يجب أن لا تتوقف مكتباتنا الخاصة باللغة العربية في بيوتنا عن النمو والتطور فقط لأننا خارج بلداننا العربية، ولم يعد علينا انتظار السفر الى بلادنا أو قدوم أحد الأصدقاء أو الصديقات لزيارتنا من أجل الحصول على كتاب.
خان الجنوب مكتبة عربية جديدة افتتحت في برلين أوائل أيلول/ سبتمبر الماضي، تهتم بإحضار آخر إصدارات الكتب من العالم العربي إلى قراء اللغة العربية، كما تنقل الكتب عبر البريد الى كل أوروبا والعالم بعد شرائها من موقع المكتبة الإلكتروني.
في زمن يمكننا تحميل أي كتاب على الكيندل أو الألواح الرقمية، ما زالت للمكتبات الحقيقية أهمية ذاتية واجتماعية، كما لسهولة الوصول إلى الكتب باللغة التي نتحدث ونقرأ بها، هو شكل من الارتباط مع بلادنا ونحن في الغربة أو الشتات أو المنفى.
هذا الارتباط حقّقته مكتبة خان الجنوب في تأسيسها، وفي شعارها الذي يفيد "من بلادك لعندك"، وهي تشكّل مساحة آمنة ودافئة، خاصة في زمن كورونا. وهذا ما يلمسه كل من يزورها في الساحة الخلفية لشارع "بوتسدامر شتراسيه 151 في حي شونيبيرغ".
في هذا المكان، تأسست مكتبة "خان الجنوب" على يد فادي عبد النور، وهو مصمم وناشط ثقافي ومن مؤسسي مهرجان الفيلم العربي في برلين، والكاتب والروائي محمد ربيع، والكاتبة والصحافية والناشطة الثقافية رشا حلوة.
خان الجنوب مكتبة عربية جديدة افتتحت في برلين، تهتم بإحضار آخر إصدارات الكتب من العالم العربي إلى قراء اللغة العربية، كما تنقل الكتب عبر البريد الى كل أوروبا والعالم بعد شرائها من موقع المكتبة الإلكتروني
"الإقبال ما زال يتحسّن"
في برلين، التقى رصيف22 فادي عبد النور ومحمد ربيع، للحديث عن بداية "خان الجنوب"، والكتب المتوفّرة، والسوق الإلكتروني، وأهدافها وما يلي من نشاطات جماهيرية حول الكتاب والقراءة.
يقول عبد النور إن فكرة تأسيس مكتبة خان الجنوب كانت تلقائية، فهو يعيش منذ زمن في برلين، وكان هناك نقاش مع الأصدقاء عن صعوبة أن يجد المرء كتباً عربية في برلين خصوصاً وألمانيا عموماً.
ويضيف: "الآن هناك الكثير من الكتّاب الذين يعيشون هنا، ومن أصدقائنا وصديقاتنا، ولا نقدر على قراءة كتبهم. كنا ننتظر أن نسافر أو يسافر أحد الى البلاد لإحضار الكتب معه. وعندما أصبح لدينا أطفال صارت العملية أصعب إذ لا يستطيع الشخص أن ينتظر سنة أو سنتين للوصول إلى الكتاب."
لذا قام مؤسسو خان الجنوب في أواخر عام 2018 بتنظيم "بوب آب بوك ستور pop-up book store" أي سوق مرتجل للكتاب وأحضروا مجموعة قليلة من الكتب من بيروت لجس نبض (دراسة) السوق والناس والجمهور في برلين، ولمعرفة إن كانت فكرتهم قابلة للتنفيذ والاستمرارية.
آنذاك، رأى عبد النور أن "الإقبال كان جميلاً، وهذا ما شجعنا على المضي قدماً بالمشروع، والسنة الماضية قمنا بعدة نشاطات في المهرجانات، مثل وجود طاولة كتب أدبية عربية وألمانية، وسوق صغير في آخر السنة. هذه السنة قررنا أن نفتح المكتبة، كنا نريد افتتاحها أوائل الصيف الماضي لكن بسبب كورونا تأخر الافتتاح إلى أواخره، لكن جاء انفجار مرفأ بيروت وأخرنا أكثر. والآن فتحنا المكتبة في أول أيلول/ سبتمبر والإقبال يتحسّن. ونعمل الآن على تقوية السوق الإلكتروني، فنحن نوصل الكتب إلى كل العالم."
وتابع: "إن الإقبال الشخصي كان أكبر من الشراء الالكتروني وذلك لأن الناس في برلين كانت تنتظر افتتاح المكتبة بفارغ الصبر، ومتعطشة لشراء الكتب، والتسويق الإلكتروني يأخذ وقتاً أطول بطبيعة الحال، حتى يعرف الناس بالمكتبة."
المكتبة تجمع كل شيء والأولوية للحديث
يعرف من يسكن في برلين منذ زمن أن الكتب العربية الموجودة فيها من قبل كانت بمعظمها إسلامية ودينية فقط. لذلك بالنسبة للقائمين على خان الجنوب، كان من المهم جداً وجود مكتبة عربية متنوعة تحضر الأدب العربي والإنتاجات الشابة والحديثة من العالم العربي إلى ألمانيا.
