شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"أرى أبي عندما أكون بين أحضان حبيبي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 8 نوفمبر 202003:18 م

أطلقت منال بنشليخة، مغنية مغربية شابة، خلال الأيام الماضية، أغنية جديدة اسمها "نية"، أثارت نوعاً من الجدل من طرف بعض المغاربة، وذلك داخل وسائط التواصل الاجتماعي. أعادت هذه الأغنية النقاش القديم/الجديد بشأن أهمية غشاء البكارة بالنسبة للفتاة، داخل مجتمع مضطرب بين قيم الحداثة والتقاليد.

ويكفي تأمل كلمات الأغنية المذكورة حتى نستنتج مفهوم العلاقة العاطفية بين الرجال والنساء لدى سكان المغرب.

من بين كلمات الأغنية: "بغيتي نكون لك وتكون ليا، جي لدارنا بلا مدور بيا، صحاب ليك باقا مزالا نية"، بمعنى إذا كنت ترغب في أن أكون لك، اخطبني من أهلي، ولا تحاول خداعي فأنا لست ساذجة.

ومن بين اللقطات المصورة التي أثارت النقاش في كليب الأغنية نفسها، طريقة تحضير الفتاة لزفافها، والاحتفاء بنقطتي دم نزفتهما الفتاة عند افتضاض غشاء بكارتها في ليلة زفافها.

"عندما أمارس الجنس، غير كامل وسطحي، مع صديقي يجتاحني هاجس الحمل، أكثر من غشاء البكارة، إذا حدث ستكون كارثة"

في الواقع، الأغنية تظهر جلياً حجم التناقض الذي يعيشه المجتمع المغربي، لاسيما على مستوى العلاقات بين الرجال والنساء داخله، فالمجتمع ظاهرياً يبدو عليه التحرر من عدة مظاهر تقليدية أصبحت شاذة، من بينها الاحتفال بسروال الزوجة ليلة (رواح) الدخلة، ومع ذلك لايزال المعتقد السائد بكون الفتاة يجب أن تكون بكراً ليلة زفافها، هذا المعتقد لا يزال شائعاً بقوة لدى مغربيين/ات، وذلك من أجل يومها الموعود، أي ليلة دخلتها، حيث يستوجب عليها الاحتفال مع زوجها بنقطتي دم تنزفها عند افتضاض بكارتها من طرفه. هنا ستكون برهنت له، لأسرته ولباقي أفراد المجتمع، بأنها جديرة بلقب زوجة فلان.

صحيح أن الاحتفال بدم البكارة لم يعد كما في السابق، إذ عند انتهاء ليلة الدخلة، كان يتم الطواف بسروال الزوجة الذي تظهر قطرات الدم عليه من طرف أسرة العريس بين الأحياء، ابتهاجاً بعذرية العروس، وذلك على نغمات أهازيج ومواويل شعبية. لكن الاحتفال اليوم أصبح يقتصر على المرأة وزوجها، وهنا تظهر أهمية غشاء البكارة التي لاتزال تعد دليلاً على عدم ممارسة العروس للجنس قبل الزواج.

دوامة من القلق

لا تزال المرأة المغربية عاجزة عن خوض تجربة جنسية إلا في إطار الزواج، وإذا حدث ذلك، فبالتأكيد ستعيش في قلق دائم من فقدان بكارتها، أو في رعب اكتشاف علاقتها الجنسية أو حدوث حمل غير مرغوب فيه.

دون أن ننسى أن النساء اللواتي يتصلن بالرجال بعلاقات جنسية يلازم الكثير منهن شعور بالذنب، تماماً مثل نهيلة (25 سنة)، تقول لرصيف22: "التعاليم الدينية هي الباعثة على ذلك الشعور القوي بالإثم والذنب"، وذلك في كل مرة تمارس الجنس مع صديقها بشكل سطحي وناقص.

توضح نهيلة أنها تحب صديقها، ولكنها "لا تستطيع ممارسة الجنس معه، لاسيما أمام إلحاحه"، تضيف أنه "يقسم لي أنه لا يتخلى عني، وذلك في حالة إذا حدث ووافقت على ممارسة الجنس بشكل كامل برفقته. أخاف من علاقة جنسية، أفضل الاتصال الجنسي السطحي".

