في اتفاقية وصفتها أذربيجان بالاستسلام، وقّع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان على التسوية لإنهاء الحرب في إقليم ناغورنو كاراباخ، والانسحاب من الأراضي المتنازع عليها.
بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في 10 تشرين الثاني/نوفمبر، فإن أرمينيا التي تتعرض لهزيمة في ساحة المعركة على يد القوات الأذربيجانية، وافقت على الاستسلام بوساطة روسية.
وتظهر الاتفاقية أن منطقة القوقاز سوف تتعرض لتغيير جيو- استراتيجي كبير، إذ سمحت التسوية بإنشاء ممر يربط تركيا بأذربيجان بضمانة روسية.
الاتفاقية
تدعو الاتفاقية التي وقعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف ونيكول باشينيان إلى الانسحاب من منطقة ناغورنو كاراباخ واستبدالها بقوات حفظ سلام روسية. وبموجب الاتفاق، قررت الأطراف المتحاربة وقف القتال والاستعداد لوصول قوات حفظ السلام الروسية.
وقال بوتين إن الاتفاقية الجديدة تتطلب من الجيشين الأرمني والأذربيجاني التوقف عند مواقعهم المحتلة حالياً.
قبل التوقيع بساعات، عزّز الجيش الأذربيجاني تقدمه بالاستيلاء على مدينة شوشا، ثاني أكبر مدينة في الإقليم، وتبعد عن عاصمة ناغورنو كاراباخ، ستيباناكيرت، بحوالي ستة أميال فحسب.
وفقدت أرمينيا مع سقوط المدينة السيطرة على طريق الذي يربط ناغورنو كاراباخ بأرمينيا لنقل الإمدادات العسكرية، ما حرم الجنود من الأمل في الصمود إذا استمر القتال.
وكشفت "نيويورك تايمز" أن أرمينيا لن تسحب جيشها فحسب من الإقليم، لكن وافقت أيضاً على التنازل عن سيطرتها على مناطق عرقية أرمنية صغيرة داخل أذربيجان.
وقال باشينيان في بيان حول الاتفاق: "اتخذت شخصياً قراراً مؤلماً للغاية لي ولنا جميعاً، هذا ليس انتصاراً، لكن لا توجد هزيمة"، وأضاف أنه اتخذ القرار "كنتيجة لتحليل عميق للوضع العسكري"، معتبراً أن الصفقة "أفضل حل للموقف الحالي".
بالنسبة للأذربيجانيين، فإن الاتفاقية تُنهي ربع قرن من السيطرة العسكرية الأرمنية على منطقة ناغورنو كاراباخ، وستعمل روسيا الآن على حماية الحدود بين البلدين.
وتفتح التسوية الباب أمام عودة مئات الآلاف من النازحين الأذريين الذين فقدوا منازلهم في الحرب التي سيطرت من خلالها أرمينيا عام 1994 على الإقليم، كما سيتم تبادل عدد كبير من الأسرى.
تُظهر اتفاقية تسوية إنهاء الحرب في إقليم ناغورنو كاراباخ والانسحاب من الأراضي المتنازع عليها أن منطقة القوقاز سوف تتعرض لتغيير جيو - استراتيجي كبير، وفق محللين ناقشوا أبعاد إنشاء ممر يربط تركيا بأذربيجان بضمانة روسية
وسيتم نشر قوات حفظ سلام روسية لمدة خمس سنوات تحرس طريقاً يربط أرمينيا بناغورنو كاراباخ عبر ممر جبلي يعرف باسم "لاتشين"، وسيتم إنشاء منطقة عازلة بعرض ثلاثة أميال على الحدود بين البلدين.
دور لتركيا
حددت التسوية دوراً في المنطقة لتركيا، والتي دعمت أذربيجان في الحرب التي بدأت في أيلول/ سبتمبر الماضي.
وكشفت "نيويورك تايمز" أن الاتفاق يظهر إعادة رسم شامل ودائم للخريطة الأمنية لجنوب القوقاز، وهي منطقة مضطربة بين تركيا وروسيا وإيران.
وبحسب بيان الرئيس الأذربيجاني، فإن قوات تركية ستتواجد في الإقليم ضمن قوات حفظ السلام، لكن مراقبين يؤكدون أن الاتفاق يظهر أن القوات الروسية هي التي ستكون منتشرة على الأرض، فيما من المرجح أن تبقى أنقرة في نقاط محددة بعيداً عن عدوتها أرمينيا.
واعتمدت أذربيجان على دعم تركيا عسكرياً، خصوصاً في الحصول على الطائرات من دون طيار والتي يشير محللون إلى أنها تسببت في خسائر فادحة للقوات الأرمينية التي كانت تستخدم أسلحة روسية، وهو ما يعد تسويقاً كبيراً للمعدات التركية.
وفي واحد من أبرز تفاصيل الاتفاقية، أشار الباحث التركي عمر أوزكيزيلجيك إلى إنشاء ممر عبر الأراضي الأرمنية من إقليم ناختشيفان الأذربيجاني الذي يقع على الحدود التركية إلى البلد الأم أذربيجان.
