شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"أشبه بكبسة زر"... ما سر انجذابنا السريع لبعض الأشخاص؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 20 أكتوبر 202006:24 م

"ناس منتلاقى فيهن مننساهم بعد الملقى، ناس منتلاقى فيهن بتعزّ علينا الفرقة، وناس منترافق عدروب نحنا وياهم، مندوب ومين بيعرف شو المكتوب، منفارق ولا منبقى. هيدا القلب وحكم القلب هو بيختار وبيحب قلوب بتتهنى بالحب وقلوب بتبقى محترقة"، هذا بعض ما جاء في أغنية "حكم القلب" للفنان اللبناني وائل كفوري، متحدثاً عن نوعين من الأشخاص الذين نصادفهم في حياتنا: أولئك الذين نرغب بأن يرافقونا في مشوار الحياة وأولئك الذين ننساهم بسرعة ويمرون كلمح البصر في حياتنا، دون أن يتركوا وراءهم أي أثر في نفوسنا.

والواقع أن التقارب السريع مع بعض الناس يكون أحياناً أشبه بـ "كبسة زر"، بحيث نلتقي بشخص ما عن طريقة الصدفة، فنشعر فوراً وكأننا نعرفه منذ وقت طويل، وأثناء الحديث معه نختبر حالة غريبة من الانجذاب الشديد والفوري، ونحسّ بصدمة كهربائية غريبة تسري في عروقنا.

لكن ما سبب هذه "الكيمياء" المفاجئة بيننا وبين شخص غريب عنّا تماماً؟ ما الذي يجعل محادثاتنا مع بعض الأشخاص جذابة للغاية ومعبرة وتشكل مدخلاً لعلاقات وطيدة، في حين تمر بعض الوجوه الأخرى في حياتنا بشكل عابر؟

شرارة التواصل

تقوم اليراعات أو الخنافس المضيئة بإنتاج ومضات ضوئية من جسمها من أجل التواصل وإيجاد الشركاء، وبالرغم من أن الإنسان لا يتمتع بهذه الخاصية، إلا أن هناك "ارتباطاً خاصاً" (click) يحدث أحياناً بين الأشخاص من دون أن يكون هناك سبب واضح لذلك. بمعنى آخر، قد نقابل شخصاً ما، وفي غضون دقائق قليلة نشعر بأن هناك "شرارة" وُلدت بيننا وبينه، ونكون على يقين بأن هناك علاقة وثيقة ستتوطد بيننا، سواء كانت تندرج ضمن إطار الصداقة أو الحب.

واللافت أنه غالباً ما يؤدي تبادل الآراء ووجهات النظر إلى تعزيز التواصل مع الآخر، فقد نكتشف أننا نتشارك في نفس الهوايات أو الذوق الموسيقي، أو أنه لدينا نفس المواقف وردات الفعل تجاه الأخبار السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

نلتقي بشخص ما عن طريقة الصدفة، فنشعر فوراً وكأننا نعرفه منذ وقت طويل، وأثناء الحديث معه نختبر حالة غريبة من الانجذاب الشديد والفوري، ونحسّ بصدمة كهربائية غريبة تسري في عروقنا

وبغض النظر عن طبيعة الحديث الذي يدور بيننا وبين الآخر، من المرجح أن تختلط النكات وتمتزج الضحكات مع بعضها البعض، ويبدأ سرد القصص المشوقة والمثيرة، وكل ذلك قبل أن نكتشف حتى اسم الشخص الذي يقف قبالتنا أو وظيفته أو وضعه الاجتماعي، فالشعور بالتواصل المتبادل يكون أقوى من جميع التفاصيل الصغيرة.

في كتاب Click, The Magic Of Instant Connections تحدث المؤلفان، روم وأوري برافمان، عن "التقارب السريع"، ووجدا أن هناك 5 عوامل تظهر مرة تلو الأخرى في سياقات مختلفة، وتؤدي إلى ما يعرف بـ "سحر التواصل" بين الطرفين، هذا وقد اعتبرا أن فهم هذه العمليات المختلفة سيجعل من السهل التواصل مع الناس، وشرح لماذا تكون أحياناً أسباب التقارب مع شخص ما أكثر وضوحاً وأقل مصادفة مما قد نعتقد.

