فرض فيروس كورونا الذي ضرب العالم منذ الأشهر الأولى لهذه السنة، نفسه على أجندة مختلف القطاعات، راسماً خارطة جديدة للتوازنات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل البلدان. فمع انتشاره السريع اضطرت كل الدول لإدخال جملة من التراتيب والآليات الجديدة للحدّ من الخسائر ولمنع المزيد من الإصابات.
وكانت التكنولوجيا البديل والخيار الأبرز بالنسبة لمختلف مجالات العمل والإنتاج، بما في ذلك الفنون التي تأثرت أكثر من غيرها بسبب الجائحة.
رغم استفادة بعض الفنون، كالسينما، بما تتيحه التكنولوجيا من حلول على غرار العروض "أونلاين"، إلا أن بعض الفنون الأخرى، كالمسرح الذي يقوم أساساً على الفرجة المباشرة والتفاعل الجماهيري الحي، لا يبدو أنه استساغ هذه الطرق والخيارات التي تتعارض مع جوهره كفن مباشر
ورغم استفادة بعض الفنون، كالسينما، بما تتيحه التكنولوجيا من حلول على غرار العروض "أونلاين"، إلا أن بعض الفنون الأخرى، كالمسرح الذي يقوم أساساً على الفرجة المباشرة والتفاعل الجماهيري الحي، لا يبدو أنه استساغ هذه الطرق والخيارات التي تتعارض مع جوهره كفن مباشر، الأمر الذي بات يطرح السؤال جدياً حول جدوى لجوء المسرح للعروض الافتراضية عبر شبكات الإنترنت، حيث تغيب أهم قاعدة تاريخية لأبي الفنون، والتي مفادها أن الممثل والجمهور عمودان رئيسيان لكل عمل مسرحي.
لقد أجبرت جائحة كورونا الكثير من المسارح العالمية التي لم تكن لتقفل أبوابها على الإغلاق، وأن تسدل الستار على عشرات العروض التي كانت تقدم يومياً لعشاق الفن الرابع خوفاً من انتقال العدوى بين الجماهير. لم يكن صناع هذا الفن، كما غيرهم من القطاعات الأخرى، يعتقدون أن هذا الفيروس سيطيل الإقامة ويوسع انتشاره بهذه الطريقة التي بات عليها، فاعتقدوا أن التوقف لفترة سيكون كفيلاً بزوال الوباء والعودة لسالف النشاط. لكن الجائحة استفحلت وأصبح البحث عن بدائل جديدة كفيلة بالتعايش والتأقلم مع الواقع "الكوروني" أمراً ضرورياً لا مفر منه، في ظل عدم اتضاح الرؤية بشأن زمن رحيل هذا الوباء.
لم تكن الخيارات المتاحة أمام صناع المسرح كثيرة، فإما الجلوس وانتظار أن ينجلي هذا الفيروس في موعد مجهول ثم العودة بعد ذلك للإنتاج والعرض المباشر، أو التوجه للوسائط الافتراضية كحلول مؤقتة لضمان التواصل مع الجمهور، حتى وإن كان هذا الشكل الجديد يتعارض مع روح العرض المسرحي الذي يحتاج بالضرورة إلى خشبة وجمهور حي. وعليه، قدمت عدة عروض "أونلاين" عبر شبكات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، سواء في إطار مهرجانات أو عروض منفردة في العديد من الدول، وتابعها وتفاعل معها طيف هام من المتابعين عبر الفضاء السيبراني.
وكانت الدورة السابعة والعشرين لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، أحد أبرز المحطات التي تم خلالها اللجوء للعرض أونلاين بدل إلغاء هذه الدورة من المهرجان. وعوض حضور الفرق والتقديم المباشر تم الاكتفاء بإرسال مجموعة من الفيديوهات المصورة لأعمال مسرحية سبق عرضها على خشبات المسارح، تابعها الجمهور على قناة يوتيوب المهرجان التي أطلقت خصيصاً لدورة هذا العام، لتكون منصة العروض التي تم تقديمها.
هل نستسيغ مع الوقت، وظروف كوفيد19، فكرة المتابعة افتراضياً للعروض المسرحية؟
ورغم أهمية التجربة باعتبارها استطاعت الحفاظ على سيرورة المهرجان وضمان ألا تمر السنة دون تنظيمه، ولكن الكثير من المتابعين، سواء من أهل الاختصاص أو الجماهير المحبة لهذا الفن، لم تستسغ فكرة المتابعة افتراضياً للعروض. هذا الموقف كان مرده أساساً غياب إمكانية متابعة العمل من مختلف زواياه كما يحدث خلال العروض الحية، لأن الكاميرا التي تتولى تصوير العرض لن تنقل خشبة المسرح بكل تفاصيلها إلى المتفرج، بل تتابع مشاهد بعينها وفق ما تمليه تقنية التصوير للتلفاز، ما أضاع تماماً مقومات الفرجة المسرحية الكلاسيكية المعهودة.