ولفت أوزكيزيلجيك، في تغريدة له على تويتر، إلى أنه سيتم إنشاء ممر لاشين من أرمينيا عبر الأراضي الأذربيجانية إلى ناغورنو كاراباخ حيث توجد أقليات أرمينية، مشيراً إلى أنه سيتم نشر القوات الروسية فحسب لحراسة هذه الممرات، فيما ستتمركز تركيا في بعض النقاط.
وغرّد الدبلوماسي التركي أوموت أكار، من جهته، مشيراً إلى "ضرورة أن تتوقف أرمينيا عن تلقي التحريض من قبل الشتات الوهمي والقوميين المتطرفين"، وأن تعمل مع تركيا وأذربيجان وجورجيا لتحويل القوقاز إلى منطقة سلام وازدهار وتجارة وسياحة ورفاهية. وقال: "يمكن أن يزدهر القوقاز في غضون 10 سنوات بمجرد ضمان السلام".
بحسب "نيويورك تايمز"، فإن أرمينيا استمدت دفاعها خلال العقود الماضية عن منطقة ناغورنو كاراباخ من الشتات الكبير في ولاية كاليفورنيا الأمريكية وفرنسا وروسيا.
"بوتين هو أكبر المنتصرين في هذه الحرب لأسباب عدة منها أن أذربيجان استخدمت أسلحة إسرائيلية وتركية للفوز في المعركة، لكن يتعين عليها الاعتماد على بوتين للحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار مع أرمينيا"
وفي أول رد على وجود قوات تركية في الإقليم، قال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي كونستانتين كوساتشيف إن مهمة حفظ السلام في ناغورنو كاراباخ ستكون روسية، مع وجود تنسيق تركي.
وأضاف: "في بيان رئيس أذربيجان، قرأنا رسالة مفادها أنها ستكون عملية مشتركة روسية تركية، لكن دعونا نقرأ بعناية البيان الثلاثي بين روسيا الاتحادية وأرمينيا وأذربيجان، وكذلك النص الذي قدمه رئيس الاتحاد الروسي، فهو يتحدث عن وحدة حفظ سلام روسية"، معلقاً بأن "من المحتمل أن تكون هناك بعض العناصر التركية للتنسيق، حيث لا يمكن تجاهل حقيقة وجود تركيا في أذربيجان وحول ناغورنو كاراباخ".
وصرّح كوساتشيف بأن مهمة قوات حفظ السلام خمس سنوات مع إمكانية التمديد، مشيراً إلى أن روسيا لن تكون حاضرة في كاراباخ "لمجرد رفع العلم"، لكن سيكون لدى القوات الروسية ما يكفي من القدرات العسكرية والإرادة السياسية لقمع أي استفزازات.
مكسب روسي
غرّد الدبلوماسي الأمريكي ألبرتو ميغيل فرنانديز، قائلاً: "للأسف - كما توقعت - لن تُضعف هذه الحرب لا روسيا التي أصبحت الآن أكثر رسوخاً ومفسداً، ولا إيران. سيتم إضعاف رئيس الوزراء الأرمني باشينيان المناهض لبوتين بشكل قاتل وتعزيز الإسلاميين في تركيا".
واعتبر مدير برنامج الأبحاث التركية في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" سونر كاجابتاي في تغريدة له على تويتر أن "بوتين هو أكبر المنتصرين في هذه الحرب" لأسباب منها، أولاً أن "أذربيجان استخدمت أسلحة إسرائيلية وتركية للفوز في المعركة، لكن يتعين عليها الاعتماد على بوتين للحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار مع أرمينيا".
وثانياً أن "رئيس الوزراء الأرميني سقط في يريفان، لكن لا يزال بوتين يحتفظ بأرمينيا حيث يوجد قاعدة روسية"، وثالثاً هو أن "تركيا فازت بممر من أذربيجان إلى إقليم ناختشيفان المجاور لها، لكن عليها الاعتماد على بوتين للحفاظ على وجود الممر"، أما رابعاً فهو أن "الرابح هو بوتين في هذه الاتفاقية".
ورأى الباحث الأمريكي لو كوفي أن هناك تحولاً كبيراً في كيفية تدخل إيران في صنع السياسة الخارجية لأذربيجان، بسبب إنشاء ممر بين ناختشفان وأذربيجان، مشيراً كذلك إلى خط أنابيب الغاز الطبيعي الذي يربط تركيا وناختشفان. وقال كوفي إن "هذا التحول يمثل أمراً جيداً لأذربيجان لكنه سيئ لإيران".
ويعود أصل المشكلة الحديثة لإقليم ناغورنو كاراباخ إلى بدايات الاتحاد السوفياتي، عندما قام جوزيف ستالين بمنحه لأذربيجان، عام 1923، ضمن تسوية لإنهاء خلاف بين الأخيرة وبين أرمينيا.
بقيت تلك الأراضي جزءاً من الأراضي الأذربيجانية حتى عام 1988، حين أعلن سكان ناغورنو كاراباخ رغبتهم في الانضمام لأرمينيا والانفصال عن أذربيجان. وعليه، بدأت الحرب بين البلدين اللذين كانا ضمن الاتحاد السوفياتي، ولم يتوقف إطلاق النار إلا عام 1994، بعد سقوط نحو 30 ألف قتيل ونزوح نحو مليون إنسان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين