هناك في أحد الأركان البعيدة، تقف باكية بحرقة تلطم خديها ويصل صراخها للأفق. "ن" فتاة جميلة مثقفة أحبّت أحمد الذي يكبرها بثلاثة أعوام فقط، كانت قصة حبهما حديث أهل القرية جميعًا، تزوجا بعد معاناة كبيرة ورفض عدد كبير من الأهل. أنجبا طفليْن جميليْن، إلّا أن قصة حبهما لم تكن كافية لتمنعه من "خيانتها"، خانها جسديًا مع صديقتها، وهو الجرم الذي كاد ينهي علاقتهما.
ما حدث هو العكس تمامًا، فعندما جاء من يخبرها بخيانة زوجها الذي أقام علاقة جنسية مع أخرى، لم تتخل عنه للأخرى التي طالبه أهلها بالزواج بها، كان مطلبنا بأن يتركها زوجها وإلّا فستنتصر الأخرى في تلك المعركة. ربما نرى نحن الأمر من بعيد بشكل غير منطقي وغير متوقع أن تغفر أنثى "خيانة" زوجها خاصة إن كانت جسدية.
ربما نرى نحن الأمر من بعيد بشكل غير منطقي وغير متوقع أن تغفر أنثى "خيانة" زوجها خاصة إن كانت جسدية.
هناك في القرية تنتقل الأخبار بسرعة البرق كما يُقال، عرف الجميع ما حدث، انتهى الأمر سريعًا بعودة أحمد إلى بيته، ووقع كل اللوم على عشيقته، التي بطبيعة الحال هي الخاسرة الوحيدة في تلك القصة. فلأنها متزوجة، يحرمها القانون من جميع حقوقها، حتى إنه يذهب أبعد من ذلك ليحرمها من أبنائها، وأغلب ما يحدث في مثل هذه القضايا، هو تنازل من الزوجة "الخائنة" عن جميع حقوقها، مقابل السكوت عن شكواها قانونيًا درءًا للفضائح وحفاظًا على سمعتها.
"س" أيضًا هي سيدة جميلة تركها زوجها للعمل في بلاد النفط، تزوجت منذ 10 سنوات، رأته خلالها 3 شهور، وهي مدة إجازته مُجتمعة. ولأن كل ما يربطهما هو الحوالة البنكية بمصاريفها شهريًا، وبسبب الفراغ العاطفي الذي تعيشه دائمًا، وجدت ضالتها في التليفون المحمول، لتتطلب أي رقم وتتحدث مع الطرف الآخر وفي الغالب يكون الطرف الآخر: رجلًا. إنها لُعبة سخيفة، لكنها ملأت الفراغ الذي تركه غياب الزوج، ليأتي الزوج في إحدى زياراته ويكتشف ما قامت به، فيكون عقابها الطلاق بلا رجعة، ناهيك بالفضيحة أيضًا.
بشكل عكسي وفي نفس منزل زوج "س"، يقوم شقيقه بمهاتفة الفتيات سرًا دون علم زوجته، يلقي عليهم الكلام المعسول ويحدثهن عن زوجته التي يعيش معها في "نكد"، عكس الحقيقة تمامًا، وعندما سمعته الزوجة صدفة، ثارت وهاجت. عندها، اجتمعت العائلة لتخبرها: "هو رجل، وما المشكلة أن يتحدث في الهاتف؟ هل ستحاكمينه؟ هل أعلنتِ الحرب إذن؟ عليك أن تعرفي ما ينقصه أولًا، ولماذا احتاج النظر إلى أخرى، فبالتأكيد العيب فيكِ!"، ومن ثم تتابع العائلة: "لو مش عاجبك، نجوزه، الستات على قفا من يشيل". في المقابل يطالبها الأخ بالعدول عن موقفها بطلب الطلاق لأنها ستكون الخاسرة الوحيدة، "هو مش هيطلق"، ولو مُصرة "اخلعيه" وتنازلي عن كل حقوقك". هذا هو نفس الشخص الذي طلق زوجته بالأمس لمجرد مكالمة هاتفية، وإذا بحثنا عن جذورها فسنجد أنه يتحمل جزءًا كبيرًا من وصول زوجته لذلك.
الرابط بين تلك القصص هو كيفية النظر شكلًا ومضمونًا وقانونيًا لقضايا "الخيانة الزوجية"، لتتحول الأنثى في كل الأحوال لجانية حتى وإن كانت المجنى عليها.
القانون يحمي الرجل الذي خان
"ن" و "س" و"ص" وكل النساء عمومًا قد يُخطئن، لكن على عكس الرجال، فالقانون يُعاقبهن ولا يعاقبهم، الجناية الأكبر هي وقوع جريمة الزنا وإثباتها، فإن أقام الزوج علاقة جسدية مع أخرى متزوجة، فالقانون المصري يقول إنه بثبوت الواقعة تُحرم المرأة من جميع حقوقها كمؤخر الصداق وغيره، وتسقط حضانتها لأبنائها. أما بالنسبة للزوج "الخائن" فيمكن لزوجته أن ترفع قضية طلاق للضرر وليس لها حقوق قانونية أخرى.