كما قدم البيت الفني للمسرح بمصر، خلال شهر يونيو/حزيران، إطلاق عروض مسرحية قصيرة لا تزيد مدتها عن خمسين دقيقة "أونلاين"، وتحمل شعار "اضحك فكر اعرف". الفكرة نفذها البيت الفني للمسرح في مصر، تحت رعاية مبادرة "خليك في البيت، الثقافة بين إيديك" التي أطلقتها وزارة الثقافة، تماشياً مع الإجراءات الاحترازية التي أقرّتها منظمة الصحة العالمية للحد من انتشار فيروس كورونا.
وتهدف المبادرة المسرحية لتقديم عشر مسرحيات قصيرة مسجلة ومستلهمة من القصص القصيرة للمؤلف الروسي العالمي أنطون تشيخوف. ورغم محاولة هذه التجارب خلق فضاءات جديدة للمسرح وضمان استمراريته في ظل الأزمة الصحية العالمية إلا أنها لا تبدو خياراً موفقاً بالنسبة للعاملين والناشطين لسنوات في صلب المشهد المسرحي، والمتمرسين والمتشبعين بروح هذا الفن وطقوسه الفريدة.
ومن بين هؤلاء الفنان ومصمم الديكور والإضاءة المسرحية المصري حازم شبل، إذ يقول لـرصيف22: "عندما ترى إنساناً يمثل أو يؤدي مباشرة في حضور مباشر لإنسان آخر يصنف ذلك أنه مسرح، وإذا غاب أي طرف منهما، فقد الحضور المباشر بينهم، أو كان الأداء والعرض كله منقولاً بواسطة كاميرا للمتلقين عن بعد، فلذلك تصنيف آخر لا يوصف أبداً على أنه مسرح، مهما تطورت التكنولوجيا أو الفلسفة أو حدثت أزمات.
وأي مسرحي واع تماماً أنه برغم كل التقدم التكنولوجي في تقنيات التصوير إلا أنها لا تستطيع نقل الحالة الشعورية التي يستمتع باستقبالها الجمهور الحاضر في المسرح فعلياً، وحريته في أن يتنقل ببصره كيفما يشاء داخل فضاء العرض المسرحي وتشكيلاته، دون حصرها في كادر معين مختار له من وجهة نظر الناقل التلفزيوني للعرض".
ويضيف: "المسرح حضور وروح متبادلة في نفس اللحظة بين المؤدي والمتلقي، إنصات الجماهير وضحكهم وتصفيقهم وشهقتهم وانبهارهم وحتى صمتهم هي الروح التي يتبادلها الجمهور مع المؤدين وكل مبدعي العرض وحتى المصممين وخاصة مصممين الديكور، لما نجده أحياناً من تغيير ديكور ضخم من مكان لمكان آخر مختلف في ثوان، أو بديكورات تعبيرية تكمن تعبيريتها في أن تراها كاملة دون اختصار لجزء منها في كادر يفقد معناها التشكيلي والدرامي. والمسرحي الحق يهاب ويخشى هذا الحضور المباشر للجماهير، فلا توقف أو إعادة للتجويد كما يحدث في الفيديو أو السينما".
ويواصل: "حتى في وقت الأزمة الراهنة للحظر بسبب التخوف من الإصابة بكوفيد-19 أجلت كثير من المهرجانات الدولية المسرحية، ولا توجد أي فرقة مسرحية كبرى أو أي فرقة احترافية في العالم أقدمت على أن تقدم عروضاً مسرحية لمجرد إذاعتها تلفزيونياً بدون جمهور، لأن هذا موضوعاً متصلاً بأصل فهم المهنية المسرحية وأصولها، ولا يستطيع أي مسرحي حقيقي خيانة عهد المسرح وسحره وقوته".
