حين ظهرت سيلفيا رومانو في مطار شامبينو في روما، كانت ترتدي حجاباً أخضراً طويلاً يُشبه ثوب الصلاة. لم تكن مجبرة على ذلك، فهي قد وصلت أخيراً إلى بلادها بعد رحلة طويلة من الخطف بدأت في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2018 على يد مسلحين في كينيا. "الآن اسمي عايشة"، كان هذا ما أسرّت به رومانو أولاً للطبيبة النفسية التي رافقتها في رحلة العودة على الطائرة العسكرية إلى إيطاليا، وعند وصولها كان الخبر قد انتشر. "رومانو اعتنقت الإسلام، وهي مقتنعة بخيارها"، هذا ما نقلته الصحافة الإيطالية.
بموازاة الانشغال بتفاصيل الصفقة وما إذا كانت الحكومة الإيطالية قد دفعت فدية للخاطفين أم لا، احتلّ خبر دخول رومانو الإسلام والأبعاد النفسية لذلك حيّزاً لا بأس به من النقاش والجدل.
كانت رومانو (25 عاماً) تعمل في منظمة إغاثية تُدعى "أفريكا ميليلي" تهتم بتعليم الأطفال، عندما تعرضت للاختطاف في قرية شكامة، على بعد ثمانين كيلومتراً من مدينة ماليندي شرقي كينيا، بعد ذلك جرى تسليمها لعناصر من "حركة الشباب" (التابعة لـ"القاعدة) الذين نقلوها بدورهم إلى الأراضي الصومالية.
بُثّت فيديوهات عدة لرومانو أكدت أنها لا تزال على قيد الحياة، وعلى ما أوضحه رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي فقد بدأت "على مدى الشهور الماضية" عملية تحريرها، بتعاون من جهاز الاستخبارات الإيطالي مع نظيره الصومالي والتركي (الذي يمتلك نفوذاً واسعاً هناك حسب وصف صحف إيطالية)، إلى أن عُثر على رومانو في الصومال، على بعد نحو 30 كيلومتراً من العاصمة مقاديشو.
في الصحافة العالمية، جرى الحديث عن فدية وصلت إلى أربعة مليون يورو لتحرير رومانو، لكن الصحافة الإيطالية تحدثت عن أن الفدية التي دفعتها إيطاليا كانت 1.5 مليون يورو إضافة إلى ما يُمكن أن يكون قد دُفع تسهيلاً لعملية التفاوض. استندت الصحافة الإيطالية إلى ما أعلنه كذلك جهاز الاستخبارات الصومالي، بينما تصر السلطات الإيطالية على نفي أي تحويل للأموال.
دفتر ملاحظات وقرآن
رحلة رومانو مع الخطف كانت متعبة جسدياً، إذ جرى نقلها بين أماكن مختلفة وكان الأمر يتطلب ساعات مشي طويلة والهرب من الاستهداف الأمني، أما رحلتها النفسية وصولاً إلى اعتناقها الإسلام فهي ما لاقت الاهتمام الأوسع عالمياً. وفي إيطاليا، انقسم الجدل بين احترام خيار رومانو باعتباره حرية شخصية، وبين من ربط الأمر بـ"متلازمة ستوكهولم" والتعاطف مع "العدو"، وبين من وصل حد شتمها.
في حديثها مع المدعي العام الإيطالي، كما نقلت صحيفة "كورييري ديلا سيرا"، قالت رومانو: "كنت يائسة، كنت أبكي دائماً. الشهر الأول كان فظيعاً". كانت شديدة التأثر في كلامها، ثم هدأت بعض الشيء وأضافت: "قالوا لي إنهم لن يؤذوني، وسيعاملونني معاملة جيدة. طلبت دفتر ملاحظات، علمت أنه سيساعدني".
"كنت دائماً في غرفة بمفردي، نمت على الأرض فوق بعض الملاءات. لم يضربوني ولم أتعرض للعنف أبداً"، تابعت كلامها. ورداً على ما أُشيع حول إجبارها على الزواج من أحد الخاطفين وحملها منه، قالت رومانو: "لم أُجبر على فعل شيئ. كان الخاطفون يحضرون الطعام، ووجوههم مغطاة دائماً. كانون يتكلمون لغة لا أعرفها، وربما لهجة ما".
كان أحد الخاطفين يتكلم الإنكليزية قليلاً، فطلبت منه رومانو كتباً للقراءة، وبعدها طلبت القرآن. تقول الصحيفة الإيطالية إنه ربما في تلك اللحظة، بدأ تحول الفتاة الإيطالية نحو الإسلام، وتنقل عنها "كنت محبوسة في الغرفة، أقرأ وأكتب. وفي القرى حيث كنت، سمعت مرات عدة في اليوم صوت المؤذن وهو يدعو المؤمنين للصلاة".
