لا يوجد عمر محدد لممارسة الحرية، لكنه العمر الذي يستطيع فيه المرء التعبير عن مشاعره دون كبتها، كما يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل لكروا في كتابه "عبادة المشاعر": "أول ميزة للإنسان الشعوري هو أنه لا يخاف مواجهة مشاعره، لا يشعر بالتهديد أو الاحتقار أو العار عندما تجتاحه، لا يظهر الحاجة لكبتها، يعبر عنها ويديرها".
البعض في مصر، ربما بفعل الظروف الاقتصادية، انعدام اليقين في العمل والدخل المادي، وأحياناً لصراع طويل مع الموروثات الدينية والأعراف، اختبر اللذة والمتعة الجنسية للمرة الأولى في الثلاثينيات.
"كنت خايف"
يتحفّظ مينا فاضل (اسم مستعار)، عند الحديث حول تجربته الجنسية الأولى عن ذكر اسمه، معللاً ذلك: "مش عاوز حد يعرف اسمي، مش كل الناس أقدر أصرح لهم إني بعمل علاقات جنسية، ممكن بنات يخافوا يقربوا مني، ومش كل الناس هتقدر تفهم الحدود الشخصية".
يقول مينا إن أول مرة جرّب فيها ممارسة الجنس كانت وهو بعمر الثالثة والثلاثين، ولم يمنعه عن ذلك سابقاً تديّنه المسيحي الذي يُحرم ممارسة الجنس بين رجل وامرأة خارج مؤسسة الزواج التقليدية، وإنما الخوف من التجربة. ففي مراهقته كان ككل الشباب الذين لا يعرفون عن اللذة الجنسية والنشوة سوى الاستمناء على مشاهد ساخنة لا تتعدى الدقائق، أفلام إباحية محفوظة بشكل مخفي على جهاز الكمبيوتر الخاص، أو مكالمات ليلية مع فتيات يهوين هذا النوع من ممارسة الجنس عبر الهاتف.
مينا، وهو مولود في سوهاج، وهي محافظة تنتمي لصعيد مصر المعروف بأفكاره الأصولية، ويقيم حالياً في القاهرة، يشدّد على أن تلك التجربة غيرت كثيراً في شخصيته وأفكاره تجاه جنس النساء، وزادت معرفته حول ما يريدنه، والأهم، ما يريده هو لنفسه. كذلك زادت ثقته بنفسه وقدراته، إذ كان دائم الخوف تجاه قدراته الجنسية أو ما يمكن أن يقدمه لفتاة ليمتعها، ودحض أفكاراً مغلوطة عن ممارسة الجنس استقاها من أفلام ومواقع إباحية.
"في مراهقته كان ككل الشباب الذين لا يعرفون عن اللذة الجنسية والنشوة سوى الاستمناء على مشاهد ساخنة لا تتعدى الدقائق، أو مكالمات ليلية مع فتيات"
يشدد لكروا على أن أحد مراحل التحرر الشعوري للفرد هو أن يعيد تأهيل مشاعره بعد الاحتجاج على المحظورات الاجتماعية، لأن المجتمع، كان ولا يزال إلى يومنا هذا، يقمع ما يسميه "التجاوزات الشعورية" ويضع أمامها الحواجز، بزعم أنها تحدّ وتسيطر على الإحساس.
يحكي مينا عن تحولات شعورية أصابته بعد تجاربه الأولى لرصيف22: "ماعملتش ده قبل كده، عشان كنت خايف أو مش فاهم الستات عاوزة إيه، ولما جربت أعمل كده، جبت بنت لبيت بعيد عن العيلة. كنت بعمل زي ما بشوف في الأفلام، وحسيت إنه التجربة فادتني جداً، وكررتها أكتر من مرة، كنت مش بفهم تلميحات البنت اللي كنت مرتبط بيها، لكن لما مارست الجنس، بقيت بفهم عقلية البنات أكثر وتناقضاتهم النفسية ومشاعرهم، وفادني على المستوى الشخصي مع صديقاتي المقربات. باقيت بفهم الحكايات اللي بيحكوها عن قصص ارتباطهم، وأقدر أقدم لهم نصايح".
"ليس انحرافاً أخلاقياً"
"أنا مسلمة، ومتدينة، أنا بحب الدين الإسلامي وبصوم وبقرأ قرآن، أنا عندي دين وعارفة إنه العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج حرام، وضميري مش مرتاح 100%"، هذا كان التعليق الأول لأماني سمير (اسم مستعار) شابة قاهرية ثلاثينية، عاشت أول تجاربها الجنسية في سبتمبر الماضي.