وليست مصر البلد الوحيد الذي اختار خوض غمار تجربة المسرح أونلاين. هناك الكثير من الدول العربية التي جربت السير على هذا الدرب، على غرار العراق الذي شهد تقديم عروض ومهرجانات مسرحية أونلاين لمواجهة أزمة كورونا وتجنب توقف النشاط المسرحي. ومن بين هذه التظاهرات انتظم مهرجان ميسان المسرحي الدولي للمونودراما أونلاين، من 8 حتى 13 مايو/أيار تحت شعار #"اجعل_من_بيتك_مسرحاً_ومرحاً"، وفي دورة مهداة لعميد المسرحي العراقي الراحل الدكتور سامي عبد الحميد (1928-2019) الذي ساهم مع أبناء جيله في تطوير المسرح العراقي منذ ستينيات القرن الماضي.
وعلى خلاف العادة، وتماشياً مع الظرفية الوبائية الراهنة، أرسل المشاركون على بريد صفحة المنظمين على منصة فيسبوك، فيديو يجسدون فيه من البيت دوراً مسرحيا مونودراميا على ألا تتجاوز مدته عشر دقائق. وشاركت في هذه الدورة الثالثة كل من المغرب والجزائر ومصر وسوريا والسعودية والعراق وتونس من خلال تقديم 18 مسرحية.
ما البديل لفكرة المسرح أونلاين؟
مهرجان البصرة لمسرح الدمى في دورته الأولى، كذلك بثّ عبر الإنترنت، بمشاركة فنانين من 15 دولة في الوطن العربي وخارجه، على غرار سويسرا وإيطاليا وكولومبيا. وتلقت اللجنة أكثر من 40 عملاً، جرى عرضها على لجنة تحكيم دولية. وكان الموضوع الرئيسي للمهرجان، والذي نظم يومي الأول والثاني من يونيو/حزيران هو فيروس كورونا وكيفية منع انتشاره.
المخرج المسرحي العراقي صميم حسب الله، هو الآخر لم يبدُ داعماً لفكرة المسرح أونلاين، رغم تعدد التظاهرات والعروض المسرحية التي قدمت افتراضياً في بلاد الرافدين. ويقول لرصيف22: "إن انعكاس أزمة كورونا على قطاع الثقافة بشكل عام، والمسرح على نحو خاص، قد بدا واضحاً، ويعود ذلك إلى أن حجم العزلة التي فرضها الوباء على المجتمعات التي تحولت تسميتها من كونها مجتمعات الى وصفها بمسميات أخرى مثل مجتمع القطيع. وهي بدورها أنتجت ثقافتها الخاصة التي باتت تعرف بثقافة القطيع. وبالنظر الى توجهات بعض المسرحيين ومحاولاتهم إنقاذ المسرح من كورونا وتداعياتها، ذهبوا باتجاه توظيف التكنولوجيا في إيجاد صيغ مسرحية تتوافق مع الواقع الذي فرضته الجائحة. وهو شكل آخر للقطيع التكنولوجي الذي يعتمد على فكرة استهلاك المعرفة التي توفرها التكنولوجيا، من أجل خلق وهم أطلقوا عليه تسمية مسرح الأونلاين، وكأن المسرح الذي نعرف لن يكون حاضراً في المستقبل المنظور، ولن يكون أمامنا نحن إلا الرضوخ للقطيع التكنولوجي ومعطياته. وأعتقد أن فن المسرح، هذا النوع الذي تحدى تلك العصور المظلمة ورزح تحت سلطتها الدينية لن يندثر بسهولة بسبب ظاهرة مصيرها الزوال.
من المقرر تنظيم الدورة 22 من مهرجان أيام قرطاج المسرحية العريق بشكل مباشر، من 5 إلى 13 ديسمبر/كانون الأول 2020
ويضيف "في بعض المسارح الأوروبية تم اللجوء في البداية الى تقديم بعض عروضها من دون جمهور، إلا أنهم سرعان ما أدركوا خطورة البديل على صورة المسرح، فامتنعوا عن تصوير العروض وبثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واكتفوا بأن يكون الغرض من التصوير مقتصراً على أرشفة العروض المسرحية فقط. لكن المشهد مخالف لذلك عربياً، وكأن المسرح يمتلك حضوراً عضوياً في مجتمعاتنا، وكأن شعوبنا ستتعرض للاندثار والتفكك إذا لم نجد لها بديلاً عن المسرح، الذي تمثل علاقة المجتمع به أشبه بحالة إدمان ثقافي لا يستطيع الخلاص منها. ونحن نتناسى ونتجاهل مجدداً أن المسرح في العالم العربي هو مسرح مهرجانات، مسرح للنخبة، وقد غادره جمهور المدينة منذ زمن، وإن كنت أستثني من ذلك المسرح التونسي الذي استطعت مراقبة شغف الجماهير به ويمثل ثقافة حاضرة في الجسد الاجتماعي. لذلك لا داعي لإنتاج مصنفات يراد بها استهلاك المسرح واقتلاعه من جذره الاجتماعي، وتحويله الى شاشة الموبايل التي دفعت بالإنسان الى العزلة قبيل العزلة التي سببتها كورونا. المسرح لن يموت بسبب وباء عابر ولكن قد يسعى المسرحيون الى اغتياله بمسميات الأونلاين وغيرها من المصنفات القطيعية".