في حالة "ن" وزوجها، لم تطلب الطلاق، ما حدث هو أن عشيقة زوجها تنازلت عن جميع مستحقاتها القانونية لزوجها ليتزوج هو بأخرى، ويتم طلاقها، ويعود أحمد إلى زوجته ليعيشا معًا من جديد، وتبقى العشيقة هي الخاسرة الكبرى في كل الأحوال.
الكل "يطبطب" على الرجل
القانون الذي وضعه البشر يؤمن أن "الرجل راجل والست ست"، فالرجل لا لوم عليه إذا خان، فلسان حالهم دائمًا يقول، هو بشر يخطىء ويصيب وخير الخطائين التوابين، أما المرأة فلا، هي أنثى، جسدها وشرفها، وما بين فخذيها، هو ملك لعائلتها، لا تخطىء، وإن أخطأت فالعار سيلاحق عائلة بأكملها. لكن صوت العقل يقول إنها أيضًا "بشر" يمكن أن تخطىء ويمكن أن تصيب، لماذا نعاقبها بكل تلك القسوة إذن؟ في المقابل معاملة الرجل بشكل أقرب " للطبطبة " و"الثناء" على فعلته لأنه ذكر!
تخيلوا أن قانونًا وضعيًا عجيبًا من صنع البشر يسمح للزوج بقتل زوجته إذ وجدها متلبسة بالفعل هي ومن معها؟ وتخفف عقوبته من السجن المؤبد إلى السجن سنوات كحد أقصى، فيما تعاقب المرأة كما لو ارتكبت جريمة القتل العمد لأي سبب من الأسباب، حتى وإن ضبطته على فراش الزوجية، ولا تُخفف عقوبتها، فالرجل أمام القانون يدافع عن شرفه، وتتم تبرئته عند قتله زوجته الخائنة، أما المرأة فيُحكم عليها بالسجن بتهمة القتل العمد
القانون الذي وضعه البشر يؤمن أن "الرجل راجل والست ست"، فالرجل لا لوم عليه إذا خان، فلسان حالهم دائمًا يقول، هو بشر يخطىء ويصيب وخير الخطائين التوابين، أما المرأة فلا، هي أنثى، جسدها وشرفها، وما بين فخذيها، هو ملك لعائلتها
السينما ناقشت تلك القضية واعتبرتها تعديًا صريحًا وظلمًا كبيرًا للمرأة، فكيف لا تكون هناك معاملة بالمثل في وقائع الخيانة الجسدية، ولماذا تكون المرأة في كل الأحوال متهمة مجتمعيًا وقانونيًا. من الأفلام، فيلم "عفوا أيها القانون"، الذي حاول صانعوه كشف تحيز القانون بل المجتمع للرجال فيما يخص الخيانة الجسدية. الدكتورة هدى، التي عادت يومًا من عملها مبكرًا لتجد زوجها في حضن سيدة أخرى على فراش الزوجية، ما كان منها سوى إطلاق الرصاص عليهما، ليموت الزوج في النهاية، وتعاقب هي بالسجن مدة 15 عامًا.
لماذا لا تنتظرينه مع ابتسامة؟
يتضامن المجتمع مع الرجل في كل الأحوال، سواء خان لفظيًا أو جسديًا، فهو رجل، أما المرأة فلا بد أن تتحمل تلك الخيانات حتى وإن كانت متتالية من زوجها. ووفقًا للمعايير المجتمعية، فالمرأة بالضرورة مقصرة في جانب ما من حياتهما. لماذا لا تنتظره بابتسامة عند قدومه من العمل؟ لماذا لا تهيئ له الجو المناسب للجلوس في المنزل وتضع العطر المناسب وتستخدم أدوات الزينة؟ على المرأة أن لا تتحدث مع زوجها إلا حينما يريد هو ذلك، فقد يكون مضغوطًا من العمل حتى وإن كانت هي تعمل أيضًا، ولا تتحدث معه صباحًا حتى لا "تقفل" له اليوم، ولا تطلب منه مطالب مادية حتى لا تكون نكدية! عليها أن تكف عن الثرثرة والـ"زن"، فالرجال يكرهون ذلك. التعليمات والنصائح المجتمعية التي تتلقاها جميع النساء تصب في إناء واحد هو "سعادة الرجل"، لكن أين أنتِ وأنا وهن؟ لا أعرف، هذا هو السؤال الحائر.
تعاملت بعض منصات "السوشيال ميديا" أيضًا مع الموضوع بشكل ساخر، فوضعت الرجل محل المرأة، فعندما كتب أحدهم تدوينة يقول فيها إنه اكتشف أن زوجته تخونه مع آخر، تساءلوا بكل سخرية: "جربت تروح الكوافير وتغير لون شعرك، راجع نفسك، خراب البيوت مش بالساهل".
