا يوجد بداخلهم حاجات فطرية، كالحب والجنس، تكبر معهم، ربما لأنهم تربوا على ثقافة تكميم الأفواه تجاه الثقافة الجنسية، والتي يعتبرونها من المحرمات"، ورغم أن إسماعيل اختار أن يكون مستقلاً يعتمد على نفسه في حياته المهنية والمجتمعية، إلا أن هذا لم يشفع له أمام المجتمع الذي يحرمه من الحصول على أبسط حقوقه، وهي تكوين عائلة وإنجاب أطفال، وبالطبع طبيعة التنشئة الأسرية ذات الطابع المحافظ تمنعه من ممارسة أي علاقة غير شرعية، وفق وصفه، لتلبية حاجاته الجنسية، حتى وإن كانت خيارات الزواج أمامه شبه معدومة.
بروفايل سايكولوجي للاحتياجات
ويعرّف بلال أحمد عودة، خبير نفسي، التربية الجنسية، في الفصل الأول من كتابة "التربية الجنسية لذوي الاحتياجات الخاصة"، على أنها النوع من التربية التي تمدّ ذوي الاحتياجات الخاصة بالمعلومات العملية والخبرات الصالحة والاتجاهات السليمة إزاء المسائل الجنسية، بقدر ما يسمح به نموهم الجسمي الفيزيولوجي، والعقلي، والانفعالي، في إطار التعاليم الاجتماعية، ما يؤهله لحسن التوافق في المواقف الجنسية ومواجهة المشكلات الجنسية في الحاضر والمستقبل، مواجهة واقعية تؤدي لصحة نفسية.
وأشار عودة في الفصل الثاني من الكتاب ذاته، أن التربية الجنسية لذوي الاحتياجات الخاصة مهمة، تحديداً في سن المراهقة حيث يبلغ النشاط الجنسي في هذه المرحلة أعلى قمته.
"التربية الجنسية لذوي الاحتياجات الخاصة مهمة، تحديداً في سن المراهقة"
وشدَّد عودة على أن لكل الناس الحق في الحصول على معلومات دقيقة وصحيحة عن النمو النفسي للإنسان بكافة ظواهره وأبعاده، والحالة التشريحية لأجهزة البدن، ومنها الجهاز التناسلي، فزيولوجيا وكيمياء الدم المرتبطة بالوظائف الحيوية ومنها الوظيفة الجنسية والهرمونات المرتبطة بها، الاستمناء، الاستمتاع الذاتي، أشكالها ومضارها، ومفهوم الانجاب، الأمومة لدى الأبوين، والاستجابات الجنسية ومحدداتها ووسائل تنظيمها، والاستبصار بالعلاقات المتبادلة مع الجنس الآخر وتفهم مسؤولياتهم الشخصية عن مثل هذه العلاقات.
وأشار عودة في الفصل الثاني من الكتاب ذاته أنّ لذوي الاحتياجات بروفايل سيكولوجياً خاصاً، كذلك احتياجات طبيعية، كالنوم، الطعام، الملبس، الحماية والدفء.
ولكن قد يكون للبروفايل النفسي تأثير على طبيعة الاحتياجات والمشكلات الجنسية التي تواجههم، وبالتالي تختلف إجراءات التعامل معهم وفقاً لهذا البروفايل.
"أضاء النور لأتصالح مع جسدي"
في مدينة بورن الألمانية تقيم ريم (اسم مستعار) التي اختارت اللجوء الى دولة أوروبية قبل ثلاثة أعوام.
تعرض منزل ريم (35 عاماً) في حلب السورية، لقذيفة أدَّت إلى بتر قدمها اليسرى، وفضَّلت الهروب من عتمة مدينتها باحثة عن العلاج النفسي.
تقول ريم لرصيف22: "في اللحظة التي دُفِنَت فيها قدمي دُفِنَت معها عواطفي وأحلامي ورغباتي، وحتى ملابسي التي اعتدتُ ارتداءها، فلم أعد بحاجة لها. لم أستوعب ما حدث لي، فأصبحت مُقعدة وأدرك جيداً ما يعنيه ذلك لفتاة عربية في سني. جزء كبير من القناعات ونمط الحياة بدأ ينسحب مني، ودخلت في صدمة كبيرة لم أتعاف منها سوى بعد عدة جلسات علاجية تلقيتها في ألمانيا".
تضيف ريم: "بعدما قضيت فترة لا بأس بها من العلاج أخذت حياتي الطبيعية تعود ببطء، لحين تعرَّفت على شاب عراقي شكَّل نقلة نوعية في حياتي، فلأوَّل مرّة أشعر أنّي محظوظة حقاً، التقيت به في نفس المركز الذي كنت أتلقى فيه العلاج، لاحظت أن هناك توافقاً وانسجاماً بيننا، وبعد وقت ليس بالكثير عرض علي الزواج. كان علي في هذه اللحظة أن أشعر بالفرح كأي فتاة، لكن لازمني شعور متناقض، لا فرح ولا حزن".
