شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ثلاثة وثلاثون يوماً.. الساعة السادسة وسبع دقائق

ثلاثة وثلاثون يوماً.. الساعة السادسة وسبع دقائق

ثلاثة وثلاثون يوماً.. الساعة السادسة وسبع دقائق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 5 يناير 202111:24 ص
Read in English:

33 Days at 6:07

تندرج المقالة ضمن مشروع "بيروت بلا نوافذ" وهي مساحة مخصصة لشابات صحافيات يتحدثن عن بيروت بعد الانفجار. يقدم رصيف22 السلسلة ضمن منحة "قريب" من CFI، الممولة من قبل AFD.

يجبُ أن تصغي إليهم بإمعان لتعلم أن الألم ورغم كونه شعوراً مشتركاً لدى جميع البشر, إلا أن كل شخصٍ يشعر به بطريقة خاصة ومختلفة تماماً عن الأخرين. لا يمكننا أن نعلم إن كان ألمنا مشابهٌ لآلام الأخرين إلا عندما نتكلم عنه. وعندما نفعل ذلك, يصبح كلامنا وتفكيرنا اجتماعياً وفردياً في آن.

فيت ثانه نغويين، رواية المتعاطف (2015)

ثلاثة وثلاثون يوماً.. الساعة السادسة وسبع دقائق

رميش، لبنان (تصوير: دافيد مونتيليون)

حرب تمّوز 2006

في تموز 2006، كنا نشاهد التلفاز, وكلما انفجرت قنبلة، كانت والدتي تشير إلى الشاشة وتقول، "هذا بيتنا!". تساقطت القنابل كالمطر في كل مكان, والذي كان يوماً ما حياً سكنياً, أصبح ركاماً يعلوه الركام, وتفوح منه رائحة الموت. أيقظتنا والدتي باكرا في الصباح, لم أفهم ما الذي يجري, لكن لا يمكنني أن أنسى ذراعيها حولنا, ولا يمكنني أن أنسى إصرار أخي على متابعة نومه رغم الضوضاء في الخارج.

هذه المرة لم يكن الانفجار في ضاحية بيروت. هذه المرة حضرت المنظمات غير الحكومية, حضر المتبرعون الدوليون, حضر المتطوعون. هذه المرة, أبدى العالم اهتمامه

 أمضينا ذلك الصيف في قريتي. كنا سبع عائلات في منزلٍ صغيرٍ واحد. أذكر الرجال نائمين في الخارج على التراس, ونحن الأطفال، وضع واحدنا إلى جانب الأخر, حسب الحجم والمقاس. كتب زوج خالتي أغنية وعلقها على باب المرحاض لنرددها كلما استغرق شخص وقتاً طويلاً هناك. لم يكن لدينا أفرشةٌ كافية, لكن العطف في قلوبنا كان كافياً. أذكر شاحنة تركن قرب شجرة الجوز, ورجل برداءٍ أسودٍ يعطي خالتي الأغطية, والأطعمة المعلبة، والقدور والأواني.

ثلاثة وثلاثون يوماً.. الساعة السادسة وسبع دقائق

بيروت 2006 (لينسي أداريو لصحيفة نيويورك تايمز)

 شاهدنا الدخان من بعيد. والحرب استمرت يوماً بعد يوم. لعبنا الورق وشاهدنا الكبار يحاولون إخفاء دموعهم. لعبنا التنس, وذهبنا في نزهات قصيرة, وأعيننا كانت تراقب دوماً الدخان في السماء. كانت حرباً, لكننا لم نشعر بها. كنا معاً, نلعب بالصحف القديمة ونتسلق الأشجار. بعد 33 يوما عدنا إلى منزلنا, عدنا إلى الوعد.

وعد الرجل الذي يقود قوات حزب الله، الوعد بإعادة بناء منازلنا. عندما أمشي اليوم في ضاحية بيروت, أعد الأبنية التي طبعت عليها  كلمة "الوعد". تكلمت إلى أشخاصٍ كثيرين يعتبرون ما جرى في العام 2006 انتصاراً. لكنني أذكر أننا في الأسبوع الذي تلى انتهاء الحرب, عدنا بالسيارة من منطقة مليئة بالمناظر الطبيعية إلى مدينة يملؤها الغبار. الناس كانوا يرتدون الكمامات. حذرني والداي من النظر خارج النافذة. لكنني, وللأسف, نظرت إلى الخارج نحو عالمٍ تغيرت كل معالمه ولم أستطع التعرف عليه.