عادت سيلفيا رومانو محررة من عملية خطفها في الصومال على يد "الشباب" مسلمة باسم عايشة... في إيطاليا، انقسم الجدل بين ضرورة احترام خيارها، وبين من ربط الأمر بـ"متلازمة ستوكهولم" والتعاطف مع "العدو"، وبين من وصل حد شتمها ووصفها بـ"الجاحدة"
انغمست رومانو في قراءة القرآن والصلاة، ثم قالت إن ذلك أصبح قرارها. واختارت اسم عايشة لسببين، حسب ما نُشر في الصحف، لمعناه الحرفي القائل بأنها "على قيد الحياة" ولقصة صاحبة الاسم الأساسية "زوجة النبي محمد والأكثر قرباً منه".
جدل إيطالي حول إسلام رومانو
تعليقاً على قرار رومانو، قالت الصحافية في "كورييري ديلا سيرا" فيورنزا سارزاريني إن الأيام المقبلة تحدد ما إذا كان اعتناق الشابة الإيطالية للإسلام نابعاً عن قناعة، أم أنه أتى تحت تأثير الضغوط النفسية التي تعرضت لها خلال أشهر الخطف. هذا التأثير جرى ربطه بمتلازمة ستوكهولم التي تجعل المخطوف يتعاطف مع الخاطف، وأحياناً يبني صلة تضامن معه لا سيما وأنها تحدثت عن "معاملة الشباب الإنسانية" وعن اضطرارهم لتغيير أكثر من ست أماكن بفعل الحرب الأهلية الدائرة في الصومال.
حديثها عن "المعاملة الإنسانية" وصورتها بالحجاب دفعا صحيفة "لا ريبوبليكا" (تُعبّر عن توجه يسار الوسط لإيطاليا) لعنونة خبرها عن رومانو بـ"فوز مزدوج لحركة الشباب".
وكتبت الصحيفة قائلة: "مع خطف رومانو، حصل الشباب على فوز مزدوج، ليس فقط من الناحية المالية، بل أيضاً لناحية الشق الدعائي لهم. اعتناق الشابة للإسلام لم يكن بالقوة كما أعلنت هي بنفسها بل عن قناعة، وهو ما يعطي للحركة صورة جديدة. ينقلهم من إرهابيين مجرمين إلى سجانين تملؤهم الرحمة استطاعوا أن يُقنعوا سجينهم باعتناق دينهم".
"لم أُجبَر على فعل شيئ"... هذا ما قالته سيلفيا رومانو بعد عودتها من الخطف على يد "الشباب" في الصومال، معلنة اعتناقها الإسلام، لتلقى ردود فعل سلبية، في مقابل من قال "لو عادت في تابوت كمسيحية، ستكونون أكثر سعادة؟"
وفي نبرة أكثر حدة، دعت بعض صحف اليمين إلى رفض هذا التحول الديني الذي وصلت حد تشبيهه بالخيانة. صحيفة "إل جورنالي" عنونت أحد أخبارها بـ"مسلمة وسعيدة، سيلفيا الجاحدة"، في وقت قالت "ليبيرو كوتيديانو" في أحد أخبارها معترضة: "لقد حرّرنا مسلمة".
في المقابل، علّقت مثلاً الناشطة والمتحدثة باسم حركة "سردين ضد سالفيني" المناهضة للفاشية والتي تأسست عام 2019 جاسمين كريستالّو قائلة في عدد من المنشورات: "ليس كل المسلمين إرهابيين كذلك ليس جميع الكهنة الكاثوليك من المتحرشين بالأطفال… هذا البلد (إيطاليا) يحمي حرية العبادة، وبالتالي ليس هناك ما يدعو لتوقيف من يعلنون اعتناقهم الإسلام".
وذكرت كريستالّو بالصحافي غابرييلي تورسيلّو الذي كان قد اختطف في أفغانستان عام 2006، ثم أعلن اعتناقه للإسلام وقال إن القرآن ساعده ووجد فيه العزاء، متسائلة "ما هو الإيمان إن لم يكن أداة للراحة؟".
وانتشرت صورة تعبيرية لرومانو تحتضن والدتها بينما تقول "لقد كنت قوية، وصمدت"، بينما ترد الأخيرة قائلة "أخشى أن عليك البقاء كذلك حتى الآن"، وذلك للتعبير عن الحملة التي واجهتها رومانو بعد عودتها "مسلمة" من الخطف.
وتحدث معلقون عن رومانو التي عادت مبتسمة ولم توجه أية كلمة كراهية، فيما تساءل أحدهم رداً على المعترضين بخصوص إسلام رومانو قائلاً: "ماذا لو عادت في تابوت ومسيحية، ستكونون أكثر سعادة؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...