تشعر نهيلة بالسعادة وهي برفقة صديقها، تلتقيه لوحدها في منزله، لكنها حينما تختلي بنفسها تشعر بالإثم، لهذا تدخل في صراع مع نفسها.

"لازلت صغيرة، وأحب الحياة، وأحب صديقي، وأرغب بشدة أن يكون زوجي مستقبلاً، لكن التعاليم الدينية وفكرة الجنة والنار تجعلني في صراع متكرر مع نفسي".

إذا كانت نهيلة تدخل في لعبة القط والفأر بين التعاليم الدينية، وبين رغباتها الجنسية وحبها الشديد لحبيبها، فإن لمياء تستحضر صورة والدها "الطيب العطوف"، بحسب تعبيرها، وذلك حينما تكون بين أحضان صديقها.

تفسر لمياء حالتها النفسية أنها عندما تكون برفقة حبيبها تنسى الدنيا وما فيها، لكنها عند الاختلاء بنفسها تخشى اكتشاف علاقتها من طرف معارفها، لكيلا تلحق بوالدها العار، وفقاً لتعبيرها.

"لا ثقة في الرجال"

تحرص لمياء، (35 عاماً) على غشاء بكارتها، لهذا فهي تفضّل خوض علاقة جنسية مع حبيبها بشكل سطحي، وذلك لسببين، أولهما أنها تخشى من إلحاق العار بوالدها عند فقدانها غشاء بكارتها، وثانيهما أنها تخاف أن يغدر بها حبيبها يوماً ما.

لمياء عاطلة عن العمل، تشدد على أن الرجال لا ثقة فيهم، وفي المقابل، فهي تعلم جيداً أن مجتمعها يقسو على النساء كثيراً، إذ إنه يتيح للرجل كل الرخص والمبررات، بينما يضع الوزر كاملاً فوق كاهل المرأة، فهذا المجتمع الذي يمثل الأب والأم والأشقاء والأقارب والجيران وحبيبها، لن يسامحوها إذا ما استسلمت لمشاعرها تجاه حبيبها.

"لن يسامحوها إذا استسلمت لمشاعرها مع حبيبها".

وأما بالنسبة لخديجة، مدرسة لغة إنكليزية، فهي ترفض توثيق أي علاقة مع صديقها، فبحسبها، أن الرجال ليسوا متكتمين، وتتفق مع لمياء بأنهم ليسوا محل ثقة، وقد يعشقون رفيقاتهم لكن لا يتزوجون منهن، وبالتالي تجد الشابة نفسها وحيدة أمام خذلان حبيبها.

وتعتقد خديجة أن رفيقها لن يتزوجها، على الرغم من أنها تطلب منه الحنان والزواج، لكنه يتحجج بمبررات تراها واهية، تستطرد: "يخبرني بأن الوقت غير مناسب للزواج، فهو غير مستعد لتكوين أسرة"، لكنها بدورها تعلم بأنها لن تستمر معه طويلاً. تشدد على أنها ستتركه بمجرد أن يطلب رجل آخر يدها للزواج، فهي شبه مؤمنة بأن الرجال لا أمان لهم.

التقاليد وحرية المرأة

يبدو أن عدداً من النساء في المجتمع المغربي، على الرغم من أنهن يتمتعن بالنضج الكافي الذي يسمح لهن بإقامة علاقة جنسية كاملة، إلا أنهن أمام سلطة التقاليد والمجتمع الذي يستأصل أي تمرد فيهن، يبقين ضعيفات حتى أمام تأمين رغباتهن الجنسية.

تقول رجاء، شابة في الثلاثينيات من عمرها، تسكن في الدار البيضاء، أنها حينما تمارس الجنس سطحياً مع رفيقها، يكون هاجسها الوحيد هو الخوف من حدوث حمل، "حينها ستكون الكارثة"، بحسب تعبيرها.

تضيف رجاء: "أخاف جداً من حدوث حمل، أكثر مما أخاف من فقدان غشاء البكارة. الأخيرة يمكن ترقيعها، لكن تداعيات حدوث الحمل سيكون وقعها كارثي عليّ، لا يمكن أن أكون أماً عازبة".

"لا يمكن أن أكون أماً عزباء".

وعن شكل العلاقة مع حبيبها، تقول رجاء التي تعمل محاسبة في إحدى الشركات الخاصة: "لا أكون مرتاحة عند قضاء أوقات حميمة مع رفيقي، خوفي من حدوث الحمل يعيق استمتاعي برفقته، وهو أيضاً لا يكون مرتاحاً معي. أرى أنه أناني جداً في هذا الموضوع، يبحث عن متعته على حساب راحتي. يرفض استعمال واق مثلاً، وأنا بدوري لا أستعمل موانع الحمل، لأن وضعها داخل المهبل ممنوع على العذراء".

رجاء ليست سوى عينة من فتيات كثيرات لا يعرفن ماذا يفعلن لمنع الحمل، فعلى سبيل المثال، بعضهن لا يستعملن أقراص منع الحمل، فاستعمالها يبقى عشوائياً، لأن الفتاة تعيش في خوف من أن ترى الأقراص والدتها أو أحد أفراد أسرتها.

علاوة على ذلك، الفتيات عموماً يعلمن جيداً أنه حين حدوث الحمل سيتحملن عواقبه لوحدهن، وبالتالي تلجأ المرأة للإجهاض السري، ومخاطره التي تتكبدها لوحدها.

"لازلت صغيرة، وأحب الحياة، وأحب صديقي، وأرغب بشدة أن يكون زوجي مستقبلاً، لكن التعاليم الدينية وفكرة الجنة والنار تجعلني في صراع متكرر مع نفسي"

وإثر ذلك، وبهدف "حماية الفتيات والنّساء بإجهاض آمن"، فتحت الحركة البديلة من أجل الحريات الفرديّة (مالي) باب استقبال التبرّعات.

وبدأت "مالي" استقبال التبرعات من أجل شراء الأدوية التي تساعد على الإجهاض، فمئات الآلاف من النساء في المغرب محرومات من الولوج إلى الحق في التطبيب والصحة، خاصة فيما يتعلّق بصحتهن الجنسية والإنجابية، وأن "التشريع المانع للإجهاض يهدّد صحة وحياة مئات من النساء والفتيات".

وفي سياق جائحة كورونا، ذكرت الحركة أن الأزمة الصحية وتدابير الحجر قد أثرتا بشكل كبير على سهولة الإجهاض، خاصة في الدول التي تحد منه أو تمنعه، معتبرة أن "المنع ليس فقط وضعاً مناقضاً لحقّ جميع النساء في حرية التصرف في جسدهن، واختيار أن يكون لهن أطفال أم لا، متى ما أردن، بل له أيضاً نتائج كارثية على صحتهن الإنجابية".

القانون والإجهاض

صرح مسؤول في "الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري" إن المغرب يشهد إجراء 800 حالة إجهاض سري كل يوم، مع التذكير بأن امرأة تموت كل تسع دقائق، على المستوى العالمي، بسبب الإنهاء الإرادي غير الآمن للحمل.

وينصّ القانون الجنائي المغربي، أيضاً في الفصل 449 على حبس "من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى، أو يظنّ أنها كذلك"، من سنة إلى خمس سنوات، وترتفع العقوبة في حالة موتها إلى ما بين عشر سنوات وعشرين سنة.

"ينص القانون على عقوبات بالحبس لعشر سنوات أو أكثر لمن حاول إجهاض امرأة حبلى".

كما ينصّ الفصل 450 من القانون نفسه على أنّ ثبوت اعتياد "مرتكب الجريمة" على ممارسة أفعال الإجهاض أو المساعدة على محاولة الإجهاض، بطعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أي وسيلة أخرى، يعاقَب عليه بضعف العقوبة، وترتفع العقوبة في حالة الوفاة إلى السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة.

كما ينص الفصل 451 من القانون الجنائيّ على معاقبة "مرتكب الجريمة (...) بالحرمان من مزاولة المهنة"، في حالة الأطباء، المولّدات، عمّال الصيدليات، طلبة الطب والأسنان، القابلات العرفيات والمرشدين للوسائل التي تُحدِث الإجهاض أو النّاصحين باستعمالها.

وبالتالي، عندما تقرر المرأة المغربية خوض تجربة جنسية برفقة شريك اختارته، ستدخل لا محال في دوامة من القلق الدائم، بين اكتشاف أمرها من طرف معارفها، وبين فضح علاقتها الحميمية من طرف شريكها نفسه، تماماً كما قالت خديجة، فبعض رجال غير متكتمين، وتظل المرأة خائفة من حدوث حمل وإجهاض غير آمن.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image