وكان أول مهرجان وعرض مسرحي أونلاين قد قدم بتاريخ 27 آذار/مارس الموافق لليوم العالمي للمسرح. ففي ظل الوضع الاستثنائي الذي أدى إلى غلق معظم المسارح وتأجيل العروض والمهرجانات وإلغائها، قررت إدارة مهرجان "ربيع الوفاء" للمسرح العربي في تونس، برئاسة المخرج نوار الضويوي، إقامة الدورة الأولى من المهرجان أونلاين. وتم بثها على صفحات ومواقع المهرجان بهذا التاريخ احتفالاً بيوم المسرح العالمي وتحدياً لفيروس كورونا.
لكن وفي الأثناء، أعلنت تونس تأجيل جميع المهرجانات المسرحية إلى مواعيد لاحقة، على غرار الدورة الثانية من "مهرجان عز الدين قنون للمسرح"، الدورة الثانية من "المهرجان الدولي للمسرح المحترف" في جندوبة والدورة التاسعة والعشرون من "مهرجان فرحات يامون الدولي للمسرح" في جربة. في حين من المقرر تنظيم الدورة 22 من مهرجان أيام قرطاج المسرحية العريق بشكل مباشر، من 5 إلى 13 ديسمبر/كانون الأول 2020.
وفي الجزائر جرى تأجيل الدورة الرابعة من "المهرجان الوطني للمسرح المحترف" بعد أن كان مقررا تنظيمه بين 19 و30 آذار/ مارس الفارط، كما تم تعليق جميع العروض وبث بعضها أونلاين.
"المسرح حضور وروح متبادلة"
ورغم انخراط الكثير من المسرحيين العرب في تجربة العروض أونلاين، يبدو أن مواقف الفاعلين والمنخرطين بأشكال مختلفة في هذا الفن لا يؤيد هذا الحل، على غرار الممثلة والمخرجة المسرحية التونسية خولة الهادف، التي ترفض بشدة فكرة اللجوء للعروض عن طريق الإنترنت كبديل عن الفرجة الحية للأعمال المسرحية.
وتقول: "إن اللجوء إلى العرض أونلاين هي فكرة تعكس النزوع إلى الحلول السهلة، بدل البحث عن خيارات لا تقطع الفعل المسرحي في شكله وطبيعته التي ألفتها الإنسانية منذ انبعاث هذا الفن. هناك نمط من الأعمال المسرحية الموجهة للعرض التلفزي وغيره، ولها ضوابطها وتقنياتها وظروفها الموضوعية الخاصة بها، ومن العبث إسقاطها على واقع المسرح كفن وحالة ثابتة بمقومات لا تتغير مهما كانت التحديات. وطريقة الأونلاين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعوض أو تكون بديلاً للقاء المباشر مع الجمهور. إنها لا تقوم إلا بإفراغ العرض من روحه وشحنته وانفعالاته. لقد سرقت التكنولوجيا الكثير من التفاصيل الجميلة في حياتنا، كسحر الكتاب الورقي الذي نكاد نفقده بعد أن بتنا نجد كل ما نريد على الشاشات ومجاناً، وبهجة الصحف صباحاً التي كادت تتلاشى هي الأخرى بسبب ما توفره لنا هذه التقنية من بدائل عنها، ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتسرب إلى أبي الفنون. لا يمكن أن تسحب من بين أيدينا كمسرحيين علاقتنا الجوهرية بالمسرح والجمهور. كما لا يمكن التغافل عن أن تصوير أي عمل مسرحي يتطلب احترافية عالية وتقنيات متطورة موجهة خصيصاً لهذا الغرض، وهو ما نفتقده كدول عربية".
وتعتقد الهادف أنه بالإمكان تنظيم عروض مباشرة مع الالتزام بالبروتوكولات الصحية المطلوبة، بدل إيقافها كما يجري حالياً.