في هذا الإطار يقول الكاتب محمد ربيع، وهو المسؤول عن إدارة "خان الجنوب" لرصيف22 إن مجموعة الكتب الموجودة الآن في المكتبة هي متنوعة، روايات عربية وروايات مترجمة من لغات مختلفة إلى اللغة العربية. وهناك كتب غير أدبية من تاريخ وسياسة ودراسات، وكتب تراثية عربية أيضاً بالإضافة لكتب عن التصوف، مشيراً إلى أن المكتبة لا تضم كتباً دينية وذلك لأنها موجودة بكثرة في برلين.
ويتابع: "نحن مهتمون أكثر بالأدب وبالتنوع أيضاً، أحضرنا كتباً كلاسيكية للكتّاب العرب الكبار الذين أعتقد أن كتبهم يجب أن تكون موجودة في أي مكتبة عربية."
تعطي المكتبة أولوية للكتب الصادرة حديثاً، وعن معايير انتقاء الكتب الحديثة في خان الجنوب يقول محمد ربيع :"بشكل عام نحاول أن نحضر الكتب بعد صدورها بوقت قليل بحيث يكون لدينا عناوين جديدة كل شهر أو شهرين. طبعاً بسبب كورونا، فإن دور النشر العربية قللت كثيراً من إصداراتها، فدار النشر التي كانت تنشر أربعين كتاباَ في السنة أصبحت تصدر عشرة أو أقل حتى. بعض الدور لم تصدر أي كتب خلال 2020. هي سنة صعبة على العالم كله".
ويتابع: "لكن هناك طلبية ستأتي قريباً من بيروت والقاهرة فيها 15 كتاباً صدرت خلال الشهرين الماضيين. وإذا تحسنت الظروف يزداد عدد العناوين الجديدة التي نحضرها كل شهر."
كذلك تركز مكتبة خان الجنوب على إحضار الكتب المنشورة من قبل الجيل الجديد من الروائيين/ات في العالم العربي، يقول ربيع: "المبيعات أكبر لكتّاب الجيل الجديد والكتب الصادرة حديثاً، أما الكتب الكلاسيكية فمبيعاتها أقل ولكنها ما زالت تباع ومطلوبة. نحن نحاول إيجاد توازن ما بين الكلاسيكي والجديد، علماً أن الجديد هو المسيطر على المكتبة."
"يجد الزائر روايات عربية وروايات مترجمة من لغات مختلفة إلى اللغة العربية. وهناك كتب غير أدبية من تاريخ وسياسة ودراسات، وكتب تراثية عربية أيضاً بالإضافة لكتب عن التصوف، لكن المكتبة لا تضم كتباً دينية وذلك لأنها موجودة بكثرة في برلين"
"مساهمتنا لإثراء المشهد الثقافي العربي في برلين"
لا شك أنه من المهم وجود مكتبة عربية في برلين تقوم بدور داعم وأساسي للمشهد الثقافي العربي المتنامي في المدينة. يقول عبد النور: "ما شجعنا على افتتاح المكتبة هو التغييرات التي حدثت والحركة الثقافية العربية في برلين وازدياد عدد متحدثي العربية الذين يعيشون هنا ويقرأون ويحبون شراء الكتب لهم ولأولادهم ولأصدقائهم الألمان من الأدب العربي المترجم."
ويضيف: "بالنسبة للمشهد الثقافي، مكتبة خان الجنوب هي جزء من هذا المشهد، إذ هناك مشهد ثقافي عربي قوي من ناحية الموسيقى والأفلام، أما من ناحية الأدب فالنشاط الثقافي أضعف قليلاً لكن هناك قراءات. لأن الأدب العربي يحتاج لترجمة لتقديمه للجمهور العام ببرلين، ما زال شعوري أن حركة الأدب والكتب ليست بنفس القوة المتواجدة بأشياء أخرى نظراً لصعوبات معينة". متابعاً: "مثلاً من السهل إحضار فيلم مترجم للإنجليزية وعرضه على خمسمئة شخص، ولكن من الصعب إحضار خمسمئة نسخة من كتب لقراءتها. هذه المكتبة بالنسبة لنا هي مساهمتنا لتكتمل هذه الدائرة وليكون المشهد الثقافي العربي منوّعاً. من المفروض أن تغني هذه المكتبة الحالة الثقافية الموجودة وأن تكون جزءاً منها بالتأكيد."
نشاطات مستقبلية
يرغب القائمون على خان الجنوب أن يعرف الجمهور العربي في برلين وألمانيا أكثر عن وجود المكتبة، ويتابع ربيع: "نقوم بإيصال الكتب إلى كل العالم، وباستطاعة القراء طلبها من موقعنا الإلكتروني، ومن المهم أن يعرفوا أن المكتبة موجودة فعلياً ويمكن أن يزورها الناس ويشتروا الكتب."
فيما يتعلق بنشاطات إضافية، يريد القائمون على مكتبة خان الجنوب إقامة الندوات وحفلات التوقيع في حديقة المكتبة، ولكن بسبب كورونا عليهم أن يؤجلوا ذلك قليلاً للصيف القادم. كما يريدون البدء بإقامة حفلات توقيع للكتّاب الموجودين في برلين حاليا ًوعددهم كبير. يقول ربيع: "ما نحن مهتمون به الآن هو معرفة ماذا يريد القراء، لأننا أحضرنا مجموعة كبيرة جداً من الكتب وإلى الآن من غير الواضح أي نوع يفضّله الناس. من الممكن معرفة إقبال الناس على أي نوع من الكتب تحديداً خلال الشهور القادمة، ونحضره ونحضر ما هو مشابه للنوع الأدبي أيضاً".
أما عبد النور فيقول: "من الخطط البعيدة المدى إقامة نوادي قراءة للأطفال ولليافعين، نحاول تشجيع القراءة وليس بيع الكتب فقط. نريد إقامة فعاليات من قراءات وأمسيات شعرية وحفلات توقيع."
طلب الكتب عبر الموقع الإلكتروني في تزايد
من يتصفح الموقع الإلكتروني لمكتبة خان الجنوب يرى نبذة جيدة عن كل كتاب في المكتبة، تفتح نافذة على مضمونه، عن هذا يقول محمد ربيع: "إن هذه النبذات يأخذها القيمون على المكتبة من ثلاثة مصادر: أولاً من مواقع مثل Good Reads، أو من الكلمة التي على الغلاف الخلفي للكتاب إن كانت تعبر عن محتواه جيداً أو أحياناً نكتبها بأنفسنا."
يقول عبد النور: "آخر أسبوع كانت هناك طلبات من استونيا وكانوا سعداء بوصول الطرد ووضعوا الصورة على فيسبوك. ولكن بشكل عام الجمهور العربي غير متعود الشراء الإلكتروني بشكل كبير، يهاب ذلك بسبب مشاكل لها علاقة بالبنوك والتحويلات ولكن تدريجياً يتحسن الإقبال."
"من السهل إحضار فيلم مترجم للإنجليزية وعرضه على خمسمئة شخص، ولكن من الصعب إحضار خمسمئة نسخة من كتب لقراءتها. هذه المكتبة بالنسبة لنا هي مساهمتنا لتكتمل دائرة المشهد الثقافي العربي في برلين"
متعة لا توفرها إلا زيارة المكتبة
ختاماً، يدعو عبد النور الناس لزيارة مكتبة خان الجنوب في برلين، يقول: "نقول للناس لدينا كتب جميلة جداً ولدينا أدب قيّم وشيق وحتى لو كنتم لا تعرفون عن الكتاب جربوا أن تقرؤوا أكثر، واقرؤوا لأطفالكم، فهناك مجموعة واسعة من كتب الأطفال جميلة جداً بصرياً وبمحتواها، من عمر السنة حتى الـ14 سنة، وهناك كتب ثنائية اللغة أيضاً. تفرجوا واشتروا الكتب."
ويتابع: "بالإضافة الى ذلك لدينا مجموعة كبيرة من الكوميكس والدوريات كمرايا وبدايات… لدينا كتب فنية، وكتب من الشعر الحديث والقديم ومجموعات شعر ألماني/عربي مترجم. الكتب قادمة من لبنان ومصر والخليج وكندا أيضاً. وهناك الأدب المترجم من لغات العالم إلى العربية."
وبالنسبة لأدب الأطفال، يقول محمد ربيع أنهم يعطونه نفس الاهتمام كأدب البالغين ويحضرون الكتب كل شهرين وطبعاً عندما تنفد نسخ كتاب معين يحضرون نسخاً جديدة.
في حين نشهد أن القراءة الإلكترونية قد أدت الى إفلاس الكثير من المكتبات الصغيرة في العالم، نجد أن الكثير من المكتبات الحقيقية ما زالت تقاوم وتعيش، وفي بعض الأحيان بنجاح كبير. وذلك لأن ما تقدمه المكتبة كمساحة لقاءات وحوارات وندوات وتفاعل ثقافي لا تقدمه المكتبات الإلكترونية.
والكثير من القراء يقدرون نصيحة أو استشارة عن كتاب يقرؤونه من القيمين على المكتبة، ينصحونهم بقراءة كتاب قد يناسب ذوقهم.
بالإضافة الى جمال الصدف التي توفرها لنا المكتبات، أحياناً ندخل الى مكتبة ويستهوينا عنوانٌ ما، لم نكن نعرف بوجوده، فنشتريه لنقرأه، ونكتشف صدفة كاتباً جديداً. مرات ننظر ببساطة إلى العناوين على الطاولات والرفوف، ونتصفح بعضها بتلقائية لأن غلافها يغرينا، إنها طريقة للاكتشاف ومتعة لا توفرها إلا زيارة المكتبة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...