ألمُ العيش في بيروت لا ينتهي. الانفجارات التي سمعتها لا تعد ولا تحصى. لكن انفجاراً واحدا أذكره بوضوح لأنني كنت في المنزل بمفردي. كان قريباً جداً. المبنى اهتز بأكمله، انقطعت الكهرباء وفُقدت إشارة هاتفي. عندما سمعت الانفجار، ركضت مذعورةً في أرجاء المنزل, استطعت سماع خطى الجيران وهم يركضون على الدرج. هل أغادر المنزل أم أبقى فيه؟ بقيت, فدوى انفجارٌ ثانٍ, هويت إلى الأرض مستسلمةً, أغطي رأسي بيداي وأصرخ. كان هذا في عام 2014، في ضاحية بيروت مرة أخرى.

4 آب 2020؛ أجلس في المنزل بتسريحة شعر جديدة. كنت أقف في المطبخ وإذا بالأرض تهتز من تحتي. استدرت لأركض، لكني شعرت أنني فقدت التوازن. أتى أخي مسرعاً, نظرنا إلى بعضنا البعض، توقف الزمن, وفُتحت خزائن المطبخ من تلقاء نفسها من شدة العصف. وضع أخي ذراعه حولي. سمعنا صوتاً مألوفا. نظرت إلى الخارج, رأيت زجاجاً محطماً. الناس ينطرون من الشبابيك, يبحثون في السماء. عادةً يأتون من السماء. أين هو العدو؟

شعر الشيعة بالقلق, فالذكريات القديمة في أذهانهم, تجعل فكرة الموت أو النزوح تحضر في أذهانهم مباشرةً.

هل أتوا مجدداً ليرتكبوا فينا المجاز؟

هذه المرة لم يكن الانفجار في ضاحية بيروت. هذه المرة حضرت المنظمات غير الحكومية, حضر المتبرعون الدوليون, حضر المتطوعون. هذه المرة, أبدى العالم اهتمامه.

 الألم لا يميز بين الناس. يمكن لجميع الأمهات اللواتي فقدن أطفالهن أن يشهدن على ذلك. عندما تتعرض مجموعة من الناس للحرب والصدمات، فلا شك أنهم سيشعرون ويتعاطفون مع غيرهم إذا ما مروا بظروفٍ مشابهة.  سيتذكرون تلقائياً تلك الأيام التي اضطروا فيها إلى الفرار من منازلهم والعيش في خوف من أنهم لن يتمكنوا من العودة إليها أبداً. علينا أن نتخطى في لبنان فكرة أن الألم تجربة منعزلة. فعندما تهتز المباني بسبب انفجار أو قنبلة، نرتعد جميعنا دون استثناء.

بيروت 2020 (تصوير: دانيال كارد)

في كلتا الصورتين أعلاه، هناك دمية وسط الحطام. الأولى، التقطت في العام 2006، وفيها فتاةٌ صغيرة تمُسك بدميتها وتحملها امرأة أفترض أنها والدتها. أما الدمية الأخرى، والتي تم تصويرها في العام 2020، أطرافها مكسرة، يحيط برأسها حطام الزجاج, ولا يوجد طفل حولها. تدعو الصور الفوتوغرافية، المجزأة والعابرة، إلى تصور مقارن لحدثين مؤلمين بنفس القدر.

تقول الكاتبة الأمريكية سوزان سونتاغ: "كالأقارب والأصدقاء الموتى الذين نحتفظ بصورهم في ألبوم العائلة، والذين قد يخفف وجودهم في الصور القلق والأسى الناجم عن غيابهم، كذلك صور الأحياء السكنية المهدمة والأماكن الريفية التي أصبحت مشوهة وقاحلة، تعيد ملئ جعبنا بأطياف الماضي".

بيروت 2020 (تصوير: جوزيف م. خوري)

هذا المقال لكاتبته زينة عمرو باللغة الإنكليزية أصلاً، وتمت ترجمته إلى العربية


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image