تقول سمير لـرصيف22: "وصلت لنقطة إنه ربنا مش هيحاسبني بالطريقة دي، وإني مش هوصل لمرحلة الخلفة ومشكلة طفل من حرام، أنا تخطيت الثلاثين وبقالي 3 سنين مش مرتبطة، ومدخلتش في علاقة ارتباط عاطفي وعندي احتياجات عاطفية وجنسية عاوزة أشبعها".
تحترم أماني رغباتها وكذلك دينها، لكنها ترى أن الله لن يعاقبها لأنها قررت أن تعبر عن مشاعرها، وأنها لن تضطر أو تتورط بالزواج فقط لتشبع تلك الرغبة، وأن يكون زواجها نابعاً عن إرادة حرة وصادقة، وغير مدفوع فقط بالاحتياج الجنسي.
لم تعش أماني مراهقتها بالمعنى الذي نعرفه: طموح وجموح وسفر واكتشاف للجسد عبر الجنس الآخر، رغم انتمائها لعائلة ليست أصولية، وبدأت تجرب أشياء للمرة الأولى، مثل تجربة السفر برفقة شاب، حينما تخطت الثلاثين.
"أول مرة أسافر مع راجل كانت في سبتمبر الماضي، وكانت بغرض العطلة، شخص مستلطفاه وشيك في أسلوبه، مضغطش عليا وحسيت بالأمان إني أعمل سكس معاه، نزلنا البحر وشربنا وكلنا وعملنا سكس، واحنا مش مرتبطين، ودي أول مرة أعمل حاجة خارج نطاق الارتباط".
تقول أماني، والتي تعمل في مجال الديجيتال ماركتينج: "أنا لم أعش مراهقتي، لكن ما يحدث الآن ليس انحرافاً أخلاقياً، لأن الصح والخطأ نسبي، ولأن ربما هناك من تغيرت أفكاره، وهناك من كانت هذه أفكاره من البداية وكان خائفاً. في فترة العشرينيات لم أكن بهذا الانفتاح. فمثلاً جربت أول رشفة من الكحوليات حينما كنت في الـ 28، ومكنتش بسافر مع حد غير العيلة، أول مرة أسافر مع بنات بس كان عندي 27 سنة، الموضوع من ساعتها فتح معايا وبقت تتكرر".
"ليتها كانت العشرينيات"
يتحسّر أحمد هادي اسم مستعار (35 عاماً)، أنه لم يجرب الكحول وممارسة الجنس في العشرينيات من عمره، يقول لرصيف22: "كان نفسي ده يحصل في العشرينات، لكن الظروف خلت الواحد يبقى كده، والنضوج في الأفكار والمشاعر والمفاهيم غيرتني".
يتحدث أحمد المنتمي لأحد المدن الريفية بالصعيد، بامتنان لتجربته في شرب الكحول وتدخين الحشيش، كانت أول مرة عام 2013، في جلسة مع أصدقائه: "يمكن تكون مسكنات لقلق بايت وأرق مستمر بسبب ضغوط الحياة، لكن اليوم اللي بعمل فيه كده بيكون يوم لطيف، بتمنى يستمر، وبعمل أحسن شغل"، مضيفاً: "كنت خايف أجرب الكحول بسبب تأثير السينما المصرية، إنه أي حد بعد أول كاس بيقول أنا جدع، لكن ما حصلش، وحسيت إني بكون مبسوط".
"كنت خايف أجرب الكحول بسبب تأثير السينما المصرية".
رغم أن أول مرة يرى فيها أحمد الكحول كانت في منزله، تسلل وهو بعمر المراهقة إلى غرفة والده بحثاُ عن حلوى "مولد النبي"، ليجد والده يخفي زجاجة "ريد ليبل" في دولابه.
يعود أحمد عشرين عاماً إلى الوراء، يتذكر متأسفاً مراهقته والتربية المغلقة التي نشأ عليها، حيث كان يخاف أن يغضب والده بأي شيء، مثل التدخين وشرب الخمر أو تقبيل أي فتاة.
"الكبت لا يشكل حلاً مرضياً"، هكذا يرى ميشيل لكروا في كتابه "عبادة المشاعر" التأثير النفسي للتربية المنغلقة، ويؤكد أنه "رغم إنكارها، لكن تبقى المشاعر حاضرة وتتخمر تحت الغطاء الواقي للدفاعات النفسية، تمارس ضغطاً صامتاً وشديداً فتصبح شيئاً فشيئاً مرضية، ويصبح الشخص معذباً بالخوف من الإحساس بالمشاعر؛ فيخشى أن تقوم باكتساحه وغمره، ويخاف من إطلاق العنان لها".