في البداية، تحدث المؤلفان عن أهمية الانفتاح ودوره في جعل الشخص الآخر في المقابل صادقاً وشفافاً، بحيث أن إقدامنا على الكشف عن بعض التفاصيل في حياتنا، ولو كانت صغيرة، سيريح الشخص الجديد على الفور.

وهكذا بمجرد اجتياز هذا الحاجز الحميمي، يصبح التواصل أسهل بكثير، فالانفتاح يساعد الشخص الآخر على الوثوق بنا، لأن البوح ببعض التفاصيل الشخصية يعني بأننا نعرض نفسنا لخطر عاطفي، نفسي أو جسدي، ولكننا في الوقت نفسه نقوم بإنشاء بيئة يمكن أن تؤدي إلى اتصال فوري بنقرة واحدة.

وعن هذه النقطة، قال أوري: "في العادة يستغرق الأمر أسابيع أو شهوراً قبل أن يشعر معظمنا بالراحة حقاً مع شخص جديد". يجب أن نكسب ثقة الشخص الآخر، أن نجد لغة مشتركة، نفهم مراوغات بعضنا البعض ونقيم رباطاً عاطفياً، لكن في بعض الأحيان يتم تسريع هذه العملية بشكل كبير، ويتشكل الاتصال بطريقة سحرية تعرف بـ "الألفة السريعة".

بالإضافة إلى ذلك، تحدث المؤلفان عن عامل آخر وهو القرب، بحيث اعتبرا أن المسافة القريبة بيننا وبين الآخر تشكل عنصراً مهماً من عناصر الانجذاب السريع، بخاصة في حال كنّا نلتقي مع الطرف الثاني ونراه بشكل مستمر.

ولكن ليست المسافات القريبة هي التي تكمن وحدها وراء الانجذاب السريع للآخر، وإلا لكنّا اكتفينا جميعنا بعلاقتنا مع الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من منزلنا أو الذين يشاطروننا المكتب. والواقع، إن هناك عاملاً آخر يلعب دوراً كبيراً، وهو ما أسماه روم وأوري برافمان "الصدى"، أي الشعور بالراحة مع أنفسنا حين نكون مع الآخر، وتلك اللحظة التي نحكي فيها قصة مضحكة ونعلم أن الجميع سيضحك عليها، أو عندما نستمع إلى الموسيقى ونفقد إحساسنا بالوقت وبالعالم الخارجي. وعليه، عندما نتمكن من خلق هذا الشعور في محادثة مع شخص آخر، فهذا يعني بأننا على الدرب الصحيح.

بالإضافة إلى ذلك، تحدث كل من روم وأوري برافمان عن عامل آخر وهو "التشابه"، مشددين على أن البشر يبحثون دوماً عن مجموعاتهم، أي الأشخاص الذين يشبهونهم: "هذا الدافع متجذر بعمق لدرجة أنه حتى المحادثات غير الرسمية التي تكشف عن أوجه التشابه تؤدي بشكل طبيعي إلى استجابة المجموعة"، وفق أرون، الذي أضاف: "عندما يرانا شخص ما كجزء من مجموعته، من الأسهل كثيراً أن نحب هذا الشخص في المقابل".

وفي الختام، ذكر المؤلفان أهمية البيئة في موضوع التقارب، إذ تشير مجموعة متزايدة من الأبحاث إلى أنه كلما زادت حدة الشدائد، كلما كانت الروابط أقوى، فمن المرجح أن تؤدي الشدائد المشتركة إلى خلق علاقة عميقة، ولعلّ قصص الأشخاص الذين نجوا من الكوارث وبقوا على اتصال وثيق هو خير دليل على ذلك.

مسار معقد

في حديثه مع موقع رصيف22، شدد الأخصائي في علم النفس هاني رستم، أن الـ "Click" بين الأشخاص ليست سحراً، بل هي عبارة عن مسار معقد في الدماغ، يحتاج عقلنا الواعي إلى جزء من الثانية لاستيعابه.

وكشف رستم عن بعض العوامل التي تؤدي إلى الانجذاب السريع الذي قد نشعر به نحو بعض الأشخاص، على رأسها الحاجة إلى التواصل مع الآخر، أي نظرية الـ social engagement (الارتباط الاجتماعي): "الإنسان لا يستطيع أن يعيش من دون أن يكون منفتحاً ويتواصل مع الآخر"، على حدّ قوله.

وأضاف هاني أن الشعور بالأمان يساعد على كسر الحواجز بيننا وبين الآخر: "إذا كان الشخص المقابل لا يقوم بإطلاق الأحكام المسبقة، ويقابلنا بابتسامة ولديه انفتاح، فهذه كلها أمور تخلق لدينا الشعور بالأمان".

وفي السياق نفسه، تحدث رستم عن التشابه الذي قد يعزز عملية التواصل: "يمكن الشخص الثاني بذكرنا بحدا منعرفوا أو منتذكر حالنا فيه، وغيرها من الأمور المألوفة بالنسبة إلنا سواء في الوعي أو اللاوعي"، مضيفاً بأن التحفيز قد يكمن أيضاً وراء الانجذاب السريع للآخر: "هناك استفزاز في محل معيّن، تحدٍّ في اللاوعي يخلق لديّ حشرية لأعرف الشخص الآخر، فهذا الغموض الذي يحيط أحياناً بالطرف الثاني قد يحرّك في داخلي حشرية لأفهم هالشخص الغامض وشو فيه وراه".

الإحساس بالواقع المشترك

الـ click هو هذا التواصل الفوري والعميق والهادف الذي يحدث مع الآخر، ويشكل حالة فريدة ويغير بشكل دائم الطبيعة الأساسية للعلاقة، فيكون كل ما يقوله الشخص الآخر وكأن له صدى في داخلنا، كما أن إيقاعات الكلام تكون متطابقة، وتتدفق المحادثة بسلاسة مثل المياه، من دون أن يكون هناك صمت محرج أو سوء فهم.

واللافت أن العديد من الأحاديث، سواء كانت مع أحد معارفنا الجدد أو مع صديق/ة قديم/ة لنا، تدور حول العالم من حولنا بدل التحدث عن أنفسنا، الأمر الذي قد يقربنا من بعضنا البعض.

الـ click هو هذا التواصل الفوري والعميق والهادف الذي يحدث مع الآخر، ويشكل حالة فريدة ويغير بشكل دائم الطبيعة الأساسية للعلاقة، فيكون كل ما يقوله الشخص الآخر وكأن له صدى في داخلنا، كما أن إيقاعات الكلام تكون متطابقة، وتتدفق المحادثة بسلاسة مثل المياه

وصفت مايا روسينياك ميلون، عالمة النفس في جامعة كولومبيا، هذا الأمر بمصطلح "فهم العالم معاً"، مرجحة أن يكون هذا سر العلاقات الجيدة.

في الواقع، ركزت معظم الأبحاث التي تدرس العلاقات من الناحية النفسية على شعور الناس تجاه بعضهم البعض، غير أن ميلون اعتبرت أن ما تفتقده هذه الدراسات غالباً هو الشريك الثالث في أي علاقة: الواقع المشترك.

واستشهدت مايا بالكاتب سي إس لويس الذي لاحظ أن "ما يجذب الناس ليكونوا أصدقاء هو أنهم يرون نفس الحقيقة. أنهم يشاركونها"، مضيفة بأنه "في علاقة طويلة الأمد، فإن الإحساس بالواقع المشترك يمكن أن يصبح مثل عدسة واحدة، يقوم الشركاء من خلالها بتصفية العالم من حولهم، تتلاقى العقول وتتزامن وتندمج".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image