هي نفسها تلك النصائح التي تسمعها المرأة إذا اكتشفت خيانة زوجها، فهو خان لأنها مقصرة، والخيانة هنا ليست جسدية فقط، ربما تكون كلامية، لكن في كل الأحوال، الحصيلة واحدة: هو خائن. وماذا بعد ذلك قد يكون أشدّ إيلامًا للمرأة من رجل خان ثقة زوجته، ليلقي الكلام المعسول على مسامع أخرى.
يقول صوت العقل المجتمعي لكل زوجة تعرضت للخيانة: "وإيه يعني سيبيه يهوي عن نفسه شوية، المهم أنه آخر الليل هيرجع ليكي وينام في حضنك، الستات مرارتها أوسع عشان تتحمل الراجل، شوفي إنتِ مقصرة في إيه؟ أنت جربتي ترقصي له؟ لو مبترقصيش اعملي كده، أنتِ عارفة أنها ممكن تكون بتعمل حاجات أنتِ مبتعملهاش، رجعي عصفورك لعشه، متخليهاش تنتصر!".
تقول الأسطورة أيضًا إن الزوجة العاقلة الراسية لا بد ألا تُشعر زوجها أنها قد كشفت خيانته، بالعكس لا بد أن تهدأ ولا تتحدث معه في الأمر بتاتًا، أن لا تثور، وأن لا تصرخ في وجهه، ولا تلومه، فسي السيد حُر أن يفعل ما يشاء!
لكن لماذا لا تواجه المرأة زوجها بما اكتشفته؟ يقولون لأنها في هذه الحالة ستكون مجبرة أن يكون رد فعلها "عنيفًا"، أقله طلب الطلاق، وهو ما سيؤدي إلى خراب البيت، وانهيار" بيت ورا بيت ورا بيت" سيؤدي لانهيار المجتمع، وتشريد الأطفال. ولذلك "اتحملي بقى عشان خاطر ولادك، وضل راجل ولا ضل حيطة"، هكذا يقولون لها دائمًا.
ما حدث هو العكس تمامًا، فعندما جاء من يخبرها بخيانة زوجها الذي أقام علاقة جنسية مع أخرى، لم تتخل عنه للأخرى التي طالبه أهلها بالزواج بها، كان مطلبنا بأن يتركها زوجها وإلّا فستنتصر الأخرى في تلك المعركة.
هناك في القرية تنتقل الأخبار بسرعة البرق كما يُقال، عرف الجميع ما حدث، انتهى الأمر سريعًا بعودة أحمد إلى بيته، ووقع كل اللوم على عشيقته، التي بطبيعة الحال هي الخاسرة الوحيدة في تلك القصة.
الرابط بين تلك القصص هو كيفية النظر شكلًا ومضمونًا وقانونيًا لقضايا "الخيانة الزوجية"، لتتحول الأنثى في كل الأحوال لجانية حتى وإن كانت المجنى عليها.
هي نفسها تلك النصائح التي تسمعها المرأة إذا اكتشفت خيانة زوجها، فهو خان لأنها مقصرة، والخيانة هنا ليست جسدية فقط، ربما تكون كلامية، لكن في كل الأحوال، الحصيلة واحدة: هو خائن.
لا تحاولي، المجتمع سيسانده دومًا
بمبدأ "كما تدين تدان"، تقوم بعض الزوجات برد الخيانة لزوجها، فيما تقوم أخريات بأفعال أكثر ترويعًا كتلك التي قضمت العضو الذكري لزوجها عقابًا له على خيانتها، أو تلك الأجرأ التي قررت أن تخون زوجها مع زوج عشيقته وقامت بتصوير ذلك وأرسلته لزوجها، في النهاية عوقبت بالسجن بالتأكيد، لا أعرف في ما كانت تفكر وقتها، إلّا أن الشيء الوحيد الذي قد أعتقد أنها كانت تفكر به هو الثأر؛ ثأر من المجتمع الذي يقول لسان حاله دائمًا: "وماله هو رجل أفعاله لا تجلب العار"، وثأر من الزوج الذي خان دون وازع من حب وإنكار لأنثى وقفت بالتأكيد جانبه، وثأر من قانون ظالم يرى أن من حق الزوج فقط أن يفعل ما يريد دون محاسبة.
لا تبحثي إذن عن النصائح الـ15 لاكتشاف خيانة زوجك أو تقمص دور المفتش كرومبو لمراقبته، وإذا تسرب الشك إلى قلبك وتحركت ترمومترات الحاسة السادسة لديكِ فاقتليها وهي في المهد، لأنك لن تأخذي حقًا ولا باطلاً، قانونًا أو مجتمعيًا، فالجميع ضدك لأنك أنثى وهو ذكر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com