يعود أحمد عامين للوراء، وتحديداً في العاشر من يناير عام 2018، حينما مارس أول علاقة جنسية له. كان بعمر الـ 33 ولم تكن كاملة، ويصفها أنها كانت محاولة لاكتشاف جسمه ونفسه عن طريق شخص آخر، وتعجب من نفسه عقب انتهاء العلاقة، حيث بدأ بتجنب الفتاة. يقول: "لازلت برضه مع كل تجربة جنسية بكون مستغرب، وبعدها بتعامل بشكل غريب وبابعد، والبعض بيحس إني قليل الذوق، بتعامل زي القطط، عاوز أنعزل مع نفسي عشان أفهم ايه اللي بيحصل".
"أرضي احتياجاتي فقط"
أما دينا (اسم مستعار) 37 عاماً، مولودة في مدينة الإسكندرية التي كانت في الماضي تتمتع بمناخ ليبرالي حر، يجمع جاليات أوروبية مختلفة حتى منتصف القرن الماضي، فرنسيون وإيطاليون وإنجليز وغيرهم، فلم تحدد شكلاً لحياتها الجنسية، إلا حينما تخطت الثلاثين.
تقول دينا التي تعمل بالمحاماة، إنها لم تعد تفكر في الزواج بسبب خيبات أمل عاطفية عديدة وقعت بها، لذلك قررت أن تقضي ثلاثينياتها وهي ترضي احتياجها الجنسي فقط، مع أصدقاء من الرجال تثق بهم، من دائرة محدودة وصغيرة من المقربين.
"عاوزة ألتفت لحياتي وأؤسس نفسي وأشتغل كتير. ممكن أعمل سكس من وقت للتاني بس مع أصدقاء، مش بدخل علاقات عاطفية، لكن عندي أكتر من صديق بعمل معاهم سكس، وعلى حسب مين اللي فاضي فيهم"، تقول دينا.
"كان نفسي ده يحصل في العشرينات، لكن الظروف خلت الواحد يبقى كده، والنضوج في الأفكار والمشاعر والمفاهيم غيرتني"
تعلق نور أحمد، أخصائية نفسية لـرصيف22، أنه بعد أن يبدأ الشخص هذه التجارب في سن كبيرة يكون عنده شراهة أن يجربه كثيراً، سواء تجارب جنسية أو عاطفية، ويصبح "اكستريم بها"، أي أن يصل إلى الحد الأقصى مع الرغبة، ففي فترات المراهقة تكون ذروة الطاقة والشهوة والاندفاعية، يكبتون بها طاقة اكتشاف التجارب الجنسية والذات من خلال الجنس الآخر.
وأضافت أحمد: "حينما يصلون إلى النقطة التي كان من المفترض تجربتها وقت المراهقة في سن كبيرة نسبياً، يكونون متطرفين ولديهم اندفاعية، وقد يجربون أكثر من علاقة في الأسبوع ومع أكثر من امرأة، وليس لديه موانع لذلك وعلاقات ضارة لهم".
أما السبب، فتشير نور إلى أن "صاحب هذه التجربة قد يكون من الأشخاص الذين كان لديهم أفكار ومعتقدات متمسك بها لفترة طويلة من الوقت، لكن شعر أنها ليست لها فاعلية، فيذهب إلى أفكار أخرى، أو أن يكون من بيئة مغلقة وليس لديه فرصة، وحينما يذهب إلى مدينة بها قدر من الحرية ويلتقي أناساً منفتحين فيتساءل عن أفكاره المغلقة وجدواها، ويبدأ التجربة، وتكون السمة العامة لهذه المرحلة هو التطرف في الرغبة".
وتعتقد الأخصائية النفسية نور أحمد أن هذا الشخص يتساوى مع من تزوج في سن مبكر، في أوائل العشرين مثلاً، فيشعر أنه لم يعش حياته ولم يتعرف على الجنس الآخر بشكل جيد، وأنه فاتته متع في الدنيا لم يجربها. فيلجأ إليها بعدما يكون ملّ من شريكه في العلاقة، سواء زوج أو زوجة، ويكون لديه طاقة خارج البيت في التجربة مع سيدات أخريات أكثر من زوجته، يخرج ويسهر معهم وينفق عليهم ويجلب لهم هدايا. أما إذا كان لديه الفرصة لتجربة واكتشاف الجنس الآخر في عمر مبكر في المراهقة، باستثناء أن يكون الشخص متعدد العلاقات "نسوانجي"، فيتسم هذا الشخص بالاستقرار والنضج العاطفي، فقد عرف وجرب كثيراً، ويبحث عن علاقة عاقلة بها استقرار، وتتسم اختياراته بالنضج وخبراته إيجابية آنذاك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون