شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"أقل عرضة للفساد ويحمين المعنفات وينشرن أجواء ودية"... أن تكون القاضية امرأة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 22 أكتوبر 202004:43 م

في عام 1961 كانت هي المرة الأولى، التي تتولى فيها المرأة العربية منصب قاض، وكانت مغربية، ومنذ ذلك الحين، تواجه مناخاً متشككاً في قدراتها، ودورها في مهام احتكرها الرجال لفترات طويلة.

وتشير تقارير إلى وجود أكثر من 10000 قاضية عربية، بعدما تغلبن على صعوبات كثيرة واجهتهن، تتلخص في نظرة مفادها أن المرأة لا تصلح للقضاء.

وذكرت دراسة تابعة للأمم المتحدة، صدرت عام 2019 بعنوان "المرأة في القضاء العربي" أن الجهات الفاعلة في المنظومة القانونية في المنطقة العربية، تعتبر أن مشاركة المرأة في المؤسسات القضائية له آثار إيجابية كبيرة، منها مقاربة القضايا بشكل أكثر مراعاة للفوارق بين الجنسين، وتعزيز فهم دور القضاء في حماية المرأة من العنف، وإشاعة جو أكثر وداً في قاعات المحاكم، ويشجع وجود القاضيات النساء على الإدلاء بشهادتهن، واللجوء إلى الآليات القضائية عند انتهاك حقوقهن.

وينظر إلى القاضيات بأنهن أقل عرضة للفساد والضغوط السياسية، مما يساهم في زيادة استقلال القضاء، وتحسين نوعية الأحكام القضائية، بحسب الدراسة.

وقد حقق لبنان أعلى نسبة في مشاركة النساء في السلك القضائي، إذ تشغل القاضيات، منذ عام 2018، نسبة  49,3% من المناصب القضائية (334 قاضية مقابل 343 قاضياً) بحسب الدراسة.

أصوات ضدنا كنساء

القاضية الشرعية صمود الضميري (38 عاماً) من فلسطين وهي عضوة في محكمة الاستئناف الشرعية، تعد المرأة الأولى التي تتقلد هذا المنصب، وأول امرأة تتقلد منصب رئاسة النيابة الشرعية في فلسطين. تقول لرصيف22: "لا أميل في أحكامي للنساء، فالأصل لدينا العدالة للجميع وهو الخيار الأول، أما الخيار الثاني فيكون الميل للنساء والأطفال كونهن أكثر هشاشة، وهو أمر نراعيه في مسار التقاضي".

"قد يعتمد القضاة (الرجال) معايير صارمة فيما يتعلق بالسلوك المناسب للمرأة، ويعاقبون النساء اللاتي لا ينسجم سلوكهن مع هذه التصورات النمطية، فوجود المرأة في القضاء يضمن عدم اشتمال الإجراءات القانونية على أشكال من التمييز"

واجهت الضميري الكثير من التحديات في مناخ عملها، ولكنها لا ترى أن ما تواجهه يخصّها كامرأة، ولكن كل شخص ناجح عليه أن يخوض حروباً لإثبات نفسه، رجلاً كان أم امرأة، تقول: "الإنسان الناجح يحارَب، سواء كان امرأة أو رجلاً، لكن البيئات تختلف؛ فالبيئة القضائية كانت لفترة طويلة حكراً على الرجال، حتى وقت قريب كنا نحن أربع قاضيات بين 50 قاضياً شرعياً، وأنا القاضية الوحيدة الموجودة في محكمة الاستئناف، وبالتالي صعوباتنا كنساء ستكون أكبر لأننا جديدات".

وتضيف: "الذكورية يمكن أن تواجهنا في بيئات مركبة تاريخياً ظلت حكراً على الرجل".

وحول تقبل المواطن فكرة أن تكون القاضي امرأة، تقول القاضية الفلسطينية: "هناك مناطق في فلسطين تكون فيها الصعوبات أكبر في ما يتعلق بموضوع التقبل، بعض المناطق في بداية عملنا لم تتقبل مطلقاً المرأة قاضية، ولكن بدأ التقبل بعد مرور عشر سنوات".

يشار إلى أن الرئيس محمود عباس أصدر مرسوماً عام 2009 يسمح بدخول النساء للقضاء الشرعي من دون أن يكون هناك أي عائق قانوني.

الضميري حاصلة على الدرجة الجامعية الأولى "البكالوريوس" في القانون، و"الماجستير" في الدراسات الإسلامية، ودبلوم متخصص في المهارات القانونية؛ عملت مستشارة قانونية في وزارة الداخلية بين عامي (2004 – 2008)، ومستشارةً قانونية في وزارة العدل بين عامي (2008 – 2010)، ثم عينت في القضاء الشرعي عام 2010، وكُلفت رئاسة النيابة الشرعية الفلسطينية بعد ذلك، ومؤخراً صدر مرسوم بترقيتها عضوة في محكمة الاستئناف الشرعية.