"لا أستطيع استيعاب كيف يمكن أن يتم التوجه نحو غلق المسارح، في حين تبقى المقاهي والمطاعم والملاهي ناشطة رغم غياب كل شروط الوقاية في هذه الفضاءات..." هل يمكن أن يستمر المسرح في كوفيد19؟
وتشرح: "بالإمكان الالتزام بوضع القناع على الوجه، حمل المعقمات اللازمة وخفض أعداد الجماهير داخل قاعة العرض، وبهذا نضمن استمرار الفعل المسرحي دون إلحاق الضرر بمحبي هذا الفن. لا أستطيع استيعاب كيف يمكن أن يتم التوجه نحو غلق المسارح، في حين تبقى المقاهي والمطاعم والملاهي ناشطة رغم غياب كل شروط الوقاية في هذه الفضاءات. هذا المشهد إنما يؤكد كم أن الثقافة عموماً لا تحظى بمكانة تليق بها لدى الساسة في بلداننا، وهذا نلمسه على أكثر من صعيد، بدءاً بالميزانيات وصولاً إلى القرارات العشوائية فترة الأزمات".
"المهرجانات والعروض المسرحية إمّا أن تكون حية أو لا تكون"
أما الأكاديمي والناقد المسرحي المغربي عبد الواحد بن ياسر، فيرى أن المهرجانات والعروض المسرحية إما أن تكون حية أو لا تكون.
ويقول لرصيف22: "من المعلوم أن المسرح من بين بقية الفنون فن جمعي، يرتبط بتجربة اجتماعية جمعية، وهذا منذ نشأته الأولى باعتباره أقدم الفنون. ثم إن هذه الخاصية الاجتماعية الجمعية تتجلى في كل مستويات الممارسة الدرامية في الإبداع والأداء والتلقي. إنه جوهر المسرح وخصوصيته اللذان لا وجود حقيقي له بدونهما. ولذلك فإن مشاهدة مسرحية على النت ووسائل الاتصال الجماهيري والميديا لا تعادل إطلاقاً مشاهدتها داخل قاعة المسرح وبمعية جمهور حي ومتعدد. والمهرجانات هي الأخرى إما أن تكون حية حقيقية أو لا تكون، وما جرت إقامته حتى الآن كلقاءات على النت كان مجرد تعويض عن الغياب، وإيهام باللقاء الذي تنتفي أبسط شروطه ومقوماته الحضور. وهذه مسألة فلسفية و أنطولوجية لا يتسع المقام للخوض في كل أبعادها".
ويشرح قائلاً: "إذا تجاوزنا كل ذلك تقديراً لجهود من حاولوا الانخراط في تجربة الأونلاين، وحاولنا التسليم بجواز العروض المسرحية المسجلة، فإننا نواجه إشكالات أخرى تتصل بقيمة هذه العروض وجودتها، باعتبارها فرجة مسرحية ذات خصوصية. ويظهر أن جل ما تم تصويره من العروض المسرحية أونلاين لم يتجاوز كونه تسجيلاً سمعياً بصرياً، بآليات ووسائل تقنية لا تفي بالمطلوب، بل وتجعله بدون قيمة. هذا إلى جانب غياب الخبرة والدربة والكفاءة التي يتطلبها التصوير الحقيقي والمخصص للعرض المسرحي، الذي ينقل حيويته وزخمه وشحنته الدرامية."
"أبداً لن تعادل عروض ومهرجانات الأونلاين التجربة المسرحية الجمعية الحية والجيشان المسرحي الجماهيري"
ويتابع باستحضار بعض النماذج لتسجيلات أعمال مسرحية "ضمنت لها البقاء لعقود، بل وحتى بعد رحيل أصحابها." وبناء على ذلك، يقول، "إذا كان المسرح هو (فن العرض) فإن هذه التسجيلات تجعل هذه الأعمال تحياً ويستمر وجودها بيننا." ومن تجربيته الشخصية، يؤكد: "وقد شاهدت شخصياً بعضاً من هذه الأعمال في عروض حية قبل أربعة عقود من الزمن، واليوم أعيد مشاهدتها مسجلة، وأحس بنفس الوقع والأثر الجماليين، بفضل الحنكة والتمكن اللذين تتسم بهما عملية تصويرها، وإن كان ذلك في زمن لم تعرف فيه بعد التكنولوجيا السمعية البصرية كل هذا التقدم العاصف. أعطي هنا أمثلة محدودة فقط لذلك أعمال پيتر بروك، أريان منوشكين ، پاتريس شيرو، أنطوان ڤيتيس وغيرهم".
وختاما يقول: "أبداً لن تعادل عروض ومهرجانات الأونلاين التجربة المسرحية الجمعية الحية والجيشان المسرحي الجماهيري".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...