بعد 45 عاماً على رحيله، لم يتوقف خلالها الجدل حول شخصيته و"دوره الوطني"، أظهرت وثائق الفاتيكان كيف سعى مفتي القدس الراحل وأبرز الزعماء الفلسطينيين في زمانه، أمين الحسيني، إلى الفوز بدعم البابا بيوس الثاني عشر، بابا الفاتيكان، في معارضة قيام دولة اليهود على أرض فلسطين.
ظل أرشيف الفاتيكان بشأن فترة البابا المثير للجدل الذي عرف أحياناً بـ"بابا هتلر" بين عامي 1939 و 1958 غير متاح لعقود، وسط اتهامات لبيوس الثاني عشر بـ"غض الطرف والتزام الصمت" إزاء المحارق النازية لليهود (الهولوكوست)، فيما ادعى الفاتيكان أن بيوس عمل وراء الكواليس لإنقاذ اليهود. مطلع العام الجاري أتيح هذا الأرشيف للمؤرخين.
في كتابها "A Liminal Church" الذي يركز على تورط الكنيسة في نزاعات الشرق الأوسط، نشرت المؤرخة الإيطالية ماريا كيارا ريولي الرسائل المتبادلة بين الحسيني وبيوس حول الموقف من إقامة إسرائيل.
ما فحوى رسالة الحسيني؟
في رسالة الحسيني إلى البابا، بتاريخ 23 تموز/ يوليو عام 1947، طلب مفتي القدس العام الراحل المساعدة ضد إقامة إسرائيل وتجنب "الخطر" على عرب فلسطين.
كتب الحسيني أنه يرغب في "تعزيز الروابط الودية" بين الكرسي الرسولي و"العالمين العربي والإسلامي" من أجل "تجنب أخطار مبادئ التدمير الخطيرة للغاية" التي تهدد كل الأديان وكل المعتقدات وكل الآداب". لم يستخدم الحسيني كلمة "صهيونية"، لكن بدا واضحاً من السياق أن هذا ما كان يشير إليه.
"أوفى أصدقاء هتلر من الساسة المسلمين" و"الأب الروحي للعلاقات العربية الإسلامية مع ألمانيا النازية"... حقيقة سعي المفتي أمين الحسيني إلى كسب دعم الفاتيكان ضد إقامة دولة إسرائيل؟
أخبر المفتي الأكبر البابا أيضاً، في الرسالة، أن "دعم الكرسي البابوي الجليل للقضية العربية لفلسطين" من شأنه أن يثير "الامتنان العميق" من العالمين العربي والإسلامي.
كانت الرسالة، التي استبقت بأربعة أشهر موافقة الأمم المتحدة على خطة التقسيم التي مهدت الطريق لتأسيس إسرائيل، قد جرى تسليمها إلى البابا عن طريق المطران جورج حكيم (مكسيموس الخامس)، الذي عُرف بعدائه للصهيونية وتعرّفه الصحافة الإسرائيلية بـ"مبعوث المفتي بالرداء الكهنوتي". يقال إن حكيم أبلغ البابا آنذاك أن المفتي قد يكون حليفاً محتملاً للكرسي الرسولي في الشرق الأوسط.
جاءت الرسالة بعد ست سنوات من لقاء الحسيني بهتلر الذي طلب دعمه لإنشاء دولة عربية موحدة تضم العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين. في الحالتين، لم تحقق مناشدة الحسيني هتلر عام 1941 والبابا عام 1947 مراده.
كان رد البابا عليه مراوغاً. في الرسالة التي أرسلها إلى الحسيني، تحدث عن "الاهتمام الذي لم يتوقف الكرسي الرسولي بأرض فلسطين المقدسة" وتمنى "سلاماً عادلاً وحقيقياً من خلال التفاهم والاتفاق المتبادل واحترام حقوق الجميع.
واختتمت الرسالة بتعهد البابا التزامه، "كما سعى دائماً، للترويج عبر سلطته السامية وضمن رسالته الروحية لإنشاء النظام التوافقي الذي يؤدي إلى سعادة الجميع".
في رسالته إلى البابا بيوس الثاني عشر، حاول مفتي القدس أمين الحسيني إغراء الفاتيكان بـ"تعزيز الروابط الودية" بين الكرسي الرسولي و"العالمين العربي والإسلامي" لـ"تجنب أخطار مبادئ التدمير الخطيرة للغاية" التي تهدد كل الأديان والمعتقدات والآداب"، في إشارة إلى "الصهيونية"
الحسيني وهتلر
خلال حياته (1895-1975) ومنذ وفاته، لم يتوقف الجدل حول الدور النضالي ضمن القضية الفلسطينية للحسيني الذي طالما وصف بأنه "أوفى أصدقاء هتلر من الساسة المسلمين" و"الأب الروحي للعلاقات العربية الإسلامية مع ألمانيا النازية"، وذلك على خلفية دعوته إلى الانخراط في الجهاد بالجيش الألماني وتشكيله فرقةً من 20 ألف مقاتل مسلم ضمن جيش هتلر وذلك إبان زيارته إيطاليا ثم ألمانيا عام 1941.
ويعتقد أن الاتصالات بين هتلر والحسيني بدأت عام 1933، وأن الحسيني قاد سلسلة من المراسلات السرية بين هتلر وعدد من القادة العرب، قبل أن يقابل هتلر للمرة الأولى بعد ثماني سنوات من المراسلات الدبلوماسية.
لكن هذا التعاون مع هتلر الذي دعم الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) من أجل إثارة اضطرابات في المستعمرة البريطانية على أمل أن تمتد الاضطرابات إلى عموم المنطقة العربية، يعتقد أنه كان وبالاً على الفلسطينيين ولم يؤت مكاسبه المرجوة.
برغم كل ما سبق، يحسب للحاج أمين الحسيني دفاعه المستميت عن الأراضي الفلسطينية وفتواه الشهيرة بأن أي عربي يبيع أرضه لليهود يعتبر "خارجاً عن الإسلام" ولا يجوز أن "يدفن في مدافن المسلمين".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com