أيقنت ريم لحظتها أنه عليها التخلص من الحواجز النفسية والجسدية التي صنعها لها المجتمع.
تُكمل: "كان زواجي أكبر التحديات، أذكر أنه في أول ليلة بعد زفافي كنت مرتبكة جداً، طلبت من زوجي إطفاء النور حتى لا يرى شكل جسدي وأنا بقدم واحدة، لكنه رفض وربما هذا ما شجعني لممارسة العلاقة الحميمية بشكل عفوي دون أي تعقيد، عكس ما كان يشاع في ذهني سابقاً عن هذه العلاقة، والتي قد يكون لها وضعيات مختلفة قد تكون أصعب، كوني ذات احتياجات خاصة".
وتشير ريم إلى أن العديد من الخرافات خلقها المجتمع قد تشكل عائقاً أمام فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، أهمها العجز الجنسي، لكن يختلف الأمر في القدرات من شخص لآخر، وهذا طبيعي أن يحدث لأي شخصين تنشأ بينهما علاقة جنسية".
"طلقتها بسبب الأقارب"
في فلسطين، تحديداً في قطاع غزة، يعتبر البعض الرغبة الجنسية لذوي الاحتياجات الخاصة نوعاً من الترف، ولا يستطيعون المجاهرة في طلبها، حتى من خلال الزواج، في ظل أزمات يعيشها القطاع خاصة بالحصول على المأكل، والمسكن، والحد الأدنى من الأجور وفق قانون العمل الفلسطيني، أو حتى ملائمة الأماكن العامة لهم كنوع من تذليل العقبات أمامهم.
كريم حسن (33 عاماً) شاب فلسطيني يسكن غزة، يعمل على إتمام دراسة الماجستير، فلم يمنعه كونه كفيفاً فقد بصره في الخامسة من عمره بسبب حمى شوكية، من استكمال مشواره التعليمي، بعد انفصاله عن زوجته.
"الكفيف يرى بقلبه ويستطيع تمييز معظم الأشياء بشكل صحيح، وهذا ما كانت تندهش منه زوجتي عندما كنت أصف لها شكل جسدها، لون شعرها، ملابسها، والكثير من التفاصيل في حياتنا الزوجية". يقول كريم، ويضيف: "رغم أن علاقتي بزوجتي في الأشهر الأولى من زواجنا كانت جيدة، لم يكتب لها الاستمرار، بسبب الضغوطات المجتمعية التي تعرضنا لها، فكنت أسمع الأقارب يقولون لها: كيف بيشوفك، كيف قدرتي تعيشي معه وتأسسي علاقة زوجية، معقولة بتحسي بالأمان؟".
"ذوو الاحتياجات الخاصة بإمكانهم العيش وتكوين أسرة بشكل طبيعي".
يشير كريم أن ذوي الاحتياجات الخاصة بإمكانهم العيش وتكوين أسرة بشكل طبيعي، وهذا يعود لمدى الانسجام بينهم وبين الشريك ومقدار تفهمهم له.
وتشير ستيفاني غانم، أخصائية في علم النفس العيادي والتحليل النفسي، في حديثها لرصيف22، أن الحياة الجنسية لا تزال من التابوهات المغلقة التي يحظر الحديث فيها بالمجتمعات العربية، "حيث يُنظر للثقافة الجنسية على أنها "sex"، وليست حالة طبيعية للبشر، ولعل هذا ما يحرمهم من ممارسة علاقات جنسية سليمة، تتجلى مخاطرها بشكل مضاعف لذوي الاحتياجات الخاصة، إذ تولد لديهم الشعور بالذنب، الاكتئاب، العزلة، والعدوانية، وقد يلجأ الفرد منهم الى إشباع حاجاته الجنسية بشكل غير صحيح، ما قد يعرضه للاستغلال أو التحرش الجنسي".
ولفتت غانم إلى ضرورة إشراك ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، وهي مسؤولية تقع أولاً على عاتق الأسرة، ثم المدارس والمعاهد التعليمية ومراكز التأهيل المجتمعي، وهذا يساعد على إيجاد بيئة خصبة تحمي ذوي الاحتياجات وتزيد ثقتهم بأنفسهم واستقلاليتهم.
وختمت غانم حديثها بأن القدرات الجنسية لذوي الاحتياجات الخاصة تختلف من حالة لأخرى، وفقاً للتغييرات الطبيعية والنفسية التي تطرأ عليهم، فهنالك تفاوت في قدراتهم العقلية والبدينة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 7 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت