كان اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مقرراً في "عملية دموية هائلة" في الأول من كانون الثاني/ يناير عام 1982. أُلغيت العملية التي كانت لتقضي على أرواح مئات وربما آلاف الفلسطينيين في اللحظة الأخيرة بأمر من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن.
روى ذلك، في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، الصحافي الإسرائيلي رونين بيرغمان، في تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، استناداً إلى تقرير رفعت الرقابة الإسرائيلية السرية عنه أخيراً.
حمل التقرير التفاصيل الكاملة للعملية الإسرائيلية المثيرة. ببساطة، كان الاغتيال سيتم عبر تفجير استاد بيروت حالما يقام فيه مهرجان إحياء ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية آنذاك.
تمهيداً للعملية، وضع عملاء إسرائيل عدة كيلوغرامات من المتفجرات تحت وحول المدرج لإحداث انفجار ضخم. كما كان مخططاً الدفع بعربتين مفخختين تحمل الواحدة منهما طناً من المتفجرات قرب المدرج لضمان نسفه تماماً. كان مقرراً أولاً تفجير العبوات الناسفة أسفل الكراسي وعلى المنصة، ليتم لاحقاً -وبينما الناس في هلع- تفجير العربتين عن بُعد لتحقيق "النهاية الدموية الكبرى" للعملية.
لو تمت لـ"تغيّر وجه الشرق الأوسط برمته" ... تفاصيل مثيرة لعملية "أولمبيا" التي خططت فيها إسرائيل لاغتيال قادة منظمة التحرير الفلسطينية بمن فيهم ياسر عرفات مطلع ثمانينيات القرن الماضي في لبنان، مخاطرةً بقتل مئات وربما ألوف من الفلسطينيين وغير الفلسطينيين
ليست لقتل عرفات وحده
العملية التي منحها الإسرائيليون اسم "أولمبيا"، لم تكن تستهدف عرفات وحده، بل جميع قادة منظمة التحرير الفلسطينية المقيمين في لبنان بما في ذلك القيادي الفلسطيني البارز آنذاك خليل الوزير (الشهير بأبو جهاد)، أحد مؤسسي فتح وجناحها العسكري، وصلاح خلف (المعروف بأبو إياد)، قائد الأجهزة الأمنية للتحرير وفتح لفترة طويلة.
أعدّت العملية "وحدة سرية" ترأسها مئير داغان، الذي أصبح لاحقاً رئيساً للموساد. كانت قلة من القيادات العليا في إسرائيل على علم بالعملية، تماماً كما كانت هذه القلة وحدها تعلم بشأن أفعال "الوحدة السرية" بقيادة داغان.
لفتت "يديعوت" إلى أن "قلة فقط في إسرائيل كانت مطلعة على الخطة، وكذلك على جزء كبير من النشاط الإسرائيلي في لبنان في تلك الأيام. تحت قيادة دغان، بعلم رئيس الأركان وبقية هيئة الأركان العامة وشعبة المخابرات تقريباً، عملت وحدة ظل سرية للغاية، ونفذت هجمات إرهابية وعمليات حرب عصابات واغتيالات للفلسطينيين، تم إخفاء معظمها عن رئيس الوزراء بيغن".
السبب الذي دفع الإسرائيليين إلى التخطيط لعملية بهذا الحجم من الدمار المحتمل هو عملية نهاريا، نيسان/ أبريل عام 1979، حين تسلل اللبناني سمير القنطار وثلاثة من رفاقه إلى المدينة وقتلوا ضابط شرطة وأخذ عالم الذرة الإسرائيلي داني هاران وطفلته رهينتين، قبل أن يقتل الاثنين في تبادل لإطلاق النار. أسفرت العملية عن مقتل ستة أشخاص بينهم اثنان من منفذيها واعتقال القنطار وشريك آخر له هو أحمد الأبرص.
"وحدة ظل سرية للغاية"... تقرير إسرائيلي يفضح بعد أربعة عقود من الزمن أمر خليّة "هجمات إرهابية وعمليات حرب عصابات واغتيالات للفلسطينيين" كانت تنشط في لبنان بعلم القادة العسكريين الإسرائيليين وحدهم بمنأى عن رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيغن
عقب جنازة القتلى الإسرائيليين، اجتمع رئيس الأركان رفائيل إيتان وقائد المنطقة الشمالية يانوش بن غال، وقررا الثأر بـ"قتلهم جميعاً" أي جميع قادة منظمة التحرير الفلسطينية.
لماذا أُلغيت؟
يوضح التقرير الإسرائيلي أن بيغن، الذي كان طريح الفراش وقتذاك، استدعى قادة الجيش الذين كانوا على علم بالعملية وأمرهم بوقفها في اللحظة الأخيرة، وهو ما أدى فعلياً إلى إلغائها تماماً.
لا يوضح التقرير سبباً بعينه لإلغاء بيغن العملية. لكن الكاتب الإسرائيلي يرجح أن وجود مسؤولين غير فلسطينيين في الاحتفال وراء ذلك. كان متوقعاً أن يحضر ممثلون عن الحركة الوطنية اللبنانية والاتحاد السوفياتي وعدد من البلدان الاشتراكية الأخرى المهرجان.
"إسرائيل أضاعت فرصة ذهبية"... قائد إسرائيلي تحسر حتى وفاته على إلغاء عملية اغتيال عرفات قائلاً إنها كانت لتجنب إسرائيل اجتياح لبنان عام 1982 والعديد من المشاكل الأخرى. لكن ما السبب الكامن وراء إلغائها؟
برغم الأضرار والمخاطر التي كانت ستتبع العملية، لولا إلغاؤها، أبرز الصحافي الإسرائيلي أن داغان أصيب بحسرة عقب إلغاء العملية وظل طوال حياته يردد أنها لو تمت لـ"تغيّر وجه الشرق الأوسط برمته"، معتبراً أن "إسرائيل أضاعت فرصة ذهبية لتصفية قيادة منظمة التحرير وإخراجها من اللعبة".
بعد نحو نصف عام من إلغاء العملية، بدأت حرب لبنان الأولى، الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، التي انتهت عقب "كلفة باهظة من الضحايا". اعتقد داغان، حتى وفاته عام 2016، "كنا جميعاً لننجو من حرب لبنان بعد ستة أشهر، ومن عدد لا حصر له من المشاكل الأخرى" لو تمت العملية، وفق الصحيفة الإسرائيلية.
وفي 11 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، يحيي الفلسطينيون ذكرى رحيل عرفات الذي وافته المنية عام 2004 في مستشفى فرنسي. حتى الآن، يعتقد فلسطينيون وعرب أن إسرائيل التي حاصرته داخل مقرّ إقامته مع 480 من مرافقيه ورجال الشرطة الفلسطينية منذ كانون الأول/ ديسمبر عام 2001، قتلته بالسمّ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.