وحول الجو النفسي لوجود قاضية في القضاء، تقول المحامية رنا حدايد (43 عاماً)، فلسطينية من قطاع غزة: "قد يعتمد القضاة (الرجال) معايير صارمة فيما يتعلق بالسلوك المناسب للمرأة، ويعاقبون النساء اللاتي لا ينسجم سلوكهن مع هذه التصورات النمطية، فوجود المرأة في القضاء يضمن عدم اشتمال الإجراءات القانونية على أشكال من التمييز، على غرار الأحكام التي تستبعد شهادة المرأة أو تصنفها دون شهادة الرجل، عندما تكون المرأة من الأطراف أو الشهود، أو تفرض عليها معايير أعلى من الرجل فيما يتعلق بعبء الإثبات".

وتضيف: "تؤدي زيادة عدد القاضيات إلى إنشاء بيئة أكثر ملاءمة للنساء في المحكمة، كما تؤثر في البت بقضايا العنف الجنسي".

وتؤكد حدايد "بوجود القاضية يكون هناك نوع من الحنان في التعامل مع القضايا، خاصةً تلك التي تتعلق بالمرأة والطفل، على عكس القاضي الرجل الذي يتعامل فقط بوثائق وأدلة دون مراعاة الجانب الإنساني".

أكثر انضباطاً وصحوة

أما القاضية روضة العريفي (38 عاماً) من اليمن فتتحدث عن تجربتها مع القضاء كونها امرأة، تقول: "تواجه القاضية العربية صعوبات أكثر من غيرها وخاصة في بلدان الشرق الأوسط بخلاف قاضيات دول الغرب".

وتضيف: "تقبل الناس فكرة القاضية في مجتمع عربي ذكوري لم يكن سهلاً إذ يرفض هذا المجتمع القبلي أن تحكمه امرأة ولكن كون القاضية كانت أكثر انضباطاً بالعمل وأكثر صحوة في أداء رسالتها، أصبح المواطن يسعى إلى أن تتولى القاضية الفصل في قضيته لإحساسها بالمسؤولية أكثر من القاضي الرجل " والسبب وفقاً لها "خوفها من آثار أي إهمال للعمل وهو ما يعد خوفاً إيجابياً".

وعن الأجواء التي تختبرها كامرأة في قاعات المحاكم، تقول: "القاضية اليمنية تحظى بمكانة لدى الزملاء القضاة والناس (أصحاب القضايا) ولكن هناك بعض الصعوبات التي نواجهها بسبب ضعف الإمكانيات، وتزداد مع ظروف الحرب وانقطاع الرواتب وتزعزع الأمن".

"لا يريدون قاضية"

لا يزال هنالك صوت قوي حتى بين المتعلمين يرفض تولي المرأة القضاء، يقول أحمد جلال مدرس لغة عربية (44 عاماً) من مصر لرصيف22: "لا أؤيد فكرة أن تتولي امرأة منصباً حساساً كهذا، لأنه معروف منذ الأزل أن المرأة ذات طبيعة عاطفية، بينما القضاء لا عواطف فيه، فكيف سيكون العدل".

ويضيف جلال: "لا أشعر بالارتياح إذا كان في لجنة التحكيم امرأة لأن المرأة أيضاً بطبيعتها ستميل إلى المرأة في الحكم، وهنا سيظلم الرجل، ونعود مرة أخرى إلى نقطة عدم العدل".

"في القضاء الشرعي بالأخص يتحفظ الكثيرون على وجودنا كنساء في نبرات ما زلت أسمعها بين الفينة والأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، أن فلاناً لا يريد قاضية شرعية"

في فلسطين، تشكو الضميري من هذه الأجواء الرافضة لوجود المرأة القاضية، والمشككة في نزاهة حكمها، تقول: "في القضاء الشرعي بالأخص يتحفظ الكثيرون على وجودنا كنساء في نبرات ما زلت أسمعها بين الفينة والأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، أن فلاناً لا يريد قاضية شرعية".

يعلق الدكتور يسري الشماع، طبيب نفسي عراقي، على الرأي الشائع حول عاطفية المرأة المفرطة:  "هناك اعتقاد خاطئ يصف المرأة بأنها عاطفية وأكثر اندفاعاً من الرجل، وهذا غير حقيقي فلا فرق بين الرجل والمرأة إلا في الجانب الفسيولوجي فقط".

ويضيف الشماع لرصيف22: "تؤكد الأبحاث العلمية أن المرأة لديها قدرة على التحمل تفوق قدرة الرجل، بدليل ما تتعرض له من متاعب أثناء فترة الحمل والإنجاب والرضاعة".

ولم تكتف المرأة العربية أن تكون قاضية على نطاق عربي فقط، بل جرى تعيين قاضيات عربيات في مناصب مرموقة في هيئات قضائية دولية مثل الأردنية تغريد حكمت، وهي أول قاضية عربية تنتخبها الجمعية العامة للأمم المتحدة لتحكم في محكمة جنائية دولية. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image